#1
|
||||||||
|
||||||||
مقال يكتب بماء الذهب
العذاب ليس له طبقة الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب. و ساكن الزمالك الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف و التليفون و التليفيزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم و السكر و الضغط و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق و القلق. و الذي أعطاه الله الصحة و المال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة و لا يعرف طعم الراحة. و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء و انتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على ضعفه و خضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار. و الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته. و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات. كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق. و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب. فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم و ييسر بقدر ما يعسر.. و لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور. إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب.. و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة. و الحاسدون و الحاقدون و المغترون و الفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق. و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق و لو أدركه القاتل لما قتل و لو عرفه الكذاب لما كذب. و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير و لتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا و لا مغلوب في الحقيقة و الحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة و إنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر و تباين الدرجات و الهيئات و ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة و شقاء و إنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها و تتجاوزه و ترى فيه الحكمة و العبرة و تلك نفوس مستنيرة ترى العدل و الجمال في كل شيء و تحب الخالق في كل أفعاله.. و هناك نفوس تمضغ شقاءها و تجتره و تحوله إلى حقد أسود و حسد أكال.. و تلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله. أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة.. فلا يوجد ظالم و لا مظلوم و لا متخم و لا محروم.. و إنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم و ينير بها ضمائر العميان و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات و يعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم.. ثم يميل بيد القبض و الخفض فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين و يؤرق عيون الظالمين و يرهل أبدان المسرفين.. و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة التي تأتي من الجنة.. و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود.. يوم تنكشف الأستار و تهتك الحجب و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق.. يوم لا تنفع معذرة.. و لا تجدي تذكرة. و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم. أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأً لا يرتوي و جوعا لا يشبع. فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك. (من روائع دكتور مصطفى محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له) |
05-08-2012, 01:37 AM | #2 |
شاعر وكاتب مميّز وقـديـر
|
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق. و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب. مقال جميل وينم عن فكر راقي شكرا مخاوي الصقر احسنت الاختيار |
|
05-08-2012, 05:30 PM | #6 |
المدير العام
|
صاحب هذا المقال يحمل خبرة جميلة ومعرفة من نوع خاص ما شاء الله ..
فكر سلسل وكلام مقنع وما كُتب من قبله هنا كان بماء الذهب فعلاً .. تقديري .. |
|
05-08-2012, 08:20 PM | #7 |
عضو قدير وصاحب مكانة بالمنتدى
|
بعض الكلمات تصاغ بماء الذهب والبعض تصاغ !!!
فكل واحد حسب معدنه . طرح رائع تسلم الايادي مودتي |
|
05-08-2012, 10:55 PM | #8 |
عضوة قديرة وصاحبة مكانة بالمنتدى
|
فعلا مقال يُكتب بماء الذهب .. تقبّل المرور و التقييم ..
|
*
شيخه نوااره بسمه المشرفات على مجلة بني عمرو في صوره تذكاريه هههههههه |
05-17-2012, 05:44 AM | #10 |
|
إن النفس الإنسانية دغل كثيف .. غابة ..
كهف تختبىء فيه الأفاعي .. و فيه أيضاً إلى جوار الأفاعي .. الكنوز و اللآلىء النادرة و أنا لا أعتقد بوجود نفوس عادية .. و أعتقد بأن كل نفس موهوبة .. و إنما هي تصبح عادية حينما يغفل صاحبها عن اكتشاف هباتها .. و يضل الطريق إليها .. و لا يكلف نفسه مشقة البحث و عناء الاختبار .. إنك لن تدرك مدى خوفك و لا مدى شجاعتك إلا إذا واجهت خطراً حقيقياً و لن تدرك مدى خيرك و مدى شرّك إلا إذا واجهت إغراء حقيقياً .. د / مــصطــفى مــحــمـــــود رحمه الله من كتاب [ يوميــاتــ نـص اليل] وفقكم الله وسعداء بتواجدكم |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نصائح خطت بماء الذهب | طيف | المواضيع العامة والإخبارية | 5 | 05-26-2011 08:32 PM |
نصائح تخط بماء الذهب | فجر | المواضيع المكررة | 1 | 01-17-2011 03:50 AM |
نصائح تسجل بماء الذهب للشاعر الكبير رمضان المنتشري | الجنوبي | الشعر الجنوبي للطرح الذاتي | 8 | 01-20-2006 01:36 AM |
مقال يكتب بماء الذهب .. من روائع البريد .. لا مانع من نقله ..!! | سهيل الجنوبي | رياض الصالحين | 0 | 11-25-2005 03:17 AM |
كلمات تكتب بماء الذهب ..!! | بن فارس | رياض الصالحين | 7 | 01-12-2005 10:45 PM |