منتديات بني عمرو

منتديات بني عمرو (https://forum.baniamro.co/index.php)
-   المواضيع العامة والإخبارية (https://forum.baniamro.co/forumdisplay.php?f=100)
-   -   مقال يكتب بماء الذهب (https://forum.baniamro.co/showthread.php?t=83396)

مخاوي الصقر 05-08-2012 12:08 AM

مقال يكتب بماء الذهب
 
العذاب ليس له طبقة





الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.
و ساكن الزمالك الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف و التليفون و التليفيزيون
لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم و السكر و الضغط
و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به،
يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق و القلق.
و الذي أعطاه الله الصحة و المال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة و لا يعرف طعم الراحة.
و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء و انتصر في كل معركة
لم يستطع أن ينتصر على ضعفه و خضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار.
و الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.
و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق.
و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.
فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم و ييسر بقدر ما يعسر..
و لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية..

و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.

إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب..
و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.
و الحاسدون و الحاقدون و المغترون و الفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق.
و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق و لو أدركه القاتل لما قتل و لو عرفه الكذاب لما كذب.
و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير و لتعاشرنا بالفضيلة
فلا غالب في الدنيا و لا مغلوب في الحقيقة و الحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر
و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات..
فالعذاب ليس له طبقة و إنما هو قاسم مشترك بين الكل..
يتجرع منه كل واحد كأسا وافية
ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر و تباين الدرجات و الهيئات
و ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة و شقاء و إنما اختلاف مواقف..
فهناك نفس تعلو على شقائها و تتجاوزه و ترى فيه الحكمة و العبرة
و تلك نفوس مستنيرة ترى العدل و الجمال في كل شيء و تحب الخالق في كل أفعاله..
و هناك نفوس تمضغ شقاءها و تجتره و تحوله إلى حقد أسود و حسد أكال..
و تلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.


أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة..
فلا يوجد ظالم و لا مظلوم و لا متخم و لا محروم..
و إنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة
لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم و ينير بها ضمائر العميان
و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات و يعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم..
ثم يميل بيد القبض و الخفض فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين و يؤرق عيون الظالمين
و يرهل أبدان المسرفين..
و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة التي تأتي من الجنة..
و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود..
يوم تنكشف الأستار و تهتك الحجب و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق..
يوم لا تنفع معذرة..
و لا تجدي تذكرة.
و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما
يجريه عليهم و رأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا،
فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن..
بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.
أما أهل الغفلة
و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض،
ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأً لا يرتوي و جوعا لا يشبع.
فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك.
(من روائع دكتور مصطفى محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له)

المهندســ 05-08-2012 12:37 AM


كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق.
و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.




مقال جميل وينم عن فكر راقي

شكرا مخاوي الصقر
احسنت الاختيار

نبض 05-08-2012 01:13 AM

.*.

أبجديات عانقت السما رٌقيا



تحاياي

ابوفهد العمري 05-08-2012 06:28 AM

غفر الله لنا وله وشكرا لك على النقل .

بن ظافر 05-08-2012 03:07 PM

بارك الله فيك على هذا الطرح القيم

أبو ريان 05-08-2012 04:30 PM

صاحب هذا المقال يحمل خبرة جميلة ومعرفة من نوع خاص ما شاء الله ..
فكر سلسل وكلام مقنع وما كُتب من قبله هنا كان بماء الذهب فعلاً ..
تقديري ..

ابو زياااد2009 05-08-2012 07:20 PM

بعض الكلمات تصاغ بماء الذهب والبعض تصاغ !!!

فكل واحد حسب معدنه .

طرح رائع
تسلم الايادي

مودتي

نواااااره 05-08-2012 09:55 PM

فعلا مقال يُكتب بماء الذهب .. تقبّل المرور و التقييم ..

سد الوادي 05-08-2012 11:16 PM

تسلم الايادي
على النقل الراااائع والراقي

ولك تحيتي

مخاوي الصقر 05-17-2012 04:44 AM

إن النفس الإنسانية دغل كثيف .. غابة ..
كهف تختبىء فيه الأفاعي ..
و فيه أيضاً إلى جوار الأفاعي .. الكنوز و اللآلىء النادرة

و أنا لا أعتقد بوجود نفوس عادية .. و أعتقد بأن كل نفس موهوبة ..

و إنما هي تصبح عادية حينما يغفل صاحبها عن اكتشاف هباتها .. و يضل الطريق إليها .. و لا يكلف نفسه مشقة البحث و عناء الاختبار ..

إنك لن تدرك مدى خوفك و لا مدى شجاعتك إلا إذا واجهت خطراً حقيقياً


و لن تدرك مدى خيرك و مدى شرّك إلا إذا واجهت إغراء حقيقياً ..


د / مــصطــفى مــحــمـــــود رحمه الله
من كتاب [ يوميــاتــ نـص اليل]



وفقكم الله وسعداء بتواجدكم


الساعة الآن 06:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir