بين الاندفاع والانقطاع
جبل الإنسان على حب الاستطلاع وخوض كل تجربة يراها مواكبة لرغباته ،وقد يأسره أمر من الأمور ،ويشده اتجاه معين ،فيقرر الخوض فيه ،إشباعا لطموح نفسي آني ، فمثلا قد يسمع محاضرة عن فضل قراءة القران ، وفضل الحرف الواحد فيفكر عدديا كم سينال من الحسنات عند قراءة حزب أو جزء ، ثم يقرر ومن خلال سماعه أن يجعل له ورداً يوميا يقرأ فيه جزءا أو حزبا وآخر قد يسمع أن صلاة الضحى تعدل 360صدقة0 فيعقد العزم أن تكون الساعة التاسعة موعدا لصلاة الضحى ،وقد يكون عددها كما صلاها المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ في المنزل أو العمل يوميا،، وانظر إلى إقبال الناس على صلاة التراويح في أول رمضان ،وآخر قد يلتحق بدورة تتحدث عن إدارة الوقت فيعمد بعدها إلى تطبيق كل ما سمعه ويجعل له أجندة يومية بالساعة والدقيقة ويضع فيها أولوياته ،بل قد يرسم جدولا يوميا له ولأبنائه استثمارا للوقت وتلبية للاحتياجات 0وآخر يقرأ دعاية أو بروشورا عن هيئة الإغاثة أو بعض الجمعيات ،فيجزم أن يكفل يتيما أو يجتزء من مرتبه ما يسد به فاقة عددا من الأسر بشكل شهري 0وآخر عقد العزم أن يقرأ في اليوم خمسين صفحة على الأقل لتوسيع المدارك وزيادة الثقافة 0
ثم ماذا؟
لا تلبث كل تلك الهمم ومع مرور الأيام أن تتصاعد بخارا لا تكثف بعده ولا مطر 0يتسلل الشيطان فيحول بينه وبين القران ، وصلاة الضحى تثقل عليه ،وصلاة التراويح يكفيه منها تسليمتان ، وأبناؤه مالبث جدولهم اليومي أن أصبح في خبر كان بسبب انشغال مدير البيت عنهم 0والكتاب بقي على أريكة القراءة منكفئا على آخر ورقة تمت قراءتها0
تلك مبادئ سامية يحسن المحافظة عليها ومن الصعب على النفس التخلي عنها تحت أي عذر 0نحتاج فقط إلى ترشيد جنون الاندفاع ويكفينا اليسير منها بشرط الديمومة 0فقليل دائم خير من كثير منقطع 0
|