تفسير: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه)
♦ الآية: ﴿
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: المائدة (13).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿
فبما نقضهم ﴾ فبنقضهم ﴿
ميثاقهم ﴾ وهو أنَّهم كذَّبوا الرُّسل بعد موسى فقتلوا الأنبياء وضيَّعوا كتاب الله ﴿
لعنَّاهم ﴾ أخرجناهم من رحمتنا ﴿
وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ يابسة عن الإِيمان ﴿
يُحَرِّفُونَ الكلم ﴾ يغيِّرون كلام الله ﴿
عن مواضعه ﴾ من صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وآية الرَّجم ﴿
وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ وتركوا نصيبًا ممَّا أمروا به في كتابهم من اتِّبَاع محمَّدٍ ﴿
ولا تزال ﴾ يا محمد ﴿
تطلع على خائنة ﴾ خيانة ﴿
منهم ﴾ مثل ما خانوك حين همُّوا بقتلك ﴿
إلاَّ قليلًا منهم ﴾ يعني: مَنْ أسلم ﴿
فاعفُ عنهم واصفح ﴾ منسوخٌ بآية السَّيف ﴿
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ المتجاوزين.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿
فَبِما نَقْضِهِمْ ﴾، أَيْ: فبنقضهم، وما صِلَةٌ، ﴿
مِيثاقَهُمْ ﴾، قَالَ قَتَادَةُ: نَقَضُوهُ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ الذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا الأنبياء وَنَبَذُوا كِتَابَهُ وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ، ﴿
لَعَنَّاهُمْ ﴾، قَالَ عَطَاءٌ: أَبْعَدْنَاهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: عَذَّبْنَاهُمْ بِالْمَسْخِ، ﴿
وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ﴾، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «قَسِيَّةً» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الذَّاكِيَةِ وَالذَّكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «قَاسِيَةٌ» أَيْ يَابِسَةٌ، وَقِيلَ: غَلِيظَةٌ لَا تَلِينُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ قُلُوبَهُمْ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ لِلْإِيمَانِ بَلْ إِيمَانُهُمْ مَشُوبٌ بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ الْقَاسِيَةُ وَهِيَ الرَّدِيَّةُ الْمَغْشُوشَةُ. ﴿
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ﴾، قِيلَ: هُوَ تَبْدِيلُهُمْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَحْرِيفُهُمْ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، ﴿
وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾، أَيْ: وَتَرَكُوا نَصِيبَ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ نَعْتِهِ، ﴿
وَلا تَزالُ ﴾، يَا مُحَمَّدُ، ﴿
تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ ﴾، أَيْ: عَلَى خِيَانَةٍ، فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالْكَاذِبَةِ وَاللَّاغِيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ رَوَّايَةٍ وَنَسَّابَةٍ وَعَلَّامَةٍ وَحَسَّابَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرْقَةٍ خَائِنَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى خَائِنَةٍ، أَيْ: عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمْ نَقْضَهُمُ الْعَهْدِ وَمُظَاهَرَتَهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ وَسَمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا، مِنْ خِيَانَاتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ منهم، ﴿
إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾، لَمْ يَخُونُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ﴿
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ﴾، أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، ﴿
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
الالوكة