خليك أحسن منهم

كنتَ في العاشرة أو الثامنة حين ركضت نحو أبيك أو أمك وأنت تشتكي من أصحاب

ضايقوك أو آذوك، ليرد والداك:" معليش يا بابا خليك أحسن منهم" فهما لا يريدانك أن

تتضايق أو تتأثر ولا يريدان أن تتملكك مشاعر غاضبة تحرق كل جميل فيك. كبرت

وكبرت دائرة معارفك وكثرت تجاربك الحياتية، فأنت تقابل شخصيات مختلفة وتتعامل

مع أنماط بشرية متنوعة وبالتالي قد تتعرض لمضايقات كثيرة قد تجد نفسك في مواقف

قد تُخرج أسوأ مافيك، قد تجد أنك خرجت عن طورك لأن ما يحدث أمامك قد يستفز

داخلك بردود فعل تكرهها ولا تحبها وتفضل أن تسيطر عليها.

الدنيا دوارة هذا ما تقوله لنفسك حين يفاجئك تصرف شخص في موقف ما أو حين

تصدم في طريقة تعامل أحدهم. لنفترض أنك في مهمة عمل تقتضي التعاون بينك وبين

زملائك ولنفترض أن مفهوم احدهم للتعاون هو المنافسة العدائية أو لنفترض أن

البعض يطبق مبدأ "الجحدة" أو الاحتفاظ بالمعلومات لنفسه وتركك تعيد إنشاء خارطة

الطريق وخارطة العمل فإنك حتما وبعد يوم طويل من التعامل مع هذه الشخصية

الصعبة تقرر في داخلك بأنك ستعامل هذا الأحدهم بالمثل حين تسنح الفرصة وما أكثر الفرص.

وإليكم مثالا آخر؛ لنفترض أنك تحب أن تبدأ يومك بالابتسامة وتحب أن تحيي الآخرين

وتسأل عنهم وتفتقدهم حين يختفون أو ينشغلون فأنت تهتم بهم وأنت تفضل الاحتفاظ

بحبل التواصل مهما كان رفيعا، لكن في المقابل قد يشيح الآخرون بوجوههم بعيدا عن

ابتسامتك وقد يتجاهلون كل خيوط الود والتواصل أو يتمادون فيقطعونها، لذلك قد تقرر

أنت أن تعاملهم بالمثل.

لكن صوتا من الذاكرة قد يردد قائلا:" معليش يا بابا خليك أحسن منهم" قد لا تفكر في

الجملة ولا معناها، لكنك لو توقفت قليلا أمام هذه الجملة ولو تأملتها، لتريثت قليلا قبل

أن تنجرف وتصبح تصرفاتك ردود أفعال ولذكّرت نفسك بأن عليك أن تبقى كما أنت بكل

ما تمثله أخلاقك وشخصيتك ولذكّرت نفسك بأن عليك أن لا تنجرف وراء تفاهات

الآخرين فهم لا يحددون طريقة تعاملك ولا يملون عليك تصرفاتك، ولتذكّرت أنك لا تريد

أن تكون مثلهم فيك شيء من البشاعة وقليل من الخباثة، ولتذكّرت أنك لا تريد أن

تخسر نفسك في مقابل شعور مؤقتٍ هو أولُ زائل بالانتصار أو الراحة أليس كذلك؟

مما قرأت لندى الطاسان

دمتم في حفظ الرحمن