السلطة لم تستثمر قرار محكمة لاهاي لأنها ملتزمة بحماية الأمن الصهيوني
- ما هي الأسباب التي جعلت السلطة الفلسطينية لا تستثمر القرار لصالحها؟• من الناحية الموضوعية، السلطة لا يمكن أن تستثمر قراراً دولياً لصالح الشعب الفلسطيني دون التفاهم أو التنسيق المسبق مع (إسرائيل)، لكنها من الممكن أن تتحدث عنه إعلامياً وأن يطلق رموزها التصريحات الثورية حوله. الأمر كذلك لأن السلطة الفلسطينية عبارة عن إفراز إسرائيلي وفق المعايير الإسرائيلية وبالذات الأمنية.
الجدار الفاصل، وفق التصريحات الإسرائيلية هو جدار أمني، وحيث أن السلطة ملتزمة بالأمن الإسرائيلي فعليها أن تلتزم بحاجة (إسرائيل) لهذا الجدار. الأمر في غاية البساطة، تقول (إسرائيل) إن من شأن الجدار منع العمليات الاستشهادية أو الحد منها، وتقول السلطة الفلسطينية أن العمليات الاستشهادية تخرب عملية السلام. بهذا يلتقي الطرفان بالهدف، ويقوم كل طرف بما يرى مناسباً مع مباركة الطرف الآخر. فهل السلطة الفلسطينية تريد الأرض أم تريد العودة إلى طاولة المفاوضات؟ طاولة المفاوضات الآن هي الهدف، ولا مفرّ من إخماد صوت المقاومة لتسهيل الطريق!
من ناحية أخرى، الولايات المتحدة الأمريكية ترى في الجدار ضرورة أمنية إسرائيلية على الرغم من أنها لا توافق على كل تفاصيل مساره. وبما أن أمريكا هي رب نعمة السلطة، فعليها أن توافق عملياً على البناء.
فلا يغتر أحد بصرخات السلطة ضد الجدار. أذكر القارئ بمشاركات رموز السلطة الفلسطينية في المسيرات والمظاهرات ضد الطرق الالتفافية في حين أن إقامتها كان جزءاً من اتفاقية طابا التي وقعت عليها السلطة. يعرف رجال السلطة الفلسطينية أن الشعب لا يقرأ اتفاقيات، ومن الممكن ((سحب الفيلم على الناس في كل مرّة)). لهذا لم يكن هناك جدية من قبل السلطة في الاستفادة من قرار محكمة لاهاي، وعملت فقط على توظيفها إعلامياً لتقول للشعب أن شكواها للمحكمة قد أعطت ثماراً.
- هل من الممكن ان يكون القرار شكلياً فقط؟
• القرار الدولي ليس شكلياً وإنما حقيقي. لقد خضع لمداولات قضاة محترفين وخبراء في القانون الدولي، وأخذوا وقتاً طويلاً في مناقشة حيثيات القضية وتفاصيلها ومدى التزامها بالقانون أو مفارقتها له. هؤلاء قضاة يحترمون أنفسهم ضمن ما يعتقدون أنه قانون دولي عادل، ولا أرى أنهم يتخذون قراراً لذر الرماد في العيون.
لكن المشكلة هي أن قرارات المحكمة تفتقر إلى آلية التنفيذ. التنفيذ يحتاج إلى سلطة مجلس الأمن الذي نعرف جميعاً أنه مجلس مستبد وتسيطر عليه الولايات المتحدة. وإذا لم تتوفر آلية التنفيذ فإن القرار يبقى حبراً على ورق يتغنى به العرب والفلسطينيون في المحافل الدولية.
- هل من الممكن أن يخدم القرار المصالح الفلسطينية أم هو في حد ذاته تلميع للمحكمة التي اتهمت بعدم الحيادية تجاه القرارات الخاصة بحقوق الفلسطينيين؟
• من الممكن أن يخدم القرار المصلحة الوطنية. لو كانت هناك سلطة وطنية فلسطينية لقالت أنها لن تفاوض أو لن تستمر بكل هذه المعركة الديبلوماسية إلا بعد تطبيق القرار. هذا من الممكن أن يصنع جواً جديداً على الساحة الدولية وأن يضع قضية الجدار على رأس النشاط الديبلوماسي العالمي. هكذا كان من الممكن توظيف القرار لخدمة فلسطين والفلسطينيين.
مشكلتنا أن أركان سلطة الحكم الذاتي مشتاقون جداً للعودة إلى طاولة المفاوضات، وينسون بسرعة كل ما تقوم به (إسرائيل) من إجراءات. لا أعتقد أنهم لا يعرفون، لكن (إسرائيل) تحدد في كثير من الأحيان الخطوات التي على هؤلاء القيام بها. إذ فضلاً عن الاتفاقيات، تمتلك (إسرائيل) الكثير من المعلومات والوثائق حول رجالات السلطة والتي يمكن أن تضعهم في مواقف محرجة جداً، ولا يوجد أمامهم، إن لم يكن بعضهم مرتبطاً أصلاً، إلا الخضوع للرغبات الإسرائيلية.
|