رسالةٌ إلى كل صاحب قلم ..

رسالةٌ إلى كل صاحب قلم ..
هذه رسالةٌ مفتوحةٌ إلى كل صاحب قلم _ ذكراً كانَ أم أنثى _ ..
أوجهها إليك أيها الغالي باسم كل قارئ يتابع ما تكتب ، وينتظر منك الكثير .
= =
نريدكَ أيها المبدع أن تثيرَ بقلمكَ مكامنَ الشعورِ في دواخلنا ، لعل مشاعرَنا أن تهتزَ اهتزازةَ حياةٍ ..
فتفيقُ قلوبنا من غفلتها ، وتنهضُ نفوسنا من كبوتها ، وتهفو أرواحنا إلى مستقرها عند مليكٍ مقتدرٍ الرحمن علم القرآن ..
نريدكَِ أن تحركَ سواكننا لترتفعَ الأغشيةُ عن بصائرنا ، فتتعلق قلوبنا بربها سبحانه ، لا تبغي به بدلا ، ولا ترضى بسواه غاية وهدفا وأمنية ..
نريدكَِ أن تلفتَ أنظارنا إلى عجائب وبدائع هذا الكون ، وتصقلها صقلاً يجعلها تتلألأ في عيوننا ، ولكن عليك أن لا تقف بنا في هذه الدائرة وحدها ، بل خذ بأيدينا بعد ذلك خطوة نحو الأعلى ، خذ بأيدينا ونحن في حالة انبهار بما نرى ، لتربط قلوبنا بمبدع هذه البدائع ، وصانع هذه الأعاجيب ، وتدفعنا بقوة إلى بين يديه ، وتهتف بنا : هاهنا الطريق .. فالزموه .. ولا تبرحوا هذه الدائرة ..!
نريدكَِ أن تسمو بنا فوق هذا الكم الهائل من السفاسف والإسفاف ، التي تملأ العالم شرقه وغربه ، وشماله وجنوبه ، وأن تحلق بأرواحنا فوق هذه الشهوات ، التي تموج موج البحر على امتداد خارطة العالم كله ،
وأن تنفض نفوسنا من بين هذا الركام من تفاهات بهائم الوسط الفني ، التي دمرت القيم ، ومسخت الأخلاق ، وشوهت التاريخ ، وأن تصقل قلوبنا من غبار وصدأ مفكرينا وأدبائنا أصحاب الجعجعة الفارغة ، ممن لا ينتمون إلينا إلا بالاسم ، ولكن قلوبهم وعقولهم مصنوعة في غير محاضن تعاليم السماء ..!
نريدكَِ أن تتناول أسرار الحياةِ فتجلوها لنا ، وتسعى جاهداً لتحل ألغازها ، وتكشف عن حكمتها ، وتبين لنا عن غوامضها ، وتفتح مغاليقها ..
كل ذلك وأنت لا تغفل لحظة عن الله جل جلاله ، في كل خطوة تخطوها بنا ، ونحن نسير وراءك واثقين بك ،لأنك ستكون حادينا نحو الفردوس ..!!
نريدكَِ أن تحرص على أن تحسّن أداءك في كل مرة ، ولو شيئاً يسيراً ، فتعتني بجمال عباراتك ، ورشاقة ألفاظك ، وبراعة طرحك ، ودقة تعبيراتك ، وقوة المعاني التي تسوقها إلى موائدنا لتكون خير غذاء لقلوبنا ، وأحلى فاكهة لعقولنا .
ولا تستعجل الثمرة .. ولسنا مستعجلين عليك أيضا بهذا ..
غاية ما نرجوه منك ، أن تسعى جاهدا ودائباً في هذا الطريق ، وأن لا تمل المحاولة ، وأن تواصل الطرق ، ونحن نتحملك وندعو لك ..حتى يشتد عودك ، ويقوى قلمك ، وتمضي محلقا بعد ذلك في آفاق من ورائها آفاق ..!
امضِ في الطريق ، وثق أن بداية كل رحلة طويلة خطوة واحدة .. !
نريدكَِ أن تكونَ نجماً يتلألأ في سماء ليلنا الحالك الذي طال ، فتهفو إليه قلوبنا ، وتهتدي به عيوننا ، لتمضي في دروب الحياة على ضوء شعاعه ، وتستدل على طريقها في شعاب التيه التي ضربت على هذه الأمة ، فهي حائرة بائرة لا تدري أين تمضي ، مع أن الطريق مكشوف بين يديها !! ولكنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور ..!!
ولا تستعظم ما نطلبه منك ، ولا تستبعد أن تكون أنتَ ذلك النجم ..
عليك فقط أن تخلص النية لله ، وأن تصدق الطلب ، وأن ترسم الهدف ، وأن تحدد الوجهة ، وأن تجهد جهدك في هذا الطريق ، وأن تحرص على أن تحسن أداءك في كل مرة ، واستعن بالله ولا تعجز .. وثق أنه لن يضيعك ..
( إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ..
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ..
كان يقال :
( إن لم يكن البحر ، فلا تنتظر اللؤلؤ ..
وإن لم يكن النجم ، فلا تنتظر الشعاع ..
وإن لم يكن الكاتب البياني ، فلا تنتظر الأدب .)
ولكنا نقول :
وإن لم يكن الكاتب الرباني ، فلا تنتظر السمو ..!
وعن السمو نبحث .. وإلى السمو نتطلع .. وفي السمو نرغب ..
لأن في السمو عزتنا في الدنيا ، ورفعتنا عند الله تعالى ..
فاجعلِ الوصولَ إلى هذه الغايةِ أحد نواياك الطيبة ، ثم ضعْ قدمك على الطريق ، وامضِ في الرحلة ، ولا تستعجل قطف الثمرة .
ولئن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً ..
ويكفيك هذه النية الكبيرة ، وهذا العزم على الوصول إليها ، وهذه المحاولة الدؤوب للتقدم ولو خطوة في الطريق الطويل ..
فإذا لم تتحقق لك أمنيتك هذه على الوجه الذي تريد ، فيكفيك شرفاً ومجداً وعلواً وعزاً ، أنك كنت تسعى في دنياك ، لغاية سماوية شريفة دونها النجوم .!!
في الوقت الذي يتمرغ كثيرون من أصحاب الأقلام، في وحل الوحل وهم يضحكون !!! شاهت الوجوه ..!
ثم ألم تعلم أن نية المرء في كثير من الأحيان تكون خير من عمله ؟!
وشيء آخر :
ثق تماماً أنك إذا صحت لك النية ، وأخلصت العمل لها ، ثم لم يشأ الله أن تتحقق لك تلك الأمنية ، فثق أنها قد كتبت لك كاملة مكملة ..! وقد وقع أجرك على الله .!
قال تعالى :
(.. وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ..)
فهذا رجل خرج ينوي الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه مات في الطريق ولم يصل ، فكتب الله له أجر الهجرة كاملاً تاماً .!
فافهم ، وإذا فهمت فشمر للعمل ، واجعل نيتك أن تصل إلى أن تكون ذلك الكاتب السماوي ، الذي تستضيء بكلماته قلوبنا ، وتهفو إلى معانيه أرواحنا ..!
ولا تلتفت هاهنا أو هناك ** ولا تتطلعْ لغير السماء
نريدكَ أيضاً أن تكون نوراً ونارا ..!
نوراً ننتفع به في شعاب أودية هذه الحياة ، فلا تأسرنا شهواتها ، ولا تستذلنا أهواؤها ، ولا تتخطفنا شياطينها ، ولا تسحرنا زخارفها وفتنتها ..
وناراً تحرق ألوية الباطل ، وتفزع منها ( الحيوانات ) السائبة المسعورة في الأرض والتي لا تتجرأ إلا على شريعة السماء !!
نريدكَ أن تجلو لنا وجه الحقائق التي تتعمدُ هالات الإعلام المختلفة ، أن تهيل عليها أطنان من الغبار ، حتى لا تبدو مشرقةً ، فتكشفُ الزيف ، وتُسقِطُ الأقنعةَ ، وتُحرقُ الغثاء !
استعن بالله وحاول جاهداً أن تضع أيدينا على مفاتيح الأحداث ، حتى نكون على بصيرة من أمرنا ، ونحن نتابع ما يجري حولنا في هذا العالم ، فلا يستخف بنا الذين لا يوقنون ، فيصرفوننا ذات اليمين وذات الشمال ، ونحن نحسب أننا نحسن صنعا ..!
نريدكَ أن تسمو بنا فوق قول القائل :
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومٍ ** فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
فإنا نرى أن الشاعر هاهنا قصُرَ بنا عما نطمح إليه ، فغايتنا أبعد من النجوم !!
غايتنا أن تسمو بنا _ يا رعاك الله _ إلى ما فوق النجوم بمراحل هائلة جداً ،
غايتنا الفردوس ! ولا غاية لنا غيرها ، لا نقبل بها بدلا ، ولا نرضى عنها حولا..!
نعم الفردوس مع النبيين والصديقين ، رغم قصورنا وتقصيرنا ، وطول غفلتنا ، وكثرة هفواتنا ..!!
غير أنا نأمل أن تكون أنتَ لنا حادياً على الطريق .. نحو الغاية التي لا غاية أعلى منها ولا اشرف ..! فهل تفعل ؟! ..
أيها الغالي ..!! شاعرُنا يسلّم عليك ويقول لك :

بقدرِ الجدّ تُكتسبُ المعالي ** ينالُ العزَ من سهرَ الليالي
تريدُ العزّ ثم تنامُ ليلاً ! ** يغوصُ البحرَ من طلبَ اللالي

ومن نافلة القول أن المقصود سهر الليالي في طلب الغاية ، وليس أمام الفضائيات !!
فافهم أيها الأديب الأريب..! بارك الله في عمرك ووقتك وعلمك وقلمك ..