خطبة الجمعة يوم العاشر من ذي الحجة 1438هـ
الخطبة الأولى: إن الحمدَ لله...
عباد الله: عيدكم مبارك وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وتجاوز عن سيئها، وأبشروا بالثواب الجزيل والعطاء الوفير من الله عز وجل عند لقائه.
عباد الله: هذا اليوم هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة وآخر الأيام العشر التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم:
" مامنأيامالعملالصالحفيهاأحبإلىاللهمنهفيهذهالأيامالعشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟!
قال: ولاالجهادفيسبيلالله،إلارجلخرجبنفسهومالهولميرجعمنذلكبشيء ". فالعشرة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة هي أفضل أيام السنة؛ فمن اجتهد فيها فليحمد الله وليسأله القبول، ومن فرط فيها فليتدارك نفسه، وليعلم أن الأيام والليالي تمر بسرعة وأنه سيجد ما أودع فيها يوم القيامة، قال تعالى: ﴿
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ...﴾ [آل عمران: 30].
عباد الله: هذا اليوم، يوم العيد؛ هو يوم الحج الأكبر، وقد سُمِّي بذلك، لأن غالب أعمال الحج مجتمعة فيه، وهو آخر الأيام المعلومات التي قال الله تعالى عنها: ﴿
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وهو أيضاً أول الأيام المعدودات التي قال الله تعالى عنها في شأنها للحجيج: ﴿
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203]. وهو أفضل أيام الذبح لأنه من العشر الأول من ذي الحجة التي قلنا إن العمل فيها مضاعف، ويمتد هذا الفضل إلى غروب شمس اليوم، ومما يشرع فيه وفي أيام التشريق التي بعده؛ التكبير المطلق والمقيد؛ فيكبر المسلم في يومه وأدبار الصلوات المكتوبات.
عباد الله: بعد يوم النحر هذا؛ أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام أكل وشرب وذكر، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
"أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى"، وهي أيام يحرم صيامها إلا لمن لم يجد الهدي من الحجاج، لقول عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم:
"لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي". أما غيرهم فلا يجوز لهم الصيام، حتى الشخص الذي عليه صيام شهرين متتابعين، أو صيام نذر متتابع، ومن كان معتاداً على صيام الأيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فإنه يصومها باستثناء الثالث عشر لأنه من أيام التشريق. كذلك من كان معتاداً صيام الاثنين أو الخميس فوافق أيام التشريق، فإنه لا يصومه.
عباد الله: أيام التشريق ليست أيام أكل وشرب فقط .. ولكنها أيام ذكر لله أيضا، غير أن الاهتمام الأكبر لأغلبنا ما ورد في بداية الحديث وهو المأكل والمشرب، ولا حرج في ذلك ولكن قلما تجد ـ إلا من رحم الله ـ من يهتم بما ورد في آخر الحديث وهو ذكر الله عز وجل. فكلنا مقصر ومقل في هذا الأمر العظيم إلا من وفقه الله، لأننا نلهث وراء كل أمر يحقق لنا فائدة في الدنيا ونغفل عن هذا الكنز العظيم الذي هو في متناول أيدينا ونستطيع تحقيقه بكل سهولة؛ فالجهد الذي يبذله الواحد منا في ذكر الله قليل والثمن كبير .. بضع كلمات ينطق بها اللسان ويستحضر قلبه معها لثواني معدودات قد تكون مفتاح كل خير، فبالله عليكم ما هو الجهد المبذول في قول أحدنا سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ولكنها الغفلة.
عباد الله: قد يظن البعض أن ثمرة الذكر وفضله هو أمر متعلق بالآخرة وما بعد الموت فقط كلا والله .. فإن الذكر تجنى ثماره في الدنيا قبل الآخرة؛ قال الله تعالى عن فضل الاستغفار:
" فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا،يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.. ".
وهكذا فلكل ذكر فضل، والأمثلة على ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرة ومتوافرة.
قال أحد السلف:
إذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب أعمالهم لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله تعالى فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون ما كان شيء أيسر علينا من الذكر.
وقال آخر:
بقدر ذكرك لله يذكرك الناس وبقدر شغلك بالله يشتغل بك الناس وبقدر خوفك من الله يخافك الناس.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:
عباد الله: إنَّ من أعظم أسباب ضعف الإيمان: التعلق بالدنيا وملذاتها وعدم ذكر هادم اللذات؛ الموت، بل إن ذلك يعتبر من أعظم أسباب تسلط العدو على المسلمين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يُوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". فإيّاكم والانغماس في الدنيا والتعلق بها فإنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، واجعلوها في أيديكم لا في قلوبكم. وإن سعيتم في طلبها وهو أمر مطلوب مرغوب فيه فاجعلوا ذلك من أجل الاستعانة بها على طاعة الله حتى تفوزوا بمرضاته، وتكونوا من أهل جناته.
عباد الله: يقول الله عز وجل
: ﴿ نَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ... ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته...
اللهم يسر للحجيج حجهم، ووفقهم لإتمام نسكهم على الوجه الذي يرضيك يا رب، اللهم اجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، واحفظهم من كل مكروه، وردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين مقبولين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين يا رب العالمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدينوانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين.
اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات..
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم....
الالوكة