تفسير: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا ...)
♦ الآية: ﴿
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: سورة البقرة (214).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ﴾ نزلت في فقراء المهاجرين حين اشتدَّ الضُّرُّ عليهم لأنَّهم خرجوا بلا مالٍ فقال الله لهم - أَيْ لهؤلاء المهاجرين -: أم حسبتم أن تدخلوا الجنَّة من غير بلاءٍ ولا مكروهٍ {ولما يأتكم} أَيْ: ولم يأتكم ﴿
مثل الذين خلوا ﴾ أَيْ: مثل محنة الذين مضوا ﴿
من قبلكم ﴾ أَيْ: ولم يُصبكم مثل الذي أصابهم فتصبروا كما صبروا ﴿
مَسَّتْهُم البأساء ﴾ الشدَّة ﴿
والضرَّاء ﴾ المرض والجوع ﴿
وزلزلوا ﴾ أَيْ: حُرِّكوا بأنواع البلاء ﴿
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نصر الله ﴾ أَيْ: حين استبطؤوا النَّصر فقال الله: ﴿
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ أَيْ: أنا ناصر أوليائي لا محالة.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴾، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ﴾ [الْأَحْزَابِ: 10]، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أُحُدٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ أَمْ حَسِبْتُمْ، معناه: أَحَسِبْتُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تدخلوا الجنّة، ﴿
وَلَمَّا يَأْتِكُمْ ﴾، أي: ولم يَأْتِكُمْ وَمَا صِلَةٌ ﴿
مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا ﴾، شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا، ﴿
مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: من النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، ﴿
مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ ﴾: الْفَقْرُ وَالشِّدَّةُ وَالْبَلَاءُ، ﴿
وَالضَّرَّاءُ ﴾: الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ، ﴿
وَزُلْزِلُوا ﴾، أَيْ: حُرِّكُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا والرزايا وَخُوِّفُوا، ﴿
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ ﴾، مَا زَالَ الْبَلَاءُ بِهِمْ حَتَّى استبطؤوا النصر من عند الله، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾، قَرَأَ نَافِعٌ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي يَلِي حَتَّى فِي مَعْنَى الْمَاضِيَ، وَلَفْظُهُ لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ، فلك فيه وجهان: الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَالنَّصْبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ حَتَّى تَنْصِبُ الْفِعْلَ المستقبل، والرفع مَعْنَاهُ الْمَاضِي، وحَتَّى لَا تَعْمَلُ في الماضي.
تفسير القرآن الكريم
الالوكة