الإهداءات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-21-2008, 10:01 PM
مركز تحميل الصور
غريق المحبه غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 14677
 تاريخ التسجيل : Jul 2008
 فترة الأقامة : 5973 يوم
 أخر زيارة : 06-09-2019 (11:31 AM)
 المشاركات : 223 [ + ]
 التقييم : 1
 معدل التقييم : غريق المحبه is an unknown quantity at this point
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ما احلى طعم الموت........



ما أحـلى طعـم المـوت

عقارب الساعة تكاد تتجاوز الثانية ظهراً
يلملم 'عبدالسلام' حاجياته مسرعًا؛ فلم يتبق على بدء حظر التجوال في مدينته القدس سوى ساعتين
يجب أن يخرج من المكتب قبل أن تزدحم الشوارع بالعائدين إلى بيوتهم؛ فما زال أمامه المرور على طفليه لإحضارهما من المدرسة، ثم شراء مستلزمات البيت حتى الغد، ثم السير لأكثر من عشرين دقيقة فالحافلة لا تمر إلا بالشوارع الرئيسة.. إنها معاناة كل يوم
يخرج عبدالسلام من المكتب متعجلاً؛ يتجاهل حتى رد السلام فربما يجره رد السلام إلى ثرثرةٍ لا طائل منها سوى التأخير وإضاعة الوقت
الحمد لله، لم تتأخر الحافلة، سأصل إلى المدرسة قبل خروج الأطفال
ما شاء الله.. مقعدان خاليان بالحافلة -
أعتقد أن الجلوس بجوار هذا الصبي الصغير سيكون أفضل من الجلوس بجوار السيدة
تفحص عبدالسلام الصبي سريعًا.. فلم ير إلا جسده النحيل، إنه لا يتجاوز الخامسة عشرة؛ ولكن لماذا يدور ببصره من خلال النافذة وكأنه يبحث عن شيء ما؟ إنه حتى لا يشعر بوجودي
بماذا يتمتم؟
لعله يهمس لنفسه بكلمات إحدى تلك الأغنيات الغريبة التي يسمعها الصبية هذه الأيام.. أفضل شيء أن أحاول الاسترخاء قليلاً، فما زال الطريق طويلاً، وأنا أشعر اليوم بأنني منهكٌ تماماً
التفت الصبي إليه فجأة، وكأنه يتساءل: منذ متى وأنت هنا؟
بادله عبدالسلام بنظرة ترحاب، تجاهلها الصبي ليعود إلى النافذة

*******
من الواضح أن هذا الصبي غريب الأطوار ..ربما يمر بأزمة عاطفية، أو ربما هي أعراض الحب الأول
وقبل أن يهمَّ عبدالسلام بالضحك في أعماقه.. التفت إليه الصبي فجأة وسأله
هل ذقت طعم الموت يا سيدي؟ -
ماذا؟.. طعم ماذا؟ -
قالها عبدالسلام متعجبًا فزعًا من هذا السؤال المفاجئ
الموت يا سيدي -
شعر عبدالسلام بأن كلمة 'غريب الأطوار' كانت مجحفة لشخصية هذا الصبي.. ولكن لا بأس؛ فالحوار يقتل دقائق الانتظار للوصول إلى المدرسة
وماذا يعرف صبيٌ في مثل عمرك عن الموت؟ -
ليس أكثر مما تعرفه أنت يا سيدي، وليس أقل -
فماذا تعرف أنت عن الموت؟
الموت يا بني.. الموت هو الموت -
قال: هل رأيت يا سيدي؟ نحن لا نعرف شيئًا عن الموت، فمن منا يستطيع أن يصف ملامح الموت؟ وكذلك الموت.. لا يعرفنا؛ فهو لا يميز صغيرنا من كبيرنا، ولا ضعيفنا من قويِّنا، ولا فقيرنا من غنيِّنا.. يا سيدي نحن والموت كمسافرين في قطارين متعاكسين؛ لا نلتقي إلا للحظاتٍ معدودة؛ لا تكفي للتعارف
قال عبدالسلام: صدقت يا بني؛ ولكن من في مثل عمرك يتحدث عن الموت
أجاب: ولماذا يا سيدي؟.. الموت سلعة بائرة لا يشتريها الكبار عندما يجبعليهم ذلك.. لذا يجدها الصغار في الأسواق بأبخس الأثمان
ربما -
قالها مفضلاً قطع هذا الحوار السخيف، ومتعجبًا من هذه الفلسفة الغريبة التي تورط في الإنصات إليها
*******
أعاد الصبي النظر من النافذة، ثم ما لبث أن التفت ثانيةً إلى عبدالسلام
لم تجبني يا سيدي؟ -
بماذا يا بني؟ -
هل ذقت طعم الموت؟ -
قال عبدالسلام: يا بني: الموتى فقط هم من يذوقون طعم الموت، أما الأحياء فلا
قال الصبي: ياسيدي: الموتى لا يتذوقون.. إنهم موتى؛ ألا تفهم؟! إنهم موتى
عبدالسلام: يا بني: إذا كان الموتى لا يذوقون طعم الموت؛ فكيف تدَّعي أن الأحياء يذوقونه؟
الصبي: لأن الأحياء هم من أنعم الله عليهم بالإدراك.. لذا فهم يتذوقون
عبدالسلام: ولكن.. ألم تقل يا بني إننا لا نعرف شيئًا عن الموت؟
الصبي: صحيح يا سيدي.. ولكننا نستطيع أن نشم رائحته، أن نذوق طعمه
كيف ونحن لا نعرفه؟ -
قال الصبي: ياسيدي، عندما تخرج من بيتك كل صباحٍ تتلمَّس الموت.. تذوق طعمه
عندما تجوب الشوارع والطرقات.. تفتش عن الموت.. تذوق طعمه
عندما تطارده بجسدك الضعيف غير مبالٍ.. تذوق طعمه
عندما تشعر به يفر من أمامك مذعورًا.. تذوق طعمه
عندما تجده أجبن من أن يحصدك.. تذوق طعمه
عندما تعود إلى دارك آخر النهار مهمومًا؛ لأنك لم تمسك بالموت تذوق طعمه
يا سيدي، عندما تخرج لسانك للموت.. تذوق طعم الموت
نظر عبدالسلام إلى الصبي مرتابًا، وقد سرت بأطرافه قشعريرة باردة
'ربما يكون به مسّ'
نفض الفكرة عن ذهنه سريعًا.. ربما الحديث عن الموت هو ما يفزعه، ولم لا ؟ فالنفس البشرية تجزع من الموت
ولكن ما بال هذا الصبي يتحدث عن الموت وكأنه صديقٌ حميم يعرفه جيدًا؟ هل يكون روحًا؟
!!
ما هذا يا عبدالسلام؟ هل تفقدك عباراتٍ بلهاء يهذي بها صبيٌّ مخبولٌ صوابك
*******
تمنى عبدالسلام لو يعاود الصبي حديثه، فربما قطعت الكلمات هذا السيل من الأفكار البلهاء التي تحاصره
وكأن الصبي يتعمد أن يدعه لأفكاره تعبث به مكتفيًا بالنظر من خلال نافذته
حاول عبدالسلام مجاذبة الصبي أطراف الحديث مرة أخرى: إلى أين أنت ذاهبٌ يا بني؟
إلى داري -
هل كنت في المدرسة؟ -
لا -
هل تعمل؟ -
نظر إليه الصبي بحزن وقال: أبي لا يجد عملاً، وكذلك أخي الأكبر
إذًا مِن أين قدمت؟ -
من بيتي -
سأله عبدالسلام: ألم تقل منذ لحظات إنك في طريقك إلى بيتك؟
أجاب: لا يا سيدي.. وإنما قلت أنا في طريقي إلى داري
تراقصت الحيرة في عينيَّ عبدالسلام مغلفةً كلماته: قادمٌ من بيتك.. وفي طريقك إلى دارك؟
أجابه الصبي: نعم يا سيدي.. قادمٌ من بيتي وفي طريقي إلى داري.. ما الغريب في هذا؟
لا شيء يا بني.. لا شيء -
*******
شعر عبدالسلام بالرغبة في النهوض سريعًا.. بالتأكيد هذا الصبي ليس طبيعيًّا
تمنى لو تسرع الحافلة قليلاً لينهي هذا العبث.. تمنى لو لم يستقل هذه الحافلة، لم يرها..
أحس بالندم؛ لأنه لم يرد السلام على زميله أثناء خروجه.. لربما شغلهما الحديث حينها فيعمى عن رؤية هذه الحافلة اللعينة
وكأنما أدرك الصبي أنه قد نال من عبدالسلام.. فتحركت ملامحه الجامدة ليمتلئ وجهه لأول مرة بابتسامة مودة
هل لديك أطفال يا سيدي؟ -
أجابه عبدالسلام: نعم، لدي 'نضال' عمره ثماني سنوات، و'جهاد' عمرها ست سنوات، و'صلاح الدين' عمره ثلاث سنوات
قَــرَّ الله بهم عينك -
وأدامك الله لأهلك سالمًا يا بنيّ -
قال الصبي: عندما يكبر أطفالك يا سيدي، عندما ينضجون، عندما يفهمون
عندما يسألونك عن الموت..
قل لهم يا سيدي
' ما أحلى طعم الموت '
*******
لم يمهلني الوقت للتفكير في معنى كلماته، فقد صرخ فجأة مستوقفًا السائق، لينهض مهرولاً إلى الباب الأمامي حتى كاد أن يزيحني من مقعدي
وقبل أن يهبط من الحافلة.. توقف فجأة وكأنه تذكر أمرًا مهمًّا.. نظر إلى السيدة التي بجواري؛ عانقها بعينيه، قبَّــل يديها وسألها الدعاء
أطالت النظر إليه وكأنها تحفر ملامحه في ذاكرتها؛ احتضنته بعينيها، خبأته في صدرها، طبعت على خديه قبلة عميقة
رسم على شفتيه ابتسامة رضا وهبط مسرعًا..
أخذ يعدو في الطريق كالصاروخ المنطلق يخترق الزحام.. لا أدري لماذا؟ أو إلى أين ؟
إنه فعلاً صبيٌّ غريب.. حتى أفكاره وكلماته غريبة مثله
انطلقت الحافلة.. نظرت إلى السيدة أفتش في ملامحها عن سر هذا الصبي.. لقد تصلبت ملامحها حتى بدت كالموتى
لم تمر سوى لحظات.. حتى دوى صوت انفجارٍ هائل.. توقفت الحافلة فجأة، نهض كل من بداخلها يتطلعون إلى الخلف
لقد كانت سيارة عسكرية اسرائيلية تحترق ككومة من القش..
قطع صمت الجميع زغرودة طويلة أطلقتها تلك السيدة
لقـد كانت أمّــه ..
أبـت إلاّ أن تصحبـه إلى حفـل عرسـه




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مولود السعاده للأخ القدير احمد محمد ال احمد غلا.....ي أفراح بني عمرو 13 05-02-2012 12:38 AM
عقد قران الملازم اول طيار احمد بن ناعم بن احمد ال صالح العمري عمروي أفراح بني عمرو 11 10-21-2011 07:17 PM
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيه hacker.507 المواضيع المكررة 0 01-14-2011 12:44 AM
ذكر الموت ابوعبدالكريم رياض الصالحين 0 12-05-2009 01:57 PM
الموت هيِّن والبلا وش ورى الموت ¶الشرفاء¶ عطر الكلمات 7 12-02-2009 12:25 AM


الساعة الآن 02:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir