تفسير: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)
♦ الآية: ﴿
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: الأنعام (108).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني: أصنامهم ومعبوديهم وذلك أنَّ المسلمين كانوا يسبُّون أصنام الكفَّار فنهاهم الله عزَّ وجل عن ذلك لئلا يسبُّوا ﴿
الله عدوًا بغير علم ﴾ أَيْ: ظُلمًا بالجهل ﴿
كذلك ﴾ أَيْ: كما زيَّنا لهؤلاء عبادة الآوثان وطاعة الشَّيطان بالحرمان والخذلان ﴿
زينا لكلِّ أمة عملهم ﴾ من الخير والشَّرِّ.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ الْآيَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 98]، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ لَتَنْتَهِينَ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَصْنَامَ الْكُفَّارِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَسُبُّوا اللَّهَ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ جَهَلَةٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ قَالَتْ قُرَيْشٌ: انْطَلِقُوا فَلْنَدْخُلْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلْنَأْمُرَنَّهُ أَنْ يَنْهَى عَنَّا ابْنَ أَخِيهِ فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَقْتُلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ: كَانَ يَمْنَعُهُ عَمُّهُ فَلَمَّا مَاتَ قَتَلُوهُ فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمَيَّةُ وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَالْأَسْوَدُ بن أبي الْبَخْتَرِيِّ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ آذَانَا وَآلِهَتَنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَهُ فَتَنْهَاهُ عن ذلك، وعن ذِكْرِ آلِهَتِنَا، وَلَنَدَعَنَّهُ وَإِلَهَهَ، فَدَعَاهُ فقال: يا محمد هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك، وقد أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذَا هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمُ الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ» ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهَا، قال: فَمَا هِيَ؟ قَالَ: «قُولُوا لَا إله إلّا الله»، فأبوا وتفرّقوا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قُلْ غَيْرَهَا يَا ابْنَ أَخِي، فَقَالَ: «يَا عمّ ما أنا الذي أَقُولُ غَيْرَهَا وَلَوْ أَتَوْنِي بِالشَّمْسِ فوضعوها في يدي»، فقالوا له: لتكفنّ عن سبّك آلهتنا أو لنشتمنّك ونشتمنّ مَنْ يَأْمُرُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. يَعْنِي: الْأَوْثَانَ، ﴿
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا ﴾، أَيِ: اعْتِدَاءً وَظُلْمًا، ﴿
بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ «عُدُوًّا» بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تَسُبُّوا رَبَّكُمْ»، فَأَمْسَكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ سَبِّ آلهتهم، وظاهر الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ فَحَقِيقَتُهُ النَّهْيُ عَنْ سبّ الله تعالى، لأنه سبب لذلك، ﴿
وكَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾، أَيْ: كَمَا زَيَّنَّا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عِبَادَةَ الأصنام وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ بِالْحِرْمَانِ وَالْخِذْلَانِ، كَذَلِكَ زَيَّنَا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، ﴿
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ ﴾، وَيُجَازِيهِمْ، ﴿
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
تفسير القرآن الكريم
الالوكة