![]() |
|
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
![]()
قال الراوي : سمعتُ عنهُ ما شدني إليهِ بقوة ، وذهبتُ أتحسسُ خبره، حتى التمستهُ
في مكانٍ قصيٍ في هذهِ المدينةِ التي ترتجُ بأهلها ، وبكل عجيبة ٍ ! وجدتهُ في مسجدٍ صغيرٍ يترددُ عليه ، فلما أصبتهُ هناكَ عجبتُ مما سمعتُ ، فقد ملأَ زوايا عقلي وقلبي بما سمعتُ عنهُ ، ولما رايتهُ لم أجدهُ يملأُ عيني !! فكأنما سقطَ من قلبي فجأة فإذا هو يرتطمُ بعنفٍ في القاع !! ما مثل صاحبي هذا إلا كالمعيدي ! الذي قيل عنهُ في أمثالِ العربِ ، حينَ تسمعُ بهِ تعجبُ به وتجلّه ، فإذا رأيتهُ زهدتَ فيه ! ولذا قيل : تسمعَ بالمعيدي ، خيرٌ من أن تراه !! قال الراوي : وهممتُ أن أنصرفَ دونَ أن أجلسَ إليهِ ، ولا حتى أسلمَ عليهِ ، غير أن وقتَ الصلاةِ حكمَ عليّ أن أبقى في المسجدِ ريثما أنتهي منها مع الجماعة .. وجلستُ بحيثُ أرقبُ صاحبي عن بعدٍ ، وكنتُ أسارقهُ النظرَ ، فإذا هو عاكف على كتابِ اللهِ ، يتأملهُ ويدهُ تداعبُ لحيتهُ ، حتى إذا أقيمتْ الصلاةُ وثبَ إليها بنشاطٍ . قال الراوي : وبمجرد أن رفعتُ يدي للتكبيرِ ، قررتُ أن أنسى صاحبي ، وأن أندمجَ مع الآيات التي اسمعها ، ولقد كان الإمام الشاب ذا صوتٍ شجي ، ونبرةٍ معبرة مؤثر ، يهز القلبَ وهو يتموجُ بصوته مع الآيات ، ليصورها لك تصويرا كأنما ترى المعنى مجسداً ..! ولقد أفلحَ واللهِ أن يجعلني أنسى صاحبي بالكلية ، بل استطاعَ أن يخلعني من المكانِ كله ، لا بل من الدنيا بما فيها ، وحلقَ بروحي في فضاءاتٍ رحبةٍ ، وفتحَ بينَ عيني قلبي آفاقاً لا تزالُ تتسع .. قال الراوي : لقد أشبهتُ نفسي بالطريدِ الشريد من بلدهِ ، ثم عاد إليها بعد زمنٍ من الغربةِ والكربة ، لترحبَ به مدينتهُ بما فيها من بشرٍ وشجرٍ وحجر ! ففرحته بهم أشد من فرحةِ قائدٍ يفتحُ بلداً كاملاً ، ليضمهُ إلى غنائمه !! قال الراوي : وانتهت الصلاةُ وما راعني إلا وصاحبي يثبُ ليواجهَ جموعَ الناسِ ، مسلّماً محيياً طالباً منهم الانتظار لدقائقَ لا تزيد .. ثم ما راعني أخرى إلا وأنا أرى كثيرينَ يتدافعونَ إليهِ ويتحلقونَ حوله ، ويحيطونَ به إحاطةَ السوارِ بالمعصم ، وتشرئبُ عيونهم بشوقٍ إلى وجههِ ، وينتظرونَ ما يفتحُ اللهُ به عليه .. وأخذَ يتمتمُ بأذكارِ ما بعد الصلاة ، وعيناه تطوفانِ في وجوهِ الناسِ ، وكانَ يخيلُ إليَ أن كلّ جارحةٍ فيه، تذكر الله على حدة ٍ ! ثم شرعَ يستفتحُ بآياتٍ تلاها الإمامُ الشاب في صلاته ، وأشجى بها النفوسَ ، وعطرَ بها القلوبَ ، وشرعَ صاحبنا يتحدثُ في أجواءِ هذهِ الآياتِ .. لم يكن كلاماً ككلامِ الناسِ ، لا والله ، بل كانَ هذا يصبّ أنواراً من خزائنِ الله ، في هذه القلوبِ التي تصغي إليه الساعة ! وجاء حديثهُ كفلق الصبحِ ، يطلّ على دنيا الناسِ وقد تلبستْ بالسواد ، فيحيلها ضياءً ونواراً ..! كأنما كان يغرفُ من بحرٍ ، ولما أرادَ الانقطاع سألَ الناسَ هل يكتفي ، فارتفعت أصواتُ كثيرة بأن يواصلَ ، وعادَ يحلقَ بالقلوبِ في سماواتٍ فسيحةٍ ، كان كلامهُ طازجاً من قلبِ السماء ..! وتوقنُ أنك لو عدتَ إلى الآياتِ بعد كلامهِ ، لرأيتَ فيها ما لم تكن تراه ، ولوجدتَ فيها ما لم تكن تعثرُ عليه ، ولخرجتَ منها بدررٍ ودروسٍ ومواعظ كثيرة .. وكانَ يتحدثُ ، وكنتُ أبكي ..! وسر بكائي لا فيما يهزُ بهِ قلبي من المعاني الراقيةِ ، ولكن سر بكائي أني اسأتُ الظنَ بهِ ، ونفضتُ يدي منه ، وغرني الشيطانُ فحقرهُ في عيني ، لأنه لم يؤتَ بسطةً في الجسم !!! فكأنما أرادَ اللهُ سبحانهُ برحمتهِ أن يلقنني درساً لا أنساهُ ما حييتُ ، حيثُ ألهمهُ أن يقومَ فيتكلم ، فيكون كلامهُ خيرَ جوابٍ على خواطري المريضة ! وحينَ انتهى من كلمتهِ كأنما عاد بقلوبنا من رحلةٍ سماوية شائقة ، وبادرَ الناسُ إليهِ يصافحونهُ ، وكنتُ في أول المبادرينَ ، غير أني لم أكتفِ بمصافحتهِ أ بل عانقته وضممته إلى صدري ، أحتضنهُ بقوةٍ ، وأنا أتمتمُ في سري بكلماتِ اعتذارٍ واستغفار . منذ ذلك اليوم تعلمتُ هذا الدرسَ الكبيرَ ، وفقهته جيداً ، ولا أذكرُ بعدها أني أسأت الظن بمسلمٍ أبداً .. وربّ مدفوعٍ بالأبواب ، لا يؤبهُ له ، وهو عندَ الله خيرٌ من جميعِ سلاطين وقادةِ وعلماءِ وشيوخِ ودكاترةِ الأرض كلهم !!!! والسعيد حقاً ،، والعظيم حقاً ، من رضي الله عنهُ ، وأحبهُ وقرّبه ..! ويكفي أن نتذكرَ هذا الحديث ولا يغيب عن أعيننا حتى لا نحتقرَ أحداً : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تباركَ وتعالى إذا أحبّ عبداً نادى جبريلَ ، إن اللهَ قد أحبّ فلانا فأحبهُ ، فيحبّه جبريلُ ، ثم ينادي جبريلُ في السماء : إن اللهَ قد أحبّ فلانا فأحبوه ، فيحبهُ أهلُ السماءِ ، ويوضعُ له القبول في أهل الأرض .. ) رواه البخاري .. وقد رأيت واللهِ كيفَ وضعَ اللهُ القبولَ لصاحبنا هذا في قلوب الناس .. نسأل اللهَ سبحانهُ أن يكرمنا بما أكرمَ به عباده المقربين ، وأولياءه الصادقين . اللهم آمين .. ![]() ــــــــــ التوقيع ـــــــــــــ لاتنسونا من صالح دعاكم محبكم سعد بن حسين ال عوض الشهري التنومي سابقاً ![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حسن الظن بالله.... | ابو ساامي | المواضيع العامة والإخبارية | 5 | 03-09-2012 07:54 PM |
سوء الظن بالناس.. | عــذبــة الـــروح | رياض الصالحين | 5 | 06-19-2011 08:21 PM |
سوء الظن بالغير | فجر | مواضيع الحوار والنقاش | 14 | 01-10-2011 07:52 PM |
إحسان الظن | طيف | المواضيع العامة والإخبارية | 2 | 05-24-2010 01:40 PM |
حسن الظن بالله | الخيال | الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال | 2 | 09-16-2009 03:09 PM |