تخطيط أماكن العمل….Facility Layout

المخططات الرئيسية:
1- مخطط المكان الثابت Fixed Position Layout:
بعض العمليات لا يمكن أن تتم إلا في مكان ثابت بسبب حجم أو وزن أو طبيعة ما يتم تصنيعه أو الخدمة التي يتم تقديمها مثل صناعة السفن أو الطائرات أو المشاريع الإنشائية أو العمليات الجراحية. وموقع العمل الثابت هو أمر نلجأ إليه عند الحاجة ولكنه أمر غير مرغوب فيه أصلا لأننا نضطر لنقل كل شيء إلى مكان العمل بما فيها المعدات والمواد والأفراد، ونحتاج لعملية تخطيط وتنسيق معقدة للأنشطة المختلفة، ونضطر للتعامل مع طبيعة البيئة والمناخ في مكان العمل الثابت والتي قد تكون صعبة أحيانا. ومخطط العمل الثابت له تطبيقاته في الخدمات وقد يكون ميزة تنافسية حيث يسعد العميل بأن تقوم له بالخدمة في المكان الذي يريده هو مثل أن تصلح له ثلاجته أو غسالته في منزله بدون أن تنقلها إلى ورشة الإصلاح، أو أن توصِّل له المنتجات التي يريدها في محل إقامته دون أن يحتاج أن يذهب هنا وهناك. وفي هذه الحالة فإننا نقارن بين رغبات العميل وبين التكلفة التي نتكبدها وبين صعوبة التنفيذ.
الشكل أدناه يبين مثالا لمخطط المكان الثابت وهو مثال مبسط لمشروع إنشائي، ويمكنك أن تلاحظ تداخل الأعمال وضرورة التنسيق الجيد والتخطيط لكل الخطوات وإعادة التخطيط بما يتناسب مع ما يحدث على أرض الواقع وما يطرأ من مستجدات. ومن الأمثلة المعتادة لمخطط العمل الثابت أن تقوم بإعادة تجديد طلاء حوائط المنزل مع بعض الإصلاحات، ففي هذه الحالة لا يمكن القيام بالعمل إلا في المنزل نفسه ولابد من وجود تنسيق بين من يقوم بالطلاء ومن يقوم بإصلاح التوصيلات الكهربية ومن يقوم بأعمال النجارة وهكذا.

وفي الواقع فإننا قد نفترض أحيانا أننا مضطرون للعمل في مكان ثابت في حين أنه يوجد طرق لتغيير ذلك، فعلى سبيل المثال يمكن أن تتصور أن السيارات يتم تصنيعها بهذا الأسلوب بينما الواقع أنه يتم تحريك السيارة من قسم لآخر حتى نهاية خط التجميع، وهناك أعمال صيانة قد تبدو أنها يجب أن تتم في مكان ثابت هو مكان تركيب المعدة بينما هناك طرق للقيام بالصيانة في ورش الصيانة وذلك بتوفير معدة احتياطية خارج الخط بحيث يتم تركيبها عند الحاجة ثم يتم إصلاح المعدة الأخرى بعد ذلك في ورش الصيانة المختلفة. وقد يكون مكان العمل ثابتا ولكننا نحاول تقليل كم الأعمال التي يجب أن تتم في ذلك الموقع الثابت وذلك من خلال تجهيز بعض الأجزاء التي يتم تركيبها بعد ذلك في موقع العمل.
والأمر يتوقف على الموازنة بين السرعة والسهولة وبيئة العمل المريحة والتكلفة فعندما تكون عملية نقل المنتج نفسه صعبة جدا أو بطيئة جدا فإن السرعة والتكلفة تُلزمنا بالعمل في موقع ثابت بينما عندما يمكننا نقل المنتج بعد تصنيعه في بيئة عمل مريحة فإننا نختار النقل وهكذا. واتخاذ هذا القرار يكون واضحا في بعض الأحيان ويحتاج بعض التفكير والتحليل في أحيان أخرى.
2- مخطط المنتج Product Layout: هذا المخطط يتميز بأنه مبني على أساس خطوات تصنيع المنتج وقد تكون عملية الإنتاج متصلة Continuous مثل صناعة البترول أو الكيماويات أو الكهرباء أو الألبان وقد تكون متكررة Repetitive مثل إنتاج منتجات متشابهة تماما ولكنها منفصلة مثل السيارات أو الأقلام أو العصائر. وتتميز هذه الطريقة بتقليل تكلفة إنتاج الوحدة لان المادة الخام تسير من خطوة لأخرى بشكل متصل بدون الحاجة لمخزون بين مراحل الإنتاج ولا لعمليات نقل متشعبة ولا تخطيط إنتاج معقد. ويعيب هذه الطريقة صعوبة تغيير نوع المنتج فكل خط إنتاج ينتج منتجا واحدا أو عدة منتجات لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض، كما يعيبه أن الإنتاج كله قد يتوقف نتيجة لتوقف أي جزء أو أي آلة في خط الإنتاج. ويتميز العمل في مثل هذه العمليات بالرتابة خاصة في عصر تطورت فيه التكنولوجيا كثيرا بحيث يمكن أن تستمر العملية لساعات دون الحاجة لتدخل بشري وبالتالي يشعر العامل المُشغل بالملل ولا يجد ما يشبع رغبته في التعلم والتطور. ويسمى هذا النوع أحيانا بمخطط التدفق Flow Shop كما يسمى بخط التجميع Assembly Line لأن خط التجميع هو تطبيق شهير لمخطط المنتج حيث يتم تخطيط خط الإنتاج حسب خطوات التجميع.
ومخطط المنتج له تطبيقاته في الخدمات إذا كانت الخدمة محددة وثابتة لكل العملاء. ومن الأمثلة التي قد تقرِّب الفكرة للذهن رَمي الجمرات في الحج في أيام التشريق حيث يمر كل حاج على الجمرات بالترتيب، ومن الأمثلة الطريفة مشاهدة المجوهرات الملكية في برج لندن في لندن حيث ابتدع المسئولون عن هذا المكان أسلوبا غريبا للحد من بقاء الزوار فترة طويلة أمام المجوهرات نظرا للزحام الشديد وهذه الطريقة هي أن الزوار يمرون أمام المجوهرات وهم محمولون على سير متحرك ببطء وبالتالي فالزائر لا يستطيع أن يغير مساره ولا أن يقف فترة طويلة.
الشكل أدناه يبين مثالا لمخطط المنتج لعملية متصلة مثل عملية فصل الغازات أي إنتاج أكسجين ونيتروجين من الهواء الجوي. كما تلاحظ فإن المادة الخام (الهواء في هذا المثال) لها مسار محدد وهذه المادة الخام تسير بشكل متصل من أول العملية لآخرها. لا يوجد أي مخزون بين المراحل ولا توجد حاجة لعملية تخطيط معقدة ولكن العملية غير قابلة للتغيير فالمعدات ومسارها مصمم لإنتاج منتج محدد جدا من مادة خام محددة. لاحظ أن حدوث مشكلة في أي خطوة يعني توقف خط الإنتاج بأكمله.
أما الشكل أدناه فيبين مخطط المنتج لمنتج متكرر مثل إنتاج سيارة أو بلاطات من معدن ما ففي هذه الحالة يسير المنتج من مرحلة لأخرى بشكل مستمر تقريبا ولا يوجد أي خيارات في اختيار المرحلة التالية. العملية واضحة وبسيطة وتقلل من تكلفة المنتج ولكنها لا تسمح بتغيير المنتج او إنتاج منتج آخر مختلف لأن المعدات المستخدمة هي معدات خاصة بهذا المنتج. وللقارئ أن يتخيل شعور العامل الذي يعمل في أي قسم على خط الإنتاج بالملل من تكرار نفس العمل كل يوم.

وتظهر أهمية استخدام هذا المخطط عندما يكون حجم الطلب وبالتالي حجم الإنتاج من نفس المنتج كبيرا جدا، أما عندما يكون لدينا منتجات مختلفة ولكل منها حجم طلب محدود فلا نستطيع تخصيص خط إنتاج لكل منتج.

3- مخطط الورشة Job Shop: نظرا لأن مخطط المنتج لا يسمح بإنتاج أنواع كثيرة من المنتجات فإن هناك مخطط آخر شائع الاستخدام وهو مخطط الورشة حيث يتم تقسيم المعدات طبقا لوظيفة كل منها، فيتم وضع كل مجموعة من المعدات المتشابهة في مكان واحد فتجد قسما للتقطيع وقسما للحام وقسما للثقب وقسما للدهان وقسما للأعمال الكهربية وهكذا. في هذا المخطط ينتقل كل منتج من قسم لآخر حسب احتياجاته التصنيعية. يتميز هذا الأسلوب بإمكانية إنتاج كم هائل من المنتجات المختلفة تماما عن بعضها البعض، وبأن توقف إحدى الآلات لا يعني توقف باقي الآلات، ولكن يعيبه عمليات النقل المعقدة وأوقات الانتظار الطويلة وتخطيط الإنتاج الذي يصعب تحديده والمخزون الكبير من المنتجات نصف المصنعة قبل كل عملية أو الطوابير الطويلة قبل كل خطوة من خطوات الخدمة. ويسمى هذا المخطط أيضا بمخطط العملية Process Layout أو بالمخطط الوظائفي Funactional Layout.

ويستخدم هذا المخطط في الخدمات كذلك حيث يتم تقسيم الموظفين حسب تخصصاتهم: محاسبين، مراجعين، مهندسين، تركيبات، تشغيل….ويحتاج العميل للانتقال بين هذه الأقسام المختلفة للحصول على الخدمة. وعلى الرغم من عيوب مخطط الورشة فإنه يناسب المؤسسات التي تقدم خدمات كثيرة مختلفة.
4- مخطط الخلايا Cellular Layout: مخطط الخلايا هو وسيلة للجمع بين مزايا مخطط الورشة ومخطط المنتج فيمكن أن تقول أنه حل وسط بين الاثنين، فلا نحن خصصنا المعدات لإنتاج منتج واحد، ولا نحن قسمنا المعدات طبقا لوظائفها، بل شكلنا خلايا بحيث يمكن لكل خلية أن تنتج مجموعة من المنتجات أو نصف المنتجات المتشابهة في خطوات التصنيع ولكنها ليست متشابهة تماما فيما بينها. وبذلك نكون قد جمعنا بين مرونة مخطط الورشة وسهولة العملية التصنيعية بلا مخزون وعمليات نقل وانتظار طويلة. وخلايا التصنيع تضيف فوائد أخرى مثل تحفيز العاملين نتيجة لإحساسهم بالمسئولية عن منتج واضح ونتيجة لقيام كل فرد بعدة مهام. وقد ناقشنا خلايا التصنيع بالتفصيل في المقالة السابقة فارجع إليها إن شئت.
الشكل أدناه يبين فكرة الخلايا حيث أنشأنا ثلاث خلايا يقوم كل منها بإنتاج منتج أو مجموعة متشابهة إلى حد ما من المنتجات أو المكونات الرئيسية للمنتجات، ويعمل في كل خلية فرد أو أكثر ويكونون مسئولين عن إنتاج الخلية، وبالتالي فهم مدربون على القيام بتشغيل عدة آلات وعلى مراقبة جودة المنتج وعلى التدخل لحل المشاكل. ولذلك فإن هذا الأسلوب يتميز بإشباع رغبة العامل في تحمل المسئولية والتعلم والإبداع والقيام بأعمال مختلفة. والعمل في مخطط الخلايا يشبه عمل فريق كرة القدم أو السلة حيث يعمل كل فرد في أكثر من عمل وقد يقوم بمساعدة زميله وقد يُطلب منه تغيير موقعه في بعض الأوقات، والفريق كله مسئول عن النتيجة والتي تكون معلومة للفريق طوال المباراة. ويعيب مخطط الخلايا أننا قد نحتاج لمعدات أكثر حيث قد نحتاج نفس المعدة في أكثر من خلية.

ويمكن لخلايا التصنيع أن تكون بديلا عن مخطط المنتج أو مخطط الورشة إذا ما أمكننا أن نقسم المنتجات المختلفة إلى مجموعات متشابهة بحيث يمكن أن نخصص خلية لكل مجموعة، أما إذا كانت المنتجات محدودة والطلب عليها كبيرا جدا فيصبح مخطط المنتج هو الخيار الأفضل، وإذا كانت المنتجات أو الخدمات كثيرة جدا ولا يوجد تشابه بينها أو لا يوجد حجم طلب كبير للمنتجات أو الخدمات المتشابهة فإن مخطط الورشة يكون هو الخيار الأفضل.

المخطط المختلط: لا يشترط أن يتميز موقع العمل كله بأسلوب واحد ولكن قد يكون هناك نظم مختلفة في مواقع مختلفة من نفس المؤسسة ، فعلى سبيل المثال فإن المستشفيات عادة ما تتسم بالمخطط الورشة حيث يكون هناك أقسام مثل العيون والصدر والأشعة والتحاليل وفي نفس الوقت فإن غرفة العمليات تتميز بمخطط المكان الثابت حيث يتم كل نفس في غرفة العمليات ولابد من توفر كل الموارد المطلوبة هناك. وبعض المصانع التي تعمل من خلال مخطط المنتج فإنها قد تستخدم مخطط الورشة لتصنيع بعض قطع الغيار التي تطرأ الحاجة لها بشكل مفاجئ. ومحلات بيع الملابس قد تستخدم مخطط الورشة بأن تضع كل نوع من الملابس في قسم منفصل ثم تستخدم خلايا الخدمات بأن تضع كل ما يخص ملابس الرياضة في نفس القسم أو كل ما يخص الأطفال في نفس القسم أو كل ما يخص المقاسات الكبيرة في قسم منفصل.
اختيار المخطط المناسب:
اختيار المخطط المناسب يتوقف على عوامل كثيرة من أهمها حجم إنتاج كل منتج/خدمة وعدد المنتجات/الخدمات. ففي حالة المنتجات الفريدة المختلفة عن غيرها فإن مخطط المكان الثابت يفرض نفسه بقوة، وفي حالة إنتاج منتج واحد فقط بحجم كبير فإن مخطط المنتج يفرض نفسه، وفي حالة إنتاج منتجات/خدمات كثيرة جدا ومختلفة عن بعضها اختلافا كبيرا فإن مخطط الورشة يظهر كخيار مناسب، وبين مخطط المنتج ومخطط الورشة تظهر خلايا التصنيع والتي تناسب إنتاج منتجات كثيرة لها حجم إنتاج محدود أو كبير. الشكل التالي يوضح تأثير حجم وتنوع الإنتاج على اختيار المخطط المناسب.
واختيار المخطط المناسب له أبعاد تنظيمية ونفسية فلابد من مراعاة مهارة العمالة المتاحة وأهمية التحفيز وحاجة العمالة للشعور بالمسئولية فهذه أمور تختلف من مخطط لآخر. فكما تعلم فإن خلايا التصنيع تتميز بتنوع المهام التي يقوم بها العامل وبشعور العامل أو مجموعة العمال أنهم مسئولون عن مصنع صغير. وفي نفس الوقت فإن مخطط المنتج يتميز بتقليل التكلفة ومخطط الورشة يحتاج عمالة مهارة. فكل الجوانب المختلفة لابد أن تؤخذ في الاعتبار. ولكل موقع عمل ظروفه الخاصة التي قد ترَجِح هذا المخطط أو ذاك. وينبغي ألا تعتمد على التقليد فتصميم مخطط العمل هو فرصة لتحقيق ميزة تنافسية.
ولعلك تسأل فلماذا نتحدث عن خلايا التصنيع كما لو كانت المخطط الأمثل؟ خلايا التصنيع هي أسلوب حديث – نسبيا- لتخطيط المصانع وهو أسلوب يمكن تطبيقه في كثير من الأحوال التي نستخدم فيها مخطط الورشة أو مخطط المنتج – كما يظهر من الرسم أعلاه- وقد جرت العادة على استخدام مخطط الورشة كثيرا على الرغم من عيوبه. ولذلك فإن علينا أن نفكر في التغيير من مخطط الورشة – وكذلك في بعض الأحوال بالنسبة لمخطط المنتج – إلى خلايا التصنيع أو الخدمات. فخلايا التصنيع تسمح بالتنوع في المنتج على الرغم من صغر حجم الطلب وهي وسيلة متميزة في التحفيز وإشراك العاملين في التطوير. وتتميز خلايا التصنيع كذلك بتبسيط العمل وخاصة عملية التخطيط والنقل. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أحوال لا يكون من المناسب فيها أن نستخدم خلايا التصنيع أو الخدمات وذلك حيث لا يمكننا تشكيل مجموعات من المنتجات أو الخدمات لكل خلية وهو أمر سنناقشه بالتفصيل بمشيئة الله في مقالة أخرى.
ويمكننا أن نستخدم خلايا التصنيع في بعض الأمور الجانبية في مؤسسة تضطر لاستخدام أي مخطط آخر فمثلا قد نستخدم خلايا الخدمات أو التصنيع في موقع مشروع (مخطط ثابت) وذلك للقيام ببعض التجهيزات أو الخدمات. وكثيرا ما يستخدم مخطط الورشة في الخدمات لأنه يبدو أكثر راحة للموظف بينما هو مأساة للعميل وفي هذه الحالة قد نقوم بالتغيير لمخطط الخلايا والذي يجعل الخدمة أفضل وأسرع وربما اكتشف الموظفون أنه أكثر متعة لهم. فعلى الرغم من أهمية خلايا التصنيع والخدمات فقلما تراها في العالم العربي، وهو أمر ينبغي علينا تداركه لنتمكن من المنافسة مع الشركات العالمية. وقد يبدو أن تكوين مجموعات من المنتجات أو الخدمات عملية مستحيلة ولكن عندما نناقش ذلك في مقالة تالية إن شاء الله سيتبين لنا أن ذلك ممكنا في حالات كثيرة.
وعندما نستخدم أي مخطط فعلينا أن نعرف مميزاته جيدا فنحاول تعظيمها، ونعرف عيوبه فنحاول التعامل معها وتقليل تأثيرها. فمثلا لو استخدمنا موقع العمل الثابت فعلينا أن نعتني بالتخطيط والتنسيق بين الجهات المختلفة التي تعمل في نفس الموقع، وعندما نستخدم مخطط المنتج فعلينا أن نبحث عن سبل نقضي بها على رتابة العمل ونحفز بها العاملين وننمي بها قدراتهم