#1
|
|||||||
|
|||||||
الماء الدافق
في هذا المقال إشارة لما ورد في الآيات القرآنية الكريمة ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾ الطارق 5-6، من حيث ماهية الماء الدافق، ما هو تركيبه وخصائصه التي تجعله دافقاً متدفقاً، سريع الحركة؟، هل يجب أن يكون هذا الماء متدفقاً؟، ماذا لو تباطأ في جريانه، هل يكون ساعتها قادراً على الإخصاب؟، كل ذلك وغيره سنتناوله في هذا المقال. ولكن دعونا بداية نقدم للموضوع حتى نتمكن من فهم أعمق وتركيز أدق لقضية ليست فقط من أوائل بل هى أيضاً أول القضايا التي ناقشها الإسلام والقرآن على الإطلاق.
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم وهو أصدق القائلين﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾ العلق 1-5، هذه الآية الكريمة هي أول ما نزل من القرآن الكريم على خير خلق الله محمد بنعبد اللهصلي الله عليه وسلم، وكثيراً ما يستدل العلماء والراسخون في العلم بهذه الآية للدلالة على أهمية العلم في الإسلام لما فيها من إشارات وأوامر بالقراءة والكتابة والفكر والتفكر، ولكنها وهي الآية الأولى نزولا في القرآن الكريم تلفت النظر أيضاً إلى شيء أخر عظيم وجليل، إنه خلق الإنسان، وأن على الإنسان أن يعلم أن خالقه هو الله عز وجل وأن أحد مراحل خلقه وتكوينه في رحم أمه هي العلقة، وأنه جل شأنه علمه ما لم يكن يعلم. هذه كانت أول آية نزلت من القرآن الكريم وتناولت مباشرة قضية خلق الإنسان في إشارات محكمة تحتاج إلي شيء من التفصيل، وهذا في الحقيقة من أساليب القرآن المعجزة في تناوله للعديد من القضايا والقصص القرآني فهي تأتي محكمة موجزة أحيانا وتأتي مفصلة دقيقة واضحة في أحيان أخري، وسبحان الله العظيم القائل عن كتابه الكريم ﴿كتاب أحكمت آيته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ﴾ هود 1. في هذا السياق نجد أن تفاصيل أكثر عن مراحل خلق الإنسان - وكيف يتكون ومتى يخرج من رحم أمه للدنيا الواسعة - جاءت في سورة "المؤمنون" حيث يقول الخالق عز وجل ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَـيِّـتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُون﴾ المؤمنون (12ـ 16)، قد يكون من الملفت للنظر هنا ورود تفصيل أطوار خلق الإنسان في سورة من سور القرآن تحمل اسم "المؤمنون"، وكأن الإيمان بالخلق من تمام الإيمان بالله وقدراته الخالقة اللانهائية، لا سيما إذا علمنا أيضا ومن القرآن الكريم أننا نحن بني البشر لم نرى بأم أعيينا أنفسنا ونحن نخلق حيث يقول الله عز وجل في سورة الكهف ﴿ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ﴾ الكهف 51، ويقول جل شأنه ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ﴾ النحل 78. وكما لم نرى خلق أنفسنا في بدء الحياة لن نرى خلق أنفسنا أيضا يوم البعث. وقد روي البخاري عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في صحيحه محدثاً عن البعث قال: حدثني محمد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين أربعون قالأربعون يوما قال أبيت قال أربعون شهرا قال أبيت قال أربعون سنة قال أبيت قال ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة. الحديث يصف لنا بشكل دقيق مرحلة إنبات الإنسان يوم القيامة، إنباتا يشبه إنبات نبات البقل في الدنيا، ولكن هل سنرى ذلك الإنبات يوم القيامة؟، الحقيقة لا، حيث يقول الله جل وعلا في القرآن الكريم ﴿يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير﴾ ق 44، ويقول ﴿ يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون﴾المعارج 43، ويقول أيضا ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾ الزمر 68. هذه الآيات الكريمات تشير بل تأكد على أن الإنسان لا ولن يشهد إعادة خلقه وتركيبه يوم القيامة، تماما كما لم يشهد خلقه وتركيبه في الحياة الأولى، ومن هنا لزم الإيمان والتسليم بذلك، ومع ذلك وحتى تطمئن قلوب المؤمنين ويهتدي إلى الله الحائرين، فقد أودع الله في الأرض التي نعيش عليها، الكثير والكثير من الأمثلة التي تدل على الخلق والبعث لمن أراد أن يتذكر، بداية من داخل أنفسنا حيث يقول الباري تبارك وتعالى ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾ الذاريات 21، ويقول جل شأنه بشكل تفصيلي ﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾ الحج 5، ويقول تبارك وتعالى عن مخلوقات أخرى أكبر منا وأعظم نراها رأي العين ﴿أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا﴾ (الإسراء 99). هذه الإشارات الربانية الرائعة والتي بكل تأكيد كانت غيباً لا يستطيع أحد أن يراه أو يحسه في العصور الأولى، فأكثر ما كان يعرفه الإنسان في عصر النبوة الأول عن الحمل والولادة، ما هو ظاهر منه يروه بأعينهم ويلمسوه بأيدهم ولم يكن أحد منهم يعرف مراحل تكوين الجنين بهذا التسلسل والتنظيم، منذ أن يصبح الإنسان نطفة يقذفها الرجل في رحم المرأة حتى تكون الجنين وخروجه في صورة الإنسان الكامل إلى الدنيا الواسعة بكل ما فيها ومن فيها وسبحان الله القائل ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا .وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ نوح 13-14. تطورت الدنيا وازدهر العلم وأفرز البحث العلمي الدقيق العديد والعديد من الأجهزة والمعدات التي تصور ما يجري داخل بطن الأم لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة. واكتشف العلماء مراحل تكون الأجنة في بطون أمهاتها، وليس عجيبا أبداً أن نري التطابق التام بين ما أظهره العلم الحديث وما جاء في القرآن الكريم الذي يقول فيه رب العزة تبارك وتعالى ﴿سنريهم آيتينا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبن لهم أنه الحق﴾ ويقول أيضا جل شأنه ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾(النمل: 93). ودعونا نأخذ خيط الكلام من هذه الآية الكريمة ونقول إن بحثنا وتفكرنا في آيات الله وربطها بالعلم الحديث ومنجزاته لا يخرج عن توضيح مراد الله عز وجل والدعوة لدينه الحنيف وكتابه العظيم الذي﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ فصلت 42،فلا عقل ولا منطق لهؤلاء العلماء والمكتشفين من أي جنس كانوا وبأي ملة أو دين اعتقدوا أن يرفضوا ما عملته أيدهم وما شاهدته أبصارهم وما أنجزته عقولهم وأبحاثهم، لا سيما عندما يعلم هؤلاء العلماء أن ما وصلوا إليه من علم قد أشير إليه وبالتفصيل في آيات القرآن الكريم منذ ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة من الزمان وأن الذي بلغ هذا عن الله الخالق إنما هو محمد ابن عبد الله– صلي الله عليه وسلم - النبي الأمي الكريم الذي لا يقرأ ولا يكتب، ولم يدرس لا علم الأجنة ولا علم البيولوجيا ولا أي علم من العلوم الأخرى، وحتى لو درس - وهذا لم يحدث - فإمكانات العلم والعلماء في هذا العصر كانت ضحلة جداً وضعيفة للغاية، ولا تقارن بأي حال من الأحوال بما وصل إليه العلم في العصر الحديث، وسبحان الله القائل ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين﴾البقرة1. ومن منطلق دعوة الله لنا للتفكر والبحث في كيف بدأ الخلق حيث يقول سبحانه ﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير﴾ العنكبوت 20، دعونا نبحر سوياً في دقة النظام الآلهي، وحساباته الدقيقة التي لا تختل، وسنتناول في هذا المقال الماء الدافق، ولماذا هو دافق؟، ما هي العوامل التي أودها الله عز وجل فيه لتساعده على التدفق؟، ولماذا لا يقوم بوظيفته وهي التخصيب إذا ما قلت قدرته على التدفق أو ضعفت؟، وللإجابة على هذه الأسئلة هيا بنا نغوص معاً في بحر ممتزج ماءه بالعلم والقرآن ولنعش سوياً دقائق في رحاب آيات الله حتى يتبن لي ولكم ولهم أنه الحق. في البدء كان الماء فقط يقول الله عز وجل في محكم كتابه ﴿والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ﴾النور 45، ويقول أيضا ﴿وجعلنا من الماء كل شيء حي﴾الأنبياء 30، ويقول جل شأنه ﴿ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين﴾ السجدة 8، نعم كل مخلوق حي يدب على الأرض خلقه الله من ماء وفي هذا الصدد نورد الإحصاء الآتي ليتبين لنا محتوى بعض أعضاء جسم الإنسان من الماء فيشكل الماء 90% من مخ الإنسان و 70% من مكونات القلب و 86% من الرئتين والكبد، 83% من الكليتين، 75% من عضلات الجسم المختلفة و 83% من الدم. ويكون الماء حوالي 60-95% من مجمل أجسام الأحياء الراقية كالحيوانات والنباتات والإنسان، كما يكون حوالي 90% من أجسام الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات والطحالب. وسبحان الله العظيم الحكيم الذي أفرد للماء من دون سائر مخلوقاته مكانة عظيمة ودوراً كبيراً، فقبل الخلق أي خلق، وقبل السموات والأرض كان هناك الماء حيث يقول عز من قائل ﴿وكان عرشه على الماء﴾هود 7، وعندما أراد الله أن يخلق خلقاً على الأرض خلقهم جميعا من ماء حيث يقول تبارك وتعالى ﴿والله خلق كل دابة من ماء﴾النور 45، ثم إذا أراد الله بقدرته وحكمته وفي الوقت الذي يريده أن ينهي الحياة على الأرض - إذانا بحلول يوم القيامة – نزع منها الماء مصداقاً لقوله عز وجل ﴿وإذا البحار سجرت﴾ التكوير 6، أي اشتعلت وتحول الماء ناراً، ونضبت معطيات ومقومات الحياة على الأرض، ليس ذلك فحسب بل سينعم المؤمنون بالماء ويعذب المعذبون في النار أيضا بالماء حيث يقول الله عز وجل عن أصحاب الجنة أن لهم فيها انهار من الماء الدائم الصلاحية للشرب ﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم﴾ محمد 15، ويقول عن شراب أهل النار ﴿وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون﴾الأنعام 70، ويقص الحكيم العليم عن حال أهل النار بأنهم يستجدون الماء من أهل الجنة فيقول ﴿ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين﴾ الأعراف 50. السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن الآن هو: هل الماء الذي يخلق منه الإنسان هو نفسه الماء الذي نشرب؟، وإذا لم يكن الماء الذي نشرب فماذا يكون؟، وما هي مواصفاته وأسراره الخفية التي تحوله من ماء مهين إلى إنسان عاقل راشد ملء السمع والبصر؟. الماء الدافق تركيبه خصائصه يقول الله تعالى في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10؛ ويقول أيضاً جل شأنه ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ يس:71، والمقصود بالماء الدافق هنا هو مني الإنسان لكونه مكون في معظمه من الماء حيث يمثل الماء منه حوالي 90% والباقي عبارة عن الحيوانات المنوية التي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من هذا الماء تتراوح بين 1 إلى 5% فقط من مكونات الماء المنوي للإنسان أما باقي المكونات الأخرى فتمثل حوالي 1-10% منه في أحسن حالتها. هذه المكونات هي الفوسفات (0.09 ملجم/مللي) والسترات (8.13 ملجم/مللي) والبوتاسيوم (1.75 ملجم/مللي) والجلوكوز(1.02 ملجم/مللي) والفركتوز (2.72 ملجم/مللي) وحامض اللاكتيك (0.62 ملجم/مللي) واليوريا (0.45 ملجم/مللي) وبروتينات (5.00 جم/مللي) وكالسيوم (1.01 ملجم/مللي) وماغنسيوم (0.92 ملجم/مللي) وزنك (0.34 ملجم/مللي). لماذا تذوب هذه العناصر في الماء المنوي؟ ولماذا الماء تحديداً؟ من ظاهر الآية الكريمة ومن التركيب الكيميائي الذي أوضحناه لمني الإنسان فإن هذا الماء الدافق يمثل ما لا يقل عن 90% من محتويات الماء المنوي للرجل، وباقي المكونات هي عبارة عن مواد ذائبة بما فيها الحيوان المنوي نفسه. هذه في الحقيقة احدي الخصائص الفريدة التي أختص الله عز وجل بها الماء، فقد يستحيل وجود الماء نقياً في صورة عنصري الهيدروجين والأوكسجين المكونين له فقط، فالماء يطلق عليه وصف "المذيب العام" ذلك أن أغلب المواد تذوب في الماء، ولكن بدرجات متفاوتة وبدون أن يتفاعل معها. وهذا على عكس المذيبات العضوية الآخري، التي لا تستطيع إذابة أي مادة دون التفاعل معها. على سبيل المثال، يذوب السكر في الماء عن طريق تداخل جزيئات الماء داخل جزيئات السكر، حيث تقوم بعزلها فيزيائياً، والاحتفاظ بها داخل الفراغات الموجودة بين جزيئات الماء، وبالتالي يذوب السكر عن طريق انتشار جزيئاته بين جزيئات الماء دون التفاعل معه، لهذا السبب، نجد أن محلول السكر في الماء المقطر، يكون غير قابل للتوصيل الكهربائي نتيجة عدم تكون أيونات حرة من عملية الذوبان الفيزيائي للسكر، حيث تعمل هذه الأيونات الحرة على حمل إلكترونات التيار الكهربائي في الماء. وعليه يحدث تعظيم للاستفادة من المواد السكرية الموجودة في الماء المنوي حيث يعتبر سكر الفركتوز والجلوكوز هما مصدر الطاقة الرئيسي الذي يتغذي عليه الحيوان المنوي أثناء رحلته الشاقة للتخصيب،بمعني آخر لم يكن يصلح أن يحل سائل آخر محل الماء كأحد المكونات الرئيسية للماء المنوي للإنسان بأي حال من الأحوال، ولو حدث هذا لما حدث التخصيب أبداً ولتفاعلت مكونات الماء المنوي مع الماء أو السائل الأخر المفترض غير الماء، وما وجد الحيوان المنوي ما يغذيه ويمده بطاقته وحيويته اللازمة لإتمام رحلته حتى الوصول للبويضة وتخصيبها.. التوتر السطحي للماء المنوي في قوله تعالى: ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾ الطارق 6، وقوله تعالى ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ يس:71، فالماء الدافق والنطفة تعبير وصفي للمني لأنه سائل تركيبه يماثل قطرات الماء أي يتكور ليعطي مني في شكل قطرات الماء. من خصائص الماء الفريدة توتره السطحي العجيب، ولنفهم ذلك دعونا نضرب مثلاً كلنا يشاهده يومياً، فعند وضع سائل ما – أي سائل - في إناء فإن الرابطة التي تربط جزيئاته بعضها ببعض تنقطع عند السطح، ونتيجة لذلك تبدو جزيئات سطح السائل مجذوبة نحو الداخل، هذه الظاهرة تسمي بالتوتر السطحي وتقاس بالقوة المؤثرة على وحدة الأطوال (داين/سم). ووفقا لهذه القوة يبدو سطح السائل كقطعة جلد مشدودة على إطار. باستثناء الزئبق فإن عنصر الماء يمتلك أعلى قوة توتر سطحي بين جميع السوائل. تبدو هذه الظاهرة جلية عندما نملأ كوبا بالماء إلى حافته ولا ينسكب. وعندما نرى العناكب تسير على سطح المياه الراكدة دون أن تبتل أقدامها وكأنها تسير على سطح صلب. وهي التي تعطي ميل الماء إلى التكور على هيئة قطرات بدل الانتشار على السطح الذي يسكب عليه، وهذا هو الوصف الدقيق المعجز الذي وصف الله جل شأنه به المني بأنه نطفة أي أنه ينزل من منبته قطرة قطرة وما ذلك إلا لأنه من ماء ذو قوة شد وتوتر سطحي يجعله ينزل في شكل هذه القطرات. ولعل من أهم خصائص الماء الناتجة عن التوتر السطحي هي قدرة الماء الفائقة على تسلق جدران الوعاء الذي يوضع فيه، وكلما كان قطر الجدار الذي يتسلقه صغير كلما أرتفع فيه مسافة أعلى. هذه الخاصية الحيوية للماء والمعروفة باسم الخاصية الشعرية هي التي تتيح للماء - والأملاح المذابة فيه- فرصة الحركة من جذور النباتات إلى أعلى أغصانها، كما أنها المسئولة عن سريان الدم في الأوعية الدموية الدقيقة في أجسام جميع الكائنات الحية، وبكل تأكيد فإنها أحد عوامل تدفق الماء المنوي وسهولة جريانه داخل أنابيب التبويض الأنثوية، كما أحب أن اسميه بدلا من تسمية السائل المنوي. فالسائل قد يكون ماءاً وقد يكون عنصراً أو مركب آخر، ولكن وبما أن النطفة تحتوي على أكثر من 90% من حجمها ماء فلها كل الحق أن نسميها الماء المنوي كما وصفها الله عز وجل في قرآنه العظيم بالماء الدافق. العناصر المعدنية المكونة للماء المنوي عوامل تساعد على تدفقه من المعروف أن الماء المنوي ونتيجة لما هو مذاب فيه من عناصر معدنية ذو وسط قلوي، ورحم الأنثى ذو وسط حامضي فعند نزوله وتدفقه داخل الرحم يحدث تعادل بين الحمضية والقلوية، وما ذلك إلا لحفظ الحيوانات المنوية من الموت بالأحماض بعد نزولها في الرحم، ألا ترون معي أن هذه الحسابات الدقيقة بل الغاية في الدقة لا يمكن أن يدقنها بشر بأي حال من الأحوال، وأري أن ذلك ينطبق عليه قول الله عز وجل: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ فصلت 53. المكونات المعدنية الآخري المذابة بقدرة الله في الماء المنوي قد يكون لها أيضاً دور في حركة وتدفق مني الرجل داخل رحم المرأة، فهو "أي الماء المنوي" يحتوي على عناصر معدنية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم والزنك وجميعها تحمل شحنات كهربية موجبة أما السترات والفوسفات والأحماض وغيرها من المكونات الآخري فتحمل شحنات سالبه، هذا يعني أن مكونات الماء المنوي للرجل تكون في حاله من التعادل الكهربي للشحنات ومترابطة بعضها مع بعض. هذا التعادل يمنع أيضاً تفاعل مكونات الماء المنوي مع أسطح خلايا رحم المرأة والتي تحمل أسطحها شحنات سالبة فيمنع هذا التعادل ما قد يحدث من عمليات جذب كهربي مغناطيسي بين الماء المنوي وجدر الخلايا الأمر الذي يسهل من حركته داخل الرحم وتوفيره الطاقة اللازمة لإمداد الحيوان المنوي بما يحتاجه منها اثنا رحلته بحثاً عن البويضة لتخصيبها. فلو لم يحمل الماء المنوي هذه الشحنات المتعادلة وحمل بدلاً منها شحنات سالبه فقط أو موجبة فقط لتنافر السائل أو تجاذب مع أسطح الخلايا التي يمر عليها ولتبعثرت حركته وفقد تدفقه بعد فترة وجيزة وما حدث التخصيب أبداً، وسبحان الله العظيم جل شأنه القائل ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾. أما البروتينات فتمثل حقيقةً أكبر نسبة من بين مكونات الماء المنوي (5 %) وهذه البروتينات هي مصدر للأحماض الامينية المغذية للحيوان المنوي، كما إنها تحتوي على مادة "بروستاجلاندين" التي تؤدي إلي تقلصات في الرحم، وظيفة هذه التقلصات هي امتصاص السائل المنوي لأعلي، إلي داخل الرحم، ثم إلي قناتي فالوب، اليمني واليسري، تنتظر البويضة في احدي القناتين، كما إنها تحتوي على بعض الإنزيمات التي تمنع تجلط الماء المنوي وبالتالي المحافظة على سيولته بشكل دائم الأمر الذي يساعد على سهولة تدفقه وانزلاقه داخل الرحم. الحيوان المنوي صممه الخالق عز وجل ليتدفق يتكون الحيوان المنوي من رأس و عنق و ذيل. يحتوى الرأس على النواة الحاملة للمادة الوراثية (الكروموسومات) التي تتفاعل مع المادة الوراثية الخاصة بالبويضة لتنشأ خلية الجنين الأولى. تعلو الرأس حويصلة تسمي "أكروسوم" تحتوي على إنزيمات مذيبة، تذيب جدار البويضة لكي يتمكن الحيوان المنوي من اختراقها. أما الجزء الوسطي والذي يحتوي على العنق فهو مصنع الطاقة التي تتيح للذيل أن يتحرك ليدفع الحيوان المنوي إلى الأمام ويحقق تدفقه الذي أراده الله له. بالجزء الوسطي بين الرأس والذيل - كما هو واضح في الشكل المرفق - جزء خاص حلزوني الشكل يسمي "الميتوكندريا الحلزونية"، وهو عبارة عن مصانع صغيرة للطاقة، ويعتبر أي نسيج بشري نشيطاً بقدر ما يحتويه من أعداد كبيرة من الميتوكوندريا. هذه الميتوكوندريا تقوم بإنتاج مركب كيميائي يطلق عليه اسم "الادينوسين ثلاثي الفوسفات" ويطلق عليه اختصاراً "ِATP". ويعتبر "ِATP" الطاقة أو البطارية الكهربائية اللازمة لتحريك كافة أنشطة وعمليات الجسم المختلفة في الإنسان الكامل، ناهيك عن دفع الحيوان المنوي وإمداده الذيل بالطاقة اللازمة لتحركه وبالتالي دفع الحيوان المنوي للأمام داخل الرحم. وهنا يأتي دور مكونات الماء المنوي الذي شكلها الله عز وجل كل له وظيفته التي تتم بكمية معينة وفي وقت معين وسبحانه القائل في محكم التنزيل ﴿أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون﴾الواقعة 58-59، فيتم أنتاج هذا إل ِATP"" من خلال عملية تكسير للجلوكوز والفركتوز - الموجودين ضمن مكونات الماء المنوي – أثناء عملية بيوكيميائية معروفة للعلماء باسم دورة الجليكوليسيس Glycolysis وأيضاً من خلال استثمار مكون آخر وهو السترات في دورة تسمي بدورة حامض الستريك لأكسدة بعض المواد الآخري، وتتم شرارة بدء هذه التفاعلات من خلال مكون بروتيني مهم من مكونات الماء المنوي يعرف بإنزيم الداينين، كل هذه العمليات البيوكيميائية هي التي تهيئ الظروف والبيئة المناسبة والطاقة اللازمة لتدفق الحيوان المنوي وحركته. ما من كل الماء المنوي يخلق الإنسان أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من كل الماء يكون الولد،إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء ". وهذا في الحقيقة أمراً يعضد إعجاز الآيات القرآنية ويؤكد عليها. فالماء المنوي كما ذكرنا مكوناته متعددة وكل له وظيفة ومهمته المحددة وبدقة متناهية والحيوانات المنوية وهي التي تقوم بالتخصيب كميتها بالنسبة إلى المكوناتالأخرى بالماء المنوي لا تتعدي 5%، ليس ذلك فحسب بل أيضا يتم الانتخاب بين هذه الحيوانات المنوية وتفضيل بعضها على بعض ليصل منها في نهاية الرحلة واحد فقط هو الذي يقوم بعملية التخصيب.وأن في هذا الحديث النبوي الشريف لأعجاز عظيم، فمن كان يعلم بالتركيب الدقيق للماء المنوي في عصر النبوة؟، لا أحد!!!، إنما هو علم الله الكامل الذي أوحي به لرسوله الكريم حيث يقول الحق تبارك وتعالى ﴿وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى﴾ النجم 3-4. فلم يكن أحد يعلم أن جزأ يسيراً فقط من الماء المنوي هو الذي يخلق منه الولد ... ولم يكن أحد يتصور أن في القذفة الواحدة من المني ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي وأن حيواناً منوياً فقط هو الذي يقوم بتلقيح البويضة. يتكون الحيوان المنوي في الخصيتين، ويخرج منهما عبر القناتين المنويتين، ويُصَب عليه الماء المنوي في الطريق من الحويصلتين المنويتينولكي يكون الحيوان المنوي قادراً على الإخصاب – بالإضافة لتوفر كل العوامل والظروف المحيطة السابق ذكرها - لابد أن يكون عدد الحيوانات المنوية كافياً لإغراق الرحم بحيث تزيد احتمالات التقاء الحيوانات المنوية المتحركة بالبويضة، آخذين في الاعتبار أن الحيوانات المنوية تضعف تدريجياً أثناء رحلة البحث عن البويضة، فلا يبقي من ملايين الحيوانات المنوية في النطفة الواحدة إلا حيوانات منوية معدودة قادرة على الإخصاب، مما يستوجب كثرة الحيوانات المنوية لتعويض الفاقد، وآخذين في الاعتبار صغر حجم البويضة المتناهي بالنسبة للرحم، مما يستوجب امتلاءه بالحيوانات المنوية لعلهم يلاقونها أينما كانت في الرحم الواسع. ومن المعلوم أن تركيز الحيوانات المنوية الأدنى اللازم لحدوث الإخصاب هو ۲۰مليون في الملليمتر المكعب. ومن كان يعلم إن المواد الكيميائية الموجودة في الماء المنوي، إنما هي موجودة لتوفر للحيوان المنوي الطاقة اللازمة للحركة كالمواد السكرية (الجلوكوز والفركتوز) أو لتمكنه من اختراق جدار البويضة كالمواد البروتينية والإنزيمات الموجودة في حويصلة الاكروسوم. ومن كان يعلم بأن أعداد الحيوانات المنوية وكميتها أيضاُ مهمة لعملية التخصيب. فيمكن للحيوانات المنوية البقاء حية داخل الرحم لعدة أيام في انتظار البويضة إذا كان الجماع قبل موعد التبويض، كما أن الطريق الطويل من موضع القذف إلي البويضة يستهلك صحة الحيوانات المنوية بحيث تتمتع الأقلية منهم فقط بالحركة الكافية عند الوصول إلي البويضة. عند محاذاة الحيوانات المنوية للبويضة، يبدأ أقواهم وأقواهم فقط في محاولة إذابة جدارها باستخدام الإنزيمات الموجودة في الحويصلة أعلى رأس الحيوان المنوي (الحويصلة الأكروسوميه). وبمجرد أن يذوب الجدار، يخترق أقوي الحيوانات المنوية الجدار ليستقر داخل البويضة، ثم تغلق البويضة جدارها بحيث يستحيل دخول حيوان منوي آخر، ويصدق هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من كل الماء يكون الولد). المراجع 1- القرآن الكريم 2- صحيح البخاري 3- مواقع عديدة على الشبكة الدولية (الانترنت)[ فسبحان الله |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يا غــايــبه الاّ عن الخافق سلآآآآم | عاشق ثرى الديره | عطر الكلمات | 8 | 06-21-2011 01:47 AM |
كن مثل الماء!! | برق الشوق | المواضيع العامة والإخبارية | 6 | 05-13-2011 06:49 PM |
الماء و التراب * الماء و الخمر | نواااااره | منتدى القصص والروايات | 2 | 02-22-2011 11:30 PM |
محد سأل نفسه ليه يحطون تاريخ انتهاء على علب الماء ؟؟؟؟؟ هل الماء ينتهي !! !!! !!!! | عَزْززْفَ الهُدُووْوءْ | الطب والعـلوم | 26 | 02-15-2011 06:41 AM |
ضيقة الخافق | خــالــد الـرافـعـي | همس القوافي | 12 | 11-26-2010 10:01 PM |