#1
|
|||||||||
|
|||||||||
ليلة القدر
ليلة القدر
إنها الليلة المباركة ، وأفضل ليالي الدهر ، وخير ساعات العمر. قال الله تبارك وتعالى : {إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةٌ القَدْرِ} [القدر : 1-2]. إنها الليلة المباركة في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، يقول الله تعالى : {حم {1} والكِتَابِ المُبِينِ {2} إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ {4} أَمْراً مِنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {5} رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [الدخان : 1-6]. وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقتادة ، وسعيد بن جُبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وغيرهم من علماء السلف ومفسِّرِيهم ، أنَّ الليلة المباركة هي ليلة القدر ، وفيها أُنزل القرآن ... وفيها يُفْرَقُ كل أمرٍ حكيمٍ ، أي : يُكتب ، ويُفصَّل. وقيل : إن المعنى أنه يبيَّن في هذه الليلة للملائكة. وقيل : تُقدَّر في ليلة القدر مقادير الخلائق على مدى العام ، فيُكتب فيها الأحياءُ والأموات ، والناجون والهالكون ، والسُّعداء والأشقياء ، والعزيز والذَّليل ، ويُكتب فيها الجَدْب والقحط ، وكل ما أراده الله تبارك وتعالى في تلك السنة. والظاهر – والله أعلم – أن المراد بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر : أنه ينقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ ؛ ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : (إن الرجل ليمشي في الناس ، وقد رُفع في الأموات". ثم قرأ هذه الآية : {إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان : 3-4]. قال : "يُفْرَقُ فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة". وفي سبب تسميتها بذلك خمسة أقوال : أحدها : لعظيم قدرها ، وجلالة مكانتها عند الله عزَّ وجلَّ ، وكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب في هذه الليلة المباركة ، قال الزهري : "القدر : العظمة ، من قولك : لفلان قدر". ويشهد له قوله تبارك وتعالى : {وَمَاقَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام : 91]. الثاني : قال الخليل بن أحمد : إنّه من الضيق ، أي : هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون. ويشهد له قوله سبحانه وتعالى : {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنِفقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ} [الطلاق : 7]. الثالث : قال ابن قُتيبة : "إن القدر : الحكم ، كأنَّ الأشياء تقدَّر فيها". الرابع : قال أبوبكر الوَّراق : "لأنَّ مَن لم يكن له قدر ، صار بمراعاتها ذا قدر". الخامس : قال علي بن عبيد الله : (لأنَّه نزل فيها كتاب ذو قدر ، وتنزل فيها رحمة ذات قدر ، وملائكة ذوو قدر". والأقرب شمول السبب لذلك كله ؛ فهي عظيمة القدر ، وذلك لما فيها من تقدير الآجال والأعمال ، ونزول الملائكة ، وكثرة العبادة ، وتحوُّل العبد من ضفة إلى ضفة أخرى باغتنام الفرصة ، وحمل النفس على الطاعة والجو الإيماني الروحاني الذي يعين على اتخاذ قرار التوبة والتغيير. ومن فضائل ليلة القدر : 1- أنها خيرٌ من ألف شهر : قال تعالى : {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ} [القدر : 3]. قال مجاهد : "عملها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر". ولعل من حكمة ذلك ، أن مَن قَصَّر أو فرَّط في عمره ، يعلم أنه يقدر على تدارك ما فات باغتنام هذه الليلة التي تعوِّض من كُتب له القبول عن عمر طويل. 2- نزول الملائكة والروح فيها : قال تعالى : {تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِن كُلِّ أَمْرٍ} [القدر : 4]. قال البغوي : (قوله عزَّ وجلَّ {تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ والرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام معهم ، {فِيهَا} أي : ليلة القدر {بِإذْنِ رَبِّهِم} أي : بكل أمرٍ من الخير والبركة". وقال ابن كثير : "أي : يكثر تنزُّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزُّل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحلقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيماً له". 3- أنها سَلاَمٌ إلى مَطلع الفجر : قال تعالى : {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ} [القدر : 5]. عن مجاهد في قوله : {سَلاَمٌ هِيَ} قال : "سالمة ، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى". وقيل : إن معنى السلام : الخير والبركة ، قال قتادة ، وكان بعض العلماء يقول : الوقف على {سَلاَمٌ} على معنى تنزُّل الملائكة بالسلام. وهي دعوة إلى السلام والمحبة والتصالح وكف الأذى وصلة الأرحام والأقارب والأصدقاء والجيران ، والتخلِّي عن الضغينة والحقد والبغضاء والكيد والعدوان والبغي على الناس ، والسلام من أسمائه تبارك وتعالى ، وهو التحية التي وضعها بين عباده. ومن تردَّد أو أعرض عن تصفية قلبه في هذه الليلة ، فهو فيما سواها أعجز ، السلام هو المعنى الذي لا يذوق العبد صفاء الحياة وسعادتها وهناء عيشها ، إلا حينما يستشعره قلبه وتطمئن به نفسه. 4- أن من قامها إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبه : فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً ، غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه". قال ابن بطَّال : "معنى قوله : "إيماناً واحتساباً" يعني مُصدِّقاً بفرض صيامه ، ومُصدِّقاً بالثواب على قيامه وصيامه ، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله ، بريئاً من الرياء والسمعة ، راجياً عليه ثوابه". قال النووي : "معنى إيماناً : تصديقاً بأنه حق ، مقتصد تحصيل فضيلته ، ومعنى احتساباً : أن يريد الله تعالى وحده ، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص ، والمراد بالقيام : صلاة التراويح ، واتفق العلماء على استحبابها". ويُستحب تحرِّيها في رمضان ، وفي العشر الأواخر منه خاصة ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "التَمِسوها في العشرِ الأواخرِ". وخاصة في أوتار العشر الأواخر ، وهي ليلة إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين ، وتسع وعشرين. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدِّم ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "في تاسعةٍ تبقى ، في سابعةٍ تبقى ، في خامسةٍ تبقى". وفي "صحيح البخاري" من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يُخبرُ بليلة القدر ، فتلاَحى رجلان من المسلمينَ ، فقال : "إني خرجتُ لأخبركم بليلة القدر ، وإنه تَلاَحى فلانٌ وفلانٌ ، فُرفعتْ ، وعسى أن يكون خيراً لكم ، التمسوها في السبع والتسع والخمس". وهذا دليل على شؤم الخصومة في غير حق ، خاصة الخصومة في الدين وعظم ضررها ، وأنها سبب في غياب الحق وخفائه على الناس. وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رجالاً من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُروا ليلةَ القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أَرَى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر ، فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها من العشر الأواخر". ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : "أرى رؤياكم قد تواطأت" أي : اتفقت ، فكأنهم رأوها في المنام ، إما جاءهم أحد وأخبرهم أنها في السبع الأواخر ، أو رأوا في المنام أن ليلة القدر تكون في السبع الأواخر ، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتحرِّيها في هذه السبع الأواخر ، خاصة في ليلة سبعٍ وعشرين ، فإنها أرجى ما تكون ليلة سبعٍ وعشرين. بل جاء من حديث معاويةَ رضي الله عنه عند أبي داود ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "ليلةُ القدرِ ليلةُ سبعٍ وعشرين". وليلة القدر أرجى ما تكون ليلة سبعٍ وعشرين ؛ للحديثين السابقين ، ولأنًَّ هذا مذهب أكثر الصحابة ، وجمهور العلماء ، حتى إنَّ أُبي بن كعب رضي الله عنه كان يحلف على ذلك ، كما في "صحيح مسلم" عن زِرِّ بن حُبيشٍ قال : سمعتُ أٌبيَّ بن كعبٍ يقولُ : ، وقيل له : إن عبدَ الله بن مسعود يقول : "من قام السنةَ ، أصابَ ليلة القدر". فقال أُبيَّ : (والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان – يحلف ما يستثني – ووالله إني لأعلم أيُّ ليلةٍ هي ، هي الليلةُ التي أمرنا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلةُ صبيحة سبعٍ وعشرين ، وأمارتُها أن تطلع الشمسُ في صبيحة يومها بيضاء لا شعاعَ لها). وكذلك ابن عباس رضي الله عنهما قال : (إنها ليلة سبع وعشرين). وقد ورد أن عمرَ رضي الله عنه لما جمع الصحابة ، وجمع ابن عباس معهم ، فقالوا لابن عباس : هذا كأحد أبنائنا ، فلماذا تجعله معنا ؟ فقال : إنه فتى له قلب عقول ، ولسان سؤول. وأثنى عليه ، ثم سأل الصحابةَ عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر ، فقال لابن عباس ، فقال : إني لأعلم ، أو أظن أين هي ، إنها ليلة سبع وعشرين. فقال : وما أدراك ؟ قال : إن الله تعالى خلق السماوات سبعاً ، وخلق الأرضين سبعاً ، وجعل الأيام سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل الطواف سبعاً ، والسعي سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً ؛ ولذلك رأى ابن عباس أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. والظاهر - والله تعالى أعلمُ - أنها تنتقل من ليلة إلى أخرى ، فغالباً ما تكون ليلة سبع وعشرين ؛ لكن قد تكون ليلة أحدى وعشرين ، كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "قد أُريتُ هذه الليلةَ ، ثم أُنسيتُها ، فابتغوها في العشر الأواخر ، وابتغوها في كل وِتْرٍ ، وقد رأيتُني أسجدُ في ماءٍ وطين". قال أبو سعيد فاستهلَّت السماء في تلك الليلة فأمطرت ، فوكَفَ المسجدُ في مصلّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين ، فبَصُرتْ عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرتُ إليه انصرفَ من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً". وهذا دليلٌ على أنها كانت في ذلك العام ليلة أحدى وعشرين. ويُستحب الإكثار في ليلة القدر من الدعاء ، خاصة الدعاء الذي ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه عائشة رضي الله عنها حين قالت : إن أُريتُ ليلةَ القدر ، ماذا أقول ؟ فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم : "قولي : اللهمَّ إنكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ ، فاعفُ عني". وكذلك الحرص على صلاة التراويح ، والاعتكاف ، والتوبة والإنابة ، وغير ذلك من أعمال الطاعة ، وخاصة أعمال القلوب ، فإن الكثير من الناس يتنافسون في الأعمال الظاهرة ، ويحرصون عليها أكثر من حرصهم على المعاني الباطنة التي هي الأصل ، فكل حسنة في القلب تورث الكثير من العمل الصالح الظاهر. أما العلامات التي تُعرف بها ليلة القدر : ففي حديث أُبيَّ بن كعبٍ رضي الله عنه ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "إنها ليلة بلجة - يعني : منيرة مضيئة - لا حارة ولا باردة، لا يُرمى فيها بنجم". يعني : لا تُرى فيها هذه الشهب التي تُرسل على الشياطين. وذكر بعض أهل العلم علامات أخرى لا أصل لها ، وليست صحيحة ، إنما نذكرها لبيان أنها لا تصح. من ذلك : ما ذكره الطبري عن قوم أنهم قالوا : إن من علامات ليلة القدر أن الأشجار تسقط حتى تصل إلى الأرض ، ثم تعود إلى أوضاعها. وهذا لا يصح. وذكر بعضهم أن المياه المالحة تصبح حلوة في ليلة القدر. وهذا لا يصح. وذكر بعضهم أن الكلاب لا تنبح فيها ، وهذا لا يصح. وذكر بعضهم أن الأنوار تكون في كل مكان ، حتى في الأماكن المظلمة. وهذا لا يصح، بل هذه الأقوال مخالفة للحس وللشرع ، ولو كانت كذلك ، لكانت حجة قطعية على الناس ، وإنما تعبَّد الله الناس بالإيمان بالغيب. وليس من الضروري لمن أدرك ليلة القدر أن يعلم أنها ليلة القدر ، بل قد يكون ممن لم يكن له منها إلا القيام والعبادة والخشوع والبكاء والدعاء من هم أفضل عند الله تعالى ، وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلةc ، فالعبرة هي بالاستقامة ، ولزوم الجادة ، والتعبد لله عزَّ وجلَّ ، والإخلاص ، كما ذكره طائفة من أهل العلم. وليلة القدر باقية إلى قيام الساعة ؛ لما رواه أحمد ، والنسائي عن أبي ذر رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ، هل تكون – أي : ليلة القدر – مع الأنبياء ما كانوا ، فإذا قُبضوا رفعت ، أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : "بل هي إلى يوم القيامة". وهو دليل على خيرية هذه الأمة وامتدادها وفضلها ، وسعة رحمة الله تعالى بعباده ، وأن مِننه وعطاياه للتائبين والعابدين والخاشعين لا تزال حتى يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. |
08-14-2012, 03:56 AM | #6 |
مستشار إلمدير العام
|
ابو زياد
عذبة الروح حياكم الله وبارك فيكم وعافاكم وشكر لكم حضوركم وتشريفكم ولكم تحيتي |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ليلة القدر | نبض | قسم التصاميم والجرافيكس | 15 | 08-25-2011 01:22 AM |
ليلة القدر (: | خالد البقمي | رياض الصالحين | 7 | 09-25-2009 01:19 AM |
ليلة القدر | المهاجر07 | المنتديات الرمضانية المؤقتة | 3 | 09-05-2009 11:48 PM |
ليلة (29) هي ليلة القدر لهذا العام 1428هـ والله اعلم | القادري | مجلس ليالي رمضان | 2 | 10-14-2007 01:07 AM |