مفهوم النقد

المبحث الثالث: فقر الساحة النقديّةالعربيّة:
لا تزال الساحة النقدية العربية تحتاج إلى مزيد من التأصيل النقدي على مستوى النظريات والمذاهب النقدية، ومن ثم تحديداً المصطلحات المفتاحية لمختلف جوانب العملية النقدية النظرية والتحليلية، على نحو يقود إلى المعرفة المنضبطة الدقيقة، وهذا أمر ظل مشوباً باستمرار بكثير من النقص والخلط والوهم. وإذا استثنينا بعض العطاءات النقدية النظرية والتطبيقية المتميزة هنا وهناك، ومعظمنا بات يميزها ويشير إليها بالبنان، فإن الساحة النقدية العربية في ما سوى ذلك تعج بالكثير من الهشاشة في التناول والاستسهال بل التسطح في فهم التيارات النقدية المعاصرة. وعدم تتبع المصطلحات في مظانها الأصلية، بما يتضمنه ذلك من دلالات فلسفية ونقدية هامة، أو محاولة تطبيقها بآلية ساذجة والتعامي عما يحمله النص العربي من خصوصية مستمدة من سياق آخر غير السياق الأجنبي. فنقل المصطلح النقدي مسألة في غاية الأهمية، إذ تحتاج إلى حصافة نقدية في الفهم والتطبيق.

وبعض الاتجاهات مازالت منشغلة بمحاولة تطويع النظريات والمناهج النقدية الغربية لفهم الظواهر الأدبية العربية، وخطورة الأمر أن نظريات النقد الغربية قد تطورت باستمرار في سياق تاريخي واجتماعي ثقافي مغاير للسياق العربي بل تمت باستمرار عملية التواصل ما بين الناقد والمبدع دون أن يتخلف أحدهما عن الآخر، وفي مقابل ذلك نجد فيما يخصنا تخلف النقد النظري العربي عن إنتاج نظريات مماثلة تسعف في قراءة المنتج الأدبي وتساهم في تطويره. وقد نشكو في ظل تبعيتنا لمناهج النقد الأدبي الغربي من عدم تبلور نظرية نقدية عربية، لكننا نرى أن مثل هذه النظرية لن توجد أصلاً، لأن كل بلد لن يخترع نظريته النقدية الخاصة به، بل الموجود حقاً خصوصية نصية عربية يجب أن يسعى النقد العربي إلى اكتشافها، وبدل أن يسلك الناقد العربي هذا السبيل، يلاحظ في معظم حركة المنتج النقدي العربي التبعية للغرب في التيارات الأدبية والمذاهب أو المدارس الأدبية، والدوران في فلكها عند عدد من النقاد الذين يكاد دورهم ينحصر في رصد ما استجد في اللوحة النقدية الغربية ونقله إلينا.