مرثية الشيخ الدكتور عوض بمحمد العمري في والده رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
عزيت الشيخ الأستاذ الدكتور عوض بن محمد العمري في وفاة والده
الشيخ محمد بن ظافر رحمه الله تعالى، وقد اطلعت على رثاء الشيخ لوالده،
واستأذنته في نشره فأذن بذلك :

تمنى بقاء والمنايا لها زأر=محال فما ينجيك بر ولا بحر
وما فر مرؤ والمنايا تريده =وقد أنشبت أنيابها فيه والظفر
ترقب من الأيام شيئا مروعاً =وسلم لما يأتي ومعوانك الصبر
وكن صابراً للأمر إن حم وانتهى= كصبري وقد ناديت في القوم ما الأمر
فقالوا تهاوى الضور واندك ركنه =فما إن تبقى منه جرف ولا صخر
أعيدوا علي القول فالقلب طائرٌ = ترامته أحزان فما ضمه وكر
أصارته مقصوص الجناحين واجماً = ألا أيها الأحزان فري لك العقر
أحق مضى المقدام ذو الرأي والحجى =ومن كان لا يمشي بأثوابه الكبر
تقلبت في الأمجاد تسعين حجة = وعشر تلتها ثم ها قد دنت عشر
وأسلمت للباري جبينك خاشعاً =وقلت اكتفينا طال بي ههنا العمر
فقد سار أصحابي جميعاً فها أنا =وحيد، لهن العيش من بعدهم مر
فغادرت ليلاً راغباً عن جوارنا =فجاورتهم من قبل أن يطلع الفجر
وقد كنت ترتاد المغاني مودعاً =فحييتها من قبل أن يرحل العصر
ولم يبق بين الشيخ والقبر مدة =سوى بضع ساعاتٍ فها قد دنا الظهر
فلله من هم بقلبي يثيره =وقوف على مغناك يا أيها البدر
ولله من هم بقلبي يثيره = نسيم سرى تضواعه منكم عطر
ولله من هم بقلبي تثيره= تباريح حزن في دجى ليلها بكر
دجى الليل واسترخى وقامت نجومه = فلو جاز قلنا ليس من بعده فجر
ولله من هم بقلبي تثيره = أحاديثك اللاتي وعى فيضها الصدر
أحق خلت منك المغاني وصوحت =وما نالها منكم جفاء ولا هجر
لقد طالما صافيتها غبر آبهٍ=بترحال أهليها وقد زمزم النفر
وفاء بنذر أم بقاء لموعد= كأن كان ألا ترحلوا منكم نذر
فأوفيت حقا حين لم يوف أهلها =فما بان منكم لا ختال ولاغدر
فلو تعلم الأوطان من صان حبها= لصانته في آماقها واستحى القبر
كأني إذا ما جئتها بعد بعدكم=غريب فلا أهل لدي ولا قطر
يلوح الأسى في ناظريها وتنزوي= فينساب دمعي لا بكي ولا نزر
ألا قل لتياك الديار وأهلها=عليكم سلام الله والموعد الحشر
تتالت على قلبي المآسي بسوحها =ففي النفس آلام وجوف الحشا جمر
أبعد ارتحال الشيخ منها تروق لي=وقد سار منها بعده المجد والفخر
كأن لم يكن للجود في الحي صارخ=ينادي هنا تحلو الأحاديث والذكر
هنا مكرم الضيفان والثغر باسم =إذا ما اكفهر الجو واستحكم القر
هنا مكرم الضيفان والفقر جاثم=فما عابه عدم ولا ذاده فقر
إذا ما تراءى الضيف وافاه مسرعاً =فحياه لا يكفي محياه والبشر
وتغشاه إما حادث الضيف نشوة = فيرتاح منها لا مدام ولا خمر
كأن لم يكن للصلح في الحي قائم=ينادي هنا المسبار للصلح والسبر
هنا الصادق المأمون والخصم غائب =سمواً فما يهوي فما الأنجم الزهر
إذا قام للإصلاح فالكل واثق =بأن الرضا قد حل واستبعد الشر
وأن الذي يأتي به الشيخ ساعياً =هو الحق لا غدر لديه ولا مكر
يلاقيه من أعيا رئيسا وقاضيا =فينقاد في رفق وما عنده سحر
ولكنه الإخلاص والصدق والحجى= فلو دونت أفعاله لامتلا سفر
جزا الله عنا الشيخ خيراً لفضله =فأفعاله تحكي ومن شاهدوا كثر
فكم فم من شهودٍ صرحوا بعد موته= بما كان من فضل له قدره قدر
وفاضت رضىً نفسي بما كان منهم = لم لا ومن أصحابه يجمل الذكر
فنرجو له خيراً وقد طاب ذكره =فأخلاقه زَهر وأفعاله زٌهر
فحياه ربي عندما كان سائراً =وحياه ربي عندما مسه الضر
وحياه ربي بعد ما مات نازلاً = بقبر وحيداً لا صحاب ولا تبر
فيا نور الرحمن قبراً يضمه =ولا ناله فيه عقاب ولا زجر
وجادت سواري المزن مثواه بالحمى =وغادته حتى ينبت العشب والزهر
إلهي وصبرنا وضاعف أجورنا =فأن الفتى المحروم من فاته الأجر
وأسكنه في الجنات في خير موضع =فأنت الجواد المنعم الواحد البر
وهي لنا ربي اجتماعاً بجنة= مع المصطفى والصحب يا من له الأمر
وصل على المختار ربي وآله =وأيضا على أصحابه ما همى القطر
وما داعبت لدن الأفانين سجسج=وما لاح نجم في الفضا أو بدا شهر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

* البيت لأبي تمام.