ما أنا بأستاذ ..!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ





قال أحد أصدقائي :







بعد طول درسٍ وتعتير نهلنا من من علوم اللغة ما قليله كثير..تخرجنا بعون الله وما عدنا إلى رعي الشياه لكن صرنا إلى جمع الحصى بعد التخرج نقيس فيها عمق المياه..لمع في السماء بارق المسابقة , فتسابقنا إليه تسابق الجياع إلى المائدة ..بقينا في انتظار النتائج شهوراً وأيام, وما كاد يكتمل العام ويحين علينا الحول ويجيؤنا الدور حتى تعينَّا في دير الزور. مكانٌ ناءٍ جميل, ريفه صحراء, حَضَرُه متريِّف تصله بإذن الله بعد بِضعة أميالٍ وألفُ ميلٍ ونيِّف.



عقدنا العزم على المضي, وقلنا لا بدَّ أن يكون هناك من ينزع من عجلاتنا بعض العصي. تجاوزنا بعض المحن وتدبرنا أمر السكن..بضع أساتذة تجمعهم روابط الغربة وأن لا مكان للأكل والنوم خارج الغرفة. ضبطنا ساعاتنا مع ساعات الجميع وتعاهدنا أن لا نخرج خارج القطيع لألا نتوه أو نضيع. في كلامنا مع المدير, قاومنا جاهدين لظهرنا ألا ندير..وبعد الإصغاء جيداً إلى كلِّ الحكم وكل المواعظ تبين لنا بأنه لا بد من اكتساب أيضاً بعض الشيم, ومن بينها ومن أهمها مراعاة الجميع: جميع القبائل, جميع العشائر,جميع التلاميذ, جميع الأهالي, جميع الأمم.



نوجز في قصتنا ونخصص حديثنا لأبنائنا الطلبة, فهم أطباء المستقبل, محامونا, وعمالنا المهرة..استقبلونا بالعراك والضجيج , سبعةٌ منهم حفاة وواحد يعلو منه النشيج..قلنا في أعماقنا لا بأس وحضرنا لهم الدرس..طلابٌ في الصف الخامس, ليسوا صغاراً ولم يولدوا بالأمس.. درسُنا عن المفعول المطلق, ما نبس الطفل ولا علَّق..عرَّفناه, شرحناه, أعدناه, وأمثلةً أعطيناه:



جلس همامٌ جلوساً مؤدباً,



فهم همامٌ الدرس فهماً كافياً..



حضر همامٌ الدرس حضوراً مشرفاً..



ضرب همامٌ الأستاذ ضرباً مبرحاً..



دعا همامٌ أبناء العشيرة إلى الأخذ بالثأر دعوةً صادقةً..



ثمَّ سألناه: أين المفعول المطلق يا تلميذ؟



" همامٌ " يا أستاذ



وأجمع التلاميذ إجماعاً واحداً على أن هماماً مفعولٌ مطلق..



وأصرَّ التلاميذ إصراراً لا هوادة فيه بأن هماماً هو المفعول المطلق.



سحب الأستاذ أذيال الخيبة سحباً سريعاً وأعاد كتابة الأمثلة بخط أكبر وأكثر وضوحاً ثمَّ أوقف أحد التلاميذ وقال له:" إقرأ "



ما أنا بأستاذ! أجاب الطالب



اقرأ



ما أنا بأستاذ! أجاب العامل الماهر



أوقف الأستاذ جميع التلاميذ ليكتشف بأنَّ بضعة تلاميذ قادرون على تمييز كلمة همامٌ من باقي الكلمات.



اندفع الأستاذ بعد ذلك إلى المدير اندفاعاً شرساً وطلب اجتماعاً سريعاً لجميع المدرسين. حدث الاجتماع بالفعل بعد بضعة أيامٍ أو أكثر قليلاً وتمخض عنه القرار التالي:


( تلغى جميع الدروس المقررة ويخصص اسبوع كامل لتعليم جميع التلاميذ من الصف الأول وحتى الصف السادس جميع الأحرف, ويتم تمديد فترة الأسبوع هذه إذا اقتضت الحاجة ويستمر العمل بالبرنامج الاستثنائي حتى يحفظ الطلاب بجميع صفوفهم الحروف حفظاً جيداً )







..................







احذر أن تعانق هذه البسمة وجهك, فقد تبلل خدك بالدموع...