المفكرة الدعوية الميسرة 3

( بسم الله الرحمن الرحيم )


الموضوع الثالث ::

(( الشهود الأربعة ))

الحمدلله الذي يرى ويسمع كل مافي الكون من سر وإعلان , فهو العليم وهو الخبير وهو الشهيد وهو البصير فسبحانه ما أعظمه , وهو المحيط وهو السميع فلا إله إالا الله أحاط بكل شيء علما , فأين نذهب عن علمه وإحاطته , وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير الذي أضاء لنا الطريق , وبين لنا السبيل , أما بعد :-
أخي الغالي : أين تذهب ؟ انتبه ! عليك شهود يراقبونك في أي مكان وفي أي زمان , فأين تذهب ؟؟

فأما الشاهد الأول :-
فهي هذه الأرض التي نمشي عليها , ونأكل عليها , وننام عليها , هذه الأرض لها يوم ستتحدث فيه وتتكلم فيه بما عملت عليها - ياعبدالله - سوف يأتي اليوم الذي تفضحك فيه وتكشف أسرارك , ولعلك تقول ماهو الدليل على أن الأرض ستشهد يوم القيامة , فأقول : يقول الحق تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إِذَا زُلْزِلَتِ الاْرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَنُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) [الزلزلة:1-4]
قوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أتدرون ما أخبارها ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم , فقال عليه الصلاة والسلام : ( فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها ) [رواه الترمذي وقال حديث حسن] .


وأما الشاهد الثاني :-
فهم الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا , ويسجلون علينا سيئاتنا وحسناتنا , قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (الانفطار:10-12) وبعد تلك الكتابة من الملائكة , ياترى ماذا سيجري بعد ذلك ؟ عندما تموت سيطوى كتابك , ولكنك سوف تلتقي معه عندما تخرج من قبرك , وسوف تعطى هذا الكتاب الذي كتبته عليك الملائكة في الدنيا , وسوف يأمرك الله جل وعلا بأن تقرأه عندما تقف بين يديه , قال تعالى : ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا *اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) [الإسراء:13-14] إنها لحظة عجيبة , وساعة حرجة , عندما يقف العبد حافيا عاريا , أمام الجبار جل جلاله ومع العبد كتاب , وهذا الكتاب هو ديوان الحسنات والسيئات , فما هو شعورك يامن كان ليله في السهر على القنوات , ونهاره في النوم عن الصلوات , ماحالك ياعبدالله عندما ترى سيئاتك في ذلك الكتاب , الذي لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , وياليت الأمر ينتهي عند مجرد رؤيتك له بل تؤمر بقراءته , فماذا ستقرأ وماذا ستجد ؟ ماذا ستقرأ ياشارب الدخان , ماذا ستقرأ يامن عققت والديك , ماذا ستقرأ يامن أهملت تربية أبناءك , ماذا ستقرأ يامن أضعت الصلاة , ماذا ستقرأ يامن أكلت الربا , قال تعالى : ( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) [النبأ:40] .


وأما الشاهد الثالث :-
فهي الجوارح التي هي من نعم الله علينا , وهي : اليدان , والقدمان , واللسان , والعينان , والأذنان , بل وسائر الجلود , ستأتي يوم القيامة لتشهد عليك ياعبدالله , إنه مشهد لامثيل له , يقف العبد أمام ربه ويبدأ الحساب ثم تبدأ الجوارح لتكشف الأسرار ولتخبر بالفضائح والجرائم التي فعلتها في أيامك السابقة , قال تعالى : ( اليوم نختم على أفواههم ) وبعد ذلك ماذا يجري ؟ ( وتكلمنا أيديهم ) وهل يقف الحد عند ذلك ؟ لا , بل ( وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [يس:65]
فياحسرتاه .. عندما تنطق اليدان وتخبر عنك أيها الإنسان وتقول : يارب بيده اشترى المجلات الماجنة , يارب بيده حرك ريموت القنوات الفضائية , يارب بيده شرب الدخان والشيشة , يارب بيده تعاطى الخمر والمسكرات , نسأل الله السلامة والعافية , وإن الأمر يزداد حرجا وشدة عندما تنطق سائر الجلود , قال تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [فصلت:20]
وبعد ذلك يحصل الأمر الغريب , يخاطب المرء جوارحه , قال تعالى : ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) لم ياعين تشهدين , لم ياسمع تشهد , لم ياقدم تتكلمين , ولكن الجواب أعظم , قال تعالى : ( قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شي ) وينتهي ذلك المشهد العجيب .. ولكن ياترى ماحالي وحالك هناك ؟ وهل ستكون ممن شهدت له الجوارح بالطاعات , أم ستكون ممن تفضحه جوارحه أمام الله خالق الكائنات .


وأخيرا .. ياترى هل بقي أحد يشهد علينا ؟؟ : نعم إنه الواحد الأحد رب الشهود , إنه الواحد المعبود , قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [فصلت:53] الله يراك أينما كنت , ويعلم بحالك , قال تعالى : ( إنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) [آل عمران:5]
فسبحان العليم بعباده , وسبحان الذي لاتخفى عليه خافية , وسبحان من يعلم مافي الصدور , والله إن من أكبر أسباب ضعفنا وتقصيرنا هو الغفلة عن مراقبة الله تعالى , وإلا فلو أن العبد الذي يخلو بذنوبه , ويبتعد عن الناس لكي لايروه , لو يعلم ذلك بعلم الله له , ورؤيته له لما فعل تلك الفعلة السيئة , ولكنه غفل عن الله فتمادى في الشهوات , قال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) [العلق:14]
وأخيرا.. متى نحذر من شهادة الشهود ؟؟ إن الأمر خطير , ويوم العرض عسير , وهناك تبدو الأسرار , وتنكشف الفضائح .

اسأل الله تعالى بمنه وكرمه , أن يقينا شر أنفسنا , وأن يجنبنا الفواحش والمنكرات ماظهر منها ومابطن .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

( منقول : للشيخ : سلطان العمري , مع بعض الإضافات )