الإهداءات | |
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-13-2003, 10:05 PM | #211 |
|
وفى ((المسند)) من حديث حمَّاد بن سلمة، عن عقيل بن طلحة، عن مسلم ابن هيضم، عن الأشعث بن قيس، قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْدَ كِندة، ولا يَرون إلا أنى أفضلُهم، قلتُ: يا رسول الله؛ ألستُم منا؟ قال: ((لا، نَحْنُ بَنُو النَّضْر بن كِنَانَة، لا نَقْفُو أُمَّنا ولا نَنْتَفى مِنْ أبينا))، وكـان الأشعث يقول: لا أُوتى برجل نفى رجلاً مِن قريش من النَّضْر بن كِنانة إلا جلدتُه الحد.
وفى هذا من الفقه، أنَّ مَن كان مِن ولد النَّضْر بن كِنانة، فهو من قريش. وفيه: جوازُ إتلاف المالِ المحرَّم استعمالُه، كثياب الحرير على الرجال، وأنَّ ذلك ليس بإضاعة. والـمُرار: هو شجر من شجر البوادى، وآكل الـمُرار: هو الحارث بن عَمْرو ابن حِجر بن عَمْرو بن معاوية بن كندة، وللنبى صلى الله عليه وسلم جدة مِن كندة مذكورة، وهى أُم كِلاب بن مُرَّة، وإياها أراد الأشعث. وفيه: أنَّ مَن انتسب إلى غير أبيه، فقد انتفى من أبيه، وقفى أُمه، أى: رماها بالفجور. وفيها: أنَّ كِندة ليسوا من ولد النَّضْر بن كِنانة. وفيه: أنَّ مَن أخرج رجلاً عن نسبه المعروف، جُلِدَ حَدَّ القذف. فصل فى قدوم وفد الأشعريين وأهل اليمن روى يزيد بن هارون، عن حُمَيد، عن أنس، أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((يَقْدَمُ قَوْمٌ هم أرَقُّ منكم قُلُوباً))، فقدِم الأشعريون، فجعلوا يرتجزون: غَداً نَلْقَى الأَحِبَّة *** مُحَمَّداً وحِـزْبَه وفى ((صحيح مسلم)) عن أبى هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جَاء أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أرَقُّ أَفْئِدَةً وأَضْعَفُ قلوباً، والإيمانُ يَمانٍ، والحِكْمَة يَمَانِيةٌ، والسَّكِينةُ فى أهْل الغَنَم، الفَخْرُ والخُيَلاءُ فى الفَدَّادِين مِنْ أهْلِ الوَبَر قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ)). وروينا عن يزيد بن هارون، أنبأنا ابنُ أبى ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد ابن جُبير بن مطعم، عن أبيه، قال: كنا مَع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، فقال: ((أتَاكُم أهْلُ اليَمَنِ كَأَنَّهُم السَّحَابُ، هُمْ خِيَارُ مَنْ فى الأرْضِ))، فقال رجلٌ من الأنصار: إلا نحنُ يا رسولَ الله، فسكت، ثم قال: إلا نحنُ يا رسولَ الله، فسكتَ، ثم قال: ((إلاَّ أنْتُم)) كَلِمَةً ضَعِيفَةً. وفى ((صحيح البخارى)): أنَّ نَفَراً من بنى تميم، جاؤوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أَبْشِرُوا يا بنى تَمِيم))، فقالوا: بَشَّرْتَنَا فأَعطنا، فتغيَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء نَفَرٌ من أهل اليمن، فقال: ((اقْبَلُوا البُشْرى إذْ لَمْ يَقْبَلهَا بَنُو تَمِيم))، قالوا: قد قَبِلْنَا، ثم قالُوا: يا رسول الله؛ جئنا لنتفقه فى الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر، فقال: ((كَانَ اللهُ، ولَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْره، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ، وكَتَبَ فى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْء)). فصل فى قدوم وفد الأزدِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صُرَدُ بنُ عبد الله الأزْدى، فأسلم وحَسُن إسلامُه فى وفد من الأَزْد، فأمَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على مَن أسلم مِن قومه، وأمره أن يُجاهد بمن أسلم مَن كان يليه مِن أهل الشِّركِ من قبائل اليمن، فخرج صُرَدُ يسيرُ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بِجُرَشَ، وهى يومئذ مدينة مغلقة، وبها قبائلُ من قبائل اليمن، وقد ضوت إليهم خَثْعَمُ، فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم، فحاصرُوهم فيها قريباً من شهر، وامتنعوا فيها، فرجع عنهم قافلاً، حتى إذا كان فى جبل لهم يقال له: ((شَكَرَ))، ظن أهلُ جُرَشَ أنه إنما ولَّى عنهم منهزماً، فخرجُوا فى طلبه حتى إذا أدركوه، عطف عليهم، فقاتلهم، فقتلهم قتلاً شديداً، وقد كان أهلُ جُرَشَ بعثُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين منهم يرتادان وينظُران، فبينا هما عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عشيةً بعدَ العصر، إذ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((بأىِّ بلاد اللهِ شـَكَر))؟ فقام الجُرشيانِ، فقالا: يا رسول الله؛ ببلادنا جبل يُقال له: ((كشر))، وكذلك تُسميه أهلُ جُرش، فقال: ((إنَّهُ لَيْسَ بِكَشَر، ولكِنَّهُ شكر))، قالا: فما شأنُه يا رسولَ اللهِ؟ قال: فقال: ((إنَّ بُدْنَ اللهِ لتُنْحَرُ عِنْدَهُ الآن))، قال: فجلس الرجلانِ إلى أبى بكـر، وإلى عثمان، فقالا لهما: ويحكما، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليَنعَى لكُما قومَكما، فقوما إليه، فاسألاه أن يدعوَ الله أن يرفَع عن قومكما، فقاما إليه، فسألاه ذلك، فقال: ((اللُّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ))، فخرجَا مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما، فوجدا قومَهما أُصيبُوا فى اليومِ الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، وفى الساعة التى ذكر فيها ما ذكر، فخرج وفدُ جُرش حتى قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، وحمى لهم حِمى حول قريتهم. فصل فى قدوم وفد بنى الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: ثم بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليد فى شهر ربيع الآخر، أو جُمَادَى الأُولى سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعُوَهم إلى الإسلام قبل أن يُقاتِلهم ثلاثاً، فإن استجابُوا، فاقبلْ منهم، وإن لم يفعلوا، فقاتِلْهم، فخرج خالدٌ حتى قَدِمَ عليهم، فبعث الرُّكبان يضرِبُون فى كُلِّ وجه، ويدعُون إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناسُ؛ أسلموا لِتسلموا، فأسلم الناسُ، ودخلُوا فيما دَعَوْا إليه، فأقام فيهم خالدٌ يُعلِّمهم الإسلامَ، وكتب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فكتب له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُقْبِلَ ويُقْبِلَ معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه وفدُهم، فيهم: قيسُ بنُ الحصين ذى الغَصَّة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجَّل، وعبد الله ابن قُراد، وشَدَّاد بن عبد الله، وقال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((بِمَ كُنْتُم تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فى الجَاهِلِيَّة))؟ قالوا: لم نكن نغلِبُ أحداً. قال: ((بلى)). قالوا: كنا نجتمِعُ ولا نتفرَّق، ولا نبدأ أحداً بظلم. قال: ((صدقتم))، وأمَّر عليهم قيسَ بن الحُصين، فرجعوا إلى قومهم فى بقيةٍ من شوَّال، أو من ذى القَعدة، فلم يمكثُوا إلا أربعة أشهر حتى توفى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فصل فى قدوم وفد هَمْدَانَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم عليه وفدُ هَمْدَانَ، منهم: مَالك بن النَّمَط، ومالك بن أيفع، وضِمام بن مالك، وعَمْرو بن مالك، فلقُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرجِعَه مِن تَبُوك، وعليهم مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَاتِ والعمائم العَدَنية على الرواحل المَهْرِية والأَرْحَبِيَّة، ومالك بن النَّمط يرتجزُ بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إلَيْكَ جَـــاوَزْنَ سَوَادَ الرِّيفِ *** فى هَبَوَاتِ الصَّيْفِ والخَرِيفِ مُخَطَّمَــــاتٍ بِحِبَالِ اللِّيفِ وذكروا له كلاماً حسناً فصيحاً، فكتب لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كتاباً أقطعهم فيه ما سألوه، وأمَّر عليهم مالك بن النَّمط، واستعمله على مَن أسلم من قومه، وأمره بقتال ثَقيف، وكان لا يخرُج لهم سرحٌ إلا أغارُوا عليه. وقد روى البيهقى بإسناد صحيح، من حديث أبى إسحاق، عن البراء، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعث خالدَ بن الوليد إلى أهلِ اليمن يدعُوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنتُ فيمن خرجَ مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستةَ أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يُجيبوه، ثم إنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعث علىَّ بنَ أبى طالب رضى الله عنه، فأمره أن يُقْفِلَ خالداً إلا رجلاً ممن كان مع خالد أحبَّ أن يُعقِبَ مع علىّ رضى الله عنه، فليُعقب معه، قال البَراء: فكنتُ فيمن عقب مع علىّ، فلما دنونا مِن القوم، خرجوا إلينا، فصلَّى بنا علىُّ رضى الله عنه، ثم صفَّنا صفاً واحداً، ثم تقدَّم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت هَمْدَانُ جميعاً، فكتب علىٌ رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، خَرَّ ساجِداً، ثم رفع رأسه فقال: ((السَّلاَمُ عَلى هَمْدَانَ، السَّلامُ عَلى هَمْدَانَ))، وأصل الحديث فى صحيح البخارى. وهذا أصحُّ مما تقدَّم، ولم تكن هَمْدَانُ أن تُقاتل ثقيفاً، ولا تُغير على سرحهم، فإن هَمْدَان باليمن، وثقيفاً بالطائف. فصل فى قدوم وفد مُزينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم روينا من طريق البيهقى، عن النُّعمان بن مُقَرِّن، قال: قَدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة رجل من مُزينة، فلما أردنا أن ننصرف، قال: ((يا عُمَرُ؛ زَوِّدِ القَوْمَ)) فقال: ما عندى إلا شئٌ من تمر، ما أظنُّه يقعُ من القوم موقعاً، قال: ((انطلِق فَزَوِّدْهُم)) قال: فانطلق بهم عمر، فأدخلهم منزله، ثم أصعدهم إلى عُلَّيَّـة، فلما دخلنا، إذا فيها مِن التمر مِثْلُ الجَمَلِ الأوْرَق، فأخذ القومُ منه حاجَتَهم، قال النُّعمان: فكنت فى آخر مَن خرج، فنظرتُ فما أفقد موضع تمرة مِن مكانها. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:07 PM | #212 |
|
فصل
فى قدوم وفد دَوْس على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر قال ابن إسحاق: كان الطُّفيل بن عَمْرو الدُّوسى يُحدِّث أنه قَدِمَ مكة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطُّفَيلُ رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، قالوا له: إنك قَدِمْتَ بلادنا، وإنَّ هذا الرجلَ وهو الذى بين أظهرنا فَرَّقَ جماعتنا، وشتَّتَ أمرنا، وإنما قوله كالسِّحر يُفَرِّقُ بين المرءِ وابنه، وبينَ المرءِ وأخيه، وبين المرءِ وزوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حلَّ علينا، فلا تُكَلِّمه، ولا تَسْمَعْ منه، قال: فواللهِ ما زالُوا بى حتى أجمعتُ أن لا أسمعَ منه شيئاً، ولا أُكَلِّمَه حتى حشوتُ فى أذنىَّ حين غدوتَ إلى المسجد كُرسُفاً فَرَقاً من أن يَبْلُغَنى شىْءٌ من قوله. قال: فغدوتُ إلى المسجد، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يُصلِّى عند الكعبة، فقمتُ قريباً منه، فأبى اللهُ إلا أن يُسمِعَنى بعضَ قوله، فسمعتُ كلاماً حسناً، فقلتُ فى نفسى: واثكل أُمِّياه، واللهِ إنى لرجل لبيب شاعر، ما يَخفى علىَّ الحَسنُ من القبيح، فما يمنعُنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقولُ حسـناً، قبلتُ، وإن كان قبيحاً، تركتُ، قال: فمكثتُ حتى انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فتبعتُه حتى إذا دخل بيتَه دخلتُ عليه، فقلتُ: يا محمد؛ إن قومَك قد قالُوا لى كذا وكذا، فَواللهِ ما بَرِحُوا يُخوفونى أمرَك حتى سددتُ أُذنى بِكرْسُفٍ لئلا أسمعَ قولَك، ثم أبى الله إلا أن يُسمِعَنيه، فسمعتُ قولاً حسناً، فاعرض علىَّ أمرك، فعرض علىَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الإسلامَ، وتلا علىَّ القرآن، فلا واللهِ ما سمعتُ قولاً قطُّ أحسنَ منه، ولا أمراً أعدلَ منه، فأسلمتُ، وشهدتُ شهادةَ الحق، وقلتُ: يا نبى الله؛ إنى امرؤ مُطاع فى قومى، وإنى راجع إليهم، فداعيهم إلى الإسلام، فادعُ الله لى أن يجعل لى آية تكون عَوْناً لى عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً)) قال: فخرجتُ إلى قومى حتَّى إذا كنتُ بثنية تُطلعنى على الحاضر، وقع نورٌ بين عَيْنَىَّ مثلَ المصباح، قلتُ: اللَّهُمَّ فى غير وجهى إنى أخشى أن يظنوا أنها مُثلة وقعت فى وجهى لِفراقى دينهم، قال: فتحوَّل، فوقع فى رأس سَوطى كالقنديل المعلَّق، وأنا أنهبطُ إليهـم من الثَّنِيَّة حتى جئتُهم، وأصبحتُ فيهم، فلما نزلتُ، أتانى أبى، وكان شيخاً كبيراً، فقلتُ: إليك عنى يا أبتِ، فلستَ منى ولستُ منك، قال: لِمَ يا بُنَىّ؟ قلتُ: قد أسلمتُ، وتابعتُ دينَ محمد. قال: يا بُنَىّ فدينى دينُك. قال: فقلت: اذهب فاغتسِلْ، وطهِّرْ ثيابَك، ثم تَعالَ حتى أُعلِّمك ما عَلِمْتُ. قال: فذهب فاغتسل، وطهَّرْ ثيابه، ثم جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتنى صاحِبتى، فقلتُ لها: إليكِ عنِّى، فلستُ منكِ ولستِ منى. قالت: لِمَ بأبى أنت وأُمى؟، قلتُ: فرَّق الإسلامُ بينى وبينَكِ، أسلمتُ وتابعتُ دين محمد. قالت: فدينى دينُك، قال: قلتُ: فاذهبى فاغتسلى، ففعلت، ثم جاءت، فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ثم دعوتُ دَوْساً إلى الإسلام فأبطؤوا علىّ، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله؛ إنه قد غلبنى على دَوْس الزِّنَى، فادعُ الله عليهم، فقال: ((اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً))، ثم قال: ((ارجع إلى قومِك فادعُهم إلى الله، وارفُق بهم)) فرجعتُ إليهم، فلم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الله، ثم قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَر، فنزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً مِن دَوْس، ثم لحقنا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم بخَيْبَر، فأسهم لنا مع المسلمين. قال ابن إسحاق: فلما قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وارتدَّت العربُ، خرج الطُّفَيلُ مع المسلمين حتى فرغوا مِن طُليحة، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامَةِ، ومعه ابنه عَمْرو بن الطُّفَيْل، فقال لأصحابه: إنى قد رأيتُ رؤيا فاعبُروها لى؛ رأيتُ أنَّ رأسى قد حُلِقَ، وأنه قد خرج مِن فمى طائر، وأن امرأة لقيتنى، فأدخلتنى فى فَرْجها، ورأيتُ أنَّ ابنى يطلبُنى طلباً حثيثاً، ثم رأيتُه حُبِسَ عنى، قالوا: خيراً رأيت. قال: أما واللهِ إنى قد أوَّلتُها. قالوا: وما أوَّلتَها؟ قال: أما حلق رأسى، فوضعُه، وأما الطائر الذى خرج من فمى، فروحى، وأما المرأة التى أدخلتنى فى فَرْجها، فالأرض تُحفر، فأغيب فيها، وأما طلب ابنى إياى وحبسُه عنى، فإنى أراه سيجاهد، لأن يصيبه من الشهادة ما أصابنى. فقُتِل الطُّفَيْل شهيداً باليمامة، وجُرِح ابنه عَمْرو جرحاً شديداً، ثم قُتِل عام اليرموك شهيداً فى زمن عمر رضى الله عنه. فصل في فقه هذه القصة فيها: أنَّ عادة المسلمين كانت غُسْلَ الإسلامِ قبل دخولهم فيه، وقد صح أمرُ النبى صلى الله عليه وسلم به، وأصح الأقوال: وجوبُه على مَن أجنب فى حال كفره ومَن لم يُجنب. وفيها: أنَّه لا ينبغى للعاقل أن يُقَلِّد الناسَ فى المدح والذم، ولا سيما تقليدَ مَن يَمدح بهوى ويذُمُّ بهوى، فكم حَالَ هذا التقليدُ بينَ القُلُوب وبين الهُدى، ولم ينجُ منه إلا مَن سبقت له مِن الله الحُسْنَى. ومنها: أنَّ المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب، أسهم لهم. ومنها: وقوعُ كرامات الأولياء، وأنها إنما تكون لحاجة فى الدِّين، أو لمنفعةٍ للإسلام والمسلمين، فهذه هى الأحوال الرحمانية، سببُها متابعة الرسول، ونتيجتُها إظهارُ الحق، وكسرُ الباطل، والأحوال الشيطانية ضِدُّها سبَباً ونتيجة. ومنها: التأنى والصبرُ فى الدعوة إلى الله، وأن لا يُعجل بالعقوبةِ والدعاء على العصاة، وأما تعبيرُه حلق رأسه بوضعه، فهذا لأن حلق الرأس وضعُ شعره على الأرض، وهو لا يدُلُّ بمجرده على وضع رأسه، فإنه دال على خلاص من هم، أو مرض، أو شدة لمن يليقُ به ذلك، وعلى فقر ونَكَدٍ، وزوالِ رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك، ولكن فى منام الطُّفَيْل قرائن اقتضت أنَّه وضْعُ رأسه، منها أنه كان فى الجهاد، ومقاتلة العدو ذى الشَوْكة والبأس. ومنها: أنَّه دخل فى بطن المرأة التى رآها، وهى الأرض التى هى بمنزلة أُمه، ورأى أنَّه قد دخل فى الموضع الذى خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض، كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ}[طه: 55]، فأوَّلَ المرأة بالأرض إذ كلاهما محلُ الوطء، وأوَّلَ دخولَه فى فَرْجها بعودِه إليها كما خُلِقَ منها، وأوَّلَ الطائر الذى خرج مِن فِيه بروحه، فإنها كالطائر المحبوس فى البدن، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذى فارق حبسه، فذهب حيثُ شاء، ولهذا أخبر النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ نَسْمَةَ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فى شَجَرِ الجَنَّة))، وهذا هو الطائرُ الذى رُؤى داخلاً فى قبر ابن عباس لما دُفِنَ، وسُمِعَ قارئ يقرأ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}[الحجر: 27]. وعلى حسب بياض هذا الطائر وسواده وحُسْنِه وقُبحهِ، تكونُ الروح، ولهذا كانت أرواحُ آلِ فرعون فى صورة طيور سود تَرِدُ النارَ بكرة وعشيةً، وأوَّلَ طلبَ ابنه له باجتهاده فى أن يلحق به فى الشهادة، وحبسه عنه هو مدة حياته بين وقعة اليمامة واليرموك.. والله أعلم. فصل فى قدوم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدُ نصارى نجران بالمدينة، فحدَّثنى محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وفد نجـرانَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلُوا عليه مسجدَه بعد صلاة العصر، فحانت صلاتُهم، فقاموا يُصَلُّون فى مسجده، فأراد الناسُ منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهُم)) فاسْتَقْبَلُوا المَشْرِقَ، فَصَلَّوا صَلاَتَهُمْ. قال: وحدَّثنى يزيدُ بنُ سفيان، عن ابن البيلمانى، عن كُرز بن علقمة، قال: قدم على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفدُ نصارى نجران ستون راكباً، منهم: أربعة وعشرون رجلاً من أشرافهم، والأربعة والعشرون، منهم ثلاثةُ نَفَر إليهم يؤول أمرُهم: العاقِبُ أميرُ القوم، وذو رأيهم، وصاحِبُ مشورتهم، والذى لا يَصْدُرون إلا عن رأيه وأمره، واسمُه عبد المسيح، والسيد: ثِمالُهم، وصاحِبُ رَحْلهم، ومجتمعهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بنى بكر بن وائل أُسقُفهم وحَبْرُهم وإمامُهم، وصاحِبُ مِدْرَاسِهِم. وكان أبو حارثة قد شَرُفَ فيهم، ودَرَسَ كتبَهم، وكانت ملوكُ الروم مِن أهل النصرانية قد شرَّفوه، وموَّلُوه، وأخدَموه، وبَنَوْا له الكنائِسَ، وبسطوا عليه الكراماتِ لِما يبلغهم عنه مِن علمه واجتهاده فى دينهم. فلما وجَّهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له مُوجِّهاً إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أخٌ له يقال له: كُرز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلةُ أبى حارثة. فقال له كُرز: تعس الأبعدُ يريدُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو حارثة: بل أنت تَعِسْتَ. فقال: ولِمَ يا أخى؟ فقال: واللهِ إنه النبىُّ الأُمىُّ الذى كنا ننتظرُه. فقال له كُرز: فما يمنعُك من اتِّباعه وأنت تعلمُ هذا؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القومُ: شرَّفونا، وموَّلونا، وأكرمونا، وقد أبَوْا إلا خِلافَه، ولو فعلتُ نزعوا منا كُلَّ ما ترى، فأضمر عليها مِنه أخوه كُرز ابن علقمة حتى أسلم بعد ذلك. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:09 PM | #213 |
|
قال ابن إسحاق: وحدَّثنى محمد بن أبى محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدَّثنى سعيد بن جُبير، وعِكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبارُ يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعُوا عنده، فقالت الأحبارُ: ما كان إبراهيمُ إلا يهودياً، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانياً، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ فيهـم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً ولا نَصْرَانِيّاً ولَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينْ * إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ واللهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 65-68] فقال رجل من الأحبار: أتريد منا يا محمد أن نعبُدَك كما تعبُدُ النَّصارى عيسى ابن مريم؟ وقال رجل مِن نصارى نجران: أَوَ ذلك تريدُ يا محمد، وإليه تدعونا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَعَاذَ الله أنْ أعْبُدَ غَيْرَ الله، أوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنى ولا أَمَرَنى))، فأنزل اللهُ عَزَّ وجَلَّ فى ذلك: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً، أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 79]، ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه، وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: {وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} إلى قوله: {مِنَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران: 81].
وحدَّثنى محمد بن سهل بن أبى أمامة، قال: لما قدم وفدُ نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم، نزل فيهم فاتحةُ آل عمران إلى رأس الثمانين منها. وروينا عن أبى عبد الله الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس ابن بكير، عن سلمة بن عبد يسوع، عن أبيه، عن جده، قال يونس وكان نصرانياً فأسلم : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كـتب إلى أهل نجران: ((باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أمَّا بَعْدُ.. فَإنى أدْعُوكُم إلى عِبَادَةِ الله مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ، وأَدْعُوكُم إلى وِلاَيَةِ اللهِ مِنْ وِلاَيَةِ العِبَادِ، فإنْ أَبَيْتُمْ فَالجِزْيَةُ، فَإنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ آذَنْتُكُمْ بِحَربٍ، والسَّلام)). فلما أتى الأسقف الكتابُ فقرأه، فَظِعَ به، وذعر به ذعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل نجرانَ يُقال له: ((شُرحبيل ابن وداعة))، وكان من همدان، ولم يكن أحد يُدعى إذا نزل مُعضِلة قبله، لا الأيهم، ولا السيدُ، ولا العاقِبُ، فدفع الأسقف كِتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقرأه، فقال الأسقف: يا أبا مريم؛ ما رأيُك؟ فقال شُرحبيل: قد علمتَ ما وعد الله إبراهيم فى ذُرِّية إسماعيل من النبوة، فما يؤمَن أن يكون هذا هو ذلك الرجل، ليس لى فى النبوة رأى، لو كان من أمر الدنيا أشرتُ عليك فيه برأى وجهدتُ لك فيه، فقال الأسقف: تنح فاجلس، فتنحَّى شُرحبيل فجلس ناحية، فبعث الأسقف إلى رجل مِن أهل نجران يقال له: ((عبد الله ابن شُرحبيل))، وهو من ذى أصبح من حِمْيَر، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأى فيه، فقال له مثلَ قول شُرحبيل. فقال له الأسقف: تنح فاجلِس، فتنحَّى، فجلس ناحية، فبعث الأسقفُ إلى رجل من أهل نجران يقال له: ((جبار بن فيض)) من بنى الحارث بن كعب، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأى فيه، فقال له مثلَ قولِ شُرحبيل وعبد الله، فأمره الأسقف فتنحَّى، فلما اجتمع الرأىُ منهم على تلك المقالة جميعاً، أمر الأسقفُ بالناقوس، فضُرِبَ به، ورُفِعَتِ المسوحُ فى الصوامع، وكذلك كانُوا يفعلون إذا فزِعُوا بالنهار، وإذا كان فزَعُهم بالليل ضُرِبَ الناقوس، ورُفِعَت النيران فى الصوامع، فاجتمعَ حين ضُرَِبَ بالناقوس، ورُفِعَت المسوح أهلُ الوادى أعلاه وأسفله، وطولُ الوادى مسيرةُ يوم للراكب السريع، وفيه ثلاثٌ وسبعون قرية، وعشرون ومائة ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألهم عن الرأى فيه، فاجتمع رأىُ أهلِ الوادى منهم على أن يبعثوا شُرحبيل بن وداعة الهَمْدَانى، وعبد الله بن شُرحبيل، وجبار بن فيض الحارثى، فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق الوفدُ حتى إذا كانُوا بالمدينة، وضعُوا ثيابَ السـفر عنهم، ولبسوا حُللاً لهم يجرُّونها من الحِبَرَةِ، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أَتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسلَّموا عليه، فلم يَرْدَّ عليهم السلامَ، وتصدَّوا لِكلامه نهاراً طويلاً، فلم يُكلِّمهم، وعليهم تِلك الحُلل والخواتيم الذهب، فانطلقوا يتبعون عثمانَ بن عفان، وعبد الرحمن بن عَوْف، وكانا معرفةً لهم، كانا يُخرِجان العِيرَ فى الجاهلية إلى نجرانَ، فيُشترَى لهما مِن بُرِّها وثمرها وذرتها، فوجدوهما فى ناس من الأنصار والمهاجرين فى مجلس، فقالوا: يا عثمان، ويا عبدَ الرحمن؛ إن نبيكم كتب إلينا بكتاب، فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلَّمنا عليه، فلم يَرُدَّ علينا سلامنا، وتصدَّيْنَا لِكلامه نهاراً طويلاً، فأعيانا أن يُكلِّمنا، فما الرأىُ منكما، أنعود؟ فقالا لعلى بن أبى طالب وهو فى القوم: ما ترى يا أبا الحسن فى هؤلاء القوم؟ فقال علىُّ لعثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمَهم، ويلبسوا ثيابَ سفرهم، ثم يأتوا إليه، ففعل الوفدُ ذلك، فوضعوا حُللهم وخواتيمهم، ثم عادُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّمُوا عليه، فردَّ سلامهم، ثم سألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألةُ حتى قالُوا له: ما تقولُ فى عيسى عليه السلام؟ فإنَّا نرجع إلى قومنا، ونحنُ نصارى، فيسرُّنا إن كنت نبياً أن نعلم ما تقول فيه؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا عِنْدِى فِيهِ شَىْءٌ يَوْمِى هذا، فَأقِيمُوا حَتى أُخْبِرَكم بِمَا يُقَالُ لى فى عِيسى عَلَيْهِ السَّلام))، فأصبح الغدُ وقد أنزل الله عَزَّ وجَلَّ: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءنا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا ونِسَاءكُمْ وأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59-61] فأبوا أن يُقِرُّوا بذلك، فلما أصبح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الغَد بعدما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملاً على الحسن والحسين رضى الله عنهما فى خميل له، وفاطمةُ رضى الله عنها تمشى عند ظهره للمُباهلة، وله يومئذ عِدةُ نِسوة، فقال شُرحبيل لصاحبيه: يا عبدَ الله بن شُرحبيل، ويا جبار ابن فيض، قد علمتما أن الوادِى إذا اجتمع أعلاه وأسفلُه لم يَرِدُوا، ولم يصدُرُوا إلا عن رأى، وإنى واللهِ أرى أمراً مقبلاً، وأرى واللهِ إن كان هذا الرجلُ مَلكاً مبعوثاً، فكنا أولَ العرب طعن فى عينه، وردَّ عليه أمره لا يذهب لنا من صدره، ولا مِن صدور قومه حتى يُصيبونا بجائحة، وإنَّا أدنى العرب منهم جـواراً، وإن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً، فلاعنَّاه، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرةٌ ولا ظفرٌ إلا هلَكَ، فقال له صاحباه: فما الرأىُ فقد وضعتك الأمورُ على ذِراعٍ، فهاتِ رأيك؟ فقال: رأيى أن أُحكِّمَه، فإنى أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له: أنتَ وذاك. فلقى شُرحبيلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنى قد رأيتُ خيراً مِن مُلاعنتك، فقال: ((وما هو))؟ قال شُرحبيل: حُكمك اليومَ إلى الليل وليلتك إلى الصَّباح، فمهما حكمتَ فينا، فهو جائز. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَداً يُثَرِّبُ عَلَيْكَ))؟ فقال له شُرحبيل: سل صاحبىَّ، فسألهما، فقالا: ما يَردُ الوادى، ولا يصدُر إلا عن رأى شُرحبيل. فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ((كافر)) أو قال: ((جاحد مُوَفَّق)). فرجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُلاعنهم، حتى إذا كان من الغد أتَوْه، فكتب لهم فى الكتاب: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما كتب محمد النبىُّ رسولُ اللهِ لنجرانَ إذ كان عليهم حُكمه فى كل ثمرة، وفى كل صفراء، وبيضاء، وسوداء، ورقيق، فأفضَلَ عليهم، وتركَ ذلك كُلَّه على ألفى حُلَّة، فى كل رَجَب ألفُ حُلَّة، وفى كُلِّ صَفَر ألفُ حُلَّة، وكل حُلَّة أوقية، ما زادت على الخراج أو نقصت على الأواقى، فبحساب، وما قَضَوْا مِن دروع، أو خيل، أو ركاب، أو عَرَضٍ، أُخِذَ منهم بحساب، وعلى نجران مثواةُ رسلى، ومتعتهم بها عشرين فدونه، ولا يُحبس رسول فوقَ شهر، وعليهم عاريةٌ ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً إذا كان كيدٌ باليمن ومغدرة، وما هلك مما أعارُوا رسولى مِن دروع، أو خيل، أو ركاب، فهو ضَمانٌ على رسولى حتى يؤدِّيَه إليهم، ولنجرانَ وحسبها جوارُ الله وذِمَّةُ محمد النبىِّ على أنفسهم، ومِلَّتهم، وأرضِهم، وأموالهم، وغائِبهم، وشاهِدهم، وعشيرتهم، وتبعهم، وأن لا يُغيِّروا مما كانوا عليه، ولا يُغيَّر حق من حقوقهم ولا مِلَّتهم، ولا يُغيَّرُ أسقفٌ من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا وافه عن وَفهيَّتِه وكل ما تحت أيديهم مِن قليل أو كثير، وليس عليهم ريبة ولا دمُ جاهلية، ولا يُحشَرُونَ، ولا يُعَشَّرُون، ولا يطأ أرضَهم جيش، ومَن سأل منهم حقاً فبينهم النَّصَفُ غيرَ ظالمين ولا مظلومين، وَمن أكل ربا مِن ذى قبل، فذمِّتى منه بريئة، ولا يُؤخذ رجل منهم بظلم آخر، وعلى ما فى هذه الصحيفة جوارُ الله وذِمَّةُ محمد النبى رسول الله حتى يأتى الله بأمره ما نصحُوا وأصلحُوا فيما عليهم غيرَ منقلبين بظلم)). شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عَمْرو، ومالك بن عوف، والأقرع بن حابس الحنظلى، والمغيرة بن شعبة، وكتب. حتى إذا قبضوا كتابهم، انصرفوا إلى نجران، فتلقاهم الأسقف ووجوهُ نجران على مسيرة ليلة، ومع الأسقف أخٌ له من أُمه، وهو ابنُ عمه من النسب، يقال له: بشر بن معاوية، وكنيته أبو علقمة، فدفع الوفدُ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف، فبينا هو يقرؤه، وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كَبَتْ ببشرٍ ناقتُه، فَتَعَّسَ بِشْرٌ، غير أنه لا يكنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الأسقف عند ذلك: قد تَعَّسْتَ واللهِ نبِيّاً مرسلاً، فقال بشر: لا جَرَم واللهِ لا أحُلُّ عنها عقداً حتى آتيه، فضربَ وجه ناقته نحو المدينة، وثنى الأسقفُ ناقته عليه، فقال له: افهم عنى إنما قلتُ هذا لتبلغ عنى العربَ مخافة أن يقولوا: إنَّا أُخِذْنَا حُمقة أو نخعنا لهذا الرجل بما لم تَنْخَعْ به العربُ، ونحن أعزُّهم وأجمعُهم داراً، فقال له بشر: لا واللهِ لا أقيلُك ما خرج من رأسك أبداً، فضرب بشر ناقته، وهو مُولٍّ ظهره للأسقف وهو يقول: إلَيْكَ تَعْدُو قَلِقاً وَضِينُهــــا *** مُعْتَرِضاً فى بَطْنِهَا جَنِينُهـــا مُخَالِفاً دِينَ النَّصارى دِينُها حتى أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم ولم يزل مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى استشهد أبو علقمة بعد ذلك. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:13 PM | #214 |
|
ودخل الوفد نجران، فأتى الراهب ابن أبى شمر الزبيدى، وهو فى رأس صومعة له، فقال له: إن نبياً قد بُعِث بتهامة، وإنَّه كتب إلى الأسقف، فأجمع أهلُ الوادى أن يُسَيِّروا إليه شُرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شُرحبيل، وجبار ابن فيض، فيأتونهم بخبره، فسارُوا حتى أتَوْه، فدعاهم إلى المباهلة، فكرهوا ملاعنته، وحكَّمه شُرحبيل فحكم عليهم حكماً، وكتب لهم كتاباً، ثم أقبل الوفدُ بالكتاب حتى دفعُوه إلى الأسقف، فبينا الأسقفُ يقرؤه وبشر معه حتى كبت ببشر ناقته فتعَّسَه، فشهد الأسقفُ أنه نبى مرسل، فانصرف أبو علقمة نحوَه يُريد الإسلام، فقال الراهب: أنزلونى وإلا رميتُ بنفسى مِن هذه الصومعة، فأنزلوه، فانطلق الراهبُ بِهَدِية إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، منها هذا البُردُ الذى يَلبَسُهُ الخلفاء والقعب والعصا، وأقام الراهبُ بعد ذلك يسمع كيف ينزل الوحىُ، والسنن، والفرائض، والحدودُ، وأبى الله لِلراهب الإسلام، فلم يُسلم، واستأذنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فى الرجعة إلى قومه، وقال: إنَّ لى حاجةً ومعاداً إن شاء الله تعالى، فرجع إلى قومه، فلم يعد حتى قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنَّ الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السَّيد والعاقِب ووجوهُ قومه، وأقامُوا عنده يستمعون ما ينزل اللهُ عليه، فكتب للأسقف هذا الكتاب وللأساقفة بنجران بعده: ((بسْم اللهِ الرَّحْمَن الرَّحيم، منْ مُحَمَّدٍ النَّبىِّ إلى الأسقُفُ أبى الحارث وأسَاقِفَةِ نَجْرانَ وكَهَنَتِهِم، ورُهْبَانِهِمْ، وأهْلِ بِيَعِهم، ورَقيقِهم، ومِلَّتِهم، وسَوَقِتِهِم، وعَلى كُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِم مِنْ قَلِيلٍ وَكثِيرٍ، جِوارُ اللهِ ورَسُولِه، لا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفَتِهِ ولا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، ولا كَاهِنٌ مِنْ كَـهَانَتِه، ولا يُغَيَّرُ حَقٌ مِنْ حُقُوقِهِم، ولا سُلْطَانهم، ولا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، عَلى ذلِكَ جِوَارُ اللهِ ورَسُولِه أبَداً ما نَصحوا وأَصْلَحوا عَلَيْهِم، غَيْرَ منقَلِبِين بِظَالِمٍ، ولا ظَالِمِينَ)). وكتب المغيرةُ بن شعبة، فلما قبض الأسقفُ الكتاب، استأذن فى الانصراف إلى قومه ومَن معه، فأذن لهم، فانصرفوا. وروى البيهقى بإسناد صحيح إلى ابن مسعود، أنَّ السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُلاعنهما، فقال أحدُهما لصـاحبه: لا تُلاعِنْه، فواللهِ إن كان نبياً فلاعنتَه لا نُفْلِحُ نحن، ولا عَقِبُنا مِن بعدنا، قالوا له: نُعطيك ما سألتَ، فابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعثْ معنا إلا أميناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأَبْعَثَنَّ مَعَكُم رَجُلاً أميناً حَقَّ أمِينٍ))، فاستشرف لها أصحابُه، فقال: ((قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ)) فلمَّا قَامَ، قال: ((هذا أمِينُ هذِهِ الأُمَّة)). ورواه البخارى فى ((صحيحه)) من حديث حذيفة بنحوه. وفى ((صحيح مسلم)) من حديث المُغيرة بن شُعبة قال: بعثنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالُوا فيما قالوا: أرأيتَ ما يقرؤون: {يَا أُخْتََ هَارُونَ }، وقد كان بينَ عيسى وموسى ما قد علمتم، قال: فأتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه قال: ((أفَلا أخْبَرْتَهُم أنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسماءِ أَنْبِيَائِهِمْ والصَّالِحينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُم)). وروينا عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: وبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علىَّ بن أبى طالب إلى أهل نجران ليجمع صدقاتِهم، ويَقْدَمَ عليه بجزيتهم. فصل فى فقه قصة وفد نجران ففيها: جوازُ دُخولِ أهلِ الكتاب مساجدَ المسلمين. وفيها: تمكينُ أهلِ الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفى مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً، ولا يُمكَّنون من اعتياد ذلك. وفيها: أنَّ إقرارَ الكاهن الكِتابى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبى لا يُدخله فى الإسلام ما لم يلتزِمْ طاعتَه ومتابعته، فإذا تمسَّك بدينه بعد هذا الإقرار لا يكونُ رِدَّة منه، ونظيرُ هذا قول قول الحَبْرينِ له، وقد سألاه ثلاث مسائل، فلما أجابهما، قالا: نشهد أنك نبى، قال: ((فما يمنعُكما مِن اتباعى))؟ قالا: نخاف أن تقتُلَنا اليهودُ، ولم يُلزمهما بذلك الإسلام، ونظيرُ ذلِكَ شهادةُ عمه أبى طالب له بأنه صادق، وأنَّ دينَه مِن خير أديان البرية ديناً، ولم تُدخِلْه هذه الشهادةُ فى الإسلام. ومَن تأمَّل ما فى السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة فى الإسلام، علم أنَّ الإسلامَ أمرٌ وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفةُ والإقرارُ، والانقيادُ، والتزامُ طاعته ودينه ظاهراً وباطناً. وقد اختلف أئمةُ الإسلام فى الكافر إذا قال: أشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ ولم يَزِدْ، هل يُحكم بإسلامه بذلك؟ على ثلاثة أقوال، وهى ثلاثُ روايات عن الإمام أحمد، إحداها: يُحكم بإسلامه بذلك، والثانية: لا يُحكـم بإسلامه حتى يأتىَ بشهادة أنْ لا إله إلا الله، والثالثة: أنَّه إذا كان مقراً بالتوحيد، حُكِم بإسلامه، وإن لم يكن مقراً، لم يُحكم بإسلامه حتى يأتىَ به، وليس هذا موضعَ استيفاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليه إشارة، وأهلُ الكتابين مجمعون على أنَّ نبياً يخرج فى آخر الزمان، وهم ينتظرونه، ولا يَشُكُّ علماؤهم فى أنه محمدُ بنُ عبد الله بن عبد المطلب، وإنما يمنعُهم من الدخول فى الإسلام رئاستُهم على قومهم، وخضوعُهم لهم، وما ينالونه منهم مِن المال والجاه. ومنها: جوازُ مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحبابُ ذلك، بل وجوبُه إذا ظهرت مصلحتُه من إسلام مَن يُرجى إسلامُه منهم، وإقامة الحُجَّة عليهم، ولا يهرُب من مجادلتهم إلا عاجزٌ عن إقامة الحُجَّة، فليوَلِّ ذلك إلى أهله، وليُخَلّ بَيْنَ المَطِىِّ وحَادِيها، والقوسِ وباريها، ولولا خشيةُ الإطالة لذكرنا مِن الحُجَج التى تلزمُ أهل الكتابَيْنِ الإقرارَ بأنه رسولُ الله بما فى كتبهم، وبما يعتقدونه بما لا يُمكنهم دفعُه ما يزيد على مائة طريق، ونرجو من الله سبحانه إفرادَها بمصنَّف مستقل. ودار بينى وبين بعض علمائهم مناظرةٌ فى ذلك، فقلت له فى أثناء الكلام: ولا يتم لكم القَدح فى نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم إلا بالطعن فى الربِّ تعالى والقدح فيه، ونسبته إلى أعظم الظلم والسفه والفساد، تعالى الله عن ذلك، فقال: كيف يلزمُنا ذلك؟ قلت: بل أبلغ مِن ذلك، لا يَتمُّ لكم ذلك إلا بجحوده وإنكار وجوده تعالى، وبيانُ ذلك أنه إذا كان محمد عندكم ليس بنبىٍّ صادق، وهو يزعمكم ملك ظالم، فقد تهيأ له أن يفترىَ على الله، ويتقوَّل عليه ما لم يقُلْه، ثم يتم له ذلك، ويستمر حتى يُحلِّل، ويُحَرِّمَ، ويفرِضَ الفرائضَ، ويشرع الشرائع، وينسخَ المِلل، ويضربَ الرِّقاب، ويقتلَ أتباعَ الرُّسل، وهم أهلُ الحق، ويسبى نساءَهم وأولادَهم، ويَغْنَم أموالهم ودِيارَهم، ويَتِمَّ له ذلك حتى يفتحَ الأرض، وينسب ذلك كله إلى أمر الله تعالى له به ومحبته له، والربُّ تعالى يُشاهده، وما يفعل بأهل الحقِّ وأتباع الرُّسُل، وهو مستمر فى الافتراء عليه ثلاثاً وعشرين سنة، وهو مع ذلك كُلِّه يُؤيده وينصُره، ويُعلى أمره، ويُمكِّن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البَشَر، وأعجَب من ذلك أنه يُجيب دعواته، ويُهلِكُ أعداءَه من غير فعل منه نفسه ولا سبب، بل تارة بدعائه، وتارة يستأصِلُهم سبحانه من غير دعاء منه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يقضى له كل حاجة سأله إياها، ويعده كل وعد جميل، ثم ينجز له وعده على أتمِّ الوجوه، وأهنئها، وأكملها، هذا وهو عندكم فى غاية الكذِب والافتراءِ والظُّلم، فإنه لا أكذبَ ممن كذبَ على اللهِ، واستمرَّ على ذلك، ولا أظلمَ ممن أبطل شرائعَ أنبيائه ورُسُله، وسعى فى رفعها من الأرض، وتبديلها بما يُريد هو، وقتل أولياءه وحزبه وأتباع رُسُله، واستمرت نصرتُه عليهم دائماً، والله تعالى فى ذلك كُلِّهِ يقره، ولا يأخُذ منه باليمين، ولا يقطَعُ منه الوتَين، وهو يُخبِرُ عن ربه أنه أُوحى إليه أنه لا: {أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِىَ إلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللهُ}[الأنعام: 93]، فيلزمُكم معاشِرَ مَنْ كذَّبه أحدُ أمرين لا بد لكم منهما: إما أن تقُولوا: لا صانِع للعالَم، ولا مُدَبِّرَ، ولو كان للعالَم صانع مدبِّرٌ قديرٌ حكيم، لأخذ على يديه، ولقابله أعظمَ مقابلة، وجعله نكالا للظالمينَ إذ لا يليقُ بالملوك غيرُ هذا، فكيف بملك السماواتِ والأرض، وأحكم الحاكمين؟ الثانى: نِسبةُ الربِّ إلى ما لا يليق به من الجور، والسفه، والظلم، وإضلال الخلق دائماً أبَد الآباد، لا بَلْ نصرة الكاذب، والتمكين له من الأرض، وإجابة دعواته، وقيام أمره مِن بعده، وإعلاء كلماته دائماً، وإظهار دعوته، والشهادة له بالنبوة قرناً بعد قرن على رؤوس الأشهاد فى كل مجمع وناد، فأين هذا من فعل أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فلقد قدحتم فى رب العالمين أعظمَ قدح، وطعنتم فيه أشَدَّ طعن، وأنكرتموه بالكلية، ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذَّابين قام فى الوجود، وظهرت له شَوْكة، ولكن لم يتم له أمرُه، ولم تطل مدته، بل سَلَّط عليه رُسُله وأتباعهم، فمحقوا أثره، وقطعوا دابره، واستأصلوا شأفته. هذه سُـنَّته فى عباده منذ قامت الدنيا، وإلى أن يرث الأرض ومَن عليها. فلما سمع منى هذا الكلام، قال: معاذَ الله أن نقول: إنه ظالم أو كاذب، بل كُلُّ منصف من أهل الكتاب يُقِرُّ بأنَّ مَن سلك طريقه، واقتفى أثَره، فهو مِن أهل النجاة والسعادة فى الأُخرى، قلتُ له: فكيف يكون سالكُ طريق الكذَّاب، ومقتفى أثره بزعمكم مِن أهل النجاة والسعادة؟ فلم يجد بُداً من الاعتراف برسالته، ولكن لم يُرسَل إليهم. قلت: فقد لزمك تصديقُه ولا بد، وهو قد تواترت عنه الأخبار بأنه رسولُ رب العالَمين إلى الناس أجمعينَ، كِتَابِيهم وأُمِّيهم، ودعا أهل الكتاب إلى دينه، وقاتل مَن لم يدخُلْ فى دينه منهم حتى أقروا بالصغار والجزية، فَبُهِتَ الكافِرُ، ونهض مِن فوره. والمقصود: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يزل فى جِدالِ الكفار على اختلاف مِللهم ونِحَلِهم إلى أن تُوفى، وكذلك أصحابُه من بعده، وقد أمره الله سبحانه بجدالهم بالتى هى أحسن فى السورة المكية والمدنية، وأمره أن يدعوهم بعد ظهور الحُجَّةِ إلى المُباهلة، وبهذا قام الدينُ، وإنما جُعِلَ السيفُ ناصِراً للحُجَّة، وأعدلُ السيوفِ سيفٌ ينصُرُ حُجَجَ اللهِ وبيِّناتِه، وهو سيفُ رسوله وأُمته. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:16 PM | #215 |
|
فصل
فى أن مَن عظَّمَ مخلوقاً فوق منزلته بحيث أخرجه عن منزلة العبودية فقد أشرك بالله ومنها: أنَّ مَن عظَّم مخلوقاً فوقَ منزلته التى يستحِقُّها، بحيثُ أخرجه عن منزلة العبودية المحضة، فقد أشرك بالله، وعَبَدَ مع الله غيره، وذلك مخالفٌ لجميع دعوة الرُّسُل، وأما قوله: إنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى نجران باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فلا أظن ذلك محفوظاً، وقد كتب إلى هرقل: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))، وهذه كانت سُـنَّته فى كُتبه إلى الملوك، كما سيأتى إن شاء الله تعالى، وقد وَقع فى هذه الرواية هذا، وقال ذلك قبل أن ينزل عليه: {طس، تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِين}[النمل: 1] وذلك غلط على غلط، فإن هذه السورة مكيَّة باتفاق، وكتابه إلى نجرانَ بعد مرجعه من تبوك. وفيها: جواز إهانةِ رُسُل الكفار، وتركِ كلامهم إذا ظهر منهم التعاظمُ والتكبر، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُكلِّم الرُّسُل، ولم يرُدَّ السلام عليهم حتى لبسوا ثياب سفرهم، وألقوا حُللهم وحُلاهم. ومنها: أنَّ السُّـنَّة فى مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حُجَّةُ اللهِ، ولم يرجعوا، بل أصرُّوا على العناد أن يدعوَهم إلى المباهلة، وقد أمر اللهُ سبحانه بذلك رسولَه، ولم يقل: إنَّ ذلك ليس لأُمتك مِن بعدك، ودعا إليه ابنُ عمِّه عبدُ الله بن عباس لمن أنكر عليه بعضَ مسائل الفروع، ولم يُنكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعىُّ: سفيانَ الثورىَّ فى مسألة رفع اليدين، ولم يُنكر عليه ذلك، وهذا من تمام الحُجَّة. ومنها: جواز صلح أهل الكتاب على ما يريد الإمام من الأموال ومِن الثياب وغيرها، ويجرى ذلك مجرى ضربِ الجزية عليهم، فلا يحتاج إلى أن يُفرد كل واحد منهم بجزية، بل يكون ذلك المالُ جزيةً عليهم يقتسِمُونها كما أحبوا، ولما بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً، أو عَدْله معافرياً. والفرق بين الموضعين أن أهلَ نجران لم يكن فيهم مسلم، وكانوا أهل صلح، وأما اليمن فكانت دار الإسلام، وكان فيهم يهود، فأمره أن يضرِبَ الجزية على كل واحد منهم، والفقهاء يخصون الجزية بهذا القسم دون الأول، وكلاهما جزية، فإنه مال مأخوذ من الكفار على وجه الصَغَار فى كل عام. ومنها: جواز ثبوت الحُلل فى الذِمَّة، كما تثبت فى الدية أيضاً، وعلى هذا يجوز ثبوتُها فى الذِمَّة بعقد السَلَم وبالضَّمان وبالتَّلَفِ، كما تثبت فيها بعقد الصداق والخلع. ومنها: أنَّه يجوز معاوضتُهم على ما صالحوا عليه من المال بغيره من أموالهم بحسابه. ومنها: اشتراطُ الإمام على الكفار أن يُؤووا رُسُلَه ويُكرموهم، ويُضيفوهم أياماً معدودة. ومنها: جوازُ اشتراطه عليهم عارية ما يحتاج المسلمون إليه مِن سلاح، أو متاع، أو حيوان، وأن تلك العارية مضمونة، لكن هل هى مضمونة بالشرط أو بالشرع؟ هذا محتمل، وقد تقدَّم الكلام عليه فى غزوة حُنَيْن، وقد صرَّح هاهنا بأنها مضمونة بالرد، ولم يتعرض لضمان التلف. ومنها: أنَّ الإمامَ لا يُقِرُّ أهلَ الكتاب على المعاملات الربوية، لأنها حرام فى دينهم، وهذا كما لا يُقِرُّهم على السّكْرِ، ولا على اللِّواط والزِّنَى، بل يحدُّهم على ذلك. ومنها: أنَّه لا يجوزُ أن يُؤخذ رجلٌ من الكفار بظلم آخر، كما لا يجوز ذلك فى حق المسلمين، وكلاهما ظلم. ومنها: أنَّ عقدَ العهد والذِمَّة مشروطٌ بنصح أهل العهد والذِمَّة وإصلاحهم، فإذا غشُّوا المسلمين وأفسدوا فى دينهم، فلا عهد لهم ولا ذِمَّة، وبهذا أفتينا نحن وغيرُنا فى انتقاض عهدهم لما حرقوا الحريق العظيمَ فى دمشق حتى سرى إلى الجامِع، وبانتقاض عهد مَن واطأهم وأعانهم بوجه ما، بل ومَن علم ذلك، ولم يرفعه إلى ولى الأمر، فإنَّ هذا مِن أعظم الغش والضرر بالإسلام والمسلمين. ومنها: بعثُ الإمامُ الرجل العالِم إلى أهل الهُدنة فى مصلحة الإسلام، وأنه ينبغى أن يكون أميناً، وهو الذى لا غرض له ولا هوى، وإنما مرادُه مجردُ مرضاة الله ورسوله، لا يشوبُها بغيرها، فهذا هو الأمين حقُّ الأمين، كحال أبى عُبيدة بن الجرَّاح. ومنها: مناظرةُ أهل الكتاب وجوابُهم عما سألوه عنه، فإن أشكل على المسؤول، سأل أهل العلم. ومنها: أنَّ الكلام عند الإطلاق يُحمل على ظاهره حتى يقومَ دليلٌ على خلافه، وإلا لم يُشكل على المغيرة قوله تعالى: {يَا أُخْتََ هَارُونَ}، هذا وليس فى الآية ما يدل على أنه هارون بن عمران حتى يلزم الإشكال، بل المورد ضمَّ إلى هذا أنه هارون بن عمران، ولم يكتف بذلك حتى ضم إليه أنه أخو موسى بن عمران، ومعلوم أنه لا يدل اللَّفظ على شىء من ذلك، فإيرادُه إيراد فاسد، وهو إما من سوء الفهم، أو فساد القصد. وأما قول ابنِ إسحاق: إنَّ النبى صلى الله عليه وسلم بعث علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى أهل نجرانَ ليجمع صدقاتِهم، ويقدم عليه بجزيتهم، فقد يُظن أنه كلامٌ متناقضٌ، لأن الصَدَقةَ والجزية لا تجتمعان، وأشكلُ منه ما ذكره هو وغيرُه أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد فى شهر ربيع الآخر، أو جُمادى الأُولى سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعُوَهم إلى الإسلام قبل أن يُقاتِلَهم ثلاثاً، فإن استجابُوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم، فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركاب يضربون فى كل وجه، ويدعون إلى الإسلام، فأسلم الناسُ، ودخلوا فيما دُعُوا إليه، فأقام فيهم خالد يُعلِّمهم الإسلامَ، وكتب بذلك إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُقبل، ويُقبل إليه بوفدهم، وقد تقدَّم أنهم وَفدُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصالحهم على ألفى حُلَّة، وكتب لهم كتاب أمن وأن لا يُغيَّروا عن دينهم، ولا يُحشــروا، ولا يُعشروا. وجواب هذا: أنَّ أهل نجران كانوا صنفين: نصارى وأُمِّيين، فصـالحَ النصارى على ما تقدَّم، وأما الأُميِّون منهم، فبعث إليهم خالدَ بن الوليد، فأسلموا وقدم وفدُهم على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وهم الذين قال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((بِمَ كُنْتُم تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُم فى الجَاهِلَيَّةِ))؟، قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرَّق، ولا نبدأ أحداً بظلم، قال: ((صدقتم))، وأمَّرَ عليهم قَيْس بن الحُصين، وهؤلاء هم بنو الحارث بن كعب، فقوله: بعث علياً إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم أو جزيتهم، أراد به الطائفتين من أهل نجران، صـدقات مَن أسلم منهم، وجزية النصارى. فصل فى قدوم رسول فَرْوَةَ بنِ عمرو الجُذَامى ملك عرب الروم قال ابن إسحاق: وبعث فروة بن عَمْرو الجُذامى إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروةُ عاملاً للروم على مَن يليهم من العرب، وكان منزِلُه مَعانَ وما حوله من أرض الشام، فلما بلغ الرومُ ذلك من إسلامه، طلبوه حتى أخذوه، فحبسوه عندهم، فلما اجتمعت الرومُ لصلبه على ماء لهم يقال له: ((عفراء))، بفلسطين، قال: أَلا هَـلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنَّ حَلِيلهـا *** عَلى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرَّوَاحِلِ عَلى نَاقَةٍ لم يَضْرِب الفَحْـلُ أُمَّها *** مُشَــذَّبَةً أَطْــرَافُها بِالمَنَاجِـلِ قال ابن إسحاق: وزعم الزُّهْرى أنهم لما قدَّموه، ليقتُلوه قال: بَلِّغْ سَرَاةَ المُسْلِمِينَ بِأَنَّنِى *** سِلْمٌ لِرَبِّى أعْظُمى ومَقَامى ثم ضربوا عنقه، وصلبوه على ذلك الماء يرحمه الله تعالى. فصل فى قدوم وفد بنى سعد بن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: حدَّثنى محمد بن الوليـد بن نويفــع عن كُريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بعثتْ بنو سعد بن بكر ضِمَام بن ثَعلبة وافداً إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقَدِمَ عليه، فأناخ بعيرَه على باب المسجد، فعقله، ثم دخلَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد جالس فى أصحابه، فقال: أيُّكم ابنُ عَبْدِ المُطَّلِب؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب))، فقال: محمد؟ فقال: ((نعم))، فقال: يا ابنَ عبد المطلب؛ إنى سائِلُك ومُغْلِظٌ عليك فى المسألة، فلا تجِدَن فى نفسك. فقال: ((لاَ أَجِدُ فى نَفْسِى فَسَلْ عَمَّا بدا لك)) فقال: أَنْشُدُكَ اللهَ إلهك وإله أهلِك، وإله مَنْ كان قبلك، وإله مَنْ هو كائِنٌ بعدك، آللهُ بعثَك إلينا رسولاً؟ قال: ((اللَّهُمَّ نعم))، قال: فأَنْشُدُكَ اللهَ إلهكَ، وإله مَنْ كَان قبلك، وإله مَن هو كـائِنٌ بعدك. آللهُ أمَرَكَ أن نعبُدَه لا نُشرِكُ به شيئاً، وأن نخلَع هذه الأندَادَ التى كان آباؤنا يعبُدون؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ نعم))، ثم جعل يذكُر فرائِضَ الإسلام فريضةً فريضةً: الصلاةَ، والزكاةَ، والصيامَ، والحَجَّ، وفرائضَ الإسلام كُلَّها، ينشُدُه عند كُلِّ فريضة كما نشدَه فى الَّتى قبلها حتى إذا فرغ قال: فإنى أشهدُ أنَّ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وسأؤدى هذه الفرائضَ، وأجـتنبُ ما نهيتنى عنه، لا أزيدُ ولا أنقُصُ، ثم انصرف راجعاً إلى بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولىَّ: ((إنْ يَصْدُقْ ذُو العَقِيصَتَيْنِ، يَدْخُـلِ الجَنَّة)) وكان ضِمام رجلاً جلداً أشعرَ ذا غديرتين، ثم أتى بعيره، فأطلق عِقاله، ثم خرجَ حتَّى قَدِمَ على قومه، فاجتمعوا عليه، وكان أوَّلَ ما تكلَّم به أن قال: بئستِ اللاتُ والعُزَّى، فقالُوا: مَهْ يا ضِمام، اتق البرصَ، والجنونَ، والجُذام. قال: ويلَكم، إنهما ما يَضُران ولا ينفعَانِ، إنَّ الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإنى أَشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وإنى قد جئتُكم مِن عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، فواللهِ ما أمسى من ذلك اليوم فى حاضِرتِه رجلٌ ولا امرأة إلا مسلماً قال ابن إسحاق: فما سمعنا بوافد قومٍ أفضل مِن ضِمام بن ثعلبة، والقصة فى ((الصحيحين)) من حديث أنس بنحو هذه. وذكر الحَجّ فى هذه القصة يدل على أن قدوم ضِمام كان بعد فرض الحَجّ، وهذا بعيد، فالظاهر أنَّ هذه اللَّفظة مدرجة من كلام بعض الرواة.. والله أعلم. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:19 PM | #216 |
|
فصل
فى قدوم طارق بن عبد الله وقومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم روينا فى ذلك لأبى بكر البيهقى، عن جامع بن شدَّاد، قال: حدَّثنى رجل يُقال له: طارق بن عبد الله. قال: إنى لقائم بسوق المجاز، إذ أقبل رجل عليه جُبَّة له وهو يقول: ((يا أيُّها الناس؛ قولُوا: لا إله إلا اللهُ تُفْلِحُوا))، ورجل يتبعُه يَرميه بالحِجارة يقول: يا أيُّها الناسُ؛ لا تُصدِّقوه فإنه كذَّاب، فقلتُ: مَنْ هذَا؟ فقالوا: هذا غلام من بنى هاشم الذى يزعمُ أنه رسولُ الله، قال: قلتُ: مَن هذا الذى يفعل به هذا؟ قالوا: هذا عمُّه عبدُ العُزَّى، قال: فلما أسلم الناسُ، وهاجرُوا، خَرجنا من الرَّبَذَةِ نُريدُ المدينةَ نمتارُ مِن تمرها، فلما دنونا مِن حيطانها ونخلها، قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثِياباً غيرَ هذه، فإذا رجل فى طِمرين له، فسلَّم وقال: مِن أين أقبلَ القومُ؟ قلنا: من الرَّبَذَةِ. قال: وأين تُريدون؟ قلنا: نُريدُ هَذِهِ المدِينةَ، قال: ما حاجتُكم فيها؟ قلنا: نمتارُ من تمرها. قال: ومعنا ظعينةٌ لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعون جملكم هذا؟ قالوا: نعم بكذا وكذا صاعاً من تمر، قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئاً، فأخذ بخِطام الجمل، فانطلق، فلما توارَى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا: ما صنعنا، واللهِ ما بِعنا جملنا ممن نعرف، ولا أخذنا له ثمناً، قال: تقولُ المرأةُ التى معنا: واللهِ لقد رأيتُ رجلاً كأنَّ وجهه شِقةُ القمر ليلَةَ البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم. وفى رواية ابن إسحاق قالت الظعينة: فلا تَلاوموا، فلقد رأيتُ وجه رجل لا يغدِرُ بكم، ما رأيتُ شيئاً أشبَهَ بالقمر ليلةَ البدر من وجهه، فبينما هم كذلك إذ أقبل رجلٌ فقال: أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكم، هذا تمرُكم، فكُلوا، واشبعوا، واكتالُوا، واستوفوا، فأكلنا حتى شبِعنا، واكتلنا واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجد، فإذا هو قائم على المنبر يخطبُ الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: ((تَصَدَّقُوا فَإنَّ الصَّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ، اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، أُمَّكَ وأَبَاكَ وأُخْتَكَ وأَخَاكَ وأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)) إذ أقبل رجل من بنى يربوع، أو قال: من الأنصار، فقال: يا رسول الله؛ لنا فى هؤلاء دماء فى الجاهلية، فقال: ((إنَّ أُمّاً لا تَجْنى عَلَى وَلَدٍ)) ثلاث مرات. فصل فى قدوم وفد تُجيب وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد تُجيب، وهم من السَّكُونِ ثلاثةَ عشر رجلاً قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التى فرض الله عليهم، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وأكرم منزلهم، وقالوا: يا رسول الله؛ سقنا إليك حق الله فى أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُدُّوها فَاقْسِمُوها على فُقَرَائِكُم)) قالوا: يا رسول الله؛ ما قدمنا عليك إلا بما فَضَل عن فقرائنا، فقال أبو بكر: يا رسولَ الله؛ ما وفَدَ مِن العرب بمثل مَا وفد به هذا الحى من تُجيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الهُدَى بِيَدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فَمَنْ أرادَ بِهِ خَيْراً شَرَحَ صَدْرَهُ للإيمَان))، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء، فكـتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم رغبة، وأمر بلالاً أن يُحسن ضِيافتهم، فأقاموا أياماً، ولم يُطيلوا اللْبَث، فقيل لهم: ما يُعجبكم؟ فقالوا: نرجِعُ إلى مَن وراءنا فنخبِرُهم برؤيتنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وكلامِنا إياه، وما ردَّ علينا، ثم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُودِّعُونه، فأرسل إليهم بلالاً، فأجازهم بأرفع ما كان يُجيزُ به الوفودَ. قال: ((هَلْ بَقِىَ مِنْكُمْ أَحَدٌ))؟ قالوا: نعم، غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثُنا سناً، قال: ((أرسلوه إلينا))، فلما رجعوا إلى رِحالهم، قالوا للغلام: انطلِق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقضِ حاجتَك منه، فإنَّا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه، فأقبل الغلامُ حتى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إنى امرؤ مِن بنى أبْذَى، يقول: مِن الرهط الذين أتوك آنفاً، فقضيتَ حوائِجَهم، فاقض حاجتى يا رسول الله. قال: ((وما حاجتُك))؟ قالَ: إنَّ حاجتى ليست كحاجة أصحابى، وإن كانوا قَدِمُوا راغبين فى الإسلام، وساقُوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإنى واللهِ ما أعمَلنى من بلادى إلا أن تسألَ الله عزَّ وجلَّ أن يغفر لى ويرحمنى، وأن يجعل غِناى فى قلبى، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأقبل إلى الغلام: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، واجْعَلْ غِناهُ فى قَلْبِهِ))، ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثم وافَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فى الموسم بِمِنَى سنةَ عشر، فقالوا: نحن بنو أبْذَى، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فَعَلَ الغُلامُ الَّذِى أتانى مَعَكُم))؟ قالوا: يا رسول الله؛ ما رأينا مثله قطُّ، ولا حُدِّثنا بأقنعَ منه بما رزقه الله، لو أن الناسَ اقتسموا الدنيا ما نظر نحوَها ولا التفتَ إليها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الحَمْدُ للهِ إنى لأرْجُو أَنْ يَمُوتَ جَمِيعاً))، فقال رجل منهم: أوَ ليس يموتُ الرجلُ جميعاً يا رسولَ الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَشَعَّبُ أهْوَاؤه وهُمُومُه فى أوْدِيَةِ الدُّنْيَا، فَلَعَلَّ أجَلَهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فى بَعْضِ تِلْكَ الأَوْدِيَةِ فلا يُبالى اللهُ عزَّ وجَلَّ فى أيِّها هَلَك))، قالوا: فعاش ذلك الغلامُ فينا على أفضلِ حال، وأزهده فى الدنيا، وأقنعه بما رُزِقَ، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعَ مَنْ رجع من أهل اليمن عن الإسلام، قام فى قومه، فذكَّرهم الله والإسلام، فلم يرجع منهم أحد، وجعل أبُو بكر الصِّدِّيق يَذْكُره ويسأل عنه حتى بلغَه حالُه، وما قام به، فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيراً. فصل فى قدوم وفد بنى سَعد هُذَيْم مِن قُضاعة قال الواقدى، عن أبى النعمان، عن أبيه من بنى سعد هُذَيْم: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافداً فى نَفَرٍ من قومى، وقد أوطأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البلادَ غلبةً، وأداخَ العرب، والناسُ صِنفَانِ: إما داخل فى الإسلام راغبٌ فيه، وإما خائفٌ من السيف، فنزلنا ناحيةً من المدينة، ثم خرجنا نؤُمُّ المسجدَ حتى انتهينا إلى بابه، فنجدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى على جِنازة فى المسجد، فقُمنا ناحيةً، ولم ندخل مع الناس فى صلاتهم حتى نلقى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونبايعَه، ثم انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلينا، فدعا بنا، فقال: ((مَنْ أَنْتُم))؟ فقلنا: من بنى سعد هُذَيْم، فقال: ((أمسلِمُون أَنْتُم))؟ قلنا: نعم. قال: ((فَهَلاَّ صَلَّيتُم عَلى أَخِيكُم))؟ قلنا: يا رسول الله؛ ظننا أنَّ ذلك لا يجوز لنا حتى نُبايعَك، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيْنَمَا أَسْلَمْتُم فَأَنْتُم مُسْلِمُون))، قالوا: فأسلمنا وبايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ثم انصرفنا إلى رحالنا قد خلفنا عليها أصغرَنا، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى طلبنا، فَأُتِىَ بنا إليه، فتقدَّم صاحبُنا إليه، فبايعه على الإسلام، فقُلنا: يا رسولَ الله؛ إنه أصغرُنا وإنه خـادِمُنا، فقال: ((أصْغَرُ القَوْم خَادِمُهُم، بَارَكَ اللهُ عَلَيْهِ))، قال: فكان واللهِ خيرَنا، وأقرأَنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ثم أمَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علينا، فكان يَؤُمُّنا، ولما أردنا الانصراف، أمر بلالاً فأجازنا بأواقٍ من فِضَّة لكل رجل منا، فرجعنا إلى قومنا، فرزقهم اللهُ الإسلام. فصل فى قدوم وفد بنى فَزَارة قال أبو الربيع بن سالم فى كتاب ((الاكتفاء)): ولما رجعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن تَبُوك، قَدِمَ عليه وفدُ بنى فَزَارة بضعة عشر رجلاً، فيهم خارجةُ ابنُ حِصن، والحُرُّ بن قيس ابن أخى عُيَيْنة بنِ حصن، وهو أصغرُهم، فنزلوا فى دار رملة بنت الحارث، وجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّينَ بالإسلام وهم مُسنِتُونَ على رِكاب عِجافٍ، فسألهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهُم: يا رسولَ الله؛ أسنَتَتْ بلادُنا، وَهَلَكَتْ مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغَرِثَ عيالنا، فادعُ لنا ربك يُغيثُنا، واشفعْ لنا إلى ربك، وليشفع لنا ربُّك إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سُبْحانَ الله، وَيْلَكَ يا هذا، إنَّما شَفَعْتُ إلى رَبِّى عَزَّ وجَلَّ، فَمَنِ الَّذِى يَشْفَعُ رَبُّنا إليه؟ لا إله إلاَّ هُو العَظِيمُ، وَسِعَ كُرْسِيُّه السَّمَواتِ والأرْضَ، فَهى تَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِه وجَلاَلِهِ كَما يَئِطُّ الرَّحْلُ الجَدِيد))، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ليَضْحَكُ مِنْ شَغَفِكُمْ وأَزْلِكمْ، وقُرْبِ غِيَاثكُمْ))، فقال الأعرابى: يا رسولَ الله؛ ويضحكُ ربُّنا عَزَّ وجَلَّ؟ قال: ((نعم)) فقال الأعرابى: لَنْ نَعْدَم مِنْ رَبٍّ يضحَكُ خيراً، فضحِكَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم من قوله، وصَعِدَ المنبرَ، فتكلَّم بكلمات، وكان لا يرفع يديه فى شىء من الدعاء إلا رفع الاستسقاء، فرفع يديه حتى رؤى بياضُ إبطيه، وكان مما حُفِظَ من دعائه: ((اللَّهُمَّ اسْقِ بلاَدَكَ وبَهَائِمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْى بَلَدَكَ المَيِّت، اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً مُغيثا مَريئاً مَرِيعاً طَبَقاً واسعاً عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعاً غَيْرَ ضارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيا رَحْمَةٍ لا سُقْياَ عَذَابٍ، ولا هَدْمٍ، ولا غَرَقٍ، ولا مَحْق، اللَّهُمَّ اسْقِنا الغيثَ وانْصُرنا على الأَعْدَاء)). فصل فى قدوم وفد بنى أسَد وقَدِم عليه صلى الله عليه وسلم وفدُ بنى أسد عشرةُ رهط، فيهم وابصة ابن معبد، وطلحةُ بن خُويلد، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ مع أصحابه فى المسجد، فتكلَّمُوا، فقال متكلِّمهم: يا رسولَ الله؛ إنَّا شهدنا أنَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأنك عبدُه ورسوله، وجئناك يا رسولَ اللهِ، ولم تَبْعَثْ إلينا بعثاً، ونحن لمن وراءنا. قال محمد بن كعب القرظى: فأنزل الله على رسوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ، قُل لا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسْلامَكُم، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات: 17] ، وكان مما سـألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنه يومئذ العِيَافَةُ والكَهَانَةُ وضربُ الحَصى، فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، فقالوا: يا رسول الله؛ إنَّ هذه أُمُورٌ كنا نفعلها فى الجاهلية، أرأيتَ خصلةً بقيت؟ قال: ((وما هِىَ))؟ قالوا: الخَطُّ. قال: ((عُلِّمَهُ نَبىٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَمَنْ صَادَفَ مِثْلَ عِلْمِهِ عَلِمَ)). |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:21 PM | #217 |
|
فصل
فى قدوم وَفدِ بَهْراء ذكر الواقدى عن كريمةَ بنتِ المقداد قالت: سمعتُ أمى ضُباعة بنت الزُّبَيْر ابن عبد المطلب تقول: قدم وفدُ بهراءَ مِن اليمن على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثةَ عشرَ رجلاً، فأقبلُوا يقودُون رواحِلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد، ونحنُ فى منازلنا ببنى حُدَيلة، فخرج إليهم المقدادُ، فرحب بهم، فأنزلهم، وجاءهم بِجفْنَةٍ مِنْ حَيس قد كنَّا هيأناها قبل أن يَحِلُّوا لنجلس عليها، فحملها المقدادُ، وكان كريماً على الطعام، فأكلُوا منها حتى نَهِلُوا، ورُدَّتْ إلينا القَصْعةُ، وفيها أُكَلٌ، فجمعنا تلك الأُكَل فى قصعةٍ صغيرة، ثم بعثنا بها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مع سِدرة مولاتى، فوجدتْه فى بيت أُمِّ سلمة، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ضُباعة أرسلَتْ بهذا))؟ قالت سدرة: نعم يا رسولَ الله، قال: ((ضَعِى)) ثم قال: ((ما فعل ضيفُ أبى معبد))؟ قلتُ: عندنا، قالت: فأصابَ منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أكلاً هو ومَن معه فى البيت حتى نَهِلُوا، وأكلت معهم سِدْرَةُ، ثم قال: ((اذْهَبِى بِمَا بَقِىَ إلى ضَيْفِكُم))، قالت سِدرة: فرجعتُ بما بقى فى القصعة إلى مولاتى، قالت: فأكل منها الضيفُ ما أقاموا، نرددها عليهم، وما تَغِيضُ حتى جعل القومُ يقولون: يا أبا معبد إنك لتَنْهَلُنا مِن أحبِّ الطعام إلينا ما كنا نَقْدِرُ على مثل هذا إلا فى الحين، وقد ذُكِرَ لنا أنَّ الطعامَ ببلادكم إنما هو العُلقَةُ أو نحوه، ونحن عندك فى الشِّبَعِ، فأخبرهم أبو معبد بخبر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل منها أكلاً، وردَّها، فهذه بركةُ أصابعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل القومُ يقولون: نشهد أنَّه رسول الله، وازدادوا يقيناً، وذلك الذى أراد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فتعلَّموا الفرائضَ، وأقاموا أياماً، ثم جاؤوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُودِّعونه، وأمر لهم بجوائزهم، وانصرفوا إلى أهليهم. فصل فى قدوم وفد عُذرة وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عُذرة فى صـفر سنة تسعٍ اثنا عشرَ رجلاً، فيهم جمرة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن القَوْم))؟ فقال متكلِّمهم: مَن لا تُنكِرُه، نحن بنو عُذرة إخوة قُصَى لأُمِّه، نحنُ الذين عضدوا قُصياً، وأزاحوا مِن بطن مكةَ خُزاعة وبنى بكر، ولنا قَراباتٌ وأرحام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مرحباً بكم وأهلاً، مَا أعَرفَنى بكم))، فأسلموا، وبشَّرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام، وهرب هِرقل إلى ممتنع مِن بلاده، ونهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التى كانوا يذبحونها، وأخبرهم أنْ ليس عليهم إلا الأُضحية، فأقاموا أياماً بدار رملة، ثم انصرفُوا وقد أُجيزوا. فصل فى قدوم وفد بَلِىّ وقدم عليه وفد بَلِىٍّ فى ربيع الأول من سنة تسع، فأنزلهم رُويفع بن ثابت البَلَوى عنده، وقَدِمَ بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هؤلاء قومى، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَرْحباً بِكَ وَبِقَوْمِكَ))، فأسلموا، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحَمْدُ للهِ الَّذِى هَداكمْ للإسْلاَم، فَكُلُّ مَنْ مَاتَ عَلى غَيْرِ الإسْلامِ، فَهُوَ فى النَّارِ))، فقال له أبو الضُّبَيْب شيخُ الوفد: يا رسول الله؛ إنَّ لى رغبة فى الضيافة، فهل لى فى ذَلِكَ أجْر؟ قال: ((نَعَمْ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَنَعْتَه إلى غَنِىٍّ أو فَقِيرٍ، فَهُوَ صَدَقَة))، قال: يا رسول الله؛ ما وقتُ الضِّيافة؟ قال: ((ثَلاثَة أيامٍ، فما كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، ولا يَحلُّ لِلْضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدِكَ فَيُحْرِجَك))، قال: يا رسولََ الله؛ أرأيتَ الضَّالة من الغنم أجدها فى الفلاة من الأرض؟ قال: ((هىَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئبِ))، قال: فالبعير؟ قال: ((مَا لَكَ ولَهُ، دعه حَتَّى يَجِدَهُ صَاحِبُه))، قال رويفع: ثم قاموا فرجعُوا إلى منزلى، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأتى منزلى يحمِلُ تمراً، فقال: ((اسْتَعِنْ بِهذا التَّمر))، وكانوا يأكلون منه ومن غيره، فأقاموا ثلاثاً، ثم ودَّعُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجازهم، ورجعوا إلى بلادهم. فصل فى ما يتعلق بقصة وفد بَلِىّ من الفقه فى هذه القصةِ من الفقه: أنَّ للضيف حقاً على مَن نزل به، وهو ثلاثُ مراتب: حقٌ واجب، وتمامٌ مُستحَب، وصدقةٌ من الصدقات، فالحقُّ الواجب يَوْمٌ وليلة، وقد ذكر النبىُّ صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة فى الحديث المتفق على صحته من حديث أبى شريح الخُزاعى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِر، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَه))، قالوا: ومَا جائزته يا رسول الله؟ قال: ((يَوْمُه ولَيْلَتُه، والضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّام، فَما كَانَ وَرَاءَ ذَلكَ، فَهُوَ صَدَقَة، ولا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَه حَتَّى يُحْرِجَه)). وفيه: جوازُ التقاط الغنم، وأنَّ الشاة إذا لم يأتِ صاحبُها، فهى ملك الملتقِط، واستدل بهذا بعضُ أصحابنا على أنَّ الشاةَ ونحوَها مما يجوزُ التقاطه يُخيَّرُ الملتقِط بين أكله فى الحال، وعليه قيمته، وبين بيعه وحفظ ثمنه، وبين تركِه والإنفاق عليه من ماله، وهل يَرجِعُ به؟ على وجهين، لأنه صلى الله عليه وسلم جعلها له، إلا أن يظهر صاحبُها، وإذا كانت له، خُيِّرَ بين هذه الثلاثة، فإذا ظهر صاحبُها، دفعها إليه أو قيمتها، وأما متقدمو أصحاب أحمد، فعلى خلاف هذا، قال أبو الحسين: لا يتصرَّفُ فيها قبلَ الحَوْل رواية واحدة، قال: وإن قلنا: يأخُذُ ما لا يستقِلُّ بنفسه كالغنم، فإنه لا يتصرَّف بأكل ولا غيره رواية واحدة، وكذلك قال ابن عقيل، ونص أحمد فى رواية أبى طالب فى الشاة: يُعرِّفُها سنة، فإن جاء صاحبها رَدَّها إليه، وكـذلك قال الشريفان: لا يملك الشاةَ قبل الحَوْل روايةً واحدة. وقال أبو بكر: وضالةُ الغنم إذا أخذها يُعرِّفُها سنة، وهو الواجب، فإذا مضت السنةُ ولم يَعْرِفْ صاحِبَها،كانت له، والأولُ أفقهُ وأقربُ إلى مصلحة الملتقِطِ والمالك، إذ قد يكون تعريفُها سنة مستلزماً لتغريمِ مالكها أضعافَ قيمتها إن قلنا: يرجِعُ عليه بنفقتها، وإن قلنا: لا يرجِعُ، استلزمَ تغريم الملتقِط ذلك، وإن قيل: يدعُها ولا يلتقِطُها، كانت للذئب وتَلِفَتْ، والشارع لا يأمر بضياع المال. فإن قيل: فهذا الذى رجحتموه مخالف لنصوص أحمد وأقوالِ أصحابه، وللدليل أيضاً. أما مخالفة نصوص أحمد، فمما تقدَّم حكايته فى رواية أبى طالب، ونص أيضاً فى روايته فى مضطرٍ وجد شاة مذبوحة وشاة ميتة، قال: يأكُلُ من الميتة، ولا يأكل من المذبوحة، الميتةُ أُحِلَّت، والمذبوحةُ لها صاحب قد ذبحها، يُريد أن يُعَرِّفها، ويطلبَ صاحبَها، فإذا أوجب إبقاءَ المذبوحة على حالها، فإبقاءُ الشاة الحيةِ بطريق الأَوْلى، وأما مخالفةُ كلام الأصحاب فقد تقدَّم، وأما مخالفةُ الدليل، ففى حديث عبد الله بن عَمْرو: يا رسولَ الله؛ كيف ترى فى ضالة الغنم؟ فقال: ((هى لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْب، احْبِسْ عَلى أَخِيكَ ضَالَّتَهُ)). وفى لفظ: ((رُدَّ عَلى أَخِيكَ ضَالَّتَه))، وهذا يمنع البيع والذبح. قيل: ليس فى نص أحمد أكثرُ من التعريف، ومَن يقول: إنه مخيَّرٌ بين أكلِها وبيعِها وحفظِها، لا يقول بسقوط التعريف، بل يُعرِّفها مع ذلك، وقد عرف شِيتَها وعلامَتها، فإن ظهر صاحبُها أعطاه القيمة. فقول أحمد: يُعرِّفها أعم من تعريفها وهى باقية، أو تعريفها وهى مضمونة فى الذِمَّة لمصلحة صاحبها وملتقطها، ولا سيما إذا التقطها فى السفر، فإن فى إيجاب تعريفها سنةً من الحَرَج والمشقة ما لا يرضى به الشارعُ، وفى تركها مِن تعريضها للإضاعة والهلاك ما يُنافى أمره بأخذها، وإخبارَه أنه إن لم يأخذها كانت للذئب، فيتعينُ ولا بد: إما بيعُها وحِفْظُ ثمنها، وإما أكلُها وضمانُ قيمتها أو مثلها. وأما مخالفة الأصحاب، فالذى اختار التخيير من أكبر أئمة الأصحاب، ومَن يُقاس بشيوخ المذهب الكبار الأجلاء، وهو أبو محمد المقدسى قدَّس الله روحه، ولقد أحسن فى اختياره التخيير كُلَّ الإحسان. وأما مخالفة الدليل، فأين فى الدليل الشرعى المنع من التصرف فى الشاة الملتقطة فى المفازة وفى السفر بالبيع والأكل، وإيجابِ تعريفها والإنفاقِ عليها سنة مع الرجوع بالإنفاق، أو مع عدمه؟ هذا ما لا تأتى به شريعةٌ فضلاً أن يقوم عليه دليل، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((احْبِسْ عَلى أَخيكَ ضَالَّتَهُ)) صريح فى أنَّ المراد به أنْ لا يستأثِرَ بها دونه، ويُزيل حقه، فإذا كان بيعها وحفظ ثمنها خيراً له من تعريفها سنة، والإنفاقِ عليها، وتغريمِ صاحبها أضعافَ قيمتها، كان حبسُها وردُّها عليه هو بالتخيير الذى يكون له فيه الحظ، والحديثُ يقتضيه بفحواه وقوته، وهذا ظاهر.. وبالله التوفيق. ومنها: أنَّ البعيرَ لا يجوز التقاطُه، اللَّهُمَّ إلا أن يكون فَلُوَّاً صغيراً لا يمتنِعُ من الذئب ونحوه، فحكمه حكم الشاة بتنبيه النص ودلالته. فصل فى قدوم وفد ذى مُرَّة وقدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ذى مُرَّة ثلاثة عشر رجلاً رأسهُم الحارث بن عَوْف، فقالوا: يا رسول الله؛ إنًَّا قومُك وعشيرتُك، نحن قوم من بنى لؤى بنِ غالب، فتبسَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للحارث: أين تركت أهلَك؟ قال: بِسلاح وما والاها. قال: وكيف البلادُ؟ قال: واللهِ إنَّا لمُسْنِتُونَ، ما فى المال مخ، فادعُ الله لنا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ اسْقِهِمُ الغَيْثَ)) فأقاموا أياماً، ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوَدِّعين له، فأمر بلالا أن يُجيزهم، فأجازهم بعشر أواق فِضَّة، وفضَّل الحارث بن عوف أعطاه اثنتى عشرة أُوقية، ورجعوا إلى بلادهم، فوجدُوا البلاد مطيرة، فسألوا: متى مُطِرْتُم؟ فإذا هو ذلك اليوم الذى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وأخصبَتْ بعد ذلك بلادُهم. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:24 PM | #218 |
|
فصل
فى قدوم وفد خَوْلان وقدِمَ عليه صلى الله عليه وسلم فى شهر شعبان سنة عشر وفدُ خَوْلان، وهم عشرة، فقالوا: يا رسول الله؛ نحن على مَن وَرَاءَنَا مِن قومنا، ونحن مؤمنون بالله عَزَّ وَجَّل، ومصدِّقون برسوله، وقد ضربنا إليك آباطَ الإبل، وركبنا حُزُونَ الأرض وسهولَها، والمنة لله ولِرسوله علينا، وقدمنا زائرين لك، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ مَسِيرِكُم إلىَّ فَإنَّ لَكُم بِكُلِّ خَطْوَة خَطاهَا بَعِيرُ أحَدِكُم حَسَنَة، وأما قولُكم: زائِرِينَ لك، فإنه مَنْ زَارَنى بِالمَدِينَةِ، كَانَ فى جِوارى يَوْمَ القِيَامَةِ))، قالوا: يَا رسول الله؛ هذا السفرُ الذى لا تَوَى عَلَيْهِ، ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا فَعَلَ عَم أنَسٍ))؟ وهو صنم خَوْلان الذى كانوا يعبدونه قالوا: أبشِرْ، بدَّلنا اللهُ به ما جئتَ به، وقد بقيت منا بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسِّـكون به، ولو قدمنا عليه، لهدمناه إن شاء الله، فقد كنا منه فى غُرور وفِتنة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومَا أَعْظَمَ مَا رَأَيْتُم مِنْ فِتْنَتِه))؟ قالوا: لقد رأيتنا أَسْنَتْنَا حَتَّى أكلنا الرِّمة، فجمعنا ما قَدَرْنا عليه، وابتعنا به مِائة ثور، ونحرناها لـ ((عم أنس)) قُرباناً فى غَداةٍ واحدةٍ، وتركناها تَردُها السباع، ونحن أحوَجُ إليها من السباع، فجاءنا الغيثُ مِن ساعتنا، ولقد رأينا العُشْبَ يُوارى الرجالَ، ويقول قائِلُنا: أنعم علينا ((عم أنس))، وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يَقسِمُون لصنمهم هذا من أنعامهم وحُروثهم، وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءاً له، وجزءاً لله بِزعمهم، قالوا: كنا نزرعُ الزرعَ، فنجعلُ له وسطَه، فنسميه له، ونسمى زرعاً آخر حجرة لله، فإذا مالت الريحُ فالذى سميناه لله جعلناه لـ ((عم أنس))، وإذا مالت الريح، فالذى جعلناه، لم نجعله لله، فذكر لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الله أنزل علىَّ فى ذلك: {وَجَعَلُواْ للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً}[الأنعام: 136]، قالوا: وكنا نتحاكم إليه فيتكلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((تِلْكَ الشَّيَاطِينُ تُكَلِّمُكُم))، وسألوه عن فرائض الدين، فأخبرهم، وأمرهم بالوفاء بالعهد، وأداءِ الأمانةِ، وحُسنِ الجوار لمن جاورُوا، وأن لا يظلِمُوا أحداً. قال: ((فإن الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ))، ثم ودَّعوه بعد أيام، وأجازهم، فرجعُوا إلى قومهم، فلم يَحُلُّوا عقدة حتى هدموا ((عم أنس)). فصل فى قدوم وفد محارب وقَدِمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفدُ محارب عامَ حَجَّة الوداع، وهم كانوا أغلظَ العرب، وأفظَّهم على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى تلك المواسم أيامَ عَرْضِهِ نَفْسَهُ على القبائل يدعوهم إلى الله، فجاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منهم عشرة نائبين عمن وراءَهم مِن قومهم، فأسلموا، وكان بِلالٌ يأتيهم بِغَداء وعَشاء إلى أن جلسُوا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الظهر إلى العصر، فعرف رجلاً منهم، فأمدَّه النظر، فلما رآه المحاربى يُديمُ النظرَ إليه، قال: كأنك يا رسولَ الله توهمنى؟ قال: ((لقد رأيتُك))، قال المحاربىُّ: أى واللهِ، لقد رأيتنى وكلَّمتنى، وكلَّمتُك بأقبح الكلام، ورددتُك بأقبح الرد بعُكاظ، وأنت تطُوفُ على الناس، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، ثم قال المحاربىُّ: يا رسولَ الله؛ ما كان فى أصحابى أشدُّ عليكَ يومئذ، ولا أبعدُ عن الإسلام منى، فأحمد الله الذى أبقانى حتى صدَّقتُ بك، ولقد مات أُولئك النَفَرُ الذين كانوا معى على دينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذِهِ القُلُوبَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ))، فقال المحـاربىُّ: يا رسولَ اللهِ؛ استغفر لى مِن مراجعتى إيَّاك، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الإسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الكُفْر))، ثم انصرفُوا إلى أهليهم. فصل فى قدوم وفد صُدَاء فى سنة ثمان وقَدِمَ عليه صلى الله عليه وسلم وفد صُداء، وذلك أنه لما انصرف من الجِعْرَانَةِ، بعث بعوثاً، وهيأ بعثاً، استعمل عليه قيسَ بنَ سعدِ بن عبادة، وعقد له لواءً أبيض، ودفع إليه رايةً سوداء، وعسكر بناحية قناة فى أربعمائةٍ مِن المسلمين، وأمره أن يطأ ناحيةً من اليمن كان فيها صُداء، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل منهم، وعلم بالجيش، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ؛ جئتُك وافداً على مَن ورائى فاردُدِ الجيشَ، وأنا لك بقومى، فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسَ بن سعد من صَدْرِ قَنَاة، وخرج الصُّدائى إلى قومه، فقدِم على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلاً منهم، فقال سعدُ بن عُبادة: يا رسولَ اللهِ؛ دعهم ينزِلوا علىَّ، فنزلُوا عليه، فحيَّاهم وأكرمهم، وكساهم، ثم راح بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعُوه على الإسلام، فقالوا: نحنُ لك على مَن وراءنا من قومنا، فرجعوا إلى قومهم، ففشا فيهم الإسلام، فوافى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منهم مائةُ رجل فى حَجَّة الوداع، ذكر هذا الواقدى عن بعض بنى المُصْطَلِقِ، وذكر من حديث زياد بن الحارث الصُّدائى، أنه الذى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: اردُدِ الجيشَ وأنا لك بقومى، فردَّهم، قال: وقدم وفدُ قومى عليه، فقال لى: ((يا أخا صُداءٍ، إنَّكَ لَمُطَاعٌ فى قَوْمِكَ))؟ قالَ: قلتُ: بلى يا رسولَ الله مِن الله عَزَّ وجَلَّ، ومن رسوله، وكان زيادٌ هذا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره، قال: فاعتَشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أى سار ليلاً واعتشينا معه، وكنت رجلاً قوياً، قال: فجعل أصحابُه يتفرَّقون عنه، ولزِمْتُ غَرْزَهُ، فلما كان فى السَّحَر، قال: ((أذِّن يا أخا صُداء)) فأذَّنْتُ على راحلتى، ثم سرنا حتى ذهبنا، فنزل لحاجته، ثم رجع، فقال: يا أخا صُداء؛ هل معك ماء؟ قلت: معى شىء فى إداوتى، فقال: ((هاته)) فجئت به، فقال: ((صُبَّ)) فصببتُ ما فى الإداوة فى القعب، فجعل أصحابُه يتلاحقون، ثم وضع كفَّه على الإناء، فرأيتُ بين كل أصبعين من أصابعه عَيْناً تفورُ، ثم قال: ((يا أخا صُدَاء؛ لولا أنى أستحيى من ربِّى عَزَّ وجَلَّ، لسقينا واستقينا)) ثم توضأ وقال: ((أذِّن فى أصحابى: مَن كانت له حاجة بالوضوء فَلْيَرِدْ)) قال: فوردُوا من آخرهم، ثم جاء بلال يُقيم، فقال: ((إنَّ أخَا صُدَاءٍ أذَّنَ، ومَنْ أَذَّنَ، فَهُوَ يُقِيمُ)) فأقمتُ، ثم تقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بنا، وكنتُ سألتُه قَبْلُ أَن يؤمِّرَنى على قومى، ويكتُبَ لى بذلك كتاباً، ففعل، فلما فرغ مِن صلاته، قام رجل يتشكى من عامله، فقال: يا رسول الله؛ إنه أخذنا بذُحُولٍ كانت بيننا وبينه فى الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا خَيْرَ فى الإمَارَةِ لِرَجُلٍ مُسلِم))، ثم قام آخر، فقال: يا رسولَ الله؛ أعْطنى مِن الصِّدَقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ لم يَكِلْ قِسْمَتَهَا إلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا نَبِىٍّ مُرْسَل، حتَّى جَزَّأََهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فإنْ كُنْتَ جُزْءاً منها أَعْطَيْتُكَ، وإنْ كُنْتَ غَنِيّاً عنها، فإنَّما هِىَ صُداعٌ فى الرَّأْسِ، ودَاءٌ فى البَطْن))، فقُلتُ فى نفسى: هاتان خصلتان حين سألت الإمارة، وأنا رجل مسلم، وسألتُه مِن الصدقة، وأنا غنى عنها، فقلتُ: يا رسولَ الله؛ هذان كتاباك فاقبلْهُما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَلِمَ))؟ فقلت: إنى سمعتك تقولُ: ((لا خَيْرَ فى الإمَارَةِ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ))، وأنا مسلم، وسمعتُك تقول: ((مَنْ سَأَلَ مِنَ الصَّدَقةِ، وَهُوَ غَنِىٌ عنها، فإنَّما هِىَ صُداعٌ فى الرَّأسِ، ودَاءٌ فى البَطْنِ)) وأنا غَنِىٌ، فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا إنَّ الَّذِى قلتُ كَمَا قُلتُ))، فقبلهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لى: ((دُلَّنى على رَجُلٍ مِنْ قَوْمِكَ أَسْتَعْمِلُه))، فدللتُه على رجل منهم، فاستعملَه، قلتُ: يا رسول الله؛ إنَّ لنا بئراً إذا كان الشتاءُ، كفانا ماؤها، وإذا كان الصيفُ، قَلَّ علينا، فتفرقنا على المياه، والإسلامُ اليومَ فينا قليل، ونحن نخاف، فادعُ الله عَزَّ وجَلَّ لنا فى بئرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ناوِلنى سَبْعَ حَصَيَاتٍ))، فناولتُه، فَعَرَكَهُنَّ بيده، ثم دفعهن إلىَّ وقال: ((إذا انتهيتَ إليها، فألقِ فيها حصاةً حصاةً، وسمِّ الله)) قال: ففعلت، فما أدركنا لهَا قعراً حتَّى الساعة. فصل فى فقه هذه القصة ففيها: استحبابُ عقد الألوية والرايات للجيش، واستحبابُ كـونِ اللِّواء أبيض، وجواز كونِ الراية سوداء مِن غير كراهة. وفيها: قبولُ خبرِ الواحد، فإن النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ الجيش من أجل خبر الصُّدَائى وحده. وفيها: جوازُ سير اللَّيل كُلِّه فى السفر إلى الأذان، فإنَّ قوله: ((اعتشى)) أى: سار عشية، ولا يُقال لما بعد نصف الليل. وفيها: جوازُ الأذان على الراحلة. وفيها: طلبُ الإمام الماءَ من أحد رعيته للوضوء، وليس ذلك من السؤال. وفيها: أنه لا يتيممُ حتى يَطلُبَ الماء فيُعْوِزه. وفيها: المعجزةُ الظاهرة بفورانِ الماء من بين أصابعه، لما وضعها فيه، أمدَّه الله به وكثَّره، حتى جعل يفورُ مِن خلال الأصابع الكريمة، والجهال تَظُنُّ أنه كان يشق الأصابع، ويخرج من خلال اللَّحم والدم، وليس كذلك، وإنما بوضعه أصابعه فيه حلَّت فيه البركة من الله والمدد، فجعل يفور حتى خرج من بين الأصابع، وقد جرى له هذا مراراً عديدة بمشهد أصحابه. وفيها: أن السُّنة أن يتولَّى الإقامة مَن تولَّى الأذان، ويجوزُ أن يُؤذِّن واحد، ويُقيم آخر، كما ثبت فى قصة عبد الله بن زيد أنه لما رأى الأذان، وأخبر به النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ألْقِهِ على بلالٍ))، فألقاه عليه، ثم أراد بلال أن يُقيم، فقال عبد الله بن زيد: يا رسولَ الله؛ أنا رأيتُ، أريد أن أقيم، قال: ((فأقم))، فأقام هو، وأذَّن بلال، ذكره الإمام أحمد رحمه الله. وفيها: جوازُ تأمير الإمام وتوليته لمن سأله ذلك إذا رآه كفئاً، ولا يكون سؤاله مانعاً من توليته، ولا يُناقِض هذا قوله فى الحديث الآخر: ((إنَّا لَنْ نُوَلِّىَ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أرَادَهُ))، فإن الصُّدائى إنما سأله أن يؤمِّره على قومه خاصة، وكان مطاعاً فيهم، محبَّباً إليهم، وكان مقصودُه إصلاحَهم، ودُعاءهم إلى الإسلام، فرأى النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن مصلحة قومِه فى توليته، فأجابه إليها، ورأى أن ذلك السائل إنما سأله الولاية لحظِّ نفسه ومصلحته هو، فمنعه منها، فولَّى للمصلحة، ومنع للمصلحة، فكانت توليتُه للهِ، ومنعه لله. وفيها: جواز شِكاية العمال الظَلَمة، ورفعهم إلى الإمام، والقدح فيهم بظلمهم، وأنَّ تركَ الولاية خيرٌ للمسلم مِن الدخول فيها، وأنَّ الرجل إذا ذكر أنه من أهل الصدقة، أُعطَى منها بقوله ما لم يظهر منه خلافُه. ومنها: أنَّ الشخصَ الواحد يجوز أن يكون وحده صنفاً من الأصناف لقوله: ((إنَّ الله جَزَّأَها ثَمانِيَة أَجْزاءٍ، فَإنْ كُنتَ جُزْءاً منها أعْطَيْتُكَ)). ومنها: جوازُ إقالةِ الإمامِ لولاية مَن ولاَّهُ إذا سأله ذلك. ومنها: استشارةُ الإمام لذى الرأى مِن أصحابه فيمن يُولِّيه. ومنها: جوازُ الوضوء بالماء المبارَك، وأن بركته لا تُوجب كراهةَ الوضوء منه، وعلى هذا فلا يُكره الوضوء مِن ماء زمزم، ولا مِن الماء الذى يجرى على ظهر الكعبة.. والله أعلم. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:29 PM | #219 |
|
فصل
فى قدوم وفد غسَّان وقدموا فى شهر رمضانَ سنةَ عشر، وهم ثلاثةُ نَفَر، فأسلمُوا وقالُوا: لا ندرى أيتبعُنا قومُنا أم لا؟ وهم يُحبُّون بقاءَ ملكهم، وقربَ قيصر، فأجازهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بجوائز، وانصرفوا راجعين، فقدِمُوا على قومهم، فلم يستجيبُوا لهم، وكتمُوا إسلامهم حتى مات منهم رجلان على الإسلام، وأدرك الثالث منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه عام اليرموك، فلقى أبا عبيدة، فأخبره بإسلامه، فكان يُكرمه. فصل فى قدوم وفد سَلامان وقَدِمَ عليه صلى الله عليه وسلم وفد سَلامان سبعة نَفَر، فيهم حبيبُ ابن عمرو، فأسلموا. قال حبيب: فقلت: أى رسول الله؛ ما أفضلُ الأعمالِ؟ قال: ((الصَّلاةُ فى وَقْتِهَا)). ثم ذكر حديثاً طويلاً، وصلُّوا معه يومئذ الظهر والعصر، قال: فكانت صلاةُ العصر أخفَّ مِن القيام فى الظهر، ثم شَـكَوْا إليه جَدْبَ بِلادهم، فقال رسـولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده: ((اللَّهُمَّ اسْقِهِمُ الغَيْثَ فى دَارِهم))، فقلتُ: يا رسول الله؛ ارفع يديك، فإنَّه أكثرُ وأطيبُ، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفـع يديه حتى رأيتُ بياض إبطيه، ثم قام وقُمنا عنه، فأقمنا ثلاثاً، وضِيافتُه تجرى علينا، ثم ودعناه، وأمر لنا بجوائز، فأعطينا خمسَ أواقٍ لكل رجل منا، واعتذر إلينا بلال، وقال: ليس عندنا اليوم مال، فقلنا: ما أكثرَ هذا وأطيَبه، ثم رحلنا إلى بلادنا، فوجدناها قد مُطِرَت فى اليومِ الَّذى دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الساعة. قال الواقدى: وكان مقدمُهم فى شوَّال سنة عشر. فصل فى قدوم وفد بنى عَبْس وقَدِمَ عليه وفدُ بنى عَبْس، فقالوا: يا رسولَ اللهِ؛ قَدِمَ علينا قُرَّاؤنا، فأخبرونا أنه لا إسلامَ لمن لا هِجرة له، ولنا أموالٌ ومواشٍ، وهى معايشـنا، فإن كان لا إسلامَ لمن لا هِجرة له، فلا خيرَ فى أموالنا، بعناها وهاجَرْنا من آخرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا اللهَ حَيْثُ كُنْتُم، فَلَن يَلَتِكُمُ اللهُ مِنْ أعْمَالِكُم شَيْئاً)) وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد بن سنان، هل له عَقِبٌ؟ فأخبروه أنه لا عَقِبَ له، كانت له ابنة فانقرضت، وأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث أصحابه عن خالد بن سنان، فقال: ((نَبِىٌ ضَيَّعَهُ قَوْمُه)). فصل فى قدوم وفد غامد قال الواقدى: وقَدِمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفدُ غامد سنة عشر، وهم عشرة، فنزلوا ببقيع الغَرْقَدِ، وهو يومئذ أثْلٌ وطرفاء، ثم انطلقُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وخلَّفوا عند رَحْلهم أحدثَهم سِنّاً، فنام عنه، وأتى سارقٌ، فسرق عَيْبةً لأحدهم فيها أثوابٌ له، وانتهى القومُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّموا عليه، وأقرُّوا له بالإسلام، وكتب لهم كتاباً فيه شرائعُ مِن شرائع الإسلام، وقال لهم: ((مَنْ خَلَّفْتُم فى رِحَالِكم))؟ فقالوا: أحدثَنا يا رسولَ الله، قال: ((فإنَّه قَدْ نَامَ عَنْ مَتَاعِكُم حَتَّى أتى آتٍ فأَخَذَ عَيْبَةَ أحَدِكُم))، فقال أحدُ القوم: يا رسولَ اللهِ؛ ما لأحد من القوم عَيْبةٌ غيرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَقَدْ أُخِذَتْ ورُدَّتْ إلى مَوْضِعِها))، فخرج القومُ سِراعاً حتى أتوا رَحْلهم، فوجدوا صاحِبَهم، فسألوه عما أخبرَهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال: فزعْتُ مِن نومى، ففقدتُ العَيْبَة، فقمتُ فى طلبها، فإذا رجل قد كان قاعداً، فلما رآنى، فثار يعدو منى، فانتهيتُ إلى حيث انتهى، فإذا أثر حفر، وإذا هو قد غَيَّب العَيْبَة، فاستخرجتها، فقالوا: نشهد أنَّه رسول الله، فإنه قد أخبرنا بأخذها، وأنها قد رُدَّت، فرجعوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبروه، وجاء الغلامُ الذى خلَّفوه، فأسلم، وأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم أُبَىَّ بنَ كعب، فعلَّمهم قرآناً، وأجازهم كما كان يُجيز الوفود وانصرفوا. فصل فى قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أبو نعيم فى كتاب ((معرفة الصحابة))، والحافظ أبو موسى المدينى، من حديث أحمد بن أبى الحوارى، قال: سمعت أبا سليمان الدارانى قال: حدَّثنى علقمة بن يزيد بن سويد الأزدىّ، قال: حدَّثنى أبى عن جدى سويد بن الحارث قال: وفدتُ سابعَ سبعةٍ مِن قومى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخلنا عليه، وكلَّمناه، أعجبَه ما رأى مِن سمتنا وزِيِّنا، فقال: ((ما أنْتُم))؟ قلنا: مؤمنون، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكُم وإيمَانِكم))؟ قلنا: خمسَ عشرة خَصْلة، خمسٌ منها أمرتنا بها رُسُلُك أن نُؤمِنَ بها، وخمسٌ أمرتنا أنْ نَعْمَلَ بها، وخمسٌ تخلَّقنا بها فى الجاهلية، فنحن عليها الآن، إلا أن تكره منها شيئاً، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومَا الخَمْسُ الَّتى أمَرتْكُم بها رُسُلى أنْ تُؤْمِنُوا بها))؟ قلنا: أمَرَتنا أن نُؤمِنَ باللهِ، وملائِكَتِه، وكتبه، ورُسُله، والبعثِ بعدَ الموت. قال: ((ومَا الخَمْسُ التى أمَرْتُكُم أنْ تَعْمَلُوا بها))؟ قلنا: أمرتنا أن نقولَ: لا إله إلا الله، ونُقيمَ الصلاة، ونُؤتِىَ الزكاة، ونصومَ رمضان، ونحجَّ البيت الحرام مَن استطاع إليه سبيلاً، فقال: ((وما الخَمْسُ الَّتِى تَخَلَّقْتُم بِها فى الجَاهِليَّة))؟ قالوا: الشكرُ عند الرخاء، والصبرُ عند البلاء، والرضا بمُرِّ القضاء، والصدق فى مواطن اللِّقاء، وترك الشماتة بالأعداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حُكَمَاءٌ عُلَمَاء كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أنْ يَكُونُوا أَنْبيَاء))، ثم قال: ((وأَنا أزِيدُكُم خَمْساً، فَتَتِمُّ لَكُم عِشْرُونَ خَصْلَةً، إنْ كُنْتُم كما تَقُولُونَ، فَلا تَجْمَعُوا ما لاَ تَأكُلُونَ، ولا تَبْنُوا ما لا تَسْكُنون، ولا تُنافِسُوا فى شَىْءٍ أنتم عَنْه غَداً تَزُولُونَ، واتَّقُوا الله الذى إليه تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُون، وارْغَبُوا فِيما عَلَيْهِ تَقْدمُونَ، وفيه تَخْلُدون))، فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظوا وصيته، وعملوا بها. فصل فى قدوم وفد بنى المُنْتَفِقِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم روينا عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل فى مسند أبيه، قال: كتب إلىَّ إبراهيم بنُ حمزة بن محمد بن حمزة بن مُصعب بن الزُّبَير الزُّبَيْرى: كتبتُ إليك بهذا الحديث، وقد عرضتُه وسمعته على ما كتبتُ به إليك، فحدِّث بذلك عنى، قال: حدَّثنى عبدُ الرحمن بن المغيرة الحِزامى، قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن عياش السَّمَعى الأنصارى، عن دَلْهم بن الأسود بن عبد الله ابن حاجب بن عامر بن المنتَفِق العقيل، عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر، قال دَلهم: وحدَّثنيه أيضاً، أبى الأسود بن عبد الله، عن عاصم بن لقيط: أنَّ لقيط بن عامر، خرج وافِداً إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ومعه صَاحِبٌ له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المُنْتَفِق، قال لقيط: فخرجتُ أنا وصاحبى حتَّى قَدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيناه حينَ انصرفَ من صلاة الغداة، فقامَ فى النَّاسِ خطيباً، فقال: ((أيُّها النَّاسُ؛ ألا إنِّى قَدْ خَبَّأْتُ لَكُم صَـوْتِى مُنْذُ أرْبَعَة أيَّام، ألا لِتَسْمَعوا اليَوْمَ، ألاَ فَهَلْ مِنْ امْرِىءٍ بَعَثَهُ قَوْمُه فقالوا له: اعْلَمْ لَنَا ما يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ألاَ ثَمَّ رَجُلٌ لَعَلَّهُ يُلْهيه حَدِيثُ نَفْسِهِ أوْ حَدِيثُ صَاحِبِه أوْ يُلْهِيهِ ضَالٌ، أَلاَ إنِّى مَسْؤُولٌ هَلْ بَلَّغْتُ، ألاَ اسْمَعُوا تَعِيشوا، ألاَ اجْلِسُوا)). فجلس الناسُ، وقمت أنا وصاحبى حتى إذا فرغ لنا فؤادُه ونظره، قلت: يا رسول الله؛ ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لَعَمْرُ اللهِ، عَلِمَ أنى أبْتَغى السَّقْطَةَ، فقال: ((ضَنَّ رَبُّكَ بِمَفَاتِيح خَمْسٍ مِنَ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلاَّ الله))، وأشار بيده. فقلت: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: ((عِلْمُ المَنِيَّة، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنيَّةُ أحَدِكُم ولا تَعْلَمُونَه، وعِلْمُ المَنِىِّ حِينَ يَكُونُ فى الرَّحِم قَدْ عَلِمَهُ ومَا تَعْلَمُونَهُ، وعِلْمُ ما فى غَدٍ قَدْ عَلِمَ مَا أَنْتَ طَاعِمٌ ولا تَعْلَمُه، وعِلْمُ يَوْمِ الغَيْثِ يُشرف عَليْكُم أزِلِين مُشْفِقيْن فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قَدْ عَلِمَ أنَّ غَوْثكُم إلى قَرِيبٍ)). قال لقيطٌ: فقلتُ: لن نَعْدَمَ مِن ربٍّ يضحكُ خيراً يا رَسُولَ اللهِ. قال: ((وعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَةِ)). قلنا: يا رَسولَ الله؛ علِّمنا مما تُعلِّم الناسَ وتعلم، فإنَّا مِن قبيل لا يُصدِّقون تصديقنا أحداً مِن مِذحج التى تربو علينا، وخثعم التى تُوالينا وعشيرتنا التى نحن منها. قال: ((تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُم، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحةُ، فَلَعَمْرُ إلهِكَ ما تَدَعُ عَلى ظَهّرِها شَيْئاً إلا مَاتَ، والمَلائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ، فأَصْبَحَ رَبُّكَ عَزَّ وجَلَّ يَطُوفُ فى الأرْضِ، وخَلَتْ عَلَيْهِ البِلادُ، فأَرْسَلَ رَبُّكَ السَّمَاءَ تَهْضِبُ مِنْ عِنْد العَرْش، فَلَعَمْرُ إلهِكَ ما تَدَعُ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ، ولا مَدْفَنِ مَيِّتٍ إلا شَقَّت القَبْر عَنْهُ حَتَّى تَخْلُفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِه فَيَسْتَوِى جالِساً، فيَقُولُ رَبُّك: مَهْيَم، لما كان فيه يقول: يَا رَبِّ، أمْسِ، اليوم، لعهده بالحياة، يحسبه حديثاً بأهله)). فقلتُ: يا رسولَ الله؛ فكيف يجمعُنا بعد ما تمزِّقنا الرياحُ والبِلَى والسِّباعَ؟ قال: ((أُنْبئُكَ بِمثل ذلِكَ فى آلاءِ الله: الأرْضُ أشْرَفْتَ عليها وهىَ فى مَدَرة بَالِيةِ)) فقلتَ: لا تحيى أبداً، ثم أرْسَلَ اللهُ عَلَيْهَا السَّمَاء، فلَمْ تَلْبثْ عَلَيك إلاَّ أيًَّاماً حَتَّى أشْرَفْتَ عَلَيْهَا وهى شَرْبَةٌ واحِدَةٌ، ولَعَمْرُ إلهِكَ لَهُوَ أقْدَرُ على أن يَجْمَعَكُم مِنَ المَاءِ عَلى أَنْ يَجْمَعَ نَباتَ الأرْضِ فتَخْرُجونَ مِنَ الأصْواءِ، ومِنْ مَصارِعِكُم، فتنظُرُونَ إلَيْهِ ويَنْظُرُ إليكُم)). قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال: ((أُنْبئُك بمثل هذا فى آلاءِ الله: الشَّمْسُ والقَمَرُ آيةٌ منه صَغِيرَةٌ تَرَونَهُما وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً واحِدَةً ولا تُضارُّون فى رُؤْيَتهما، ولَعَمْرُ إلهكَ لهوَ أقدرُ على أن يراكم وترونه من أن تروا نورهما ويريانكم لا تضارُّون فى رؤيتهما)). قلت: يا رسولَ اللهِ؛ فما يفعل بنا ربُّنا إذا لقيناه؟ قال: ((تُعْرَضُونَ عليه بادِيَةً له صَفَحَاتُكم لا يخْفى عليه منكم خَافِيةٌ، فيأْخُذُ رَبُّكَ عَزَّ وجَلَّ بيدِهِ غُرْفَةً من ماءٍ، فيَنْضَحُ بها قِبلَكُم، فَلَعَمْرُ إلهكَ ما يُخْطئ وَجْه أحَدٍ منكم منها قَطْرَة، فأمَّا المُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ البَيْضَاءِ، وأَمَّا الكَافِرُ فَتَنْضَحُه أو قال: فتخطَمُه بمثل الحُمَم الأسْود، ألا ثم يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ ويَفْتَرِقُ على أثَرِهِ الصَّالِحُونَ فَيَسْلُكون جِسْراً مِنَ النَّارِ يَطَأُ أَحَدُكُم الجَمْرَة يقول: حِسِّ، يقول رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ: أو أَنه، ألا فَتَطلعون على حَوْضِ نَبيِّكُم عَلى أَظْمَأِ واللهِ نَاهِلَة قَطُّ ما رَأَيتُها، فَلَعَمْرُ إلهكَ مَا يَبْسُطُ أَحَدٌ مِنْكُم يَدَهُ إلاَّ وقَعَ عليها قَدَحٌ يُطَهِّرُه مِنَ الطَّوْفِ، والبَوْلِ، والأذى، وتُخنس الشَّمْسُ والقَمَرُ فلا تَرَوْنَ منهما واحداً)). قال: قلتُ: يا رسول الله؛ فبمَ نبصر؟ قال: ((بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتك هذِهِ، وذَلِكَ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ فى يَوْمٍ أَشْرَقَت الأَرْضُ وواجَهَتْ بِه الجِبالَ)). قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ فبم نُجزَى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((الحَسَنَةُ بَعَشْرِ أَمْثَالِها، والسَّيِّئَةُ بِمِثْلِها إلاَّ أَنْ يَعْفُوَ)). |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:32 PM | #220 |
|
قال: قلتُ: يا رسول الله؛ ما الجنَّةُ وما النارُ؟ قال: ((لَعَمْرُ إلهكَ إنَّ النَّارَ لها سَبْعَة أَبْوابٍ مَا مِنْها بَابَانِ إلاَّ يًسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَاماً، وإنَّ الجَنَّة لها ثَمَانِيَةُ أبوابٍ ما منها بَابَانِ إلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بينهما سَبْعِينَ عَاماً)).
قلتُ: يا رسول الله؛ فعلام نطلع من الجنَّة؟ قال: ((على أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى، وأَنْهَارٍ مِنْ خَمْرٍ ما بِهَا صُداعٌ ولا نَدَامَةٌ، وأَنْهارٍ مِنْ لَبَنٍ ما يَتَغَيَّرُ طَعْمُه، ومَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وفاكِهةٍ، ولَعَمْرُ إلهكَ مَا تَعْلَمُونَ وَخَيْرٌ مِنْ مِثلِهِ مَعَهُ وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)). قلت: يا رسول الله؛ أوَ لنا فيها أزواج أو منهن مصلحات؟ قال: ((المُصْلِحاتُ لِلصَّالِحِين)) وفى لفظ: ((الصالِحاتُ لِلصَّالِحِينَ)) تَلَذُّونَهُنَّ ويَلَذُّوَنكُم مثلَ لذَّاتكم فى الدُّنْيا غَيْرَ أنْ لا تَوَالُد)). قال لقيط: فقلت: يا رسول الله؛ أقصى ما نحنُ بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يُجبه النبىُّ صلى الله عليه وسلم. قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ علام أبايُعك؟ فبسط النبىُّ صلى الله عليه وسلم يده، وقال: ((عَلى إقام الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكاةِ، وزِيالِ المُشْرِكِ، وَأنْ لا تُشْرِكَ باللهِ إلهاً غَيْرَهُ)). قال: قلت: يا رسولَ الله؛ وإنَّ لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، وظنَّ أنى مشترط ما لا يُعطينيه، قال: قلتُ: نحلُّ منها حيث شئنا، ولا يجنى امرؤٌ إلا على نفسه، فبسط يده، وقال: ((لك ذلك تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ، ولا يَجْنِى عَلَيْكَ إلاَّ نَفْسُكَ))، قال: فانصرفنا عنه، ثم قال: ((ها إنَّ ذَيْن، ها إنَّ ذَيْن مَرَّتين لَعَمْرُ إلهك مِن أتقى الناسِ فى الأُولى والآخِرَة))، فقال له كعب بن الخدرية أحدُ بنى بكر بن كلاب: مَنْ هُمْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((بنو المنتفِق، بنو المنتفِق، بنو المنتفِق، أهل ذلك منهم)). قال: فانصرفنا، وأقبلتُ عليه، فقلتُ: يا رسولَ الله؛ هل لأحد ممن مضى من خير فى جاهليتهم؟ فقال رجل مِن عُرْضِ قريش: واللهِ إنَّ أباكَ المنتفِق لفى النار، قال: فكأنه وقع حرٌ بينَ جِلد وجهى ولحمه مما قال لأبى على رؤوس الناس، فهممتُ أن أقول: وأبوك يا رسولَ الله؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلتُ: يا رسولَ الله؛ وأهلك؟ قال: ((وأَهْلى لَعَمْرُ اللهِ، حَيْثُ ما أَتَيْتَ على قَبْرِ عامِرىٍّ، أو قُرَشى من مشرك قُلْ: أرسلنى إليك مُحَمَّدٌ، فأُبَشِّرُكَ بما يَسُوؤُكَ، تُجَرُّ عَلى وجْهِكَ وبَطْنِكَ فى النَّارِ)). قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ وما فعل بهم ذلك، وقد كانوا على عمل لا يُحسنون إلا إياه، وكانوا يَحسِبُون أنهم مصلحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ بَعَثَ فى آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ نَبِيّاً، فمَن عَصى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ، ومَنْ أطاع نَبِيَّهُ كان مِنَ المُهْتَدِين)). هذا حديث كبير جليل، تُنادى جلالتُه وفخامتُه وعظمتُه على أنه قد خرج مِن مِشكاة النُّبوة، لا يُعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدنى، رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزُّبَيْرى، وهما من كبار علماء المدينة، ثقتان محتجٌ بهما فى الصحيح، احتجَّ بهما إمامُ أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخارى، ورواه أئمةُ أهل السُّـنَّة فى كتبهم، وتلقَّوْه بالقبول، وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحدٌ منهم فيه، ولا فى أحد من رُواته. فممن رواه: الإمام ابن الإمام، أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل فى مسند أبيه، وفى كتاب ((السُّـنَّة)) وقال: كتب إلىَّ إيراهيمُ بن حمزة ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزُّبَيْر الزُّبَيْرى: كتبتُ إليك بهذا الحديث، وقد عرضتُه، وسمعتُه على ما كتبتُ به إليك، فحدِّث به عنى. ومنهم: الحافظ الجليل أبو بكر أحمد بن عَمْرو بن أبى عاصم النبيل فى كتاب ((السُّـنَّة)) له. ومنهم: الحافظ أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان العسَّال فى كتاب ((المعرفة)). ومنهم: حافظُ زمانه، ومحدِّثُ أوانه، أبو القاسم سليمان بن أحمد ابن أيوب الطبرانى فى كثير من كتبه. ومنهم: الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن حَيَّان أبو الشيخ الأصبهانى فى كتاب ((السُّـنَّة)). ومنهم: الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده، حافظ أصبهان. ومنهم: الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه. ومنهم: حافظُ عصره، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهانى، وجماعة من الحُفَّاظ سواهم يطول ذكرهم. وقال ابن منده: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعانى، وعبد الله ابن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق بمجمع العلماء وأهلِ الدين جماعة مِن الأئمة منهم أبو زرعة الرازى، وأبو حاتم، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل، ولم يُنكِره أحد، ولم يتكلم فى إسناده، بل رَوَوْه على سبيل القبول والتسليم، ولا يُنْكِر هذا الحديثَ إلا جاحِدٌ، أو جاهل، أو مخالف للكتاب والسُّـنَّة، هذا كلام أبى عبد الله بن منده. وقوله: ((تَهْضِبُ)): أى تُمطر، و((الأَصْواءِ)): القبور. و((الشَّربة)) بفتح الراء الحوضُ الذى يجتمع فيه الماء، وبالسكون والياء: الحنظلة، يُريد أنَّ الماء قد كثر، فمن حيث شئت تشرب، وعلى رواية السكون والياء: يكون قد شبَّه الأرض بخُضرتها بالنبات بخضرة الحنظلة واستوائها. وقوله: ((حسِّ)): كلمة يقولُها الإنسانُ إذا أصابه على غفلة ما يحرِقُه أو يُؤلمه. قال الأصمعى: وهى مِثل أوه. وقوله: ((يقولُ ربُّك عَزَّ وجَلَّ: أو أنه)). قال ابنُ قتيبة: فيه قولان؛ أحدهما: أن يكون ((أنه)) بمعنى ((نعم)). والآخر: أن يكون الخبر محذوفاً كأنه قال: أنتم كذلك، أو أنه على ما يقول. و((الطوف)): الغائط. وفى الحديث: لا ((يُصَلِّ أَحَدُكم، وهو يُدافِعُ الطَّوْفَ والبَوْلَ)) و((الجسر)): الضِّراط. وقوله: ((فيقول ربك: مَهيم)): أى: ما شأنُك وما أمرُك، وفيم كنتَ. وقوله: ((يُشرف عَليْكُم أزلين)): الأزل بسكون الزاى الشدة، والأزل على وزن كَتِف: هو الذى قد أَصَابه الأزل، واشتد به حتى كاد يقنَطُ. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:34 PM | #221 |
|
وقوله: ((فَيَظَلُّ يَضْحَكُ)) هو من صفات أفعَاله سبحانه وتعالى التى لا يُشبهه فيها شىءٌ مِن مخلوقاته، كصفات ذاته، وقد وردت هذه الصفة فى أحاديث كثيرة لا سبيلَ إلى ردها، كما لا سبيل إلى تشبيهها وتحريفها، وكذلك: ((فأصبح ربك يطوفُ فى الأرضِ))، هو من صفات فعله، كقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ} ، {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ}، و((ينْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا))، و ((يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَيُبَاهِى بِأَهْلِ المَوْقِفِ المَلائِكَةَ))، والكلام فى الجميع صراط واحد مستقيم، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.
وقوله: ((والملائكة الذين عند ربك)): لا أعلم موت الملائكة جاء فى حديث صريح إلا هذا، وحديث إسماعيل بن رافع الطويل، وهو حديث الصُّور، وقد يُستدل عليه بقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَمَن فِى الأَرْضِ إلاَّ مَن شَاءَ اللهُ}[الزمر: 68] وقوله: ((فلَعَمْر إلهك)). هو قَسم بحياة الرب جَلَّ جلالُه، وفيه دليل على جوازِ الإقسام بصفاته، وانعقادِ اليمين بها، وأنها قديمة، وأنه يُطلق عليه منها أسماء المصادر، ويُوصف بها، وذلك قدر زائد على مجرد الأسماء، وأن الأسماء الحُسْنَى مشتقة مِن هذه المصادر دالة عليها. وقوله: ((ثم تجىء الصائحة)): هى صيحة البعث ونفخته. وقوله: ((حتى يخلفه مِن عند رأسه)): هو من أخلف الزرعُ: إذا نبت بعد حصاده، شبَّه النشأة الآخرة بعد الموت بإخلاف الزرع بعد ما حُصِد، وتلك الخلفة مِن عند رأسه كما ينبت الزرع. وقوله: ((فيستوى جالساً)): هذا عند تمام خِلقته وكمال حياته، ثم يقومُ بعد جلوسه قائماً، ثم يُساق إلى موقف القيامة إما راكباً وإما ماشياً. وقوله: ((يقول: يارب أمس، اليوم))، استقلال لمدة لبثه فى الأرض، كأنه لبث فيها يوماً، فقال: أمس، أو بعضَ يوم، فقال: اليوم، يحسب أنه حديثُ عهد بأهله، وأنه إنما فارقهم أمسِ أو اليوم. وقوله: ((كيف يجمعُنا بعد ما تمزِّقنا الرياحُ والبِلَى والسِّباع))؟ وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم له على هذا السؤال، رد على مَن زعم أنَّ القوم لم يكونوا يخوضُون فى دقائق المسائل، ولم يكونوا يفهمون حقائقَ الإيمان، بل كانوا مشغولين بالعمليات، وأن أفراخ الصابئة، والمجوس مِن الجهمية والمعتزلة والقَدَرية أعرفُ منهم بالعلميات. وفيه دليل على أنهم كانوا يُورِدُون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُشْكِلُ عليهم من الأسئلة والشبهات، فيُجيبهم عنها بما يُثْلِجُ صدورهم، وقد أورد عليه صلى الله عليه وسلم الأسئلة أعداؤه وأصحابه، أعداؤه: للتعنت والمغالبة، وأصحابه: للفهم والبيان وزيادة الإيمان، وهو يُجيب كُلاً عن سؤاله إلا ما لا جواب عنه، كسؤاله عن وقت الساعة، وفى هذا السؤال دليل على أنه سبحانه يجمع أجزاء العبد بعد ما فرَّقها، وينشئها نشأة أُخرى، ويخلقه خلقاً جديداً كما سمَّاه فى كتابه، كذلك فى موضعين منه. وقوله: ((أنبئك بمثل ذلك فى آلاء الله))، آلاؤه: نِعمه وآياتُه التى تعرَّف بها إلى عباده. وفيه: إثبات القياس فى أدلة التوحيد والمعاد، والقرآن مملوء منه. وفيه: أنَّ حكمَ الشئ حكمُ نظيره، وأنَّه سبحانه إذا كان قادراً على شىء، فكيف تعجِزُ قدرتُه عن نظيره ومثله؟ فقد قرر اللهُ سبحانه أدلة المعاد فى كتابه أحسنَ تقرير وأبينَه وأبلغَه، وأَوصلَه إلى العقول والفِطر، فأبى أعداؤه الجاحدون إلا تكذيباً له، وتعجيزاً له، وطعناً فى حِكمته، تعالى عما يقولون عُلواً كبيراً. وقوله فى الأرض: ((أشرفت عليها، وهى مدرة بالية)). هو كقوله تعالى: {وَيُحْيْى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها}[الروم: 19] . وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَـإذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[فصلت: 39]، ونظائره فى القرآن كثيرة. وقوله: ((فتنظرون إليه وينظر إليكم))، فيه إثبات صفة النظر للهِ عَزَّ وجَلَّ، وإثباتُ رؤيته فى الآخرة. وقوله: ((كيف ونحن ملءُ الأرض وهو شخص واحد))، قد جاء هذا فى هذا الحديث، وفى قوله فى حديث آخر: ((لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ)) والمخاطَبون بهذا قوم عرب يعلمون المرادَ منه، ولا يقع فى قلوبهم تشبيهُه سبحانه بالأشخاص، بل هم أشرفُ عقولاً، وأصحُّ أذهاناً، وأسلمُ قلوباً من ذلك، وحقق صلى الله عليه وسلم وقوعَ الرؤية عَيَاناً برؤية الشمس والقمر تحقيقاً لها، ونفياً لتوهم المجاز الذى يظنه المعطِّلون. وقوله: ((فيأخذ ربك بيده غُرْفَةً من الماء فينضَحُ بها قِبَلكم))، فيه إثبات صفة اليد له سبحانه بقوله، وإثبات الفعل الذى هو النضحُ، و((الَّريْطة)): الملاءة. و((الحُمَم)): جمع حُمَمة، وهى الفحمة. وقوله: ((ثم يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ))، هذا انصراف من موقف القيامة إلى الجنَّة. وقوله: ((وَيْفترِقُ على أثَرِهِ الصَّالِحُونَ)): أى يفزعون ويمضون على أثره. وقوله: ((فَتَطلعون على حَوْضِ نَبيِّكُم)): ظاهر هذا أنَّ الحوض من وراء الجِسرِ، فكأنهم لا يصلون إليه حتى يقطعوا الجسر، وللسَّلَف فى ذلك قولان حكاهما القرطبى فى ((تذكرته))، والغزالى، وغلَّطا مَن قال: إنه بعد الجسر، وقد روى البخارى: عن أبى هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بَيْنا أنَا قَائِمٌ على الحَوْضِ إذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إذا عَرَفْتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنى وبَيْنهِم، فقال لهم: هَلُمَّ، فقلتُ: إلى أين؟ فقال: إلى النَّـارِ واللهِ، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنَّهُم ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِم، فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُم إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَم)). قال: فهذا الحديث مع صحته أدلُّ دليل على أن الحَوْض يكون فى الموقف قبل الصِّراط، لأن الصِّراط إنما هو جسر ممدود على جهنم، فمن جازه سلم من النار. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:35 PM | #222 |
|
قلتُ: وليس بين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعارض ولا تناقض ولا اختلاف، وحديثُه كُلُّه يُصدِّقُ بعضه بعضاً، وأصحابُ هذا القول إن أرادوا أن الحَوْض لا يُرَى ولا يُوصَل إليه إلا بعد قطع الصِّراط، فحديث أبى هريرة هذا وغيره يردُّ قولَهم، وإن أرادوا أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراط وقطعوه بدا لهم الحَوْضُ فشربوا منه، فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا، وهو لا يُناقض كونَه قبل الصِّراط، فإن قوله: ((طولُه شهر، وعرضُه شهر))، فإذا كان بهذا الطول والسعة، فما الذى يُحيل امتدادَه إلى وراء الجسر، فيرده المؤمنون قبل الصِّراط وبعدَه، فهذا فى حيز الإمكان، ووقوعه موقوفٌ على خبر الصادق.. والله أعلم.
وقوله: ((على أَظْمَأِ واللهِ ناهِلَة قَطُّ)): الناهلة: العطاش الواردون الماء، أى: يردونه أظمأ ما هم إليه، وهذا يُناسِب أن يكون بعد الصِّراط، فإنه جسرُ النار، وقد وردوها كُلُّهم، فلما قطعوه، اشتد ظمؤُهم إلى الماء، فوردوا حوضَه صلى الله عليه وسلم، كما وردوه فى موقف القيامة. وقوله: ((تُخنس الشَّمْسُ والقَمَرُ)): أى: تختفيان فتحتبسان، ولا يُريان، والاختناس: التوارى والاختفاء، ومنه: قول أبى هريرة: فانخنستُ منه. وقوله: ((ما بين البابين مسيرةُ سبعين عاماً))، يحتمِلُ أن يُريد به أنَّ ما بين الباب والباب هذا المقدار، ويحتمِلُ أن يريد بالبابين المصراعين، ولا يُناقِضُ هذا ما جاء مِن تقديره بأربعين عاماً لوجهين؛ أحدهما: أنه لم يُصرِّحْ فيه راويه بالرفع، بل قال: ولقد ذُكِرَ لنا أنَّ ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً. والثانى: أنَّ المسافة تختلف باختلاف سرعة السير فيها وبطئه.. والله أعلم. وقوله فى خمر الجنَّة: ((أنه ما بها صُداعٌ ولا نَدَامةٌ))، تعريض بخمر الدنيا وما يلحقُها مِن صُداع الرأس، والندامة على ذهابِ العقلِ والمال، وحصولِ الشر الذى يُوجبه زوالُ العقل. و((الماء غير الآسن)): هو الذى لم يتغير بطول مكثه. وقوله فى نساء أهل الجنَّة: ((غَيْرَ أنْ لا تَوَالدُ)): قد اختلف الناس، هل تلدُ نساءُ أهلِ الجنَّة؟ على قولين، فقالت طائفة: لا يكون فيها حبل ولا وِلادة، واحتجَّت هذه الطائفة بهذا الحديث، وبحديث آخر أظنه فى ((المسند)) وفيه: ((غير أن لا مَنِىّ ولا مَنِيَّة))، وأثبتت طائفة من السَّلَف، الوِلادة فى الجنَّة، واحتجَّت بما رواه الترمذى فى ((جامعه)) من حديث أبى الصِّدِّيق الناجى، عن أبى سعيد قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((المُؤمِنُ إذا اشْتَهَى الوَلَدَ فى الجَنَّةِ كَانَ حَمْلُه وَوَضْعُهُ وسِنُّه فى سَاعَةٍ كَما يَشْتَهِى)). قال الترمذى: حسن غريب، ورواه ابن ماجه. قالت الطائفة الأولى: هذا لا يدل على وقوع الولادة فى الجنَّة، فإنه علَّقه بالشرط، فقال: ((إذا اشتهى))، ولكنه لا يشتهى، وهذا تأويل إسحاق ابن راهويه، حكاه البخارى عنه. قالوا: والجنَّةُ دارُ جزاء على الأعمال، وهؤلاء ليسوا من أهل الجزاء، قالوا: والجنَّة دارُ خلود لا مَوتَ فيها، فلو توالد فيها أهلُها على الدوام والأبد، لما وسعتهم، وإنما وسعتهم الدنيا بالموتِ. وأجابت الطائفة الأخرى عن ذلك كُلِّه وقالت: ((إذا)) إنما تكون لمحقَّقِ الوقوع، لا المشكوك فيه، وقد صحَّ أنه سبحانه يُنشئ للجنَّة خَلْقاً يُسكنهم إياها بلا عمل منهم، قالوا: وأطفالُ المسلمين أيضاً فيها بغير عمل. وأما حديث سعتها: فلو رُزِقَ كُلُّ واحد منهم عشرة آلاف من الولد وَسِعَتهم، فإن أدناهم مَن ينظر فى ملكه مسيرة ألفى عام. وقوله: ((يا رسول الله؛ أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه))، لا جواب لهذه المسألة، لأنه إن أراد أقصى مدة الدنيا وانتهائها، فلا يعلمه إلا الله، وإن أراد: أقصى ما نحن منتهون إليه بعد دخول الجنَّة والنار، فلا تعلم نفس أقصى ما ينتهى إليه من ذلك، وإن كان الانتهاء إلى نعيم وجحيم، ولهذا لم يُجبه النبى صلى الله عليه وسلم. وقوله فى عقد البَيْعة: ((وزيال المشرك)): أى: مفارقته ومعاداته، فلا يُجاورُه ولا يُواليه كما جاء فى الحديث الذى فى السنن: ((لا تراءى ناراهما))، يعنى المسلمين والمشركين. وقوله: ((حيثما مررت بقبر كافر فقل: أرسلنى إليك محمد)): هذا إرسال تقريع وتوبيخ، لا تبليغُ أمر ونهى، وفيه دليل على سماع أصحاب أهل القبور كلام الأحياء وخطابهم لهم، ودليلٌ على أنَّ مَن مات مشركاً فهو فى النار وإن مات قبل البعثة لأن المشركين كانُوا قد غيَّروا الحنيفية دينَ إبراهيم، واستبدلوا بها الشِّرك، وارتكبوه، وليس معهم حُجَّة من الله به، وقبحُه والوعيدُ عليه بالنار لم يزل معلوماً مِن دين الرُّسُل كُلِّهم من أولهم إلى آخرهم، وأخبارُ عقوباتِ الله لأهله متداولة بين الأُمم قرناً بعد قرن، فللَّه الحُجَّة البالغة على المشركين فى كل وقت، ولو لم يكن إلا ما فَطَرَ عَبَادَه عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لِتوحيد إلهيته، وأنه يستحيلُ فى كل فِطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يُعذِّب بمقتضى هذه الفِطرة وحدَها، فلم تزل دعوةُ الرُّسُل إلى التوحيد فى الأرض معلومة لأهلها، فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرُّسُل، والله أعلم. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:37 PM | #223 |
|
فصل
فى قدوم وفدِ النَّخْع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَدِمَ عليه وَفْدُ النَّخْعِ، وهُمْ آخِرُ الوفود قدوماً عليه فى نصف المحرَّم سنةَ إحدى عشرةَ فى مِائتى رجل، فنزلُوا دارَ الأضيافِ، ثم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّينَ بالإسلام، وقد كانُوا بايعوا معاذَ بن جبل، فقال رجل منهم، يقال له ((زُرارة بن عَمْرو)): يا رسولَ الله؛ إنى رأيتُ فى سفرى هذا عجَباً، قال: ((وما رأيتَ))؟ قال: رأيتُ أتاناً تركتُها فى الحىِّ كأنها ولدت جدياً أسفَع أحوَى، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((هَلْ تَرَكْتَ أمَةً لَكَ مُصِرَّةً عَلى حَمْلٍ))؟ قال: نعم، قال: ((فإنَّها قَدْ وَلَدَتْ غُلاماً وهُوَ ابْنُكَ))، قال: يا رسولَ الله؛ فما بالُه أسفعَ أحوى؟ فقال: ((ادْنُ مِنِّى))، فدنا منه، فقال: ((هَلْ بِكَ مِنْ بَرَصٍ تَكْتُمه))؟، قال: والَّذِى بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عَلِمَ بِهِ أحَدٌ، ولا اطلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُكَ، قال: ((فَهُوَ ذلِكَ))، قال: يا رسول الله؛ ورأيتُ النُّعمان بن المنذر عليه قُرطان مُدَملجَانِ ومَسكتان، قال: ((ذلكَ مَلِكُ العَرَبِ، رَجَعَ إلى أحْسَن زِيِّهِ وبَهْجَتِهِ))، قال: يا رسولَ الله؛ ورأيتُ عجوزاً شمطاء قد خرجت من الأرض، قال: ((تِلْكَ بَقِيَّةُ الدُّنْيَا))، قال: ورأيتُ ناراً خرجت من الأرض، فحالَتْ بينى وبين ابنٍ لى يُقال له: ((عمرو)) وهى تقولُ: لَظَى لَظَى، بصير، وأعمى، أطعمونى آكلُكم أهلَكم ومالَكم. قال رســول الله صلى الله عليه وسلم: ((تِلْكَ فِتْنَةٌ تَكُونُ فى آخِر الزَّمان)) قال: يا رسول الله؛ وما الفتنةُ؟ قال: ((يَقْتُلُ النَّاسُ إمَامَهُمْ، ويَشْتَجِرُونَ اشْتِجَارَ أطْبَاقِ الرَّأْس)) وخالفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ((يَحسبُ المسئُ فيها أنه محسن، ويكُونُ دَمُ المُؤمِن عِنْدَ المُؤْمِن فيها أَحْلَى مِنْ شُرْبِ المَاءِ، إنْ مَاتَ ابنُكَ أدْركْتَ الفِتْنَة، وإن مِتَّ أنت أدْرَكَها ابْنُك)) فقال: يا رسولَ الله؛ ادعُ الله أن لا أدركها، فقالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ لا يُدْرِكُها))، فمات وبقى ابنه، وكـان ممن خلعَ عثمان. فصل ذكر هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى مكاتباته إلى الملوك وغيرهم ثبت فى ((الصحيحين)) عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كتب إلى هِرَقل: ((بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم، سَـلامٌ عَلَى مَن اتَّبعَ الهُدى، أمَّا بَعْدُ: فَإنى أدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإنْ تَوَلَّيْتَ، فَإنَّ عَلَيك إثْمَ الأرِيسِّـيينَ، و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ، فَإن تَوَلَّواْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} [آل عمران: 64])). وكَتَبَ إلى كِسْرَى: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الهُدَى وآمَنَ باللهِ وَرَسُولِهِ، وشَهدَ أنْ لاَ إله إلاَّ الله وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُهُ، أدْعُوكَ بِدِعَايَة اللهِ، فإنى أنا رَسُولُ اللهِ إلى النَّاسِ كَافَّةً لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكَافِرِينَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إثْمُ المَجُوسِ))، فلما قُرِىءَ عليه الكتابُ، مزَّقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مزَّقَ اللهُ مُلْكَه)). وكتبَ إلى النَّجاشى: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى النَّجاشِى مَلِكِ الحَبَشَةِ، أَسْلِم أنْتَ، فإنى أحْمَد إلَيْكَ اللهَ الذى لا إله إلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ، وأَشْهَدُ أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللهِ وكَلِمتُهُ ألقَاهَا إلى مَرْيمَ البَتُولِ الطَّيِّبَةِ الحَصِينَةِ، فَحَمَلَتْ بِعيسى، فَخَلَقَهُ الله مِنْ رُوحِهِ ونفخه، كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيدِهِ، وإنى أدْعُوكَ إلى اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، والمُوالاَة عَلى طَاعَتِه، وأَنْ تَتَّبِعنى، وتُؤمِنَ بالَّذِى جَاءَنى، فَإنى رَسُولُ اللهِ، وإنى أدْعُوكَ وجُنُودَكَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقَدْ بَلَّغْتُ ونَصَحْتُ، فاقبَلُوا نَصيحَتى، وَالسَّلاَمُ عَلى مَنِ اتَّبعَ الهُدَى))، وبعث بالكتاب مع عَمْرو بن أُميَّة الضَّمْرِى، فقال ابن إسحاق: إن عَمْراً قال له: يا أصحَمة؛ إن علىَّ القولَ وعليكَ الاستِمَاع، إنَّك كأنك فى الرِّقةِ علينا، وكأنَّا فى الثقة بك منك، لأنَّا لم نَظُنَّ بكَ خَيراً قطُّ إلا نِلناه، ولم نَخَفْكَ على شئ قطُّ إلا أمِنَّاه، وقد أخذنا الحُجَّة عليك مِن فيك، الإنجيلُ بيننا وبينك شاهدٌ لا يُرَد، وقاض لا يجُور، وفى ذلك موقع الحَزِّ وإصابة المَفْصِل، وإلا فأنتَ فى هذا النبى الأُمِّى كاليهود فى عيسى ابن مريم، وقد فرَّق النبىُّ صلى الله عليه وسلم رُسُلَه إلى الناس، فرجاك لما لم يَرْجُهم له، وأمَّنك على ما خافهم عليه بخير سالف وأجر يُنتظر، فقال النجاشى: أشهدُ باللهِ أنَّه النبىُّ الأُمِّى الذى ينتظِرهُ أهلُ الكتاب، وأن بِشارةَ موس براكب الحِمَار، كبشارةِ عيسى براكب الجمل، وأنَّ العِيان ليس بأشفى مِن الخبر، ثم كتب النجاشىُّ جوابَ كتاب النبى صلى الله عليه وسلم: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إلى محمد رسول اللهِ، من النجاشى أصحمة، سلامٌ عليك يا نبىَّ الله من الله ورحمةُ الله وبركاته، الله الذى لا إله إلا هُوَ، أما بعد: فقد بلغنى كِتابُك يا رسولَ الله فيما ذكـرتَ مِن أمر عيسى، فوربِّ السماءِ والأرضِ، إنَّ عيسى لا يزيدُ على ما ذكرتَ ثُفْروقاً إنه كما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرَّبنا ابن عمك وأصحابه، فأشهدُ أنَّك رسول الله صادقاً مصدقاً، وقد بايعتُك، وبايعتُ ابنَ عمك، وأسلمتُ على يديه للهِ رب العالمين)). والثُفْروق: عِلاقة ما بين النواة والقشرة. وتوفى النجاشىُّ سنةَ تسع، وأُخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بموته ذلك اليوم، فخرج بالناسِ إلى المصلَّى، فصلَّى عليه، وكبَّرَ أربعاً. قلت: وهذا وهم والله أعلم وقد خلط راويه، ولم يُميِّز بينَ النجاشىِّ الذى صلَّى عليه، وهو الذى آمنَ به وأكرمَ أصحَابه، وبينَ النجاشىِّ الذى كتب إليه يدعوه، فهما اثنانِ، وقد جاء ذلك مبَّيناً فى ((صحيح مسلم)) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشى، وليس بالذى صَلَّى عليه. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:38 PM | #224 |
|
فصل
فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى المقوقِس ملك مصر والإسكندرية وكتب إلى المقوقِس مَلكِ مصرَ والإسكندرية: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ عبدِ اللهِ ورسُولِه، إلى المُقَوْقِس عظِيمِ القِبْطِ، سَلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدى، أما بَعْدُ: فإنى أدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسْلامِ، أَسْلِم تَسْلَمْ، وأَسْلِم يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فإنْ تَوَلَّيْتَ، فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ القِبْط {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ، فَإن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأنَّا مُسْلِمُونَ }[آل عمران: 64]))، وبعث به مع حاطب بن أبى بَلتعة، فلما دخل عليه، قال له: إنه كان قبلَك رجلٌ يزعم أنه الربُّ الأعلى، فأخذه الله نكالَ الآخِرَةِ والأُولى، فانتقم به، ثم انتقمَ مِنه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرُك بك، فقال: إنَّ لنا دِيناً لن ندعَه إلا لما هو خيرٌ منه، فقال حاطب: ندعُوك إلى دِين الله، وهو الإسلام الكافى به الله فَقْدَ ما سِواه، إنَّ هذا النبى دعا الناسَ، فكان أشدَّهم عليه قريشٌ، وأعداهم له اليهودُ، وأقربَهم منه النصارى، ولعَمْرى ما بِشارةُ موسى بعيسى إلا كـبِشَارَةِ عيسى بمحمد، وما دعاؤُنا إيَّاك إلى القرآن إلا كدُعائك أهلَ التوارةِ إلى الإنجيلِ، وكل نبىّ أدرك قوماً فَهُمْ مِن أُمَّتِه، فالحقُّ عليهم أن يُطيعوه، وأنتَ ممن أدركه هذا النبىُّ، ولسنا ننهاك عن دينِ المسيح، ولكنَّا نأمُرك به. فقال المقوقِسُ: إنى قد نظرتُ فى أمر هذا النبىِّ، فوجدتُه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عَن مرغوبٍ فيه، ولم أجده بالساحِرِ الضَّالِ، ولا الكَاهِنِ الكَاذِب، ووجدتُ معه آيةَ النبوةِ بإخراج الخَبءِ، والإخبار بالنَّجوى، وسأنظر، وأخذ كتابَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فجعله فى حُقٍّ مِنْ عَاجٍ، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتبُ بالعربية، فكتبَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لمحمد ابن عبد الله، من المقوقِس عظيم القِبْطِ، سلام عليك، أما بعد: فقد قرأتُ كتابَك، وفهمتُ ما ذكرتَ فيه، وما تدعو إليه، وقد علمتُ أن نبياً بقى، وكنتُ أَظن أنه يخرُج بالشام، وقد أكرمتُ رسولَك، وبعثتُ إليك بجاريتين لهما مكانٌ فى القِبْطِ عظيم، وبِكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك)). ولم يزد على هذا، ولم يُسلم، والجاريتان: مارية وسيرين، والبغلةُ دُلْدُل، بقيت إلى زمن معاوية. فصل فى كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى وكتب إلى المُنْذِر بن سَاوى، فذكر الواقدى بإسناده، عن عِكْرمة قال: وجدتُ هذا الكتاب فى كتب ابن عباس بعد موته، فنسختُه، فإذا فيه: بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاءَ بن الحضرم إلى المنذِر بن سَاوى، وكتب إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، فكتب المنذرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما بعد: يا رسولَ اللهِ؛ فإنى قرأتُ كتابك على أهل البحرين، فمِنهم مَن أحبَّ الإسلامَ وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم مَن كرهه، وبأرضى مجوس ويهود، فَأَحْدِثْ إلىَّ فى ذلك أمرك))، فكتب إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى المُنْذِر بن سَاوى، سَلامٌ عَلَيْكَ؛ فإنِّى أحمد إليك الله الذى لا إله إلاَّ هو، وأَشْهَدُ أَنْ لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُــولُه، أمَّا بَعْدُ: فإنى أُذَكِّرُكَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فإنَّه مَنْ يَنْصَحْ فإنَّمَا يَنْصَحُ لِنَفْسِه، وإنَّه مَنْ يُطِعْ رُسُلى، ويَتَّبِعْ أَمْرَهُم، فَقَدْ أطاعَنى، ومَنْ نَصَحَ لَهُمْ، فَقَدْ نَصَحَ لى، وإنَّ رُسُلى قد أَثْنَوْا عَلَيْكَ خيراً، وإنى قَدْ شَفَعْتُكَ فى قَوْمِكَ، فاتْرُكْ لِلْمُسْلِمِينَ مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وعَفَوْتُ عَنْ أَهْلِ الذُّنوبِ فاقْبَلْ مِنْهُم، وإنَّكَ مَهْما تَصْلُحْ، فلن نَعْزِلَكَ عن عَمَلِكَ، ومَنْ أقَامَ عَلى يَهُودِيَّةٍ أوْ مَجُوسِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الجِزْيَةُ)). |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
12-13-2003, 10:40 PM | #225 |
|
فصل
فى كتابه صلى الله عليه وسلم إلى ملك عُمَان وكتب إلى ملك عُمَانَ كتاباً، وبعثه مع عَمْرو بن العاص: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ بنِ عبد الله، إلى جَيْفَرٍ، وعَبْدٍ ابنى الجُلَنْدى، سَلامٌ على مَن اتَّبعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فإنى أَدْعُوكُما بدِعَايَةِ الإسْلام، أَسْلِما تَسْلَما، فإنِّى رسولُ اللهِ إلى النَّاسِ كَافَّةً لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكَافِرِين، فإنَّكُما إنْ أقْرَرْتُمَا بالإسْلاَمِ ولَّيْتُكُمَا، وإن أبَيْتُما أنْ تُقِرَّا بالإسْلام، فإنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلى تَحُلُّ بسَاحَتِكُمَا، وتَظْهَرُ نُبُوَّتى على مُلْكِكُمَا))، وكتَب أُبَىُّ بن كعب، وختم الكتابَ. قالَ عَمْرو: فخرجتُ حتى انتهيتُ إلى عُمَان، فلما قدمتها، عَمَدْتُ إلى عبد، وكان أحلمَ الرجلين وأسهلَهما خُلُقاً، فقلتُ: إنى رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليك، وإلى أخيك، فقال: أخى المقَدَّمُ علىَّ بالسِّنِّ والمُلك، وأَنا أُوصِلُك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وتخلَعَ ما عُبِدَ مِن دونه، وتشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. قال: يا عَمْرو؛ إنك ابنُ سيِّدِ قومك، فكيف صنع أبوك، فإنَّ لنا فيه قُدوة؟ قلتُ: مات ولم يُؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ووَدِدْتُ أنه كان أسلم وصدَّق به، وقد كنتُ أنا على مثل رأيه حتى هدانى اللهُ للإسلام، قال: فمتى تبعتَه؟ قلتُ: قريباً، فسألنى: أين كان إسلامُك؟ قلت: عند النجاشى، وأخبرته أن النجاشى قد أسلم، قال: فكيف صنع قومُه بملكه؟ فقلت: أقروه واتَّبعوه، قال: والأساقفةُ والرهبانُ تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عَمْرو ما تقول، إنه ليس مِن خصلة فى رجل أفضحَ له مِن الكذب، قلت: ما كذبتُ، وما نستحِلُّه فى ديننا، ثم قال: ما أرى هِرقل علم بإسلام النجاشى، قلت: بلى. قال: بأى شىء علمتَ ذلك؟ قلت: كان النجاشىُّ يُخرِجُ له خَرْجاً، فلما أسلم وصدَّق بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال: لا واللهِ، لو سألنى درهماً واحداً ما أعطيته، فبلغ هِرقلَ قوله، فقال له يَنَّاقُ أخوه: أتدعُ عبدك لا يُخرج لك خَرْجاً، ويدين دِيناً مُحَدَثاً؟ قال هِرقل: رجلٌ رَغِبَ فى دين فاختاره لنفسه ما أصنع به؟ واللهِ لولا الضنُّ بملكى لصنعتُ كما صنع، قال: انظر ما تقولُ يا عَمْرو، قلت: واللهِ صدقتُك. قال عبد: فأخبرنى ما الذى يأمرُ به، وينهى عنه؟ قلتُ: يأمر بطاعة الله عَزَّ وجَلَّ، وينهى عن معصيته، ويأمر بالبِرِّ وَصِلة الرَّحِم، وينهى عن الظلم والعُدوان، وعن الزِّنَى، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسنَ هذا الذى يدعو إليه، لو كان أخى يُتابعنى عليه، لركبنا حتى نؤمن بمحمد، ونُصدِّق به، ولكن أخى أضنُّ بملكه من أن يدَعَه ويصير ذَنَباً، قلت: إنه إن أسلم، ملَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، فأخذ الصدقة مِن غنيهم، فردَّها على فقيرهم. قال: إن هذا لخُلُق حسن، وما الصدقة؟ فأخبرتُه بما فرض رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الصدقات فى الأموال حتى انتهيتُ إلى الإبل، قال: يا عَمْرو؛ وتُؤخذ من سوائم مواشينا التى ترعى الشجر، وتَرِد المياه؟ فقلت: نعم. فقال: واللهِ ما أُرى قومى فى بُعد دارهم، وكثرةِ عددهم يُطيعون بهذا، قال: فمكثتُ ببابه أياماً، وهو يصل إلى أخيه، فيُخبره كُلَّ خبرى، ثم إنه دعانى يوماً، فدخلتُ عليه، فأخذ أعوانُه بضَبُعىَّ، فقال: دعوه، فأُُرسلت، فذهبت لأجلِس، فأبوا أن يدعونى أجلس، فنظرتُ إليه، فقال: تكلم بحاجتك، فدفعتُ إليه الكتاب مختوماً، ففضَّ خاتَمه، وقرأ حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه، فقرأه مثل قراءته، إلا أنى رأيت أخاه أرقَّ منه، قال: ألا تُخبرنى عن قريش كيفَ صنعت؟ فقلت: تَبِعُوه إما راغبٌ فى الدين، وإما مقهور بالسيف. قال: ومَن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا فى الإسلام، واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هُدَى الله إياهم أنهم كانوا فى ضلال، فما أعلم أحداً بقى غيرَك فى هذه الحَرجَة، وأنت إن لم تُسلِم اليومَ وتتبعه، يُوطئك الخيل، ويُبيدُ خَضْرَاءَكَ، فأسْلِمْ تَسْلَمْ، ويَسْتعمِلك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرِّجال. قال: دعنى يومى هذا، وارجع إلىَّ غداً، فرجعتُ إلى أخيه، فقال: يا عَمْرو؛ إنى لأرجو أن يُسْلِمَ إن لم يَضِنَّ بمُلكه. حتى إذا كان الغد، أتيتُ إليه، فأبى أن يأذن لى، فانصرفتُ إلى أخيه، فأخبرتُه أنى لم أصل إليه، فأوصلنى إليه، فقال: إنى فكرتُ فيما دعوتَنى إليه، فإذا أنا أضعفُ العرب إن ملَّكتُ رجلاً ما فى يدى، وهو لا تبلغ خيلُه ههنا، وإن بلغت خيلُه ألْفَتْ قِتالاً ليس كقتال مَن لاقى. قلت: وأنا خارج غداً، فلما أيقن بمخرجى، خلا به أخوه، فقال:ما نحنُ فيما قد ظهر عليه، وكُلُّ مَن أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلىَّ فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعاً، وصدَّقا النبى صلى الله عليه وسلم، وخليا بينى وبينَ الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لى عوناً على مَن خالفنى. فصل فى كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هَوْذَة بن علىّ صاحب اليمامة وكتب النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى صاحب اليمامة هَوْذَة بن على، وأرسل به مع سَليط بن عَمْرو العامرى: ((بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِـيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى هَوْذَة بن علىّ، سَلامٌ عَلى من اتَّبعَ الهُدى، واعْلَمْ أنَّ دِينى سَيَظْهَرُ إلى مُنْتَهى الخُفِّ والحافِر، فأسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلْ لَكَ ما تَحتَ يَدَيْكَ))، فلمَّا قدم عليه سَليط بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوماً، أنزله وحيَّاه، واقترأ عليه الكتاب، فردَّ رداً دونَ رد، وكتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم: ((ما أحسنَ ما تدعو إليه وأجمَله، والعربُ تهابُ مكانى، فاجعل إلىَّ بعض الأمر أتبعك)). وأجاز سَلِيطاً بجائزة، وكساه أثواباً من نسج هَجَر، فَقَدِمَ بذلك كُلِّه على النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبره، وقرأ النبىُّ صلى الله عليه وسلم كتابه، فقال: ((لو سألنى سَيَابَةً من الأرض ما فعلتُ، بادَ وبادَ ما فى يديه)). فلما انصرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الفتح، جاءه جبريلُ عليه السلام، بأن هَوْذَة قد مات، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أمَا إنَّ اليَمَامَةَ سَيَخْرُجُ بِهَا كَذَّابٌ يَتَنَبّأ، يُقْتَلُ بَعْدِى))، فقال قائل: يا رسول الله؛ مَن يقتُلُهُ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنْتَ وأصحابُك)) فكان كذلك. وذكر الواقدى: أن أركون دمشق عظيم من عظماء النصارى، كان عند هَوْذَة، فسأله عن النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: جاءنى كتابُه يدعونى إلى الإسلام، فلم أجبه، قال الأركون: لِمَ لا تُجيبه؟ قال: ضننت بدينى وأنا ملك قومى، وإن تبعتُه لم أملك، قال: بلى واللهِ، لَئن تبعتَه ليُمَلِّكَنَّكَ، فإن الخِيرَة لك فى اتباعه، وإنه للنبى العربىُّ الذى بشَّر به عيسى ابن مريم، وإنه لمكتوب عندنا فى الإنجيل: محمد رسول الله. فصل فى كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبى شِمْرِ الغَسَّان وكان بدمشق بغُوطتها، فكتب إليه كتاباً مع شجاع بن وهب مَرْجِعَه مِن الحُدَيْبِية: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلى الحارث ابن أبى شِمْرٍ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبعَ الهُدَى، وآمَنَ باللهِ وصَدَّقَ، وإنى أدْعُوكَ إلى أن تُؤْمِنَ باللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، يبقى لَكَ مُلْكُكَ))، وقد تقدم ذلك. |
الــــــــalwaafiــــــــوافي
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى | Aboabdalah | الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال | 2 | 09-16-2009 02:15 AM |