الرواية الشفهية مغامرة تخلط الأنساب العربية

تقدمت قبيلة الثبتة بطلب مقاضاة مؤلف كتاب «شذرات من تاريخ ذبيان الغطفانية في الجاهلية والإسلام» بعد نسبه قبيلتهم إلى قبيلة أخرى مطالبينه بالاعتذار والتوضيح. واتهمت القبيلة المؤلف بالاعتماد على أحاديث المجالس والروايات الشفهية في كتابه. ولم تكن هذه الحالة الأولى، ولن تكون الأخيرة في ظل ندرة المراجع المكتوبة لمعظم القبائل العربية، واعتمادهم الكبير على التدوين الشفهي، بل سيعقبها العديد من الحالات التي تشكك في صحة هذه الروايات خاصة فيما يتعلق بتدوين أنساب قبائل الجزيرة العربية. «عكاظ» بحثت القضية مع نخبة من الباحثين والكتاب والأكاديميين في مجال التاريخ والتدوين، في محاولة للإجابة على التساؤلات المطروحة على الساحة حول جدوى الاعتماد على الرواية الشفهية في توثيق تاريخ القبائل؟ ومدى مصداقيتها وملاءمتها للواقع؟ ونسبة اعتماد القبائل العربية عليها كمصدر لتدوين أنسابهم؟ وكيف يمكن أن يتجنب مستخدمها الوقوع في مأزق اعتراض القبائل الأخرى؟ وما هي الطريقة الأمثل لتوثيق تاريخ القبائل؟


يتناول الباحث فايز البدراني الحديث قائلا: لايخلو توثيق للتاريخ من الأخطاء بأي شكل كانت وحتى الحقائق فإنها معرضة للإنكار من قبل البعض لمصالح وحسابات معينة، لذلك فإن كتابة التاريخ يحتاج إلى جهد مضاعف لتوثيق ما يكتب، فإذا اعتمد الكاتب على الطرق العلمية في كتابة التاريخ فإن نسبة الخطأ تقل بشكل كبير، مضيفا: كتابة التاريخ لأية قبيلة أو قرية أو مدينة أو دولة أو غيرها لابد أن يعتمد بشكل كبير وأساسي على الرواية الشفهية، رغم أنها تعتبر أكثر المصادر إثارة للمشاكل، ومن ثم مطلوب التحقق من صحة المعلومة الواردة في الرواية الشفهية.

واستدرك البدراني قائلا: المشكلة الكبرى تكمن في أن العديد ممن يؤرخون للقبائل يكتبون بمنهج غير علمي، ولايتحقق الكثير منهم من المعلومات الواردة في الروايات؛ مما يسبب لبعض الباحثين في تاريخ القبائل العديد من المشاكل والقضايا، التي تصل في بعض الأحيان إلى أروقة المحاكم، لذلك ينبغي على الباحث عندما يلتقط الروايات الشفهية أن يتحرى عن صحة ما ورد فيها بالسؤال والمقارنة مع الأطراف الأخرى الواردة في الرواية، والمبادرة برفض المبالغات، إذ أن بعض الرواة يكذبون من أجل تحسين صورة قبيلته وجماعته.

وحول تجربته الشخصية في التوثيق الشفهي قال البدراني: لم يسبق أن وضعتني الرواية الشفهية في مأزق، ولكن من خلال عملي التوثيقي اكتشفت أن كثيرا من المعلومات التي أخذتها شفاهة من كبار السن غير صحيحة، بل نشرت عكس ما رواه لي هؤلاء الرجال تماما، بعد اكتشافي أنهم قد قلبوا بعض الحقائق في رواياتهم، فاستدراج الراوي لمعرفة صحة معلوماته أمر مهم جدا، أما الاكتفاء بأخذ الروايات وتدوينها دون تحقق ومقارنة قد يؤدي إلى كارثة تضيع أنساب القبائل. مشيرا إلى أن مصداقية هذه الرواية تعتمد على قرب الشخص زمانيا ومكانيا من الحادث، فلا يصح الاعتماد على راو لم يعاصر الأحداث، ومبينا أن روايات بعض المستشرقين تعتبر أكثر أمانة من بعض الرواة العرب، ولكن مشكلتهم في عدم تحققهم من الروايات؛ لأنهم مروا على القبائل، وأخذوا منهم الروايات، ودونوها دون تحقق، لذلك فلا يعول عليها كثيرا.

التشكيك في الأنساب

ويعتبر عضو مجلس الشورى واستاذ التاريح في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العسكر الرواية الشفهية مصدرا لتدوين التاريخ، مشيرا إلى أنها اتخذت مصدرا رئيسيا في تدوين أغلب ما وصل الينا، سواء من كتب تاريخ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بدءا من القرن السادس وحتى الآن.

ويؤكد العسكر أن الرواية الشفهية تشكل 80 في المائة من مصادر تاريخ سلسلة نسل العرب، وقال: لو شككنا فيها لاسقطنا 80 في المائة من أنساب القبائل العربية.

وأضاف: الرواية الشفهية المتعلقة بالأنساب أصدق من الروايات الأخرى السياسية والاقتصادية وخلافها؛ لأن العرب كانوا يهتمون بأنسابهم كابرا عن كابر، ويسجلونها في أنديتهم ولقاءاتهم، وفي أشعارهم، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى الأشياء المحيطة بالقبيلة مثل الخيل، حيث اهتموا بتسجيل أنساب الخيل، واستندوا في ذلك كله على الرواية الشفهية، سواء عن طريق الشعر أو الأمسيات أو ما يلقى في الأسواق الموسمية.

واستطرد قائلا: من خلال اطلاعي على أشجار النسب للقبائل العربية قديما ثبت أنها وضعت على أساس الرواية الشفهية، واستنتجت ذلك من خلال تداخل بعض الأسماء، ووجود فجوات في هذه الأشجار، التي لم تدون كتابيا، فالمعروف أن الراوي يسقط بعض الأمور أو يتداخل مع أمور متشابهة، أما فيما يتعلق بالأنساب الحالية فهي أيضا مبينة على الروايات الشفهية خاصة في نجد، حيث طغت الأمية في القرون السابقة، ولم تكن هناك حكومات تهتم بتدوين الأنساب، وتبدل الحال بعد توحيد المملكة، حيث صارت القبائل تهتم بتسجيل الأنساب، وبعضها رجع إلى المدونات الموثوقة مثل المخطوطات العثمانية أو سجلات المحاكم.

خيال الرواة

أما الكاتب والباحث مناحي القثامي، فوصف العصر الحالي بأنه عصر الرواية بكل أشكالها، بعد أن كان الشعر هو ديوان العرب الأول، فأضحت الرواية هي ديوان العرب الذي تعتمد عليه في تسجيل كل ما يخصها، ومع ذلك طالب بعدم الاعتماد عليها إلا بعد تحققها وتوثيقها من قبل العاملين في مجال الأدب الشعبي، وهنا يختلف دور الرواية الشفهية كأدب شعبي ربما لايعرفه إلا القلة؛ لأن الأدب متوارث عبر أجيال طويلة.

امتداد خارجي

ويؤكد الباحث في تاريخ قبيلة مطير عبد العزيز السماح أن الاعتماد على الروايات الشفهية في توثيق تاريخ القبائل، كمصدر رئيسي، أمر غير مجد إلا إذا دعمها قصائد أو أخبار تؤكد صحتها، فالبادية لاترحم المخطئ، وكل راو لابد أن يبحث عن صناعة مجد لقبيلته بأي شكل كان، ولو كان عبر المبالغة في الروايات الشفهية التي تغلب عليها المبالغات، وهو أمر يضر بالرواية ويضعفها.

وأضاف السناح: غالبا ما تضطر القبائل، التي ليس لها امتداد خارج الجزيرة العربية عبر التاريخ، إلى الاعتماد على الرواية الشفهية؛ لعدم وجود مدونات عن القبيلة؛ خلاف القبائل التي لها امتداد خارجي واحتكاك كبير بالحكام، حيث توجد لديها مدونات مكتوبة تعزز الروايات الشفهية وتحققها.

يعطيك العافية .

وأرى - أنا - أن النسب ، والكتابة عن نسل القبيلة لا يستغني عن مشافهة المجالس ، ولكن يشترط هنالك شرطاً :

أن يكون النسّابة أو المتحدث عن النسب ، ثقة ، ثبت ( مثله مثل راوي الأحاديث ) ، فما سيندرج من تبعة تلكم المشافهة إلا أموراً جسيمة ، يصدر فيها نسب قبيلة لقبيلة ، ونزع قبيلة من قبيلة .

عموماً :
المؤرخون ، والنسّابون ، في هذه الحقبة ، لايألون جُهداً في أن يتبّعوا سابقيهم ، ولا يوجد هنالك ما يدعو للنسب - حالياً - لأنها لم تعد هنالك حاجة لذلك ، في ظل ما نعيشه اليوم - ولله الحمد - في نعمة التوثيق التقني والكتابي ، في عهد زاهر بأمته وقوّاده .

شكراً لك أخي ( عاشق ثرى الديرة ) على إثرائنا بهذه القضية المهمة .

الشكر لك اخي جاسر على مرورك واهتمامك

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .