محاكمة ريال الفول
محاكمة ريال الفول
"رفض البقال تسليفي ريالا لشراء فول وتميز أسد بهما جوع أبنائي فكان السبب لأن أبيع جسدي"هذه العبارة ليست مقطعا من حوار روائي في رواية أو مشهد سينمائي لأحد الأفلام العربية، بل عبارة نفثت صوتها أمامي مباشرة بحسرة وندم إحدى السجينات في سجن بريمان بجدة حينما كنت أجري تحقيقا صحفيا زرت فيه سجن النساء وحاورت عددا من نزيلاته وكانت هي إحداهن.
ما أزال أذكر عينيها الباكيتين ندما أمامي، وهي تحكي قصتها"لم أكمل تعليمي لأن والدي زوجني في سن صغيرة لرجل أكبر مني، كان بخيلا جدا، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وعشت معه رغم سوء معاملته لي وضربه حتى وجدت نفسي مجبرة على الطلاق".
وبعد سنواتها الأربع عشرة التي أمضتها صابرة لأجل أطفالها طُلقت، محاولة التخلص من التعاسة وأملا في وجود حياة سعيدة حينما تجد عملا تصرف منه على أبنائها كما خططت، لكنها للأسف وجدت نفسها وأطفالها في الشارع دون مأوى ودون أهل يساندونها، ولأنها لا تمتلك شهادة لم تجد وظيفة بل كما قالت لي "حاولت العمل فراشة ولم أجد من يوظفني".
ولأنها لم تحصل على نفقة من طليقها الذي تذرع أمام القضاء مماطلا؛ ومعتذرا بفقره وقلة حيلته التي لم يجد أمامها القاضي سوى القبول بها، وجدت نفسها غارقة في الديون، في ظل متطلبات أبنائها الدراسية والمعيشية التي لا تتوقف والتي لم يبال بها والدهم انتقاما منها لحصولها على الطلاق، حتى اشتدت بها الحاجة عند رؤية أبنائها جائعين وهي لا تملك ريالا واحدا تشتري به فولاً وتميزاً رفض أن يسلفها إياه البقال الذي ملّ من تسليفها مالا لا تسدده.
أتذكر ما قالته حينها"ترجيته أن يسلفني ثمن الفول والتميز لكنه رفض، فمشيت يائسة وحينها عاكسني شاب بسيارته، ووجدت نفسي أساومه كم سيدفع لو صعدت، حتى قال 500 ريال، ففعلت وبدأت مشوار الخطيئة" هكذا استمرت لمدة سنتين تمتهن الدعارة -للأسف الشديد -متذرعة بحاجة أطفالها وغرقت في الرذيلة حتى وقعت أخيرا في قبضة رجال الهيئة والشرطة، وحكم عليها بأربع سنوات و1700 جلدة، وحينها سألتها عن أبنائها فأجابت "منذ دخولي السجن لا أعرف عنهم شيئا ولم أرهم، لقد أخذهم والدهم وكرهوني".
ورغم مرور ثلاث سنوات على هذا الحوار مع هذه السجينة التي لم تغب ملامحها عن ذاكرتي وجدت نفسي عاجزة أمام أسئلة عديدة كان من الممكن أن تحمي إجاباتها هذه المرأة وغيرها من المطلقات اللاتي يواجهن ظروف الفقر والحاجة من امتهان الرذيلة، فلماذا إلى الآن القضاء لدينا لا يحكم بحق النفقة الشرعي الذي أوجبه الإسلام للمطلقة؟ وإلى متى يتعاطف مع الرجل؟ ولماذا لا توجد دار إيواء للمطلقات وأطفالهن ممن لا يحظين بأسر ترعاهن؟ والسؤال الأ
صعب :لماذا لم تتم محاكمة ريال الفول... المتسبب الأول في إغوائها ؟!
منقول
|