تدبر: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾.[1]
من صفات المنافقين المخادعة: ﴿
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ﴾.[2]
ومن صفاتهم الكسل عن الصلوات: ﴿
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾.[3]
ومن صفاتهم العمل من أجل الناس: ﴿
يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾.[4]
ومن صفاتهم قلة ذكر الله تعالى: ﴿
وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ﴾.[5]
والسخرية والاستهزاء بالدين وأهله: ﴿
قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾.[6]
وموالاة أعداء الله ومعاداة أوليائه: ﴿
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ﴾.[7]
والشك والتردد بين الإيمان والكفر: ﴿
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ﴾.[8]
ومن صفاتهم الكذب، والخيانة، والغدر، وخلف الوعد، واللجاج في الخصام.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".[9]
قل لي بربك.
كم فينا من تلك الصفات؟
♦♦♦
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾.[10]
مسكين ذلك الذي يُعَرِّضُ نفسَهُ لسخطِ الله تعالى، الَّذِي يُخَادِعُ اللَّهَ، فيظهر الصلاح، ويضمر أَشَدَّ الفسادِ، ويبدي للناسِ إيمانًا، ويخفي عنهم كفرًا وعدوانًا.
فكيف به إذا لقي الله تعالى، إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، وَكيف به إذا شَهِدَتِ عليه الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ، وَبَدَتِ منه السَّوْءَآتُ وَالْفَضَائِحُ، وَكيف به إذا ابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ، وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ.
كيف به إذا عُرِضَ على اللهِ تعالى، مغلولةً يداهُ إلى عنقه، كهيئةِ العبدِ الآبقِ، ﴿
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾.[11]
ماذا سيقول؟
وبماذا سيجيب؟
إذا قيل له: ﴿
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾.[12]
♦♦♦
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾.[13]
القلوب تمرض كما تمرض الأبدان، وتموت كما تموت، ومرضها أشد فتكًا من مرض الأبدان، وموتها ليس له حتى النشور نشور.
وأشد أمراض القلوب فتكًا، وأعظمها خطرًا، مرض الشبهة، ومرض الشهوة.
فإذا آنست من قلبك تغيرًا، واستشعرت منه وهنا في الطاعة وتقلبًا.
إذا وجدت قسوة وجمودًا، إذا رأيت منه إعراضًا وتبلدًا.
فبادر إلى الطبيب، وسارع إلى الدواء.
وأعظم طبيب، وأنجع دواء، هو القرآن وذكر الله تعالى.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿
وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾.[14]
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾.[15]
اللهم طهر قلوبنا.
♦♦♦
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾.[16]
كم من مفسد ملأ الأرض ضجيجًا بأنه من المصلحين!
وكم مِنْ مجرمٍ لَبِسَ مُسُوحَ النَّاسِكِينَ!
ألم تسمعوا إلى ما قاله اعتى المجرمين، وأشدُّ المفسدين فِرْعَوْنُ؟
قَالَ: ﴿
مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾.[17]
فلا تغترر بقولِ قَائِلٍ، حتى يُصَدِّقَ فعلُهُ قولَهُ.
♦♦♦
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.[18]
إن أسوء حال يمكن أن يكون عليه إنسان أن تنتكس فطرته، فيرى الأشياء على غير حقيقتها، يفسد ويظن أنه مصلحٌ، ينشر الباطل ويظن أن يدافع عن الحق، يأمر بالمنكر ويظن أنه يفعل المعروف.
يرى الخير شرًا ويرى الشر خيرًا، ويرى الحق باطلًا ويرى الباطل حقًا، يرى المعروف منكرًا ويرى المنكر معروفًا.
ومن كان هذا حاله فموته خير من حياته.
وبعض الناس ميت وهو يمشي على الأرض، يذهب ويجئ، يضحك ويتكلم، وهو في الحقيقة ميت لأنه مات قلبه، قِيلَ لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَا مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ؟ قَالَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْمَعْرُوفَ بِقَلْبِهِ، وَيُنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِقَلْبِهِ".[19]
وَعَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ شَعَرٍ قَطُّ إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ ♦♦♦ إنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ
ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ وَاللَّهِ، إِنَّهُ لَيَكُونَ حَيًّا وَهُوَ مَيِّتُ الْقَلْبِ".[20]
♦♦♦
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.[21]
هذا حال بعض الناس، يُفْسِدُونَ وَلَا يَشْعُرُونَ، إِمَامُهُم
وقُدوتهم فِرْعَوْنُ الذي كان يقول: ﴿
ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾.[22]
ماتت قلوبهم وهم بين الناس أحياء، ولموت القلب أسبابٌ، منها:
فساد المعتقد، وقلة ذكر الله، ومعاداة أولياء الله، وموالاة أعداء الله، والإسراف على النفس في الذنوب والمعاصي، وكلها صفات المنافقين.
قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".[23]
اللهم أحيِ قلوبنا بطاعتك، وأنر بصائرنا بذكرك، وألهمنا رشدنا، وأفض علينا من إحسانك.
[1] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 8.
[2] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142.
[3] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142.
[4] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142.
[5] سورة النِّسَاءِ: الآية/ 142.
[6] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 14.
[7] سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الآية/ 52.
[8] سُورَةُ النِّسَاءِ: الآية/ 143.
[9] رواه البخاري- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ عَلاَمَةِ المُنَافِقِ، حديث رقم: 34، ومسلم- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ، حديث رقم: 58.
[10] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 9.
[11] سورة الْحَاقَّةِ: الآية/ 18.
[12] سورة الزُّخْرُفِ: الآية/ 80.
[13] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 10.
[14] سورة الْإِسْرَاءِ: الآية/ 82.
[15] سورة يُونُسَ: الآية/ 57.
[16] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 11.
[17] سورة غافر: الآية/ 29.
[18] سُورَةُ الْبَقَرَةِ : الآية/ 12.
[19] رواه ابن أبي شيبة- حديث رقم: 38732.
[20] رواه ابن أبي شيبة- حديث رقم: 26570.
[21] سُورَةُ الْبَقَرَةِ : الآية/ 12.
[22] سورة غافر: الآية/ 26.
[23] رواه مسلم- كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامِ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، حديث رقم: 144.
الالوكة