مقال كتبه عبدالمحسن حليت عند حضور كلينتون لجده في منتدى إقتصادي سابق.. أحدث المقال وقتها صدى طيباً و تأثيرا في أوساط القراء والمتابعين رغم أنه موجه لصناع القرار ولكن بعد عودة كلينتون إلى جده يبدو أن (صناع القرار) لم يفقهوا ما يرمي إليه الكاتب لذا نتمنى منهم قرائته مرة أخرى فالتكرار يعلم.............!!؟
أود أن أهنئ الجميع بقرب انقشاع الأزمة الاقتصادية عن الوطن والمواطنين... وأخص بالتهنئة عشرات الألوف من الشباب والشابات، الجامعيون والجامعيات ، والعاطلين والعاطلات الذين يهيمون في الشوارع والطرقات بحثاً عن عمل يقيهم الحاجة والسؤال وشر "الجريمة" ... والتهنئة أيضاً إلى ( أم فلان ) التي لديها ستة أطفال - أحدهم معاق - والذين يعيشون في غرفتين أسقفها من الصفيح الذي يحول ما تحته في أشهر الصيف إلى فرن تعجز كل الأفران الأتوماتيكية أن تجارية في جودة إنتاجه... وأهنئ أيضاً ( عم فلان ) الذي يبلغ الخامسة والستين ، ويعمل في جهتين لمدة ستة عشر ساعة يومياً ويتقاضى مبلغاً "فاحشاً" قدره ألف ومائة ريال ..! أهنئهم جميعاً "بالفرج" ... فقد قدم "المنتدى الاقتصادي" لهذا الوطن ومواطنيه "فتحاً عظيماً" حين استضاف الرئيس "القديس" بيل كلينتون ليلقي كلمة في المنتدى تقاضى عليها مليون ريال "فقط!" .. وقد كان منتدىً عظيما "لم يخلق مثله في البلاد". وفهمت من بعض الذين حضروا .. وأنعم الله عليهم بسماع ورؤية ذلك القديس .. حامي حمى الفتيات ، والغيور على شرف المراهقات .. أن الكلمة التي تفضل بها الرئيس ، والتي لم تستغرق أكثر من نصف ساعة، كانت كلمة عامة ليس فيها أي تميز ، ولم تقدم أي حلول . وسألتهم .. إذاً على ما تقاضى "المليون" .. ولماذا استضيف ؟ وفهمت أن القضية لا تخرج عن نطاق الدعاية والبهرجة والعلاقات العامة ، وما إلى ذلك من القضايا "الوطنية الملحة".. وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا بيل كلينتون بالذات ؟ وحتى لو كان الغرض من استضافته هو الاستفادة من خبراته ..فلا أعتقد أن لديه ما يفيدنا .. فهو لا يعرف شيئاً عن كرة القدم لكي يكون "مدرباً" .. ولا يفقه شيئا في التغذية لكي يشرف على مطاعم الهامبرغر التي تعمل على "تأصيل التراث والانتماء العربي" لدى أطفالنا... وليس من الراسخين في علم "محاربة الفساد" ، فهو من كبار المرتشين ... وليس مفكراً أو مثقفاً أو صحفياً ليعلمنا أن ( الكلمة موقف ) وأن نهاية المنافقين إلى جهنم وبئس المصير... وليس خبيراً اقتصادياً ليحل لنا مشاكل الدين العام والتي بلغت رقماً "ما ينقال" ... وليس مهندساً مدنياً ليحل مشكلة مجاري جدة التي أصبحت المدينة الوحيدة في العالم التي "تغرق في شبر مويه"... كل خبرته محصورة في "الضحك على الذقون" .. وخصوصاً الذقون العربية ... أما إذا كانت القضية "تجاربه النسائية" فلدينا شباب في المساعدية وشارع التحلية ممن يناطحونه ويهزمونه شر هزيمة ويثبتون له أنه "غشيم"... أيها السادة الداعون والمنظمون ... أين تعيشون ؟ هل أنتم من سكان كوكب آخر تجهلون بشاعة تاريخ هذا الرجل الذي ظل لثمانية أعوام يسبح بحمد إسرائيل بكرة وعشيا ؟ ألا تشعرون .. أيها السادة .. أنكم تعيشون في وطن يشارككم فيه آخرون ؟ ألم يدفعكم داعي "المواطنة" أن تراعوا مشاعر مواطنيكم ؟ وفي هذا الوقت بالذات ، ألم تحسوا بأن كل مواطن عربي يكره كل "نملة" أمريكية تدب على الأرض ؟ إننا نلوم الحكومات العربية التي تخصصت في استفزاز شعوبها من أجل أمريكا .. فإذا بكم لا تقلون استفزازاً واستهزاءً بمشاعر الناس وعواطفهم.. أيها السادة .. إنني لا أستعدي أحداً عليكم .. الدولة مثلاً .. فلا شك أنكم "رتبتم أموركم" .. وأقنعتموها بالخير العميم الذي سيعود على هذا الوطن ومواطنيه ... ولا أستعدي عليكم "وزارة التجارة" ... فالظاهر أن أظافركم أطول من أظافرها ... ولكنني أستعدي عليكم الفقراء والمعدمين الذين هم أولى بكل "ريال" من "المليون" الذي "لطشه" فخامة الرئيس ؟!! و أستعدي عليكم العائلات التي لا يوجد في قاموسها مصطلح "الثلاث وجبات" ؟!! و أستعدي عليكم من ينامون في أكشاك الصفيح التي تشوي جلودهم ، والعاجزون عن شراء مكيف حتى ولو كان من "العصر البرونزي"... والذين يعاشرون الموت كل يوم في الأرض المحتلة ..والذين لو بعثتم لهم "ببطانية" " قديمة من "غرف الفراشين" لدعوا لكم بها دعوة عند الله ..بدلاً من الذي قبض منكم المليون ، وهو يشترط عليكم " بأنه لن يصافح فلاناً ولن يقابل علاناً" .. بدلاً من الذي يرى أن قضية شعب بأكمله ليست أهم من أزرارٍ في قميص "مونيكا لوينسكي" أو سحاب في فستان "جينفر فلاورز" أو حزام على خصر "بولا جونز" .. إن هذا الذي دعوتموه لم يترك مناسبة لليهود إلا وظهر فيها مرتدياً "الطاقية اليهودية"..فهل سبق لكم أيها السادة أن رأيتموه يرتدي عقالاً سعودياً أو شالاً فلسطينياً أو طربوشاً لبنانياً ؟ ومع ذلك .. فالعصابات الصهيونية في إسرائيل لم تكلف نفسها أن تدعوا "عرابها" السيد كلينتون ، ولا حتى على "سندوتش شاورما"... أما نحن فدعوناه ، وعانقناه ، وأغرقناه في ضيافتنا العربية التي لم نمنعها حتى عن اللصوص والقراصنة وتجار المصائر ... أيها السادة .. قد أكون جاهلاً ومتخلفاً وسطحياً وساذجاً .. يجوز .. وقد أكون "قصير النظر" ، ولا أستطيع التفريق بين الجبن البلغاري "والجبن العربي" .. يجوز .. وقد أكون "انفعالياً" و "عاطفياً" وأفتقر إلى "الحكمة" ، وأزن الأمور بميزان اللحظة.. يجوز .. ولكنني لا أستطيع أمام هذا "الاستفزاز" أن أتظاهر بالحنكة والصبر والعقل .. فكل هذه الصفات إذا "زادت جرعتها" تصبح جبناً وتخاذلاً وهواناً ... ولا أستطيع أن أرى عدواً يدخل إلينا في عباءة صديق ونرشقه بالورود ونبخره بالعود وننسى أنه كان أكبر مشجع في مدرجات الفريق الإسرائيلي ... ولا نستطيع جميعاً أن ننسى قذائفه التي كانت تنزل على رؤوس إخواننا في العراق ... في الوقت الذي كان تتنزل فيه الرحمات على قلوب الإسرائيليين من ملكوت البيت الأبيض وسماوات الكونجرس... ولا أن ننسى مخططاته في تحويل دجلة والفرات إلى بحيرات صهيونية تهاجم فيها القروش الإسرائيلية الأسماك الفلسطينية ... ولا أن ننسى أنه ساند ووقف مع "سلمان رشدي" أمام كاميرات التلفزيون وأشعره بالدفء الأمريكي في مواجهة الصقيع العربي والإسلامي ... إن هذا الذي دعوتموه لا يختلف عن "رئيس جمعية الجزارين" في بغداد ، فضيفكم الذي يدعي التحضر والذود عن حقوق الإنسان قد تخصص في قتل أطفال العراق ، وكان يمنع عنهم الطعام ، والدواء ، والهواء لو استطاع ... ففي عهده الميمون، مات أكثر من نصف مليون طفل عراقي من المرض وسوء التغذية .. وقد ظهرت يوماً وزيرة خارجيته "المعلمة" أولبرايت في حديث تليفزيوني على قناة "سي.بي.إس" في شهر أكتوبر عام 1996 .. وسألها المذيع قائلاً : ( سيدة أولبرايت .. سمعنا أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي قد ماتوا نتيجة الحصار .. إن هذا الرقم أكبر من رقم ضحايا القنبلة الذرية في هيروشيما .. هل تعتقدين أن هذا أمر يمكن تبريره ؟ ) وتجيب"سندريلا" الخارجية الأمريكية في الحقيقة أنك تجد نفسك أحياناً أمام خيار صعب..نعم أعتقد إنه أمر مبرر) هذا حدث في عهد السيد كلينتون .. الذي دعوتموه ، وعانقتموه ، و "باشرتم" عليه بالقهوة العربية والتمر بعد أن كان يباشر على أعدائكم بالأباتشي ، والـ إف16، وصواريخ التوماهوك . أنا أريد أن أسأل .. هل يمكن لشمس المصالح أن تغطي كل سماءكم.. إلى الدرجة التي جعلتكم لا تبصرون ولا تفرقون بين العدو والصديق ؟ وإذا كان الغرض من استضافة هذا "البلطجي" هو إضفاء شيء من الأهمية على المنتدى ، فلماذا تدعون "العدو" ولا تدعون الصديق ؟ لماذا لم توجهوا الدعوة إلى شخصية مثل"نيلسون مانديلا" الذي يدافع عن العرب وقضاياهم ؟ قد تكون مشكلة "مانديلا" أنه لا يتمتع بعيون زرقاء ، ولا وجه وسيم ، ولا قامة شامخة ، ولكنه كان - على الأقل - حصاناً أفريقياً رفض أن يقف في إسطبلات العم "سام" ليركبه رعاة البقر في "أركنساس" و "ألاباما" و "تكساس". أيها السادة .. لماذا بيل كلينتون ؟ إذا كان المحور الرئيس في المنتدى هو فعلاً الاقتصاد ، وكان هناك إصرار على أن يكون الضيف من "عُماننا" الأمريكان ، فلماذا لا يكون واحداً مثل "ألان غرينسبان" أو "لي أياكوكا" .. أو على الأقل أن يكون من أهل العقد والحل في الاقتصاد ، بدلا من هذا الذي لا هو من أهل العقد ولا الحل .. إلا حل التنانير والبلوزات والبنطلونات .. ولكن يظهر أن الفيروس الأمريكي المتغلغل فينا قد بنى لنفسه أيضاً "قواعداً" ، ولا يستطيع أحد أن يخرجه منها .. إن حالكم حال كثير من العرب الذين يرون أن التمسح بـ "تمثال الحرية" فيه شفاء وبركة ، والتمسح بغيره بدعة وشرك عظيم... وإن حالكم حال "منتخب السلام العربي" الذي لا يجد في مدرجاته مشجعا عربياً واحداً .. حال اللذين لايتعنترون إلا على بعضهم .. فعلى بعضهم يكونون "ديوكاً" .. ومع أمريكا يصبحون دجاجاً منتوف الريش ، مبتورالعُرف ، مقطوع الذيل .. فكل ما تريده واشنطن يصبح ساري النفاذ .. وواشنطن تريد .. وتريد .. وتريد .. تريد أن يتحول كل خروف "حري" إلى نعجة أمريكية تشرب البيرة، وتلبس الجينز ، وتسهر مع " مايكل جاكسون ".. وتريد أن تتحول كل بندقية عربية إلى بندقية لصيد الطيور والحباري والأرانب .. وتريد من كل شاعر وكاتب عربي أن يصبح فراشاً في الـ سي. إن.إن ، والـ أي.بي.سي. ، والواشنطن بوست.. وتريد من كل شيخ عربي أن يفتي بأن لا يكون إيمان المسلم صحيحاً إلا إذا كانت أمريكا "أحب إليه من نفسه وماله وولده" !.. وتريدنا أن ندخل الجنة ببركة وشفاعة "جورج واشنطن" و "توماس جيفرسون" و "أبراهام لينكون" .. خاتمة .. كان الصديق العزيز "اللورد" محمد الفايدي يشكو - قبل سنوات - من آلام شديدة في المعدة ، وفحصه عدد من الأطباء السعوديون كان أحدهم الدكتور "يوسف قاري" ، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن الخلل ليس عضوياً ، وأن معدته أفضل من معدة "أشعب" ، ووصفوا له علاجاً سوف يقضي على تلك الآلام .. ولكنه لم يقتنع ، وكنت في الحقيقة أعذره فقد كانت معاناته شديدة. وأصر سيادة "اللورد" على السفر إلى أمريكا للعلاج ، وباعتباري أجيد اللغة "النصرانية" ، فقد تشرفت وسعدت بالذهاب معه مترجماً ومرافقاً وخَوياً ، وبعد أن كشف عليه عدد من الأطباء "الحراريف" في "بوسطن" ، وصلوا إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الدكتور "يوسف قاري" في جده ، وعندها اقتنع صديقنا الفايدي أن العيون الزرق والشعر الأشقر ليست دائماً شرطاً في التفوق وجودة الأداء . وما أشبه الليلة بالبارحة ....... عبد المحسن حليت مسلم الحربي