الإهداءات


المجتمع المسلم والفتاوى الأسرة ، الأباء ، الأبناء ، المرأة ، الشباب ، الارحام ، الجار ، الطفل

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-27-2014, 12:16 PM
مركز تحميل الصور
ابن الإسلام غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 29288
 تاريخ التسجيل : May 2014
 فترة الأقامة : 3845 يوم
 أخر زيارة : 01-17-2015 (10:46 PM)
 المشاركات : 22 [ + ]
 التقييم : 1
 معدل التقييم : ابن الإسلام is an unknown quantity at this point
بيانات اضافيه [ + ]
Bayen تعظيم القرآن الكريم في النفوس



بسم الله الرحمن الرحيم

تعظيم القرآن الكريم في النفوس

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تعظيم القرآن الكريم في النفوس"، والتي تحدَّث فيها عن القرآن الكريم وتعظيمه في نفس المسلم، وأنه ينبغي أن يكون القرآن عنده في المقام العالي إذ هو كلامُ الله تعالى، مُبيِّنًا جليلَ قدر هذا الكتاب المبارك بما ورد في كتاب الله وعلى لسانِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -.


الخطبة الأولى

الحمد لله الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 1، 2]، أحمدُ ربي وأشكُره كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسِع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا إنه كان عليمًا قديرًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بين يدَي الساعة شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى تكونوا من المُفلِحين، ولا تُضيِّعوا أمرَ الله فمن حُرِم التقوى كان من الخاسِرين.

عباد الله:
اذكُروا نعمةَ القرآن الكريم الذي جعلَه الله رحمةً للعالمين، يهدِي للتي هي أقوم، ويُبشِّرُ بكل خيرٍ، ويُحذِّرُ من كل شرٍّ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].
وإذا علِمَ المُسلِم عظمةَ هذا القرآن العظيم وعلِم فضائلَه التي لا يُحيطُ بها إلا من أنزلَه عظُمَت عنايتُه بهذا الكتاب العزيز، وزادَ اهتمامُه بهذا الذِّكر الحكيم، فبذلَ جُهدَه، وسخَّر طاقتَه وُسعَه في تعلُّمه وتعليمِه، وتدبُّره والعمل به بقدر ما يُوفِّقُه الله ويُعينُه.

ومهما قامَ المُسلم به من عملٍ يُؤدِّي به حقوقَ القرآن عليه، ويُوفِّي به شُكرَ نِعَم كتاب الله - عز وجل -، ويقوم بحقوق عبادة الله تعالى على الكمال والتمام فهو مُقصِّرٌ ضعيفٌ، ولكنَّ الله - تبارك وتعالى - يرحمُ ويتفضَّل، ويقبَلُ القليلَ، ويُثيبُ بالجَزيل.

أيها المسلم:

هل علِمتَ وعرفتَ عظمةَ القرآن الكريم ومنزلتَه في قلبك، وأدركتَ تمام الإدراك حقائقَ فضائلِه وعمومَ خيره وبركاته ونفعِه؟!
لن تعرف - أيها المسلم - حقائقَ عظمة القرآن العظيم، وقدرَ منزلته في قلبِك إلا إذا علِمتَ تعظيمَ الله - عز وجل - لكتابه، وثناءَه على كلامِه، ورفعَ مكانته عند ربِّ العزة والجلال - سبحانه -، وعرفتَ عظيمَ منزلته عند الملائِكة الكرام، وعرفتَ فضلَه عند الأنبياء وأُممهم وعند أهل الكتاب، وعند الإنس والجنِّ، وكفى بالله شهيدًا.
أيها المسلمون:
إن ربَّ العزَّة والجلال عظَّم القرآن الكريم ورفعَ منزلته كما هو أهلُه، وكما يستحقُّ من الثناء بالأوصاف بكل جميلٍ، وأكثرَ الله من ذكرِ هذا الكتاب العزيز ذكرًا جعلَه في أعزِّ مكانةٍ، موصوفًا بأحسن النُّعوت وأجلِّ الصفات، ليعلمَ الناسُ عظمةَ هذا القرآن، وليعلَموا قدرَ نعمةِ كلامِ الله على العباد؛ فأعظمُ النِّعَم: الإيمان، والقرآن. وفضلُ كلام الله على سائر الكلام كفضلِ الله على خلقِه.
وصفَ اللهُ القرآنَ الكريمَ بأنَّه (الحق)، قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3].

والحق: هو الثابتُ الذي لا يتغيَّر، ولا يُبطِله شيء، ولا يلحقُه نقص، ولا يشُوبُه باطلٌ، وهو الذي يدلُّ على كل خيرٍ وينهَى عن كل شرٍّ، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 41، 42].

وقال تعالى في وصف هذا القرآن: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]، وقال تعالى: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ [الأعراف: 52]، وقال تعالى: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1]، وقال - عز وجل -: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [البروج: 21].
وقال - تبارك وتعالى -: قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]، وقال - عز وجل -: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن: 8]، وقال - تبارك وتعالى -: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [الأنعام: 92]، وقال - عز وجل -: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف: 4].

وقد فصَّل الله في القرآن كلَّ شيءٍ، قال - تبارك وتعالى -: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89].
وحفِظَه الله من الزيادة والنُّقصان، قال - عز وجل -: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].
وكثرةُ أسماء القرآن وصفاتِه العُظمى تدلُّ على تعدُّد المعاني الجليلة له، وما ذكرنَاه قليلٌ من كثيرٍ، والملائكةُ الكِرام يُعظِّمُون هذا القرآنَ لعلمِهم بفضائلِه، قال الله تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء: 166].

وقال تعالى عن هذا القرآن: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ [عبس: 13- 15].
قال المُفسِّرون: "هم الملائكة".
وعن عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يقرأُ القرآن وهو به ماهرٌ مع الكرام البرَرة»؛ رواه البخاري ومسلم.
وأما تعظيمُ القرآن المجيد عند الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وعند أُممهم المؤمنين بهم، فقد قال تعالى في ذلك: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 196].

قال ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره": "وإن ذِكرَ هذا القرآن والتنويهَ به لموجودٌ في كُتب الأولين المأثُورة عن أنبيائِهم الذين بشَّروا به في قديمِ الدهر وحديثِه، كما أخذَ الله عليهم الميثاقَ بذلك". اهـ.
وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف: 10]، وقال تعالى: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 107- 109].

وقال تعالى عن القسِّيسين والرُّهبان المُذعِنين للحقِّ: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة: 83].
ولما سمِعَت الجنُّ هذا القرآن آمَنوا به، وعظَّموه، ودعَوا إليه من وراءَهم، قال تعالى: فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 29، 30]، وأنزل الله في هذا سورةَ الجنِّ، وفيها عِبَر ومواعِظ وأحكامٌ جليلة.

وما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتلُو هذا القرآن على أحدٍ من البشر وهو مُتجرِّدٌ من الكِبر والهوَى والحسَد والاغترار بزُخرف الدنيا ومتاعِها إلا أسلمَ مكانه، وصارَ آيةً في كل كمالٍ بشريٍّ، وما ذلك إلا لقوة سُلطان القرآن على القلوب، وشدَّة تأثيره على النفوس.
فإذا عرفتَ - أيها المسلم - عظمةَ هذا القرآن ومكانتَه عند ربِّ العالمين الذي أنزلَه، وعند الملائكة، وعند الأنبياء وأُممهم، وعند أهل الكتاب المُصدِّقين بالحق، وعند الصحابة، وعند الجنِّ؛ عرفتَ منزلةَ هذا القرآن الكريم في قلبِك.

وأنت - أيها المسلم - تعرفُ ذلك من نفسِك تمامًا، فإن كان تعظيمُ القرآن في قلبِك ومكانتَه ومنزلتَه في قلبِك كما يحبُّ ربُّنا، وكما يجبُ للقرآن، وكما يليقُ بهذا الكتاب، وكما أمر الله - تبارك وتعالى -، فاحمَد الله تعالى على هذه النِّعمة، واسأل الله - تبارك وتعالى - الثباتَ على تعظيم القرآن المجيد.

وإن كان تعظيمُ القرآن ومنزلتُه في قلبك أقلَّ مما يجبُ وأقلَّ مما يليقُ بالقرآن العظيم، فتُب إلى الله، واستدرِك ما كان من نقصٍ، وتدارَك ما فاتَ من العُمر؛ فما أنت فيه من خيرٍ ونِعمةٍ وطاعةٍ في الدنيا، وما تكون فيه في الآخرة من نعيمِ الجنة والنجاة من النار فسببُه القرآن. فاعرِف له قدرَه، وقُم بما يجبُ له.
وقد أيَّد الله سيدَ البشر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالمُعجِزات الكثيرة التي يُؤمنُ على مثلِها الناس، ولكنَّ أعظمَ مُعجِزةٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي: القرآن العظيم، لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «ما من نبيٍّ بعثَه الله إلا أُوتِي ما مثلُه آمنَ عليه البشر، وإنما الذي أُوتيتُه وحيًا، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابِعًا»؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
فالقرآنُ المجيدُ هو المُعجِزةُ العُظمى في كل زمانٍ، باقِيةٌ إلى آخر الدهر.

وإعجازُ القرآن العظيم في نظمِه وبلاغَته، وفي تشريعاته، وفي شُمولِ أحكامه، وفي عدلِه ورحمتِه وحكمتِه، وفي وفائِه بحاجات البشر، وفي أبديَّة بقائِه بلا زيادةٍ ولا نُقصان، وفي تأثيره العظيم على القلوب؛ فقد عجِز الإنسُ والجنُّ أن يأتُوا بمثلِه أو بعشرِ سُورٍ مثلِه، قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88]. بل عجِزوا أن يأتوا بسورةٍ من مثلِه؛ فسورةُ الكوثر أعجَزتهم، وهي عَشرُ كلماتٍ.

ولما سألَ الكفارُ آياتٍ ماديَّة، بيَّن الله أن القرآن أعظم المُعجِزات، قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت: 50، 51]، وقال تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية: 185].

والقرآنُ الكريمُ يُخاطِبُ العقل البشري في كل زمانٍ بالبراهين والأدلَّة التي يُذعِنُ معها العقلُ ويُسلِّمُ بها، فينقادُ الإنسانُ للحقِّ راضيًا مُختارًا، مُحبًّا للحق، مُبغِضًا للباطلِ، أو يُعرِضُ الإنسانُ مُعاندًا مُكابِرًا، قد تبيَّن له الحقُّ والباطل، وقد قامَت عليه حُجَّة الله، ولن يضُرَّ إلا نفسَه.
والقرآنُ الكريمُ يسلُك شتَّى الطرق النافِعة لهداية المُكلَّفين، والتي يقصُرُ عنها العقلُ البشري، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء: 9].

فالقرآنُ العظيم ينفعُ المُكلَّفين أعظمَ النفع، ويُصلِحُ المجتمع، وينشُر الرحمة والعدل، ويُصلِحُ القلوب، ويجلِبُ الخيرات، ويدفعُ الشُّرور والمُهلِكات إذا داوَم المُكلَّفون على تلاوتِه، وتدبَّروا معانِيه، وعمِلوا به، وتعلَّموه وعلَّموه.
وقد كان هذا النهجُ ديدنَ الصحابة - رضي الله عنهم -، يُعلِّمون الأُمم القرآنَ عملاً بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أمرَ عُمرُ - رضي الله عنه - عُمَّالَه والصحابةَ في الأمصار بتعليم الناس القرآن والإقلال من الحديث. قال: "لئلا ينشَغِلَ الناسُ عن القرآن".

والقرآنُ حياتُهم وعِزُّهم، وفصلُ ما بينهم، لم يرِد عليهم مُعضِلةٌ وكبيرةٌ أو صغيرةٌ إلا وجَدوا حُكمَها في القرآن. فهو نورُ حياتهم، وقائِدُهم إلى كل خير، ولا صلاح لأمة الإسلام إلا بأن تسلُك طريقَهم وتتَّبِع آثارَهم؛ فالقرآن هو الذي يعصِمُها من الفتن، ويُؤلِّف بين القلوب ويجمعُ مُجتمعاتها، ويحلُّ مُعضِلاتها.
عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إنها ستكون فتنة». فقلت: ما المخرجُ منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله؛ فيه نبأُ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكم ما بينكم، وهو الفصلُ ليس بالهَزل، من تركَه من جبَّار قصمَه الله، ومن ابتغَى الهُدى في غيره أضلَّه الله، وهو حبلُ الله المتين، وهو الذِّكرُ الحكيم، وهو الصراطُ المُستقيم، هو الذي لا تزيغُ به الأهواء، ولا تلتبِسُ به الألسِنة، ولا يشبَع منه العلماء، ولا يخلَقُ على كثرة الردِّ، ولا تنقضِي عجائِبُه، هو الذي لم تنتهِ الجنُّ إذ سمِعَته حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الجن: 1، 2]، من قال به صدَق، ومن عمِل به أُجِر، ومن حكمَ به عدلَ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مُستقيم»؛ رواه الترمذي.

ولو أن المُكلَّفين اعتنَوا بالقرآن كعنايةِ السلف الصالح تعلُّمًا وتعليمًا وتطبيقًا لكان حالُ المسلمين اليوم أحسنَ حالٍ، ولكانوا في عزِّهم، وكانوا في حالٍ يسرُّهم ويسوءُ عدوَّهم، ولم تسُؤْ حالُ المسلمين حتى دخل عليهم النقصُ في تعلُّم القرآن وتعليمه وتلاوته والعمل به والعناية به.
وقد جعل الله تلاوتَه عبادةً؛ فـ «من قرأ منه حرفًا فله بكل حرفٍ عشرُ حسنات»؛ رواه الترمذي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الحالُّ المُرتحِل». قال: وما الحالُّ المُرتحِل؟ قال: «الذي يضرِبُ من أول القرآن إلى آخره، كلما حلَّ ارتحَل»؛ رواه الترمذي.
والثوابُ لمن قرأَ حفظًا أو من المُصحف، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 29، 30].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المُرسلين وقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله العزيز الوهاب، الذي أنزل الكتاب، أحمدُ ربِّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ التواب، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الشافعُ المُشفَّع يوم الحساب، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه المُتَّبعين للسنة والكتاب.

أما بعد:
فاتقوا الله بالتقرُّب إليه بالصالحات، ومُجانَبة المحرَّمات.

أيها المسلمون:
إن آخر وصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع: الترغيبُ في التمسُّك بكتاب الله - تبارك وتعالى -؛ ففي ذلك الجمع العظيم قال - عليه الصلاة والسلام -: «تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي: كتابَ الله وسُنَّتي».

فالقرآنُ حبلُ الله المتين، من تمسَّك به قادَه إلى رِضوان الله وجناتِ النعيم، وهداهُ لكل خير وجنَّبَه كل شرٍّ وبلاء، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]، وقال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام: 155].
ومن أراد أن يُخاطِبَه ربُّه فليقرأ كتابَه.

وأهلُ القرآن هم العامِلون به وإن لم يحفَظوه، وحفظُه مع العمل خيرٌ على خيرٍ، وفضلٌ على فضلٍ.
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين، اللهم أرِنا الحق حقًّا وارزُقنا اتباعَه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه يا رب العالمين.
اللهم ثبِّت قلوبَنا على طاعتِك، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8].

اللهم فقِّهنا في الدين، اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين يا رب العالمين، اللهم أعِذْنا وأعِذ ذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا رب العالمين.
اللهم أصلِح شبابَنا وشبابَ المسلمين، اللهم أصلِح شبابَنا وشبابَ المسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِحنا وأصلِح المسلمين، اللهم أصلِح ذريَّاتنا وذريَّات المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورِنا.

اللهم اغفِر لأمواتنا يا رب العالمين وأموات المسلمين، اللهم اغفِر لهم وارحمهم.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أبطِل كيدَ أعداء الإسلام يا رب العالمين، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم أبطِل خِططَهم التي يَكيدُون بها للإسلام إنك على كل شيء قدير.
اللهم استعمِلنا في طاعاتِك، وجنِّبنا معاصِيك يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا من شُرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.

اللهم اغفِر لنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألُك أن تغفِر لنا ما ظلَمنا به أنفُسنا، اللهم اغفِر لنا ما ظلَمنا به أنفُسنا يا رب العالمين، اللهم أعِذنا من شرِّ الظالمين إنك على كل شيء قدير.
اللهم ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفِّق أمرِنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وانصُر به دينَك إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّق نائِبَيه لما تحبُّ وترضى يا رب العالمين، ولما فيه الخيرُ لشعبِهم وللمسلمين والإسلام يا رب العالمين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألُك اللهم ألا تكِلنا إلى أنفسِنا طرفةَ عينٍ، اللهم أصلِح لنا شأننا كلَّه يا قوي يا عزيز.

اللهم اكفِ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم اكفِ المُسلمين شرَّ من ظلمَهم إنك على كل شيء قدير، اللهم اجعل الدائرةَ على من عادَى الإسلام والمسلمين وظلمَ المسلمين يا رب العالمين، واعتدَى عليهم واعتدَى على حُرماتهم وأموالهم ودمائِهم، احفَظ المسلمين اللهم دينَهم وأعراضَهم ودماءَهم وأموالَهم يا رب العالمين ومُقدَّساتهم.

عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.






رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القرآن الكريم سد الوادي علوم القرآن والسنة والسيرة النبوية 7 03-02-2012 10:14 PM
قصص القرآن الكريم الرجل الخفي الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال 2 09-20-2011 04:31 AM
كل شئ عن القرآن الكريم . شعب الذياب علوم القرآن والسنة والسيرة النبوية 286 08-27-2009 02:07 PM
كيف نختم القرآن الكريم كل شهر الوفــــاء المجتمع المسلم والفتاوى 10 08-27-2009 07:55 AM
كل شئ عن القرآن الكريم . أبو عبدالله المجتمع المسلم والفتاوى 5 08-27-2009 07:07 AM


الساعة الآن 12:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir