إنذار الإنسان وإقامة الحجة عليه في القرآن
إن القرآن الكريم فيه مقومات إنسانية وبشرية تحتضن الناسَ جميعًا، فالقرآن خطاب الله للناس كلهم، وليس للمسلمين فقط.
ولهذا نجد كثيرًا قوله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وقوله: ﴿
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ﴾، وقوله تعالى: ﴿
يَا بَنِي آدَمَ ﴾.
فأرسل الله تعالى الرسلَ مبشِّرين ومنذِرين، وأنزل معهم الكتب؛ لئلا يكون للناس على الله حُجَّة بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب.
قال تعالى: ﴿
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 163 - 165].
قال ابن كثير: "أي: إنَّه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه؛ لئلا يبقى لمعتذِر عذر، كما قال تعالى: ﴿
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ [طه: 134]، وكذا قوله تعالى: ﴿
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 47].
وقد ثبت في الصَّحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا أحَدَ أغَيْرُ من الله؛ من أجل ذلك حرَّم الفواحِشَ ما ظَهَر منها وما بطن، ولا أحدَ أحبُّ إليه المدح من الله؛ من أجل ذلك مَدَحَ نفسَه، ولا أحدَ أحَبُّ إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك بعث النبيِّين مبشِّرين ومنذرين))، وفي لفظ: ((مِن أجل ذلك أرسل رسلَه، وأنزل كتبَه))"[1].
ومع أنَّ الله تعالى زوَّد الإنسانَ بالعقل والإدراك الذي ميَّزه به على سائر الخلق، فقد أرسل له الرُّسل، وأنزَلَ لأجله الكتب، ولم يَكتَفِ سبحانه بما زوَّده به من طاقات وإمكانات؛ لكي يكون أبلَغَ في العذر، وأعمَقَ في إقامة الحجَّة.
[1] تفسير القرآن العظيم (2/ 475)، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1420هـ - 1999م، والحديث في صحيح البخاري برقم (4634)، وصحيح مسلم برقم (2760).
الالوكة