الإهداءات | |
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
لتُسألُنَّ عن النَّعيم
لتُسألُنَّ عن النَّعيم روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه نزلوا أضيافاً على رجل من الأنصار، وكانوا قد أخرجهم الجوعُ من بيوتهم، فجاءهم الأنصاريُّ بماء عذب وعِذْقٍ فيه بُسرٌ وتمر ورُطَب ثم ذبح شاة، فلما أكلوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتُسألُنَّ عن هذا النعيم يومَ القيامة، أخرجَكُم من بُيوتكم الجوعُ، ثم لم تَرجعوا حتى أصابكُم هذا النعيم). وعند الترمذي: (هذا - والذي نفسي بيده - من النعيم الذي تُسألونَ عنه يومَ القيامة، ظلٌّ بارد، ورُطَبٌ طيِّب، وماءٌ بارد). لذلك كان جابر بن عبدالله رضي الله عنهما إذا سُئل عن هذه الآية قال: النعيمُ مَلاذُّ المأكول والمشروب. وعن مكحول: شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن. وعن الحسن: هو الغداء والعشاء. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول َما يُحاسَب به العبدُ يوم القيامة أن يقالَ له: ألم أُصحَّ لك جسمَك وأُرَوِّك من الماء البارد). قال القاضي عياض: المراد السؤال عن القيام بحقِّ شُكره سبحانه وتعالى على نِعمه. فإذا كان السؤال يوم القيامة عن نعيم غِذاء البدن، من شَربة الماء البارد فما فوقها، فكيف بالنعيم الذي ساقه الله إلى عباده ليكون غذاءً لأرواحهم، وقُوتاً لقلوبهم؛ وَحْياً أوحاهُ الله من فوق سبع سماوات إلى رسوله علماً نافعاً، وكتاباً محكماً، وديناً قيّماً؟! قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]. قال السعدي رحمه الله في بيان معنى الروح في الآية السابقة: (هو هذا القرآنُ الكريم سماه الله روحاً؛ لأن الروح يحيا بها الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين؛ لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير، وهو محض منةٍ من الله على رسوله وعباده المؤمنين من غير سببٍ منهم). فنعمةُ الوحي - كتاباً وسنةً - من أجَلِّ النِّعم التي ينبغي على المسلم أن يجتهدَ في شكرها، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقال: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، وقال: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]. قال العارفون: (شكرُ العامَّة على المطعم والمشرب والملبس وقُوْتِ الأبدان، وشكرُ الخاصَّة على التوحيد والإيمان وقُوْتِ القلوب). ولهذا كان محمدُ بن كعب رحمه الله يؤوِّل الآيةَ فيقول: (النعيمُ ما أنعمَ الله علينا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم)، قال عزوجل: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164] الآية. وكان من عظيم فضل الله على عباده أن جعلَ كتابه محكماً مفصلاً، عزيزاً مجيداً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مبَيَّناً لا غموض فيه ولا لبس، ولا اختلاف ولا تعارض، شفاءً للقلوب والأبدان، وهدىً ورحمة للإنس والجان، تكفَّل الرب بحفظه فقال: ﴿ نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فلا تطالهُ يد التحريف، ولا يطرأُ عليه التغيير والتبديل إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها. ثم أتمَّ الله النعمة على عباده فجعل دينه كاملاً، لا يعتريه نقصٌ ولا يقبل زيادةً أو استدراكاً، فقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، سهلاً سمحاً يسيراً، لا عُسر فيه ولا حَرَج، قال الحسن البصري رحمه الله: (النعيم هو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن)، والرب جل وعلا يقول: ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج: 78] الآية، ويقول: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. • فهل أدَّى المسلمونَ شكرَ هذا النعيم الدينيِّ العظيم؟ لا والله، إلا قليلاً ممن رحم الله، فقد قابل الكثيرون نعمةَ القرآن بالهجران، فلم يتدبَّروا آياته، ولم يتخذوه منهجَ عملٍ يُحلُّون حلاله ويحرِّمون حرامه ويقفون عند حدوده، ولم يكتفوا به مَصدراً في التلقِّي... وقابلوا نعمةَ حفظ الذِّكر بالاختلاف والافتراق، حتى كان اختلافُهم أكثرَ من اختلاف الأمم السابقة التي وَكَلَ اللهُ أمرَ حِفظ كتبها إليها... وقابلوا نعمةَ كمال الدِّين بالابتداع والاختراع، ولسانُ حالهم يقول: الدِّين الذي مات عنه محمَّد وبلَّغَناه لا تحصل به الكفاية، ولا تُدرك به الغاية، بل لابدَّ من إضافات وزياداتٍ تواضعت عليها عقولهم واستحسنتها قلوبهم وأذواقهم... وقابلوا نعمةَ يسر الإسلام وسماحته بالتعمُّق والتنطُّع والغلوِّ في الدين بغير حق، حتى كان ثمرةُ غلُوِّهم طرقاً جائرةً في التعبُّد والتقربِ إلى الله تعالى، تبرَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أصحابها إذ قال: (من رغبَ عن سنَّتي فليس منِّي). ومناهجَ منحرفةً في إقامة حكم الله، محورها التكفيرُ والتدمير، وصف النبيُّ عليه الصلاة والسلام أصحابَها بقوله: (كلاب النار)... نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله أن يلهمنا الشُّكران، وأن يجعلَنا من القليل الذين قال عنهم: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]. ومن هنا يظهر أن قوله سبحانه: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]قد جمع في خمس كلماتٍ أبواباً من العلم عظيمة؛ ففي هذه الآية: إثبات الربوبيَّة لله عز وجل، فالربُّ هو الذي يربِّي خلقَه بنعمه، وفيها إثباتُ إرسال الرسُل؛ لأن السؤال لا يكون إلا بعد إقامة الحجَّة، وإثبات المعاد، وإثبات الحساب والجزاء، والتنبيهُ على وجوب شُكر المنعم على نعمه وآلائه الدينيَّة والدنيويَّة. اللهم اجعلنا من الذين يتلون كتابك حقَّ تلاوته، وارزقنا فهمَه وتدبُّره، ووفِّقنا إلى العمل به، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والحمدلله ربِّ العالمين. الالوكة |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|