إنها لا تلذ إلا من بعيد ...
في يوم ما كنت أقرأ مقالة طويلة للشيخ علي الطنطاوي- رحمه الله - بعنوان " بعد الخمسين " وقف فيها مع نفسه محاسبا وأنتم تعلمون أسلوبه القائم على طريقة الاستطراد فهو ينتقل من فكرة إلى أخرى ونحن معه معجبون بجمال عرضه الذي لا يمل ولقد وقفت على مقطع يقول فيه :
" يتمنى الفقير المال ، يحسب أنه إذا أعطي عشرة آلاف ليرة فقد حيزت له الدنيا ، فإذا أعطيها فصارت في يده لم يجد لها تلك اللذة التي كان يتصورها وطمع في مائة الألف ، إنه يحس الفقر بها وهي في يده كما يحس الفقر إليها يوم كانت يده خلاء منها ، ولو نال الألف لطلب المليون .........
والشاعر العاشق يملأ الدنيا قصائد تسيل من الرقة وتفيض بالشعور ، يعلن أنه لا يريد من الحبيبة إلا لذة النظر ومتعة الحديث ،فإذا ما بلغهما لم يجدهما شيئا وطلب ما وراءهما ، ثم أراد الزواج فإذا ما تم له لم يجد فيه ما يتخيل من النعيم ، ولذابت كل صورالخيال تحت شمس الواقع ....... ولرأى المجنون في ليلى امرأة كالنساء ...."
نعم كما قال الشيخ "هي ملذات الحياة لا تلذ إلا من بعيد" !!!!!!
حال الفقير ينطبق تماما على حالنا كموظفين ففي أول العهد نستلم راتبا ننظر إليه أنه زهيد وننظر إلى ما في يد الغير بأنه الأكثر وهو يراه لاشيء وهلم جرا حقا لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب........
وكذا حال الخاطب فهو متيم قبل الزواج بهذه المخطوبة وهي كذلك فإذا ما تم الأمر تغير الحال إلا ماندر
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ****** ويحيا إذا فارقتها فيعود
وقس على ذلك المنصب فقد نسعى له سعيا حثيثا فإذا ما نلناه لم نره شيئا !!!!!
نعم هي ملذات الحياة ، إنها لا تلذ إلا من بعيد .......
أيها النسيان أعطني يدك ، كي أسير في مدن الذكرى معك ....
|