خاطرة الواعظ البليغ

خاطرة: الواعظ البليغ
بسم الله الرحمن الرحيم

كم من الكلمات تبكي العين وتحزن القلب وتكسر الهوى وتزيل الرين وكم من المواعظ تفيق المؤمن من سكرة الدنيا وطول الأمل وكم من العبر والعظات تفيق من رقدة الغفلة وتقرب العبد إلى الآخرة وتقصيه عن الدنيا. ورب كلمة عابرة غيرت مجرى حياة مذنب ورفعت عنه ظلمة الشهوات ونار الشبهات. وخير الموعظة ما قلت ودلت وكانت من قلب رجل صادق لا يبتغي بموعظته عرضا من الدنيا. فليست العبرة بكثرة الكلمات وتزويق العبارات وحكاية القصص وإنشاد الأشعار إنما العبرة بصدق اللهجة وحسن الإصابة وإخلاص القصد. وكلما كانت الموعظة مستنبطة من الوحي كانت أنفع للعباد. ورب فعل وأدب أبلغ في الوعظ من ألف محاضرة. ومن استعمل الكناية والإشارة وأجمل في خطابه كانت موعظته أبلغ وأنفع ممن عير وفصل وبالغ في التنصيص على المنكرات. ومن أكثر المخالفة وانكب على الدنيا وانغمس في الترف وصحب أهل الدنيا لم تنفع موعظته ولم ينزجر الخلق بقوله. ومن اتخذ المواعظ طريقا للشهرة ونيل الرئاسة وجمع الدراهم كانت وبالا عليه في الآخرة ولو فتح عليه في الدنيا. وأبلغ الموعظة ما كانت من رجل زاهد في الدنيا ممتثل بالشرع حريصا على اتباع السنة. والموعظة البليغة تقطع طريق الفساق وترد الفارين من طاعة الرحمن وتقيم الحجة على العباد وتسعف أهل الغفلة وترد المظالم لأهلها وتكثر سواد التائبين. وإذا خلت بلد من واعظ كثرت الغفلة في أهله. ومن فتح عليه في باب الوعظ فليصلح باطنه وظاهره وليلزمه وليعلم أنه من أعظم الجهاد لا سيما في زمن الغفلة وضعف الشريعة وغلبة الفساد وأهله.