الإهداءات


 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 02-11-2005, 01:35 PM
مركز تحميل الصور
نظام غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1415
 تاريخ التسجيل : Jan 2005
 فترة الأقامة : 7256 يوم
 أخر زيارة : 07-03-2006 (05:56 AM)
 المشاركات : 700 [ + ]
 التقييم : 4
 معدل التقييم : نظام is an unknown quantity at this point
بيانات اضافيه [ + ]
قصة أبكتني 000



لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي


‏ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة ‏في إحدى

‏الاستراحات ..


المحرمة‎ كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات‎



‏كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. ‏وهم يضحكون



‏أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً..


‏كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..


‏بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي ‏أسخر منه ..


‏أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى ‏أصحابي ..


‏صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ..


‏أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في ‏السّوق..


‏والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا ‏يدري ما

‏يقول ..


‏وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ..


‏عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة ..


‏وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها ..


‏قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟


‏قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع ..


‏كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: راشد…


‏أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..


‏سقطت دمعة صامته على خدها ..


‏أحسست أنّي أهملت زوجتي ..


‏كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها ‏في شهرها

‏التاسع ..


‏حملتها إلى المستشفى بسرعة ..


‏دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال ..


‏كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها ..


‏فانتظرت طويلاً حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت ..


‏وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني ..


‏بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ..


‏ذهبت إلى المستشفى فوراً ..


‏أول ما رأوني أسأل عن غرفتها ..


‏طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي ..


‏صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم ..


‏قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ..


‏دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..


‏ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد ‏البصر


‏خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل ‏الأعمى ..

‏الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس ..


‏سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ‏ماذا

‏أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي ..


‏فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي ..


‏لم تحزن زوجتي ..


‏كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتني أن أكف عن

‏الاستهزاء بالناس ..


‏كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس ..



‏خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا ..


‏في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً..


‏اعتبرته غير موجود في المنزل ..


‏حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها ..



‏كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً ..


‏أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه !


‏كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة ..


‏قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج ..


‏أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر ..


‏أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً ..


‏مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه ..


‏كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي ..


‏في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..


‏لم تيأس زوجتي من إصلاحي..


‏كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي ‏الطائشة ..


‏لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي ‏بباقي إخوته




‏كبر سالم .. وكبُر معه همي ..


‏لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة ‏بالمعاقين



‏لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم ‏وطعام وسهر ..


‏في يوم جمعة ..


‏استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً..


‏ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة ..



‏لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ..


‏مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي ‏بحرقة !


‏إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان ‏طفلاً ..

‏عشر سنوات مضت ..


‏لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت ‏أسمع صوته

‏ينادي أمه وأنا في الغرفة ..



‏التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟!



‏حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي ..



‏بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟!



‏اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني



‏وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟!


‏تبعته .. كان قد دخل غرفته ..


‏رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه ..


‏حاولت التلطف معه ..


‏بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. ‏تدري ما

‏السبب


‏تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..



‏ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل ..


‏نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى ..



‏أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين ..


‏لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه ..


‏وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم ..


‏قال : نعم ..


‏نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت :


‏سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ ..


‏قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..


‏قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك ..


‏دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه ..



‏استعبر ثم بكى ..


‏مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده ..


‏أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً :


‏المسجد قريب ..أريد أن أخطو إلى المسجد ..


‏إي والله قال لي ذلك - ..


‏لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد ..


‏لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف ..


‏والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية ..


‏كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم ‏مكاناً في

‏الصف الأوّل ..


‏استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة ‏أنا صليت

‏بجانبه ..


‏بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً ..


‏استغربت ‏كيف سيقرأ وهو أعمى ؟



‏كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره ..


‏ناولته المصحف ..


‏طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف..


‏أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى ‏وجدتها ..



‏أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه ..


‏وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان ..


‏يا الله ‏إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة



‏خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً ..


‏أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت..


‏دعوت الله أن يغفر لي ويهديني ..


‏لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال ..


‏كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ..


‏خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى ‏نشيج وشهيق



‏لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي ..


‏إنه سالم ‏ضممته إلى صدري ..



‏نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى ..


‏بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار ..


‏عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم ..


‏لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع ‏سالم ..



‏من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد ..


‏هجرت رفقاء السوء ..


‏وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد..


‏ذقت طعم الإيمان معهم ..


‏عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا ..



‏لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر ..



‏ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر ..


‏رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من ‏النّاس ..


‏أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي ..


‏اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي ..


‏الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..



‏من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ..



‏حمدت الله كثيراً على نعمه ..



‏ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى ‏المناطق

‏البعيدة للدعوة ..



‏تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي ..


‏توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس !


‏فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..


‏فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً ‏وفجوراً ..



‏توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه ‏الصغيرين

‏مودعاً ..


‏تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف ..


‏كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي ‏وأحدّث

‏أبنائي ..



‏اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم


‏تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت ..


‏إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم ..


‏كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً ..


‏إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. ‏تغيّر

‏صوتها ..


‏قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. ‏وسكتت ..


‏أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ..


‏تمنّيت أن يفتح لي سالم ..


‏لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ..



‏حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. بابا ..



‏لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ..



‏استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..


‏أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع ‏الفرح ..



‏تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟



‏قالت : لا شيء ..



‏فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟


‏خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها ..



‏صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟


‏لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقول بلثغته : بابا .. ‏ثالم لاح

‏الجنّة .. عند الله..



‏لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء ..



‏كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة ..


‏عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..



‏فأخذته زوجتي إلى المستشفى ..


‏فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده ..



‏إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت ‏فاهتف

...... ‏يا الله



‏إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت ‏الحبال، نادي

‏يا الله 00

منقول للفائدة والعبرة





آخر تعديل نظام يوم 02-11-2005 في 01:38 PM.
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[ ثمــآن أعجبتني حتى أبكتني ] ~ الرافعيB رياض الصالحين 10 01-20-2011 02:20 PM
ثمانية أعجبتني حتى أبكتني! نبض الخفوق رياض الصالحين 9 04-07-2010 05:55 AM
قصة واقعية أبكتني أبو شهاب منتدى القصص والروايات 4 07-14-2007 10:05 PM
أبكتني دموعي ياسر إبراهيم خليفه الخواطر 6 04-13-2006 10:50 AM
إهداء الى كل !!(( حـــــــالــة حُـــب أبكتني كثيراً)) سعد بن حسين عطر الكلمات 6 10-06-2003 10:24 AM


الساعة الآن 07:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir