هل أرواح الموتى تتلاقى...
مسألة شرفة كبيرة القدر وجوابها :
أن الأرواح قسمان : أرواح معذبة وأرواح منعمة, فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي, والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور(1) وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها وروح نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الرفيق الأعلى قال تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)(2) وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة.
وروى جرير عن منصور عن أبي ضحى بن مسروق قال قال أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك فأنزل الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
وقال الشعبي جاء رجل من الأنصار وهو يبكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك يا فلان؟ فقال يا نبي الله والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلي من أهلي ومالي والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلي من نفسي وأنا أذكرك وأنا وأهلي فيأخذني كذا حتى أراك فذكرت موتك فعرفت إني لن أجامعك إلا في الدينا وأنك ترفع في النبيين وعرفت إني إن دخلت الجنة كنت في منزل أدنى من منزلك فلم يرد صلى الله عليه وسلم شيئا فأنزل الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)الى قوله(وكفى بالله عليما) وقال تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)(3) أي أدخلي في جملتهم كوني معهم وهذا يقال للروح عند الموت
وفي قصة الإسراء من حديث عبد الله بن مسعود لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ثم بموسى فلم يكن عنده علم حتى أجمعوا الحديث إلى عيسى فقال عيسى عهد الله إلي فيما دون وجبتها فذكر خروج الدجال قال فأهبط فأقتله ويرجع الناس إلي بلادهم فتستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوا ولا يمرون بشيء إلا أفسدوه فيجأرون إلي فأدعوا الله فيميتهم فتجأر الأرض إلى الله من ريحهم ويجأرون ألي فأدعوا ويرسل الله السماء بالماء فيحمل أجسامهم فيقذفها في البحر ثم ينسف الجبال ويمد الأرض مد الأديم فعهد الله إلي إذا كان كذالك فأن الساعة من الناس كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا0 ذكره الحاكم والبيهقي وغيرهما(4)
(1)أما عن إجتماع روح الموتى بأرواح أقاربهم وأهليهم فيقول ابن تيميةروى أبو حاتم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ) إن الميت إذا عرج بروحه تلقته الأرواح يسألونه عن الأحياء فيقول بعضهم لبعض :دعوه حتى يستريح. . . .الحديث وذكره ثم يقول فيجتمعون إذا شاء الله كما يجتمعون في الدنيا على تفاوت منازلهم ويتزاورون . وسواء كانت المدافن متباعدة في الدنيا أو متقاربة, قد يجتمع الأرواح مع تباعد المدافن وقد تفترق مع تقارب المدافن ثم قال رحمه الله يدفن المؤمن عند الكافر, وروح هذا في الجنة وروح هذا يعذب.. مجموع الفتاوى(24/369,368) بتصرف
(2)النساء(4/96)
(3)الفجر(89/27)
(4) والمسيح عليه السلام أحد علامات الساعة قال تعالى(وأنه لعلمٌ للساعة) الزخرف(34/16) قال ابن عباس وقتادة :أن خروج عيسى عليه السلام من أعلام الساعة لأن الله ينزله من السماء قبيل الساعة راجع صفوة التفاسير (52/5231).
منقول من كتاب الروح للإمام ابن قيم الجوزية ص45 و 46......
مع خالص شكري.
|