الإهداءات


رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-16-2003, 08:56 PM   #11
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ولما كان الماء البائت أنفعَ من الذى يُشرب وقتَ استقائه ، قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم وقد دخل إلى حائط أبى الهيثم بن التيهان : ((هَلْ من ماءٍ بات فى شَـنَّة)) ؟ فأتاه به، فشرب منه ، رواه البخارى ولفظُه : ((إنْ كان عِنْدَكَ ماءٌ باتَ فى شَنَّة وإلاَّ كَرَعْنَا)) .والماء البائت بمنزلة العجين الخمير ، والذى شُرِب لوقته بمنزلة الفطير ، وأيضاً فإنَّ الأجزاء الترابية والأرضية تُفارقه إذا بات ، وقد ذُكِر أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسْتَعْذَبُ له الماء ، ويَختار البائت منه . وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُستقى له الماء العذب مِن بئر السقيا . والماء الذى فى القِرَب والشنان ، ألذُّ من الذى يكون من آنية الفَخَّار والأحجار وغيرهما ، ولا سِيَّما أسقيةَ الأدمَ ، ولهذا التَمسَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ماءً بات فى شَـنَّة دون غيرها من الأوانى ، وفى الماء إذا وُضع فى الشِّنان ، وقِرب الأدم خاصةٌ لطيفةٌ لما فيها من المسامِّ المنفتحةِ التى يرشَح منها الماء ، ولهذا كان الماء فى الفَخَّار الذى يرشح ألذُّ منه ، وأبردُ فى الذى لا يرشَح ، فصلاةُ الله وسلامه على أكمل الخلق ، وأشرفهم نفساً ، وأفضلهم هَدْياً فى كل شىء ، لقد دَلَّ أُمته على أفضل الأُمور وأنفعها لهم فى القلوب والأبدان ، والدُّنيا والآخرة

قالت عائشةُ : كان أحبُّ الشرابِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحُلوَ البارِدَ . وهذا يحتمل أن يريد به الماءَ العذبَ ، كمياه العيون والآبار الحلوة ، فإنه كان يُستعذَب له الماء . ويحتملُ أن يريد به الماءَ الممزوجَ بالعسل ، أو الذى نُقِعَ فيه التمرُ أو الزبيبُ . وقد يُقال وهو الأظهر : يعمُّهما جميعاً

وقولُه فى الحديث الصحيح : ((إن كان عندكَ ماء باتَ فى شَنٍ وإلا كَرَعْنَا)) ، فيه دليلٌ على جواز الكَرْع ، وهو الشرب بالفم من الحوضِ والمِقْراةِ ونحوها ، وهذه والله أعلم واقعةُ عَيْن دعت الحاجةُ فيها إلى الكَرْع بالفم ، أو قاله مبيِّناً لجوازه ، فإنَّ مِن الناس مَنْ يكرهُه ، والأطباءُ تكادُ تُحَرِّمُه ، ويقولون : إنه يَُضرُّ بالمَعِدَة ، وقد رُوى فى حديث لا أدرى ما حالُه عن ابن عمر ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نهانا أنْ نشرب على بطوننا ، وهو الكَرْعُ ، ونهانا أنْ نغترِفَ باليد الواحدة وقال :
(( لا يَلَغْ أحدُكُم كَمَا يَلَغُ الكلبُ ، ولا يَشْرَبْ باللَّيْلِ مِن إنَاءٍ حَتَّى يَختبِرَه إلا أنْ يكونَ مُخَمَّراً ))
وحديثُ البخارى أصحُّ من هذا ، وإن صحَّ ، فلا تعارُضَ بينهما ، إذ لعلَّ الشربَ باليد لم يكن يمكن حينئذٍ ، فقال : ((وإلا كَرَعْنا)) ، والشربُ بالفم إنما يضرُّ إذا انكبَّ الشارِبُ على وجهه وبطنه ، كالذى يشربُ من النهر والغدِير ، فأمَّا إذا شرب مُنتصِباً بفمه من حوض مرتفع ونحوِه ، فلا فَرْقَ بين أن يشرب بيده أو بفمه .


فصل

وكان من هَدِْيه الشُّربُ قاعداً ، هذا كان هديَه المعتادَ

وصحَّ عنه أنه نهى عن الشُّرب قائماً ، وصحَّ عنه أنه أمر الذى شرب قائماً أن يَسْتَقىءَ ، وصَحَّ عنه أنه شرب قائماً .
فقالت طائفةٌ : هذا ناسخٌ للنهى ، وقالت طائفةٌ : بل مبيِّنٌ أنَّ النهىَ ليس للتحريم ، بل للإرشاد وتركِ الأوْلى ، وقالت طائفةٌ : لا تعارُضَ بينهما أصلاً ، فإنه إنما شَرِبَ قائماً للحاجة ، فإنه جاء إلى زمزمَ ، وهم يَستَقُون منها ، فاستَقَى فناولُوه الدَّلوَ ، فشرب وهو قائم ، وهذ كان موضعَ حاجة .

وللشرب قائماً آفاتٌ عديدة منها : أنه لا يحصل به الرِّىُّ التام ، ولا يستَقِرُّ فى المَعِدَة حتى يَقْسِمَه الكبدُ على الأعضاء ، وينزلُ بسرعة وَحِدَّة إلى المَعِدَة ، فيُخشى منه أن يُبردَ حرارتَها ، ويُشوشها ، ويُسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج ، وكلُّ هذا يَضُرُّ بالشارب ، وأمَّا إذا فعله نادراً أو لحاجة ، لم يَضره ، ولا يُعترض بالعوائد على هذا ، فإنَّ العوائد طبائعُ ثوانٍ ، ولها أحكامٌ أُخرى ، وهى بمنزلة الخارج عن القياس عند الفقهاء .


فصل

وفى ((صحيح مسلم)) من حديث أنس بن مالك ، قال : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتنفَّسُ فى الشَّراب ثلاثاً ، ويقولُ : ((إنه أرْوَى وأمْرَأُ وأبْرَأُ)) .الشراب فى لسان الشارع وحمَلَةِ الشرع : هو الماء ، ومعنى تنفُّسِه فى الشراب : إبانتُه القَدَح عن فيه ، وتنفُّسُه خارجَه ، ثم يعود إلى الشراب ، كما جاء مصرَّحاً به فى الحديث الآخر : ((إذا شَرِبَ أحَدُكُم فَلا يَتنفَّسْ فى القَدَحِ ، ولكنْ لِيُبِنِ الإناءَ عن فيهِ))

وفى هذا الشرب حِكمٌ جَمَّة ، وفوائدٌ مهمة ، وقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على مَجامِعها ، بقوله : ((إنه أروَى وأمرَأ وأبرأ)) فأروَى : أشدُّ ريَّاً ، وأبلغُه وأنفعُه ، وأبرأُ : أفعلُ من البُرء ، وهو الشِّفاء ، أى يُبرىء من شدة العطش ودائه لتردُّدِه على المَعِدَة الملتهبة دفعاتٍ ، فتُسَكِّن الدفعةُ الثانية ما عجزت الأُولى عن تسكينه ، والثالثةُ ما عجزت الثانية عنه ، وأيضاً فإنه أسلمُ لحرارة المَعِدَة ، وأبقَى عليها من أن يَهجُم عليها الباردُ وَهْلةً واحدة ، ونَهْلةً واحدة .وأيضاً فإنه لا يُروِى
لمصادفته لحرارة العطش لحظةً ، ثم يُقلع عنها ، ولما تُكسَرْ سَوْرتُها وحِدَّتُها ، وإن انكسرتْ لم تبطل بالكلية بخلاف كسرِها على التمهُّل والتدريج .
وأيضاً فإنه أسلمُ عاقبةً ، وآمنُ غائلةً مِن تناوُل جميع ما يُروِى دفعةً واحدة ، فإنه يُخاف منه أن يُطفىء الحرارة الغريزية بشدة برده ، وكثرةِ كميته ، أو يُضعفَها فيؤدِّى ذلك إلى فساد مزاج المَعِدَة والكَبِد ، وإلى أمراض رديئة ، خصوصاً فى سكان البلاد الحارة ، كالحجاز واليمن ونحوهما ، أو فى الأزمنة الحارة كشدة الصيف ، فإن الشرب وَهْلَةً واحدةً مَخُوفٌ عليهم جداً ، فإنَّ الحار الغريزى ضعيف فى بواطن أهلها ، وفى تلك الأزمنة الحارة .
وقوله : ((وأمْرَأُ)) : هو أفعلُ مِن مَرِئ الطعامُ والشرابُ فى بدنه : إذا دخله ، وخالطه بسهولة ولذة ونفع . ومنه : {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً}[النساء : 4] ، هنيئاً فى عاقبته ، مريئاً فى مذاقه . وقيل : معناه أنه أسرعُ انحداراً عن المَرِىء لسهولته وخفته عليه ، بخلاف الكثير ، فإنه لا يسهُل على المرىء انحدارُه .

ومن آفات الشرب نَهْلَةً واحدة أنه يُخاف منه الشَّرَق بأن ينسدَّ مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه ، فيغَصَّ به ، فإذا تنفَّس رُويداً ، ثم شرب ، أمِنَ من ذلك .
ومن فوائده : أنَّ الشارب إذا شرب أول مرة تصاعد البخارُ الدخانىُّ الحارُّ الذى كان على القلب والكبد لورود الماء البارد عليه ، فأخرجَتْه الطبيعةُ عنها ، فإذا شرِب مرةً واحدةً ، اتفق نزولُ الماء البارد ، وصعودُ البخار ، فيتدافعان ويتعالجان ، ومن ذلك يحدُث الشَرقُ والغصَّة ، ولا يهْنأ الشاربُ بالماء ، ولا يُمرئُه ، ولا يتم رِيُّه .
وقد روى عبد الله بن المبارك ، والبَيْهَقىُّ ، وغيرُهما عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم : ((إذا شَرِبَ أحدُكُم فَلْيَمَُصَّ الماءَ مَصَّاً ، ولا يَعُبَّ عبَّا ، فإنَّه مِن الكُبَادِ)) .والكُبَاد بضم الكاف وتخفيف الباء هو وجع الكبد ، وقد عُلم بالتجرِبة أنَّ ورود الماء جملةً واحدة على الكبد يؤلمها ويُضعفُ حرارتَها ، وسببُ ذلك المضادةُ التى بين حرارتها ، وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته . ولو ورد بالتدريج شيئاً فشيئاً ، لم يضاد حرارتَها ، ولم يُضعفْها ، وهذا مثالُه صَبُّ الماء البارد على القِدْر وهى تفور ، لا يضرُّها صَبُّه قليلاً قليلاً .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى Aboabdalah الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال 2 09-16-2009 02:15 AM


الساعة الآن 06:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir