خطباء وأئمة عذبوا الناس
بقلم الدكتور عائض القرني
لقد ابتلينا في عالمنا الاسلامي بأئمة وخطباء للمساجد عذبوا الناس بجهلهم بالشريعة الميسرة, والسنة السمحة, فمنهم من حول التلاوة في المسجد الى نواح كربلائي حسيني, ومنهم من يصرخ في الميكرفون اذا كبر صراخا لو سمعته الحامل لاسقطت جنينها, ومنهم من حول التلاوة الى مقامات حجازية, ومنهم من قلب الدعاء في التراويح الى خطب منبرية والى حكايات عن الاموات وعجائب وغرائب عن اهل القبور, فهو يصف حالهم منذ ان ماتوا فغسلوا فكفنوا فصلى عليهم فدفنوا فغطوا بالتراب فأكلهم الدود فوزعت ثرواتهم وقسمت تركتهم وتزوجت نساؤهم وتيتم اطفالهم, ونسي المسكين الدعاء لهم بالرحمة, ومنهم من دخل في تفصيل التفاصيل في الدعاء, فدعا لفلسطين, والعراق, وافغانستان, والشيشان, والصومال, والبوسنة والهرسك, ومسلمي الفلبين, وجبهة مورو, ومسلمي تايلاند, ومسلمي كوسوفو, واهالي دارفور, وجزر الملوك, حتى نام الناس وهم وقوف, ومنهم خطيب حول خطبة الجمعة الى مقامات الحريري مع السجع والتكلف والتعسف والتمطيط والتفحيط (والتعشيق بالدبل) مع الشهيق والزفير واخراج الحرف من آخر الحلق, بل من الجوف فيقول مثلاً: أيها المسلم عليك الرضا بالقضا, على جمر القضى, ونسيان ما مضى, فما قضى قد انقضى, ثم يعجبه حرف آخر فينشب فيه, فقلدته في مقامات القرني فقلت: ان اليهود وقعوا في غلطة, وسقطوا سقطة, وصاروا في ورطة, لما زادوا نقطة, قيل لهم قولوا: حطة, فقالوا: حنطة, ومنهم من زاد: فمن قط قطة, فليشتر بطة, وليأخذ شطة, ويضعها في شنطة, وغالب جمهوره من النيجيريين وساحل العاج واندونيسيا وطاشقند وتركمانستان وابخازيا وجورجيا, وهناك خطيب تحتاج الى قاموس لتفهم مفرداته, فهو يقول: ان دستور الاخلاق يقوم على الوسط, بلا وكس ولا شطط, ليكون على احسن نمط, وخطب خطيب عن انفلونزا الطيور اربعين دقيقة وخلص الى انها مؤامرة عالمية على المسلمين, فحمدنا الله على نعمة العقل, وخطب خطيب في قرية عن الغزو الفكري وطوفان العولمة, واهل القرية لا يعرفون نواقض الوضوء, وخطب خطيب في البادية عن عملية السلام والتطبيع مع اسرائيل, واقسم انه لا يقبل بالدنية ولن يتم هذا الأمر, ومثل هذا الخطيب يبرك على صدره ويقرأ عليه آية الكرسي ويكوي ثلاث كيات حتى يشفيه الله مما اصابه, وغالب الخطباء يقرأون من اوراق صوروها من الكتب او سحبوها من النت فتأتي خطبهم باردة مثلجة سخيفة سامجة هزيلة ميتة, لانها بلا روح ولا تأثير (حرمت عليكم الميتة).
وصلينا خلف امام صلاة الفجر فقرأ سورة: (نون والقلم وما يسطرون) فمد نون ومطها حتى كادت ازرار ثوبه تتقطع وما انتهى من الصلاة حتى عذبنا وشق علينا فكلمته بعد الصلاة وقلت له" انا صليت خلف الشيخ ابن باز, والشيخ ابن عثيمين, وهما عالما العصر واتقى واورع منا واعلم منا فكانت صلاتهما يسيرة خفيفة لطيفة وتلاوتهما سهلة ميسرة بلا تشدق ولا تنطع وفهمت من جوابه ان من لم يعجبه ان يصلي معه فليصل في مسجد اخر! وهناك امام يصلي بعشرة خلفه ومكبرات الصوت على رؤوسهم فيرفع صوته الى النهاية ويصرخ بالتكبير صراخا وينوح بالتلاوة نياحا, وما ادري ما السر وراء ذلك ويروي ان مؤذنا نفخ في الميكروفون بقوة فاحترق الجهاز والبطارية وكادت الكهرباء ان تضرب بشررها فتحترق الحارة ثم المدينة والله المستعان, هذا قبل ان يؤذن فكيف لو اذن?! والواجب على القائمين على امر الخطباء والائمة ان يفهموهم السنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ان قصر خطبة الرجل وطول صلاتها مئنة من فقهه" (رواه مسلم), والاحسن والاجمل ان لا تزيد خطبة الجمعة في هذا العصر عن ربع ساعة وان تكون مركزة في موضوع واحد بأسلوب سهل جميل واضح ميسر بلا تعذيب ولا تعنيف ولا تعسف ولا تكلف ولا تعمق ولا تشدق ولا تفيهق وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه: "ونيسرك لليسرى" وقال هو صلى الله عليه وسلم: "ان الدين يسر" وقال صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون والمتعمقون والمتشدقون والمتفيهقون".
|