عبادة جليلة غفل عنها الكثير ؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
قبل أن أتكلم عن التفكر في المخلوقات وماله من أسرار لابد أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بالعقل الذي يميز به النافع والضار ويعرف به طريق الخير من طريق الشر ويتقبل بواسطته العلوم والمعارف وإدراك حقائق الأشياء ويتحكم في غرائزه وأهوائه ولذلك جعل الإسلام العقل مناط التكلف والعقل وهذا العقل هو من أجل النعم إذا استخدمه الإنسان فيما خُلق له وأطلق له حرية التأمل في صفحات هذا الكون العظيم والتدبر في بديع صنع الله فإنه سيصل بصاحبه إلى الإيمان بالخالق وتوحيده والإقبال على عبادته بخشوع وخضوع وإذا عطَّل الإنسان وظيفة العقل وجعله أسيرا للهوى منقاداً لشهوات النفس وأبين بذلك تجد رجل كبير بالسن أمي لا يقرأ ولا يكتب ولكن فيه خوف من الله إذا سمع كلام الله خشع وبكى من خشية الله وهناك رجل آخر حصل من الشهادات ولكن عطل عقله وأصبح أسيرا للشهوات والشبهات فلا يستخدم عقله إلا بما يغضب الله وانظر إلى دعاة تحرير المراة الذين سخروا عقولهم بإتباع الشهوات والهوى فضلوا وأضلوا وأيضا الذين استخدموا عقولهم بأفكار منحرفة هدامة لا تعود على الأمة بخير فاستخدموا عقولهم فيما يغضب الله فانحرفوا بعقولهم وأفكارهم ونصبوا أنفسهم للدفاع عن الأمة وما علموا أنهم بهذا نحروا الأمة بهذه الأفكار أتوا بفكر منحرف عن جادة الطريق إذا العقل هو المدبر لهذه الأمور فإما تكون نافعا أو ضار فهولاء الذين عطلوا وظيفة العقل وسدوا منافذ التدبر في القلب ونظروا إلى الكون بعين البصر لا بعين البصيرة وأصموا آذانهم عن سماع الحق والإصغاء إليه فأصبحوا أسرى للشيطان من هنا لابد لكل إنسان أن يتأمل ويتفكر في هذا الكون الفسيح ليعلم عظمة الخالق فيزداد القلب وجل وخشوع وخضوع لله عز وجل نعم لابد من أن نتفكر ونتأمل في خلق الله لكي تزداد قلوبنا خشوعا وخوفا من الملك الجبار عندما تتأمل وتتفكر في خلق الله قوي إيمانك ولقد حفلت آيات القرآن الكريم بالدعوة إلى التفكر في خلق الله سبحانه واستخلاص الدروس والعبر قال تعالى ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال سبحانه (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) وقال تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وغير ذلك من الآيات القرآنية التي تحث على التفكر في خلق الإنسان والحيوان والنبات والأرض والسموات وتقلب الليل والنهار وعجائب البحار وما حفلت به المخلوقات من دلائل القدرة الباهرة والحكمة العظيمة للخالق سبحانه قال تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)
والذي ينبغي التركيز عليه هنا ما يدل من تلك الآيات القرآنية على أن التفكر عبادة جليلة ووسيلة لتركيز النفس والتوجه بها إلى خالقها وكما ذكرت آنفا أنه يقوى الإيمان وقد ورد ذلك صريحا في قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فقد أثنى سبحانه على أولى الألباب أصحاب العقول الذين سخروا عقولهم لتفكر بخلق الله ليزدادوا إيمانا ولم يعطلوها ويسخروها لمعصية أو شبهه أو شهوة أو أي معتقد منحرف يؤدي بصاحبه إلى الهلاك بل أثنى على أصحاب العقول الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها وهؤلاء الذين استحقوا هذا الثناء أسأل الله لي ولكم أن نكون منهم يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية والتفكر فيها ويتوجهون إلى الله تعالى بقلوبهم ويذكرونه في جميع أحوالهم وقد قرن الله سبحانه بين توجه القلب إلى ذكره وعبادته وبين التفكر في مخلوقاته ليبين أن التفكر عبادة يتقرب بها المتقربون إلى ربهم وهي نوع من أنواع الذكر الذي يُحيي القلب بنور الإيمان ويشرح الصدر لما يظهر للمتأمل من حكم عظيمة تدل على عظمة الخالق سبحانه ورحمته وعنايته بخلقه ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على قراءة هذه الآيات الكريمة في قيام الليل ليجمع بين الذكر والتفكر ويرشد لإلى أهمية ذلك في حضور القلب واستجلاب الخشوع عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ أي الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم فتسوك وتوضأ وهو يقول (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود) رواه مسلم أيضا عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال ( بتُّ في بيت خالتي ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مه أهله ساعة ثم رقد فلما كان من ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم قام فتوضأ واستنَّ وفي حديث آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على عائشة رضي الله عنها مع بعض أصحابه وبينها وبينهم حجاب فقال لها ابن عمر : أخبرينا بأعجب ما رأيته من النبي صلى الله عليه وسلم فكان فيما قالت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام يصلي فبكى حتى بلَّ لحيته ثم سجد فبكى حتى بلَّ الأرض ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال صلى الله عليه وسلم ( ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليَّ في هذه الليلة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )) أخي الحبيب أختي الفاضلة إن التفكر في خلق السموات والأرض عبادة جليلة لابد منها لمكن أراد السير في طريق التزكية أن يحرص عليها ليفتح بصيرته على مشاهد هذا الكون العظيم ويتوجه إلى ربه بقلب خاشع يعمره الإيمان وقد أشار إلى ذلك وبينه لنا الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه فقال (((((تفكر ساعة خير من قيام ليلة ))) وللتفكر في خلق الله آثار وثمرات في تزكية النفس وكيف يرسخ الايمان بالقلب وسوف يكون في موضوع آخر إن شاء الله
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا من الليل يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض إنه ولي ذلك والقادر عليه
اخوكم رفيق الدرب
|