وعن أبي الدرداءtأن رجلاً أتاه قال : إن لي امرأة وإن أمي تأمرنيبطلاقها ؟ فقال سمعت رسول اللهrيقول :(( الوالد أوسطأبواب الجنة ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ))[ صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجة ] .
ولا يعارض هذا الحديث الذي قبله وقلنا أنه لايطاع الوالدانفي طلاق الزوجة إلا إذا كانت تؤذي الوالدين بفعل أو كلام قبيح , أو لم تكن تصلي أو كانتعاصيه لزوجها كخروجها سافرة كاشفة أو ماأشبه ذلك من الأمور المحرمة ولم تنته عن ذلكالأمر فوجب حينئذ طاعة الوالدين بطلاقها . وطاعة الوالدين وبرهما مقدم على جميع نوافل الأعمال , ولهذا بوبمسلم في صحيحه باب تقديم برالوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها , ثم ذكر قصة جريجالراهب وهي كما ذكرها الإمام مسلم في صحيحه قال : عن أبي هريرةtأنه قال : وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكانفيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت ياجريج فقال يارب أمي وصلاتي فأقبل على صلاتهفانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت : ياجريج , فقال : يارب أمي وصلاتيفاقبل على صلاته , فانصرفت , فلما كان من الغد أتته وهو يصلي , فقالت : ياجريج , فقال : أي رب أمي وصلاتي فاقبل على صلاته , فقالت : اللهم لاتمته حتى ينظر إلى وجوهالمومسات ـ يعني الزانيات ـ فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته وكانت امرأة بغييتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه لكم , قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتتراعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هومن جريج , فأتوه فأنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه , فقال : ما شأنكم , قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك , فقال : أين الصبي فجاءوا به , فقال : دعوني حتى أصليفلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه , وقال : ياغلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي , فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب, قال : لاأعيدوها من طين كما كانت ففعلوا .
فانظر كيف أدّى عصيان الوالدين إلى أن أفتتن رجلاً عابداً , عن أبي هريرةtقال : قال رسول اللهr : (( ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ،ودعوة المسافر ))[ حسن وهو في صحيح الجامع الصغيروزيادته ] .
وقالr : (( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ، دعوة الوالدعلى ولده ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم ))
[ حسنهالألباني في صحيح الجامع الصغير ] .
فما أصاب جريج العابد كان بسبب دعوةأمه عليه، فدعوة الوالدين من الدعوات التي يستجاب لصاحبها .
فتجب طاعة الوالدين فيما أمر به ما لم يكن ذلك الأمر معصية، فهماالجنة والنار، من أطاعهما فقد امتثل أمر ربه وأمر رسولهrبطاعتهما وحصل له مقصود هذهالطاعة من زيادة الخير والرزق وبركة العمر وزيادته، والفوز بالجنة بإذن الله تعالى،ومن عصاهما فقد عصى الله تبارك وتعالى واستحق سخطه فهو قريب من النار والعياذ بالله، وسيقع له مثل ما فعل بأبويه من أبنائه ، لأن هذا دين كما أخبر بذلك المصطفىrفقال :(( بروا آباءكم تبركم أبناؤكم )) .
فإنهلا سعادة ولا فوز للإنسان إلا في رضى والديه عنه ، فكم من أناس حُرموا لذة الحياةالدنيا بسبب عقوقالوالدينوعصيانهما ، فهم من نكد إلى نكد ، ومن مصيبة إلىأخرى ، فكانت عاقبتهم وخيمة، وخاتمتهم سيئة ، بسبب عقوق للوالدين .
وعلى العكس من ذلك من بَرَ والديه وأطاعهما وداوم على ذلك ولم يتأفف أو يتضجر من ذلك فازبرضى ربه سبحانه ، لأن رضى الرب في رضىالوالدين، وسخطه من سخطهما .
واقرأ ماذا يقول والد لابنه العاق :
غدوتكمـولوداً ومنتـك يافـعا....ً تعل بما أجني عليـكوتنهـل
إذا ليلةضافتك بالضم لم أبـت....لسـقمك إلا سـاهراًأتملمـل
كأني أناالمطروق دونك بالذي.... طرقت به دوني فعينيتهمـل
تخاف الردىنفسي عليك وإنها.... لتعلم أن الموت وقتمؤجـل
فلما بلغتالسن والغـايـة التي.... إليها مدى ما كنت فيـكأؤمل
جعلت جزائيغلظة وفظاظـة.... كأنك أنـت المنعـمالمتفضل
فليتك إذا لمترع حق أبـوتي.... فعلت كما الجارالمصاقبيفعل
فأوليتني حقالجوار ولم تكن.... عـلي بمال دون مالـكتبخل
فاللهم أجرنا من العقوق ، واجعلنا ممن يقوم بالحقوق .