الإهداءات


رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-16-2003, 07:39 PM   #11
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وكان يأكُلُ بأصابعه الثَّلاث ، وهذا أنفعُ ما يكون من الأكلات ، فإنَّ الأكل بأصبع أو أُصبعين لا يَستلذُّ به الآكل ، ولا يُمريه ، ولا يُشبعه إلا بعدَ طول ، ولا تفرحُ آلاتُ الطعام والمَعِدَةُ بما ينالها فى كل أكلة ، فتأخذَها على إغماضٍ ، كما يأخذ الرجل حقَّه حبَّةً أو حبَّتَين أو نحوَ ذلك ، فلا يلتذُّ بأخذه ، ولا يُسَرُّ به ، والأكل بالخمسة والراحةِ يُوجب ازدحامَ الطعام على آلاته ، وعلى المَعِدَةُ ، وربما انسدَّت الآلات فمات ، وتُغصبُ الآلاتُ على دفعه ، والمَعِدَةُ على احتماله ، ولا يجد له لذةً ولا استمراءً ، فأنفعُ الأكل أكلُه صلى الله عليه وسلم وأكلُ مَن اقتدى به بالأصابع الثلاث .


فصل

ومَن تدبَّر أغذيته صلى الله عليه وسلم وما كان يأكلهُ ، وجَده لم يجمع قَطُّ بين لبن وسمك ، ولا بين لبن وحامض ، ولا بين غذائين حارَّين ، ولا بارِدين ، ولا لَزِجَين ، ولا قابضين ، ولا مُسهلين ، ولا غليظين ، ولا مُرخيين ، ولا مستحيلين إلى خلط واحد ، ولا بين مختلفَين كقابض ومسهل ، وسريع الهضم وبطيئه ، ولا بين شَوىٍّ وطبيخ ، ولا بين طَرىٍّ وقَديد،ولا بين لبن وبيض ، ولا بين لحم ولبن ، ولم يكن يأكل طعاماً فى وقت شدة حرارته ، ولا طبيخاً بائتاً يُسخَّن له بالغد ، ولا شيئاً من الأطعمة العَفِنَةِ والمالحة ، كالكَوامخ والمخلَّلات ، والملوحات . وكل هذه الأنواع ضار مولِّدٌ لأنواع من الخروج عن الصحة والاعتدال .وكان يُصلح ضرر بعض الأغذية ببعض إذا وَجد إليه سبيلاً ، فيكسرُ حرارةَ هذا ببرودة هذا ، ويُبوسةَ هذا برطُوبة هذا ، كما فعل فى القِثَّاء والرُّطَب ، وكما كان يأكل التمر بالسَّمن ، وهو الحَيْسُ ، ويشربُ نقيع التمر يُلطِّف به كَيْمُوساتِ الأغذية الشديدة وكان يأمر بالعَشاء ، ولو بكفٍّ من تمر ، ويقول : ((تَرْكُ العَشاءِ مَهْرَمةٌ)) ، ذكره الترمذىُّ فى ((جامعه)) ، وابن ماجه فى ((سننه))

وذكر أبو نُعيم عنه أنه كان ينهى عن النوم على الأكل ، ويذكر أنه يُقسى القلب ، ولهذا فى وصايا الأطباء لمن أراد حفظ الصحة : أن يمشىَ بعد العَشاء خُطواتٍ ولو مِائة خطوة ، ولا ينام عَقِبه ، فإنه مضر جداً ، وقال مسلموهم : أو يُصلِّى عقيبَه ليستقرَّ الغِذاء بقعرِ المَعِدَة ، فيسهلَ هضمه ، ويجودَ بذلك . ولم يكن من هَدْيه أن يشربَ على طعامه فيُفسده ، ولا سِيَّما إن كان الماء حاراً أو بارداً ، فإنه ردىءٌ جداً . قال الشاعر :

لا تَكنْ عِنْدَ أَكْلِ سُخْنٍ وَبَرْدٍ *** وَدخُولِ الْحَمَّـامِ تَـشربُ مَاءَ
فَإذَا مـا اجْتَنَبْتَ ذلـكَ حَقّاً *** لَمْ تَخَفْ ما حَيِيتَ فِىالْجَوْفِ داءَ

ويُكره شرب الماء عقيبَ الرياضة ، والتعبِ ، وعقيبَ الجِمَاع ، وعقيبَ الطعامِ وقبله ، وعقيبَ أكل الفاكهة ، وإن كان الشربُ عقيبَ بعضِها أسهلَ مِن بعض ، وعقب الحمَّام ، وعند الانتباه من النوم ، فهذا كُلُّهُ منافٍ لحفظ الصحة ، ولا اعتبار بالعوائد ، فإنها طبائع ثوانٍ .


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الشراب


وأما هَدْيه فى الشراب ، فمن أكمل هَدْىٍ يحفظ به الصحة ، فإنه كان يشرب العسلَ الممزوجَ بالماء البارد ، وفى هذا مِن حفظ الصحة ما لا يَهتدى إلى معرفته إلا أفاضلُ الأطباء ، فإنَّ شُربه ولعقَه على الرِّيق يُذيب البلغم ، ويغسِلُ خَمْل المَعِدَة ، ويجلُو لزوجتها ، ويدفع عنها الفضلات ، ويُسخنها باعتدال ، ويفتحُ سددها ، ويفعل مثل ذلك بالكَبِد والكُلَى والمثَانة ، وهو أنفع للمَعِدَة من كل حلو دخلها ، وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصَّفراء لحدَّتِه وحِدَّة الصفراء ، فربما هيَّجها ، ودفعُ مضرَّته لهم بالخلِّ ، فيعودُ حينئذ لهم نافعاً جداً ، وشربه أنفع من كثير من الأشربة المتخذة من السكر أو أكثرِها ، ولا سِيَّما لمن لم يعتد هذه الأشربة ، ولا ألِفَها طبعُه ، فإنه إذا شربها لا تلائمه ملاءمةَ العسل ، ولا قريباً منه ، والمحكَّمُ فى ذلك العادة ، فإنها تهدم أُصولاً ، وتبنى أُصولاً

وأما الشراب إذا جَمَعَ وصْفَىْ الحلاوة والبرودة ، فمن أنفع شىء للبدن ، ومن أكبر أسباب حفظ الصحة ، وللأرواح والقُوى ، والكبد والقلب ، عشقٌ شديدٌ له ، واستمدادٌ منه ، وإذا كان فيه الوصفانِ ، حصَلتْ به التغذيةُ ، وتنفيذُ الطعام إلى الأعضاء ، وإيصاله إليها أتمَّ تنفيذ .

والماء البارد رطب يقمع الحرارة ، ويحفظ على البدن رطوباته الأصلية ، ويرد عليه بدل ما تحلَّل منها ، ويُرقِّقُ الغِذاء ويُنفِذه فى العروق .

واختلف الأطباء : هل يُغذِّى البدن ؟ على قولين : فأثبتت طائفةٌ التغذية به بناءً على ما يشاهدونه من النمو والزيادة والقوة فى البدن به ، ولا سِيَّما عند شدة الحاجة إليه .

قالوا : وبينَ الحيوانِ والنبات قدرٌ مشترك مِن وجوه عديدة منها : النموُّ والاغتذاءُ والاعتدال ، وفى النبات قوةُ حِسٍّ تُناسبه ، ولهذا كان غِذاءُ النبات بالماء ، فما يُنكر أن يكون للحيوان به نوعُ غذاء ، وأن يكون جزءاً من غذائه التام .

قالوا : ونحن لا ننكر أنَّ قوة الغذاء ومعظمه فى الطعام ، وإنما أنكرنا أن لا يكون للماء تغذية ألبتة . قالوا : وأيضاً الطعام إنما يُغذِّى بما فيه من المائية ، ولولاها لما حصلت به التغذيةُ .قالوا : ولأن الماء مادة حياة الحيوان والنبات ، ولا ريب أنَّ ما كان أقربَ إلى مادة الشىء ، حصلت به التغذية ، فكيف إذا كانت مادته الأصلية ، قال الله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ}[الأنبياء : 30]، فكيف ننكِرُ حصولَ التغذية بما هو مادة الحياة على الإطلاق ؟

قالوا : وقد رأينا العطشان إذا حصل له الرِّىُّ بالماء البارد ، تراجعت إليه قواه ونشاطُه وحركته ، وصبرَ عن الطعام ، وانتفع بالقدر اليسير منه ، ورأينا العطشانَ لا ينتفِعُ بالقدرِ الكثير مِن الطعام ، ولا يجد به القوة والاغتذاءَ ، ونحن لا ننكِرُ أنَّ الماءَ يُنفِذُ الغذاء إلى أجزاء البدن ، وإلى جميع الأعضاء ، وأنه لا يتم أمر الغذاء إلا به ، وإنما ننكر على مَن سلب قوةَ التغذية عنه ألبتة ، ويكاد قولُه عندنا يدخُل فى إنكار الأُمورالوجدانية .

وأنكرت طائفةٌ أُخرى حصولَ التغذية به ، واحتجَّت بأُمور يرجعُ حاصِلُها إلى عدم الاكتفاء به ، وأنه لا يقومُ مقام الطعام ، وأنه لا يزيد فى نموِّ الأعضاء ، ولا يخلف عليها بدل ما حلَّلتْه الحرارةُ ، ونحو ذلك مما لا ينكره أصحاب التغذية ، فإنهم يَجعلون تغذيته بحسب جوهره ، ولطافته ورقته ، وتغذيةُ كل شىء بحسبه ، وقد شُوهد الهواءُ الرَّطب البارد اللَّين اللَّذيذ يُغذِّى بحسبه ، والرائحة الطيبة تُغذِّى نوعاً من الغذاء ، فتغذية الماء أظهر وأظهر .

والمقصودُ : أنه إذا كان بارداً ، وخالطه ما يُحليه كالعسل أو الزبيب ، أو التمر أو السكر ، كان من أنفع ما يدخل البدن ، وحفِظَ عليه صحته ، فلهذا كان أحبُّ الشرابِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم البارِدَ الحلوَ . والماءُ الفاتِرُ ينفخ ، ويفعل ضدَّ هذه الأشياء .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى Aboabdalah الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال 2 09-16-2009 01:15 AM


الساعة الآن 01:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir