الإهداءات


رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2003, 05:19 AM   #106
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأصل المعاصى كُلها العجزُ، فإن العبدَ يَعجِز عن أسباب أعمالِ الطاعات، وعن الأسباب التى تُبْعِدُه عن المعاصى، وتحول بينه وبينها، فيقعُ فى المعاصى، فجمع هذا الحديثُ الشريف فى استعاذته - صلى اللَّه عليه وسلم - أُصولَ الشر وفروعه، ومبادِيَه وغاياتِه، وموارِدَه ومصادرَه، وهو مشتمل على ثمانى خصال، كُلُّ خصلتين منها قرينتان فقال: ((أعُوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ)) وهما قرينان، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسِمُ باعتبار سببه إلى قمسين، فإنه إما أن يكون سببُه أمراً ماضياً، فهو يُحدِثُ الحَزَنَ، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل، فهو يُحدِث الهم، وكلاهما مِن العجز، فإن ما مضى لا يُدفع بالحزن، بل بالرضى، والحمد، والصبر، والإيمان بالقَدَر، وقول العبد: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وما يُستقبل لا يُدفع أيضاً بالهمِّ، بل إما أن يكون له حيلة فى دفعه، فلا يعجز عنه، وإما أن لا تكون له حيلة فى دفعه، فلا يجزع منه، ويلبسُ له لباسه، ويأخذُ له عُدته، ويتأهّبُ له أُهبته اللائقة به، ويَسْتَجِنُّ بجُنَّةٍ حصينة من التوحيد، والتوكل، والانطراح بين يدى الرب تعالى والاستسلام له والرضى به رباً فى كل شئ، ولا يرضى به رباً فيما يحب دون ما يكره، فإذا كان هكذا، لم يرضَ به رباً على الإطلاق، فلا يرضاه الرب له عبداً على الإطلاق، فالهمُّ والحَزَنُ لا ينفَعَانِ العبد البتة، بل مضرَّتُهما أكثرُ من منفعتهما، فإنهما يُضعفان العزم، ويُوهنان القلبَ، ويحولان بينَ العبدِ وبين الاجتهاد فيما ينفعُه، ويقطعان عليه طريقَ السير، أو يُنكسانه إلى وراء، أو يَعوقَانِهِ ويَقِفَانه، أو يَحْجُبانه عن العَلَمِ الذى كلَّما رآهُ، شمَّر إليه، وجدَّ فى سيره، فهما حِمل ثقيل على ظهر السائر، بل إن عاقه الهمُّ والحزن عن شهواته وإراداته التى تضرُّهُ فى معاشه ومعاده، انتفع به من هذا الوجه، وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلَّط هذَيْن الجندَيْنِ على القلوب المعرضة عنه، الفارغَةِ من محبته، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والأُنسِ به، والفِرار إليه، والانقطاع إليه، ليردَّهَا بما يبتليها به من الهموم والغمومِ، والأحزانِ والآلام القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها المُرْدِية، وهذه القلوبُ فى سجن من الجحيم فى هذه الدار، وإن أريد بها الخيرُ، كان حظُّها من سجن الجحيم فى معادها، ولا تزال فى هذا السجن حتى تتخلَّص إلى فضاء التوحيد، والإقبال على اللَّه، والأُنس به، وجعل محبته فى محل دبيبِ خواطِر القلب ووساوسه، بحيث يكون ذِكْرُه تعالى وحُبُّه وخوفُه ورجاؤُه والفرحُ به والابتهاجُ بذكره، هو المستولى على القلب، الغالبَ عليه، الذى متى فقده، فقد قُوتَهُ الذى لا قِوام له إلا به، ولا بقاء له بدونه، ولا سبيلَ إلى خلاصِ القلب من هذه الآلام التى هى أعظمُ أمراضِه وأفسدُها له إلا بذلك، ولا بلاغَ إلا باللَّه وحدَه، فإنه لا يُوصِل إليه إلا هو، ولا يأتى بالحسنات إلا هو، ولا يَصرِف السيئات إلا هو، ولا يدُلُّ عليه إلا هو، وإذا أرادَ عَبْدَه لأمر، هيَْأَهُ له، فمنه الإيجاد، ومنه الإعداد، ومنه الإمداد، وإذا أقامه فى مقام أىِّ مقام كان، فبحمده أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه، ولا يليق به غيرُه ولا يصلُح له سواه، ولا مانِع لما أعطى اللَّهُ، ولا مُعطِىَ لما منع، ولا يمنع عبدَه حقاً هو للعبد، فيكون بمنعه ظالماً له، بل إنما منعه لِيتوسَّل إليه بمحابِّه ليعبُدَه، وليتضرَّع إليه، ويتذلَّل بين يديه، ويتملَّقه، ويُعطى فقرَه إليه حقَّه، بحيث يشهد فى كل ذرَّةٍ من ذَرَّاته الباطنةِ والظاهرةِ فاقة تامةً إليه على تعاقُب الأنفاس، وهذا هو الواقعُ فى نفس الأمر، وإن لم يشهده العبدُ فلم يمنع الربُّ عبده ما العبدُ محتاج إليه بخلاً منه، ولا نقصاً مِن خزائنه، ولا استئثاراً عليه بما هو حقٌّ للعبد، بل منعه ليردَّه إليه، ولِيعزَّه بالتَّذَلُّلِ له، وليُغنيَه بالافتقار إليه، ولِيَجْبُرَهُ بالانكسار بين يديه، وليُذيقَه بمرارةِ المنع حلاوةَ الخضوع له، ولذةَ الفقر إليه، وليُلبسه خلعة العبودية، ويولِّيه بعز له أشرفَ الولايات، ولِيُشْهِدَهُ حكمته فى قُدرته، ورحمتَه فى عزته، وبِرَّه ولطفَه فى قهره، وأنَّ منعه عطاءٌ، وعزلَه تولية، وعقوبتَه تأديبٌ، وامتحانَه محبةٌ وعطية، وتسليطَ أعدائه عليه سائقٌ يسوقه به إليه.

وبالجملة فلا يليق بالعبد غير ما أقيم فيه، وحكمتهُ وحمدُه أقاماه فى مقامه الذى لا يليقُ به سِوَاه، ولا يَحْسُنُ أن يتخطَّاه، واللَّهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ مواقعَ عطائِهِ وفضله، واللَّهُ أعلمُ حيثُ يجعل رسالتَهُ {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِّن بَيْنِنَا، ألَيْسَ اللَّهُ بأَعْلَمَ بِالشَّاكِربنَ} [الأنعام: 53]، فهو سبحانه أعلمُ بمواقع الفضل، ومحالِّ التخصيص، ومحالِّ الحِرمان، فبحمده وحكمته أعطى، وبحمده وحكمته حَرَم، فمن ردَّه المنعُ إلى الافتقار إليه والتذلُّلِ له، وتملُّقهِ، انقلب المنعُ فى حقه عطاءاً، ومَن شغله عطاؤهُ، وقطعه عنه، انقلب العطاءُ فى حقِّه منعاً، فكلُّ ما شغل العبدَ عن اللَّه، فهو مشؤوم عليه، وكلُّ ما ردَّه إليه فهو رحمة به، والربُّ تعالى يُريد من عبده أن يفعل، ولا يقع الفعلُ حتى يُريد سبحانَه مِن نفسه أن يُعينَه، فهو سُبحانه أراد منَّا الاستقامةَ دائماً، واتخاذَ السبيل إليه، وأخبرنا أن هذا المرادَ لا يقع حتى يُريد من نفسه إعانَتنا عليها ومشيئته لنا، فهما إرادتان: إرادة من عبده أن يفعل، وإرادة من نفسه أن يُعينه، ولا سبيلَ له إلى الفعل إلا بهذه الإرادة، ولا يملِك منها شيئاً، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] فإن كان مع العبد روح أخرى، نِسبتُها إلى روحه، كنسبة روحِه إلى بدنه يستدعى بها إرادَةَ اللَّه من نفسه أن يفعلَ به ما يكون به العبدُ فاعلاً، وإلا فمحلُّه غير قابلٍ للعطاء، وليس معه إناء يوضع فيه العطاءُ، فمَن جاء بغير إناءٍ، رجع بالحِرمَانِ، ولا يلومنَّ إلا نفسه.

والمقصودُ أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم استعاذ مِن الهمِّ والحَزَنِ، وهما قرينانِ، ومِنَ العَجزِ والكَسَلِ، وهما قرينان، فإنَّ تَخلُّفَ كمالِ العبد وصلاحِهِ عنه، إما أن يكون لِعدم قدرته عليه، فهو عجز، أو يكونَ قادراً عليه، لكن لا يُريدُ فهو كسل، وينشأ عن هاتين الصفتين، فواتُ كُلِّ خير، وحصولُ كلِّ شر، ومن ذلك الشر تعطيلُه عن النفع ببدنه، وهو الجبن، وعن النفع بماله، وهو البخل، ثم ينشأ له بذلك غلبتان: غلبة بحق، وهى غلبة الدَّيْن، وغلبة بباطل، وهى غلبةُ الرِّجال، وكلُّ هذه المفاسد ثمرة العجز والكسل، ومن هذا قولُه فى الحديث الصحيحِ للرجل الذى قضى عليه، فقال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، فَقَالَ: ((إنَّ اللَّه يَلُومُ عَلَى العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ، فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ))، فهذا قال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعمَ الوكيلُ بعد عجزه عن الكَيْس الذى لو قام به، لقضى له على خصمه، فلو فعلَ الأسبابَ التى يكون بها كَيِّساً، ثمَّ غُلِبَ فقال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لكانت الكلمةُ قد وقعت موقعها، كما أن إبراهيم الخليلَ، لما فعل الأسباب المأمورَ بها، ولم يعجِزْ بتركِها، ولا بتركِ شئ منها، ثم غلبهُ عدوُّه، وألقَوْه فى النار، قال فى تلك الحال: حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكيلُ فوقعت الكلمةُ موقعها، واستقرت فى مظانِّها، فأثَّرت أثرها، وترتَّب عليها مقتضاها.

وكذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يوم أُحُد لما قيل لهم بعد إنصرافهم من أُحُد: إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم، فتجهزوا وخرجوا للقاء عدوِّهم، وأعطَوهم الكَيْسَ من نفوسهم، ثم قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوكيلُ.

فأثرت الكلِمة أثرَهَا، واقتضت موجبَها، ولهذا قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وَمَن يَتَوكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ فجعل التوكل بعد التقوى الذى هو قيامُ الأسباب المأمور بها، فحينئذ إن توكَّل على الله فهو حسبُه، وكما قال فى موضع آخر: {وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11] فالتوكل والحسب بدون قيام الأسباب المأمور بها عجز محض، فإن كان مشوباً بنوعٍ من التوكل، فهو توكُّل عجز، فلا ينبغى للعبد أن يجعلَ توكُّلَهُ عجزاً، ولا يجعلَ عجزَه توكلاً، بل يجعل توكُّلَه مِن جملة الأسباب المأمور بها التى لا يَتِمُّ المقصودُ إلا بها كلِّها.

ومن هاهنا غلط طائفتان من الناس، إحداهما: زعمت أن التوكلَ وحده سبب مستقلّ كافٍ فى حصول المراد، فعطَّلت له الأسبابَ التى اقتضتها حِكمةُ اللَّه الموصلة إلى مسبِّباتها، فوقعوا فى نوع تفريط وعجز بحسب ما عطَّلوا من الأسباب، وضَعُفَ توكُّلُهم من حيث ظنوا قوتَه بانفراده عن الأسباب، فجمعوا الهمَّ كُلَّه وصيَّروه هماً واحداً، وهذا وإن كان فيه قوة من هذا الوجه، ففيه ضَعفٌ من جهة أُخرى، فكلما قوى جانبُ التوكل بإفراده، أضعفه التفريطُ فى السبب الذى هو محلُّ التوكل، فإن التوكلَ محلُّه الأسباب، وكمالُه بالتوكل على اللَّه فيها، وهذا كتوكل الحرَّاثِ الذى شق الأرض، وألقى فيها البِذر، فتوكل على اللَّه فى زرعه وإنباتِه، فهذا قد أعطى التوكُّل حقه، ولم يضعُف توكُّله بتعطيل الأرض وتخليتها بوراً، وكذلك توكُّل المسافر فى قطع المسافة مع جِدِّه فى السَّيْرِ، وتوكُّل الأكياس فى النجاة من عذاب اللَّه والفوزِ بثوابه مع اجتهادهم فى طاعته، فهذا هو التوكلُ الذى يترتَّبُ عليه أثرُه، ويكون اللَّهُ حَسْبَ مَن قام به. وأما توكلُ العجز والتفريطِ، فلا يترتبُ عليه أثرُه، وليس اللَّه حَسْبَ صاحِبه، فإن اللَّه إنما يكون حَسْبَ المتوكِّل عليه إذا اتّقاه، وتقواه فعلُ الأسباب المأمور بها، لا إضاعتُها.

والطائفة الثانية: التى قامت بالأسباب، ورأت ارتباطَ المسبِّبات بها شرعاً وقدَراً، وأعرضت عن جانب التوكل، وهذه الطائفةُ وإن نالت بما فعلته من الأسباب ما نالته، فليس لها قوةُ أصحابِ التوكل، ولا عونُ اللَّه لهم وكفايتُه إياهم ودفاعُه عنهم، بل هى مخذولةٌ عاجزة بحسب ما فاتها من التوكّل.

فالقوّةُ كلُّ القُوَّة فى التوكل على اللَّه كما قال بعضُ السَلَف: مَن سرَّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللَّه، فالقوةُ مضمونة للمتوكِّل، والكفاية والحَسْبُ والدفع عنه، وإنما يَنْقُصُ عليه من ذلك بقدر ما يَنْقُصُ من التقوى والتوكل، وإلا فمع تحققه بهما لا بد أن يجعل اللَّه له مخرجاً مِن كُلِّ ما ضاق على الناس، ويكونُ اللَّهُ حسبَه وكافيه، والمقصودُ أن النبى صلى الله عليه وسلم أرشد العبدَ إلى ما فيه غايةُ كماله، ونيلُ مطلوبه، أن يحرصَ على ما ينفعُه، ويبذُلَ فيه جهده، وحينئذ ينفعُه التحسُّب وقولُ: ((حَسْبِىَ اللَّهُ ونِعْمَ الوكيلُ)) بخلاف مَن عجز وفرَّط حتى فاتته مصلحته، ثم قال(حَسْبِى اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكيلٌُ)) فإن اللَّه يلومه، ولا يكون فى هذا الحال حَسْبَه، فإنما هو حَسَبُ مَن اتَّقاه، وتوكَّل عليه.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:23 AM   #107
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الذِّكْر

كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم أكملَ الخلق ذِكْراً للّه عَزَّ وجَلَّ، بل كان كلامُه كُلُّهُ فى ذِكر اللَّه وما والاه، وكان أمرُهُ ونهيُه وتشريعُه للأمة ذِكْراً منه لِلَّهِ، وإخبارُهُ عن أسماءِ الربِّ وصِفاتِه، وأحكامِهِ وأفعاله، ووعدِه ووعيده، ذِكراً منه له، وثناؤُه عليه بآلائه، وتمجيدُه وحمدُه وتسبيحُه ذكراً منه له، وسؤالُه ودعاؤه إياه، ورغبتُه ورهبتُه ذِكراً منه له، وسكوته وصمتُه ذِكراً منه له بقلبه، فكان ذاكراً للّه فى كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، وكان ذِكْرُهُ لِلًَّهِ يجرى مع أنفاسه، قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفى مشيه وركوبه ومسيره، ونزولِه وظعنه وإقامته.

وكان إذا استيقظَ قال: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أحْيانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ)).

وقالت عائشةُ: كان إذَا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ، كَبَّر اللَّهَ عَشْراً، وحَمِدَ اللَّه عَشْراً، وقَالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ)) عَشْراً، ((سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ)) عَشْراً، واسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَشْراً، وهَلَّلَ عَشْراً، ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنيَا، وَضِيقِ يَوْمِ القِيَامَةِ)) عَشْراً، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصلاة.

وقالت أَيْضاً: كَانَ إذا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: ((لاَ إلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِى، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِى عِلَمَاً وَلاَ تُزِغْ قَلْبِى بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِى، وَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ)) ذكرهما أبو داود

وأخبر أنَّ مَن استيقظَ من اللّيْل فَقَالَ: ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ، الحمدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ } [العَلِىِّ العَظِيمِ])) - ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِر لِى - أَوْ دعا بدعاء آخر، - استُجِيبَ لَهُ، فإنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، قُبِلَتْ صَلاَتُه)) ذكره البخارى

وقال ابنُ عباس عنه صلى اللَّه عليه وسلم لَيْلَةَ مَبيتِهِ عِنْدَهُ: إنَّهُ لَمَّا اسْتَيْقَظَ، رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَواتِيمُ مِنْ سُورَةِ ((آلِ عِمْرَانَ)): {إنَّ فِى خَلْقِ السَّموَاتِ والأرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخِرِها.

ثم قال: ((اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إلهِى، لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ)).

وقد قالت عائشةُ رضى اللَّه عنها: كَانَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ قال: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بإذنك، إنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).

ورُبَّمَا قالت: كان يفتتِحُ صلاتَهُ بِذَلكَ، وكانَ إذا أوتر، ختم وتره بعدَ فَراغِهِ بِقولِه: ((سُبْحَانَ الملِكِ القُدُّوسِ)) ثلاثاً، ويَمُدُّ بالثَّالِثَةِ صَوْتَه.

وكَانَ إذَا خَرجَ مِن بَيتِهِ يَقُولُ: ((بسم اللَّه، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أَو أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ)) حَدِيث صحيح.

وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ)) حديث حسن

وقال ابنُ عباس عنه ليلةَ مبيته عِندهُ: إنَّهُ خرج إلى صَلاةِ الفجر وهُو يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُوراً، واجْعَلْ فِى لِسَانِى نُورَاً، وَاجْعَلْ فِى سَمْعِى نُورَاً، واجْعَلْ فِى بَصَرِى نُورَاً، واجْعَلْ مِنْ خَلْفِى نُورَاً، ومِنْ أمَامِى نُوراً، واجْعَلْ مِنْ فَوْقِى نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ تَحْتِى نُوراً، اللَّهُمَّ أعْظِمْ لِى نُوراً)).

وقال فُضيل بن مرزوق، عَن عَطِيَّة العَوْفِى، عن أبى سعيدٍ الخُدْرِىِّ قال: قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ إلى الصَّلاَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِى أسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَاىَ هذَا إلَيْكَ، فَإنِّى لَمْ أَخْرُجْ بَطَرَاً وَلاَ أشَراً، وَلاَ ريَاءً، وَلاَ سُمْعَةً، وَإنَّمَا خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أنْ تُنْقِذَنِى مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِى ذُنُوبِى، فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، إلاَّ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَقْضِى صَلاتَه)).

وذكر أبو داود عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجدَ قال: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ العَظِيمِ، وبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإذَا قَالَ ذلِكَ قال الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّى سَائِرَ اليَوْمِ)).

وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ((إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِى أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).

وَذُكر عنه: ((أنَّهُ كانَ إذَا دَخَلَ المَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذنوبى، وافْتَحْ لِى أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإذَا خَرَجَ صَلَّى عَلى مُحمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّم، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذُنُوبِى وَافْتَح لِى أبْوَابَ فَضْلِكَ)).

وكَانَ إذَا صلَّى الصُّبْحَ، جَلَسَ فى مُصلاَّه حَتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وكان يقول إذَا أَصْبَحَ: ((اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنَا، وَبِكَ أمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبكَ نَمُوتُ، وَإلَيْكَ النُّشُورُ)) حديث صحيح

وكان يَقُولُ: ((أصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِى هذَا اليَوْم، وَخَيْرَ مَا بَعْدَهُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّ هذَا اليَوْمِ، وَشرِّ مَا بَعْدَهُ، رَبِّ أعُوذُ بِكًَ مِنَ الكَسَلِ، وَسُوءِ الكِبَر، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فى النَّارِ، وعَذَابٍ فى القَبْرِ، وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ...)) إلى آخِرِهِ. ذكره مسلم

وقال له أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضىَ اللَّهُ عنهُ: مُرْنى بِكَلِمَاتٍ أقُولُهُنَّ إذَا أصْبَحْتُ وإذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ: قُلْ: ((اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَىءٍ وَمَلِيكَهُ وَمَالِكه، أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ أنْتَ، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِى، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكهِ، وأنْ أقْتَرِفَ عَلَى نَفسِى سُوءاً أوْ أَجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ)) قال: ((قُلْهَا إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ، وإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ)) حديث صحيح

وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فى صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىءٌ فى الأرْضِ وَلاَ فى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ - ثَلاَتَ مَرَّاتٍ - إلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَىْء)) حديث صحيح

وقال: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبَّاً، وَبِالإسْلاَمِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، كَانَ حَقَّاً عَلَى اللَّهِ أنْ يُرْضِيَهُ)) صححه الترمذى والحاكم

وقال: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: اللَّهُمَّ إنِّى أصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، أنَّكَ أنتَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَعْتَقَ اللَّهُ رُبْعَهُ مِنَ النَّارِ، وَإنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ مِنَ النَّارِ، وإنْ قَالَهَا ثَلاثاً، أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاثَة أَرْبَاعِهِ مِنَ النَّارِ، وَإنْ قَالَهَا أرْبَعاً أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ)) حديث حسن

وقالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِى مِنْ نِعْمَةٍ أوْ بأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِيْنَ يُمْسِى، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ)) حديث حسن

وكَانَ يدعو حينَ يُصبح وحينَ يُمْسِى بهذِهِ الدعَواتِ: ((اللَّهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ العَافِيَةَ فى الدُّنْيَا والآخِرَة، اللَّهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِية فى دِينِى وَدُنْيَاىَ وَأهْلِى وَمَالِى، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِى، وآمِنْ رَوْعَاتِى، اللَّهُمَّ احْفظْنِى مِنْ بَيْن يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِى، وَعَنْ يمينى وَعَنْ شِمَالِى، وَمِنْ فَوْقِى، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِى)) صححه الحاكم

وقال: ((إذَا أصْبَحَ أحَدُكُم، فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذَا الْيَوْمِ: فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَه وَهِدَايَتَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إذَا أمْسَى، فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ)) حديث حسن

وذكرَ أبو داود عنه أنه قال لِبعض بناتِهِ: ((قُولِى حِيْنَ تُصْبِحِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ قديرٌ، وأنّ اللَّه قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً، فَإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ، حُفِظَ حَتَّى يُمْسِىَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِى حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ)).

وقال لرجل من الأنصار: ((ألاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَماً إذَا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ))؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: ((قُل إذَا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرِّجَالِ)) قال: فقلتُهن، فأذهب اللَّه همِّى وقضًَى عنى دَيْنى.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:25 AM   #108
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان إذا أصبح قال: ((أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةِ الإخْلاصِ، ودِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمِلَّةِ أبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)).

هكذا فى الحديث: ((ودين نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم)) وقد استشكله بعضُهم وله حُكْمُ نظائِره كقوله فى الخُطَبِ والتشهُّد فى الصلاة: ((أشهدُ أن محمداً رسولُ اللَّه)) فإنه صلى اللَّه عليه وسلم مكلَّف بالإيمان بأنه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خلقه، ووجوبُ ذلك عليه أعظمُ من وجوبه على المرسَل إليهم، فهو نبى إلى نفسه وإلى الأُمَّة التى هو منهم، وهو رسول اللَّه إلى نفسه وإلى أُمَّته.

ويُذكَرُ عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال لِفاطمة ابنتهِ: ((مَا يَمْنَعُكِ أنْ تَسْمَعِى مَا أُوصِيكِ بِهِ: أنْ تَقُولِى إذَا أصْبَحْتِ وَإذَا أمْسَيْتِ: يَا حَىٌُّ، يَا قَيُّومُ بك أستغيث، فأصلح لى شأنى، ولا تَكِلْنِى إلى نفسى طرفةَ عَيْنٍ)).

ويُذكرُ عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال لِرجل شكا إليهِ إصابةَ الآفاتِ: ((قُل: إذَا أصْبَحْتَ: بِسْمِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِى، وَأَهْلِى وَمَالِى، فَإنَّهُ لا يَذْهَبُ عَلَيْكَ شَىءٌ)).

ويُذكَر عنه أنه كان إذَا أصبح قالَ: ((اللَّهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً طَيِّباً، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً)).

ويُذكر عنه صلى اللَّه عليه وسلم: إن العبد إذا قالَ حِينَ يُصبِحُ ثلاثَ مرات: ((اللَّهُمَّ إنِّى أَصْبَحْتُ مِنْكَ فى نِعْمَةٍ وَعَافِيَةٍ وَسِتْرٍ، فَأَتْمِمْ عَلَىَّ نِعْمَتَكَ وَعَافِيَتَكَ وَسِتْرَكَ فى الدُّنيَا والآخِرَةِ، وإذَا أمْسى، قالَ ذلِك، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ)).

وَيذكر عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ قَالَ فى كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: حَسْبِىَ اللَّهُ لاَ إلَه إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ - سَبْعَ مَرَّاتٍ - كَفَاهُ اللَّهُ مَا أهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ)).

ويُذكر عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه من قالَ هذِهِ الكَلِمَاتِ فى أوَّلِ نَهَارِهِ، لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُمْسِىَ، وَمَنْ قَالَهَا آخِرَ نَهَارِهِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُصْبِحَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إله إلاَّ أنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأنْتَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ، أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، وَأنَّ اللَّهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً، اللَّهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى، وَشَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، وقَد قِيلَ لأبى الدرداء: قدِ احترق بيتُك فقالَ: ما احترقَ، ولم يكن اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لِيفعل، لِكَلِمَاتٍ سمعتهُنَّ مِنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرها.

وقالَ: ((سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أنْ يَقُولَ العبدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ خَلَقْتَنِى وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِى، فَاغْفِرْ لِى إنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، مَنْ قالَهَا حِينَ يُصْبِحُ موقِناً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِى مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ)).

((ومَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ - مِائَةَ مَرَّةٍ - لَمْ يَأْتِ أَحدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلاَّ أحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أوْ زَادَ عَلَيْهِ)).

وَقَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرَ مَرَّاتٍ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّه لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ بها عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَكَانَتْ كَعِدْل عَشْر رِقَابٍ، وَأَجَارهُ اللَّهُ يَوْمَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا أمْسَى فَمِثْلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ)).

وقال: ((مَنْ قَالَ حِيْنَ يُصْبِحُ: لاَ إلَه إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، فى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدلَ عَشْر رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مائةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْ مِائَةُ سَيِّئَة، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذلِكَ حتى يُمْسِىَ، وَلَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ)).

وفى ((المسند)) وغيرهِ أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - علَّم زيدَ بن ثابت، وأمره أن يتعَاهَدَ بهِ أهله فى كلِّ صباح: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فى يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ، أوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ، أوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ، فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَىْ ذلِكَ كُلّه، ما شِئْتَ كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَا صَلَّيْتَ مِنْ صَلاَةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتَ مِنْ لَعْنَةٍ، فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، أَنْتَ وَليى فى الدُّنْيَا والآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَألْحِقْنِى بالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، ذَا الجَلاَلِ والإكْرَامِ. فَإنِّى أعْهَدُ إلَيْكَ فى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ - وَكَفَى بِكَ شَهِيداً - بِأَنِّى أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لَكَ المُلْكُ، وَلَكَ الحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أنَّ وَعْدَكَ حَقٌ، وَلِقَاءَكَ حَقٌ، وَالسَّاعَةُ حَقٌ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فى القُبُورِ، وَأشْهَدُ أنَّكَ إنْ تَكِلْنِى إلى نَفْسِى تَكِلْنِى إلى ضَعْفٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإنِّى لاَ أثِقُ إلاَّ برَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى كُلَّهَا إنه لاَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أنْتَ، وَتُبْ عَلىَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمٍُ)).


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الذِّكْر عند لبس الثوب ونحوِهِ

كانَ صلى اللَّه عليه وسلم إذَا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه، عِمامةً، أو قميصاً، أو رِدَاءً، ثم يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أسْأَلُكَ خَيْرَهُ، وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ)) حديث صحيح.

ويُذكر عنه أنه قال: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى هذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّة، غَفَرَ اللَّه له مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

وفى ((جامع الترمذى)) عن عُمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى، وَأتجَمَّلُ بِهِ فى حَيَاتِى، ثُمَّ عَمَدَ إلَى الثَّوْبِ الَّذِى أخْلَقَ فَتَصَدَّقَ به، كَانَ فى حِفْظِ اللَّهِ، وفى كَنَفِ اللَّهِ، وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ، حَيّاً وَمَيْتاً)).

وصحَّّ عنه أنه قال لأُمِّ خالد لما ألبسها الثوب الجديد: ((أبْلِى وَأَخْلِقِى، ثم أبلى وأخلقى - مَرَّتَيْنِ)).

وفى ((سنن ابن ماجه)) أنه صلى اللَّه عليه وسلم رأى على عُمَر ثوباً فقالَ: ((أَجَدِيدٌ هذَا، أمْ غَسِيلٌ))؟ فَقَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، فقالَ: ((الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، ومُتْ شَهِيداً)).


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم عند دخوله إلى منزله

لم يكن صلى اللَّه عليه وسلم لِيفجأ أهله بغتةً يتخوَّنُهم، ولكن كان يدخلُ على أهله على عِلْم منهم بدخوله، وكان يُسَلِّمُ عليهم، وكان إذا دخل، بدأ بالسؤال، أو سأل عنهم، وربما قال: ((هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ))؟ وربما سكت حتى يحضرَ بين يديه ما تيسّر.

ويُذكر عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يقولُ إذا انقلب إلى بيته: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَفَانِى، وَآوَانِى، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِى وَسَقَانِى، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى مَنَّ عَلَىَّ فَأَفْضَلَ، أسْأَلُكَ أنْ تُجِيرَنِى مِنَ النَّار)).

وثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال لأنَس: ((إذَا دَخلْتَ عَلَى أهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَىَ أهْلِكَ)). قال الترمذى: حديث حسَن صحيح.

وفى السنن عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَوْلَجِ، وَخَيْرَ المَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وعَلَى اللَّه رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ)).

وفيها عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((ثَلاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّه: رَجُلٌ خَرَجَ غَازياً فى سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى المَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّه حَتَّى يَتَوفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّه)) حديث صحيح.

وصح عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَر اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذَا لَمْ يذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء)) ذكره مسلم.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الذِّكْرِ عند دخوله الخلاء

ثبت عنه فى ((الصحيحين)) أنه كان يقولُ عند دخوله الخلاء: ((اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ)).

وذكر أحمد عنه أنه أمر مَنْ دخل الخلاء أن يقولَ ذلك.

ويُذكر عنه: ((لا يَعْجِزْ أحَدُكُم إذَا دَخَلَ مَرْفِقَهُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ، الخَبيث المُخْبِثِ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيم)).

ويُذكر عنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ((سَتْرُ مَا بَيْنَ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِى آدَمَ إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:27 AM   #109
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم أن رجلاً سلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ.

وأخبر أن اللَّه سبحانه يمقُت الحديث على الغائط: فَقَالَ: ((لاَ يَخْرُج الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الغَائِطَ كَاشِفينَ عَنْ عَوْرَاتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فإنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ)).

وقد تقَدَّمَ أنه كان لا يستقْبِلُ القِبْلة ولا يستدبِرُهَا ببولٍ ولا بغائط، وأنه نهى عن ذلك فى حديث أبى أيوب، وسلمان الفارسى، وأبى هريرة، ومعقل بن أبى معقل، وعبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيدى، وجابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عمر، رضى اللَّه عنهم، وعامةُ هذه الأحاديث صحيحةٌ، وسائُرها حسن، والمعارِضُ لها إما معلول السندِ، وإما ضعيفُ الدلالة، فلا يُرد صريحُ نهيه المستفيضُ عنه بذلك، كحديث عِراك عن عائشة: ذُكِرَ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أناساً يكرهون أن يستقبلوا القِبْلة بفرُوجهم، فقال: ((أَوَ قد فعلُوها؟ حوِّلوا مَقْعَدَتى قِبَلَ القِبْلَةِ)) رواه الإمام أحمد وقال: هو أحسن ما رُوى فى الرخصة وإن كان مرسلاً، ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخارىُّ وغيرُه من أئمة الحديث، ولم يُثِبتُوه، ولا يقتضى كلامُ الإمام أحمد تثبيتَه ولا تحسينَه. قال الترمذى فى كتاب ((العلل الكبير)) له: سألتُ أبا عبد اللَّه محمد ابن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث، فقال: هذا حديثٌ فيه اضطراب، والصحيحُ عندى عن عائشة من قولها انتهى.

قلت: وله عِلَّة أُخرى، وهى انقطاعه بين عراك وعائشة، فإنه لم يسمع منها، وقد رواه عبد الوهَّاب الثقفى عن خالد الحذَّاء عن رجل عن عائشة، وله عِلَّة أخرى، وهى ضعف خالد بن أبى الصلت.

ومن ذلك حديثُ جابرٍ: ((نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُستقبل القِبْلةُ ببولٍ، فرأيتهُ قبل أن يُقبض بعام يستقبلها))، وهذا الحديث استغربه الترمذى بعد تحسينه، وقال الترمذى فى كتاب ((العلل)): سألت محمداً - يعنى البخارى - عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث صحيح، رواه غيرُ واحد عن ابن إسحاق، فإن كان مراد البخارى صحته عن ابن إسحاق، لم يدل على صحته فى نفسه، وإن كان مراده صحته فى نفسه، فهى واقعة عين، حكمُها حكم حديث ابن عمر لما رأى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقضى حاجَته مستدبر الكعبة، وهذا يحتمِلُ وجوهاً ستة: نسخُ النهى به، وعكسُه، وتخصيصُه به صلى اللَّه عليه وسلم، وتخصيصُه بالبنيان، وأن يكونَ لعذر اقتضاه لمكان أو غيره، وأن يكون بياناً، لأن النهى ليس على التحريم، ولا سبيلَ إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين، وإن كان حديثُ جابر لا يحتمل الوجه الثانى منها، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهى الصحيحة الصريحة المستفيضة بهذا المحتَمَلِ، وقولُ ابنِ عمر: إنما نهى عن ذلك فى الصحراء، فَهْمٌ منه لاختصاص النهى بها، وليس بحكاية لفظ النهى، وهو معارَض بفهم أبى أيوب للعموم مع سلامة قولِ أصحاب العموم من التناقض الذى يلزم المفرِّقين بين الفضاء والبنيان، فإنه يقال لهم: ما حدُّ الحاجز الذى يجوزُ ذلك معه فى البنيان؟ ولا سبيل إلى ذكر حدٍّ فاصل، وإن جعلوا مطلق البنيان مجوِّزاً لذلك، لزمهم جوازه فى الفضاء الذى يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد، كنظيره فى البنيان، وأيضاً فإن النهى تكريمٌ لجهة القِبْلة، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفسِ البيت، فكم من جبل وأكَمَةٍ حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول جُدرانُ البنيان وأعظم، وأما جهةُ القِبْلة، فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهى، لا على البيت نفسه فتأمله.


فصل

فيما يقال عند الخروج من الخلاء

وكان إذا خرج من الخلاء قال: ((غُفْرَانَكَ))، ويُذكر عنه أنه كان يقول: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أذْهَبَ عَنِّى الأذَى، وَعَافَانِى)) ذكره ابن ماجه


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى أذكار الوضوء

ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه وضع يديه فى الإناء الذى فيه الماء، ثم قال للصحابة: ((تًَوَضَّؤوا بِسْمِ اللَّهِ)).

وثبت عنه أنه قال لجابر رضى اللَّه عنه: ((نَادِ بِوَضُوءٍ)) فجئ بالماء فقالَ: ((خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ علىَّ وقُلْ: بِسْمِ اللَّه)) قال: فَصَبَبْتُ عَلَيه، وقُلْتُ: بسم اللَّه، قال: فرأيتُ الماء يَفورُ مِنْ بَيْنَ أصَابِعه.

وذكر أحمد عنه من حديث أبى هريرة، وسعيد بن زيد، وأبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنهم: ((لاَ وُضُوءَ لِمَن لًَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)). وفى أسانيدها لين.

وصحَّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: ((مَن أسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللَّه وَحْدَهُ لاَشَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أيَّهَا شَاءَ)) ذكره مسلم
وزاد الترمذى بعد التشهد: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَابِينَ واجْعَلْنِى مِنَ المُتَطَهِّرِينَ)) وزاد الإمام أحمد: ثمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّمَاءِ. وزاد ابن ماجه مع أحمد: قول ذلك ثلاث مرات.

وذكر بقىُّ بن مَخْلد فى ((مسنده)) من حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعاً: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَفَرَغَ مِنْ وضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحَمْدِكَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إلَيْكَ، كُتِبَ فى رَقٍّ وطُبعَ عَلْيْهَا بِطَابعٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ العَرْشِ فَلَمْ يُكْسَرْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ))، ورواه النسائى فى كتابه الكبير من كلام أبى سعيد الخدرى، وقالَ النسائى: باب ما يقول بعد فراغه من وضوئه، فذكر بعض ما تقدم. ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبى موسى الأشعرى قال: أتيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بوضوءٍ فتوضَّأَ، فسمعتُه يقول ويدعو: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى، وَوَسِّعْ لِى فى دَارى، وبَارِكْ لِى فى رِزْقِى)) فقلتُ: يا نبىَّ اللَّهِ: سمعتُك تدعو بكذا وكذا، قال: ((وهَلْ تَرَكَتْ مِنْ شَىْءٍ))؟ وقالَ ابن السنى: باب ما يقول بين ظهرانى وضوئه فذكره.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الأذان وأذكاره

ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه سنَّ التأذين بترجيع وبغير ترجيع، وشرع الإقَامَةَ مثنى وفُرادى، ولكن الذى صح عنه تثنيةُ كلمةِ الإقَامَةِ: ((قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ)) ولم يصح عنهُ إفرادُهَا البتة، وكذلك صحَّ عنه تكرارُ لفظ التكبير فى أول الأذان أربعاً، ولم يَصِحَّ عنه الاقتصارُ على مرتين، وأما حديثُ: ((أُمِرَ بِلاَلٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وَيُوتِرَ الإقَامَةَ)) فلا ينافى الشفع بأربع، وقد صحّ التربيعُ صريحاً فى حديث عبد اللَّه بن زيد، وعمر بن الخطاب، وأبى محذورة رضى اللَّه عنهم.

وأما إفرادُ الإقامة، فقد صحَّ عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما، استثناءُ كلمة الإقامة، فقال: إنما كانَ الأذانُ على عَهْدِ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، والإقَامةُ مرَّةً مرَّةً، غيرَ أنه يقول: قَد قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ)).

وفى ((صحيح البخارى)) عن أنس: ((أُمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، ويُوتِرَ الإقَامَةَ، إلا الإقَامَة)).

وصح من حديث عبد اللَّه بن زيد وعمر فى الإقامة: ((قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ)).

وصح من حديث أبى محذورة تثنيةُ كلمةِ الإقامة مع سائر كلماتِ الأذان.

وكُلُّ هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فى شئ منها، وإن كان بعضُها أفضلَ مِن بعض، فالإمام أحمد أخذ بأذان بلال وإقامته، والشافعى، أخذ بأذان أبى محذورة وإقامة بلال، وأبو حنيفة أخذ بأذان بلال وإقامة أبى محذورة، ومالك أخذ بما رأى عليه عملَ أهل المدينة من الاقتصار على التكبير فى الأذان مرتين، وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة، رحمهم اللَّه كلهم، فإنهم اجتهدوا فى متابعة السُّـنَّة.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:30 AM   #110
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فيما شرعه صلى الله عليه وسلم لأُمَّته من الذِّكْرِ عند الأذان وبعده

وأمّا هَدْيُه صلى اللَّه عليه وسلم فى الذِّكر عند الأذان وبعدَه، فشرع لأُمَّته منه خمسة أنواع:

أحدها: أن يقول السامع كما يقول المؤذِّن، إلا فى لفظ: ((حىّ على الصلاة))، ((حىّ على الفلاح)) فإنه صح عنه إبدالُهما بـ ((لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ)) ولم يجئ عنه الجمعُ بينها وبين: ((حىّ على الصلاة))، ((حىّ على الفلاح)) ولا الاقتصارُ على الحيعلة، وهَدْيُه صلى اللَّه عليه وسلم الذى صح عنه إبدالُهما بالحوقلة، وهذا مقتضى الحكمة المطابقةِ لحال المؤذِّن والسامع، فإن كلمات الأذان ذِكْرٌ، فَسَنَّ للسامع أن يقولها، وكلمة الحيعلة دعاءٌ إلى الصلاة لمن سمعه، فَسَنَّ للسامع أن يَسْتَعِينَ على هذه الدعوة بكلمة الإعانة وهى: ((لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِّى العظيم)).

الثانى: أن يقول: وأَنَا أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، رَضِيتُ بِاللَّه رَباً، وَبالإسْلاَمِ دِينَاً، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَأَخْبَرَ أنَّ مَنْ قَالَ ذلِكَ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ.

الثالث: أن يُصلِّىَ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم بعدَ فَراغه من إجابة المؤذِّن، وأكْمَلُ ما يُصلَّى عليه بِهِ، ويصل إليه، هى الصلاة الإبراهيمية كما علَّمه أُمَّته أن يُصلُّوا عليه، فلا صلاَةَ عليه أكملُ منها وإن تحذلق المتحذلقون.

الرابع: أن يقولَ بعد صلاته عليه: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الذى وعَدْتَهُ إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ)) هكذا جاء بهذا اللفظ: ((مقاماً محموداً)) بلا ألف ولا لام، وهكذا صح عنه صلى اللَّه عليه وسلم.

الخامس: أن يدعوَ لنفسه بعد ذلك، ويسألَ اللَّه من فضله، فإنه يُسْتَجَاب له، كما فى ((السنن)) عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((قُلْ كَمَا يَقُولُونَ - يَعْنِى المُؤَذِّنِينَ - فَإذَا انْتَهيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ)).

وذكر الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ حينَ يُنَادِى المُنَادِى: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّة وَالصَّلاةِ النَّافِعَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنْهُ رِضَىً لا سَخَطَ بَعْدَهُ، اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دَعْوَتَه)).

وقَالت أمُّ سلمة رضى اللَّه عنها: علَّمنى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: ((اللَّهُمَّ إنَّ هذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ، وَإدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ، فَاغْفِرْلى)) ذكره الترمذى.

وذكر الحاكم فى ((المستدرك)) من حديث أبى أُمامة يرفعه أنه كان إذا سمع الأذان قال: ((اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوةِ التَّامَّةِ المُسْتَجَابَةِ، والمُسْتَجَابِ لَهَا، دَعْوةِ الحَقِّ وَكَلِمَةِ التَّقْوَى، تَوَفَّنى عَلَيْهَا وَأَحْيِنِى عَلَيْهَا، وَاجْعَلْنِى مِنْ صَالِحِى أهْلِهَا عَمَلاً يَوْمَ القِيَامَةِ))، وذكره البيهقى من حديث ابن عمر موقوفاً عليه.

وذُكر عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كان يقول عند كلمةِ الإقامة: ((أقَامَهَا اللَّهُ وأدَامَهَا)).

وفى السنن عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بينَ الأذَانِ والإقامَةِ)) قالوا فما نقولُ يا رسول اللَّه؟ قال: ((سَلُوا اللَّه العَافِيةَ فى الدُّنْيَا والآخِرَةِ)) حديث صحيح.

وفيها عنه: ((سَاعَتَانِ، يَفْتَحُ اللَّهُ فِيهمَا أبْوابَ السَّمَاءِ وقَلَّما تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوتُه: عِنْدَ حُضُورِ النِّدَاءِ، والصَّفِّ فى سَبِيلِ اللَّه)).

وقد تقدَّم هَدْيُه فى أذكار الصلاة مفصَّلاً والأذكارِ بعد انقضائها، والأذكار فى العيدين، والجنائز، والكسوف، وأنه أمر فى الكسوف بالفزع إلى ذكر اللَّه تعالى، وأنه كان يسبِّح فى صلاتها قائماً رافعاً يديه يُهلِّل ويُكبِّر ويَحْمَدُ ويدعو حتى حُسِر عن الشمس، واللَّه أعلم.


فصل

فى الإكثار من الدعاء والتهليل والتكبير والتحميد فى عشر ذى الحِجَّة

وكان صلى اللَّه عليه وسلم يُكثِرُ الدعاء فى عَشْرِ ذى الحِجَّة، ويأمُر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد.

ويُذكر عنه أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يومَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، فيقول: ((اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ، واللَّه أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ)) وهذا وإن كان لا يصح إسناده، فالعمل عليه، ولفظه هكذا يشفع التكبير، وأما كونه ثلاثاً، فإنما رُوى عن جابر وابن عباس مِن فعلهما ثلاثاً فقط، وكِلاهما حسن، قال الشافعى: إن زاد فقال: ((اللَّه أكبرُ كبيراً، والحمدُ للَّه كثيراًَ، وسُبْحانَ اللَّهِ بُكرةً وأصيلاً، لا إلهَ إلا اللَّهُ، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، مخلصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون، لا إله إلا اللَّهُ وحدَهُ، صدَقَ وعده، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده، لا إله إلا اللَّه واللَّهُ أكبرُ)) كان حسناً.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الذِّكْرِ عند رؤية الهلال

يُذكر عنه أنه كان يقول: ((اللَّهُمَّ أَهِلَّه عَلَيْنَا بِالأمْنِ والإيمَانِ، والسَّلاَمَةِ والإسْلامِ، رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ)) قال الترمذى: حديثٌ حسن.

ويُذكر عنه أنه كان يقول عند رؤيته: ((اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ والإيمَانِ، والسَّلامَةِ والإسْلاَمِ والتَّوْفِيقِ لِمَا يُحبُّ ربُّنا ويَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ)) ذكره الدارمى.

وذكر أبو داود عن قتادة أنه بلغه أن نبىَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: ((هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بِالَّذِى خَلَقَكَ)) - ثَلاثَ مَرَّاتٍ- ثُمَّ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى ذَهَبَ بشهرِ كَذَا، وَجَاءَ بشَهْرِ كَذَا)). وفى أسانيدها لين.

ويُذكر عن أبى داود وهو فى بعض نسخ سننه أنه قال: ليس فى هذا البابِ عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثٌ مسند صحيح.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى أذكار الطعام قبله وبعده

كان إذا وضع يده فى الطعام قال: ((بسْمِ اللَّهِ)) ويأمر الآكل بالتسمية، ويقول ((إذَا أكَلَ أحَدُكُم، فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعَالَى، فإنْ نَسِىَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فى أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فى أوَّلِه وَآخِرِهِ )) حديث صحيح.

والصحيحُ وجوبُ التسمية عند الأكل، وهو أحدُ الوجهين لأصحاب أحمد، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة، ولا مُعارِضَ لها، ولا إجماعَ يسوِّغُ مخالفتها ويُخْرِجُهَا عن ظاهرها، وتارِكُهَا شريكهُ الشيطان فى طعامه وشرابه.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:32 AM   #111
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى إذا ما كان الآكلون جماعة فعلى كل واحد منهم أن يُسمِّىَ الله

وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها، وهى أن الآكلين إذا كانوا جماعة، فسمَّى أحدُهم، هل تزولُ مشاركة الشيطان لهم فى طعامهم بتسميته وحدَه، أم لا تزول إلا بتسمية الجميع؟ فنصَّ الشافعى على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين، وجعله أصحابُه كردِّ السلام، وتشميتِ العاطس، وقد يُقال: لا تُرفع مشاركةُ الشيطان للآكل إلا بتسميته هو، ولا يكفيه تسميةُ غيره، ولهذا جاء فى حديث حذيفة: إنَّا حضرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طعاماً، فجاءت جارية كأنما تُدْفَع، فذهبتْ لتضع يدها فى الطعام، فأخذَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بيدها، ثمَّ جاء أعرابى كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فأخذ بيده، فقالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهذَا الأعْرَابىِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِى يَدى مَعَ يَدَيْهِمَا)) ثم ذكرَ اسمَ اللَّه وأكل، ولو كانت تسمية الواحد تكفى، لما وضع الشيطان يده فى ذلك الطعام.

ولكن قد يُجاب بأن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسمَّى بعدُ، ولكنَّ الجارية ابتدأت بالوضع بغيرِ تسمية، وكذلك الأعرابىُّ، فشاركهما الشيطانُ، فمِن أين لكُم أن الشيطان شارك مَن لم يُسمِّ بعد تسمية غيره؟، فهذا مما يُمكن أن يُقالَ، لكن قد روى الترمذىُّ وصححه من حديث عائشة قالت: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يأكلُ طعاماً فى سِتَّةِ من أصحابه، فجاء أعرابى، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((أمَا إنَّه لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُم))، ومِن المعلوم أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأولئك الستة سَمَّوا، فلما جاء هذا الأعرابى فأكل ولم يسمِّ، شاركه الشيطانُ فى أكله فأكل الطعام بِلُقمتين، ولو سمَّى لكفى الجميع.

وأمّا مسألةُ ردِّ السلام، وتشميتِ العاطس، ففيها نظر، وقد صحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذَا عَطَسَ أحَدُكُم، فَحَمِدَ اللَّه فَحَقٌ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أنْ يُشَمِّتَهُ)) وإن سُلِّمَ الحُكم فيهما، فالفرقُ بينهما وبين مسألة الأكل ظاهِرٌ، فإن الشيطانَ إنما يتوصل إلى مشاركة الآكِل فى أكله إذا لم يُسمِّ، فإذا سمَّى غيرُه، لم تجُز تسميةُ مَن سمَّى عمن لم يُسمِّ مِن مقارنة الشيطانِ له، فيأكل معه، بل تَقِلُّ مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم، وتبقى الشركةُ بين مَن لم يُسمِّ وبينه، واللَّه أعلم.

ويُذكر عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَسِىَ أنْ يُسَمِّىَ عَلَى طَعَامِهِ، فَلْيَقْرَأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} [الإخلاص: 1] إذَا فَرَغَ)) وفى ثبوت هذا الحديث نظر.

وكان إذا رُفِعَ الطعامُ من بين يديه يقول: ((الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً كَثِيراً طيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، غيرَ مَكْفِىٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنىً عَنْه رَبُّنا)) عَزَّ وَجَلَّ. ذكره البخارى.

وربمَا كانَ يقول: ((الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ)).
وكان يقول: ((الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أطْعَمَ وَسَقَى وسوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً)).

وذكر البخارىُّ عنه أنه كان يقولُ: ((الحَمْدُ للَّهِ الَّذِى كَفَانَا وَآوَانا))، وذكر الترمذى عنه أنه قال: ((مَنْ أكَلَ طَعامَاً فَقَالَ: الحَمْدُ للّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِى هَذَا مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) حديث حسن.

ويُذكر عنه أنه كان إذَا قُرِّبَ إليه الطعامُ قال: ((بِسْمِ اللَّهِ)) فإذَا فَرَغَ مِن طعامه قال: ((اللَّهُمَّ أطٌعَمْتَ وَسَقَيْتَ، وأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ، وهَدَيْتَ وأَحْيَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلى مَا أَعْطَيْتَ)) وَإسْناده صحيح.

وفى السنن عنه أنه كان يقولُ إذا فرغ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى مَنَّ عَلَيْنَا وَهَدَانَا، والَّذِى أَشْبَعَنَا وَأَرْوَانَا، ومِنْ كُلِّ الإحْسَانِ آتَانَا)) حديث حسن.

وفى السنن عنه أيضاً: ((إذَا أكَلَ أَحَدُكُم طَعَاماً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهَ اللَّهُ لَبَنَا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فإنه ليس شئ ويُجزِئ عن الطعام والشراب غير اللبن)) حديث حسن.

ويُذكر عنه أنه كَانَ إذَا شَرِبَ فى الإنَاءِ تَنَفَّسَ ثَلاثَة أنْفَاسٍ، ويَحْمَدُ اللَّهَ فى كُلِّ نَفَسٍ، وَيَشْكُرُهُ فى آخِرِهِنَّ.


فصل

وكان صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل على أهلِهِ رُبَّمَا يسأْلُهم: ((هَلْ عِنْدَكُم طَعَامٌ))؟ وَمَا عَابَ طَعَاماً قطٌّ، بَلْ كَانَ إذَا اشتهاهُ أكَلَهُ، وإنْ كَرِهَهُ تَرَكهُ وَسَكَت، وربما قال: ((أجِدُنى أعَافُهُ إنِّى لا أَشْتَهِيهِ)).

وكان يمدح الطعامَ أحياناً، كقوله لما سأل أهلَهُ الإدامَ، فقالُوا: ما عِندنا إلا خَلٌّ، فدعا به فجعل يأكُلُ مِنْهُ ويقُولُ: ((نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ))، وليس فى هذا تفضيل له على اللبن واللَّحم والعَسَل والمَرَق، وإنما هو مدح له فى تلك الحال التى حضر فيها، ولو حَضَرَ لحم أو لبن، كان أولى بالمدح منه، وقال هذَا جبراً وتطييباً لقلب مَن قدَّمه، لا تفضيلاً له على سائر أنواع الإدام.

وكان إذا قُرٍّبَ إليه طعام وهو صائم قال: ((إنِّى صَائِمٌ))، وأمر مَن قُرِّبَ إليه الطعامُ وهو صائم أن يُصَلِّىَ، أى يدعو لمن قدَّمه، وإن كان مفطراً أن يأكل منه.

وكان إذا دُعىَ لِطعام وتبعه أحد، أعلمَ به ربَّ المنزل، وقال: ((إنَّ هذَا تَبِعَنَا، فَإنْ شِئْتَ أنْ تأذَنَ لَهُ، وَإنْ شِئْتَ رَجَعَ)).

وكانَ يتحدَّث على طعامه، كما تقدَّم فى حديث الخل، وكما قال لِربيبه عمر ابن أبى سلمة وهو يُؤاكِلهُ: ((سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ ممَّا يَليك)).

وربما كان يُكرِّر على أضيافه عرضَ الأكل عليهم مِراراً، كما يفعلهُ أهلُ الكرم، كما فى حديث أبى هريرة عند البخارى فى قصة شُرب اللبن وقولِهِ له مِراراً: ((اشْرَبْ)) فَمَا زَالَ يَقُولُ: ((اشْرَبْ)) حَتَّى قَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أجدُ لَهُ مَسْلَكاً.

وكان إذا أكل عند قوم لم يخرُج حتى يَدْعُوَ لهم، فدعا فى منزل عبد اللَّه ابن بُسر، فقالَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِيمَا رَزَقْتَهُم، وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَارْحَمْهُمْ)) ذكره مسلم.

ودعا فى منزل سعد بنِ عُبادة فقال: ((أفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُم الأبْرَارُ، وصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ)).

وذكر أبو داود عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه لما دعاه أبو الهيثم بن التَّيهان هو وأصحابهُ فأكلوا، فلما فرغُوا قال: ((أثِيبُوا أخَاكُمْ)) قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ؛ وما إثابتهُ؟ قال: ((إنَّ الرَّجلَ إذَا دُخِلَ بَيْتُهُ، فأُكِلَ طَعَامُهُ، وشُرِبَ شَرَابُهُ، فَدَعَوْا لَهُ، فَذلِكَ إثَابَتُهُ)).

وصح عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه دخل منزله ليلَةً، فالتمس طعاماً فلم يجده، فقال: ((اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِى، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِى)).

وَذُكِرَ عنه أن عَمْرو بنَ الحَمِق سقاه لبناً فقال: ((اللَّهُمَّ أَمْتِعْهُ بِشَبَابِهِ))، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً لَمْ يَرَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:33 AM   #112
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان يدعو لمن يُضيف المساكينَ، ويثنى عليهم، فقالَ مرَّة: ((ألا رَجُلٌ يُضِيفُ هذَا رحِمَهُ اللَّهُ))، وقال للأنصارىِّ وامرأته اللَّذَيْنِ آثرا بقُوتِهما وقُوتِ صِبيانهما ضَيْفَهُمَا: ((لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ)).

وكَانَ لا يأْنَفُ مِن مؤاكلة أحدٍ صغيراً كان أو كبيراً، حُراً أو عبداً، أعرابياً أو مهاجراً، حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه فى القَصعة فقال: ((كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ)).

وكان يأمُرُ بالأكل باليمين، وينهى عن الأكل بالشمال، ويقول: ((إنَّ الشَّيْطَانَ يَأكُلُ بشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بشِمَالِهِ))، ومقتضى هذا تحريمُ الأكل بها، وهو الصحيح، فإن الآكلَ بِهَا، إما شيطان، وإما مشبَّه به، وصحَّ عنه أنه قال لرجل أكل عنده، فأكل بشماله: ((كُلْ بِيَمينِكَ))، فقال: لا أستطيعُ، فقال: ((لاَ اسْتَطَعْتَ)) فما رفع يده إلى فيه بعدها، فلو كان ذلك جائزاً، لما دعا عليه بفعله، وإن كان كِبْرُهُ حمله على ترك امتثال الأمر، فذلك أبلغُ فى العصيان واستحقاق الدعاء عليه.

وأمر مَن شَكَوْا إليه أنهم لا يشبعُونَ: أن يجتمِعُوا على طعامهم ولا يتفرَّقُوا، وأن يذكُروا اسمَ اللَّهِ عليه يُبارك لهم فيه.

وصحَّ عنه أنه قال: ((إنَّ اللَّه لَيرضَى عَنِ العَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا)).

وروى عنه أنه قال: ((أَذِيبُوا طَعَامَكُم بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والصَّلاَةِ، وَلا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ قلُوبُكُم)) وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحاً والواقع فى التجربة يشهدُ به.


فصل

فى هَدْيِه صلى الله عليه وسلم فى السلام والاستئذانِ وتشميت العاطس

ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم فى ((الصحيحين)) عن أبى هُريرة أن ((أفْضَلَ الإسْلاَمِ وَخَيْرَهُ إطْعَامُ الطًَّعَامِ، وَأَنْ تَقْرَأَ السَّلاَمَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ)).

وفيهما ((أن آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لـمَّا خلقَه اللَّهُ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلى أولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلائِكَةِ، فَسَلِّم عَلَيْهِمْ، وَاسْتَمِعْ مَا يُحيُّونَكَ بِهِ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه، فَزَادُوهُ: ((وَرَحْمةُ اللَّهِ)).

وفيهما أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ((أمَرَ بِإفْشَاءِ السَّلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بَيْنَهُمُ تَحَابُّوا، وَأنَّهُمُ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلا يُؤمِنُونَ حَتَّى يَتَحَابُّوا)).

وقال البخارى فى ((صحيحه)): قال عمَّار: ثلاثٌ مَنْ جمعَهُنَّ، فَقَدْ جَمَعَ الإيمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلام لِلعَالَم، والإنْفَاقُ مِنَ الإقْتَارِ.

وقد تضمنت هذه الكلماتُ أصول الخير وفروعه، فإن الإنصاف يُوجب عليه أداء حقوق اللَّه كاملة موفَّرة، وأداء حقوق الناس كذلك، وأن لا يُطالبهم بما ليس له، ولا يُحمِّلهم فوق وُسعهم، ويُعامِلَهم بما يُحِبُّ أن يعامِلوه به، ويُعفيهم مما يُحبُّ أن يُعْفُوه منه، ويحكم لهم وعليهم بما يحكُمُ بِهِ لنفسه وعليها، ويدخلُ فى هذا إنصافُه نفسه من نفسه، فلا يدَّعى لها ما ليسَ لها، ولا يُخبثها بتدنِيسه لها، وتصغيرهِ إياها، وتحقيرِها بمعاصى اللَّه، ويُنميها ويكبِّرُها ويرفعُها بطاعة اللَّه وتوحيده، وحبِّه وخوفِهِ، ورجائِهِ، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وإيثارَ مرضاتِهِ ومحابِّه على مراضى الخلق ومحابِّهم، ولا يكونُ بها مع الخلق ولا مع اللَّه، بل يعزِلُهَا من البين كما عزلها اللَّهُ، ويكون باللَّه لا بنفسه فى حُبه وبُغضه، وعطائه ومنعه، وكلامِهِ وسكوتِهِ، ومدخلهِ ومخرجِهِ، فينجى نفسه مِن البين، ولا يرى لها مكانةً يعمل عليها، فيكون ممن ذمهم اللَّه بقوله: {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [هود: 93، 121] [الأنعام: 135] [الزمر: 39] فالعبدُ المحض ليس له مكانة يعمل عليها، فإنه مستحقُ المنافع والأعمال لسيده، ونفسُه ملك لسيده، فهو عامل على أن يؤدىَ إلى سيده ما هو مستحق له عليه، ليس له مكانة أصلاً، بل قد كُوتب على حقوق مُنَجَّمَةٍ، كلما أدَّى نجماً حلَّ عليه نجمٌ آخر، ولا يزال المكاتَبُ عبداً ما بقى عليه شئ من نجوم الكتابة.

والمقصود أن إنصافه من نفسه يُوجب عليه معرفَة ربه، وحقَّه عليه، ومعرفةَ نفسه، ومَا خُلِقَتْ له، وأن لا يُزاحِم بها مالكَها، وفاطرَها ويدَّعى لها الملكة والاستحقاق، ويزاحم مرادَ سيده، ويدفعَه بمراده هو، أو يقدِّمه ويؤثِرَه عليه، أو يقسِم إرادته بين مراد سيده ومُراده، وهى قسمة ضِيزى، مِثل قسمة الذِينَ قالوا: {هَذَا لِلَّهِ بَزَعْمِهِمْ وَهذَا لِشُركَائِنَا، فَمَا كَانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إلَى اللَّه، وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136].

فلينظر العبد لا يكونُ مِن أهل هذه القسمة بين نفسه وشُركائه وبين اللَّه لجهله وظلمه وإلا لُبِّسَ عليه، وهو لا يشعرُ، فإن الإنسان خُلِقَ ظلوماً جهولاً، فكيف يُطلَبُ الإنصافُ ممن وصفُهُ الظلمُ والجهل؟، وكيف يُنصِفُ الخلَقَ مَن لم يُنْصِفِ الخَالِقَ؟، كما فى أَثر إلهى يقول اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ((ابْنَ آدَمَ مَا أنْصَفْتَنى، خَيْرِى إلَيْكَ نَازِلٌ، وشَرُّكَ إلىَّ صَاعِدٌ، كَمْ أَتَحَبَّبُ إلَيْكَ بِالنِّعَمِ، وَأَنَا غَنِىٌ عَنْكَ، وَكَمْ تَتَبَغَّضَ إلىَّ بِالمَعَاصِى وَأنْتَ فَقِيرٌ إلىَّ، ولا يَزَالُ المَلَكُ الكَرِيمُ يَعْرُجُ إلىَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ)).

وفى أثَر آخر: ((ابْن آدَمَ مَا أنْصَفْتَنِى، خَلَقتُكَ وَتَعْبُدُ غَيْرِى، وَأَرْزُقُكَ وَتَشْكُرُ سِوَاىَ)).

ثم كيف يُنصِفُ غيرَه مَن لم يُنْصِفْ نفسه، وظَلَمَهَا أقبحَ الظُّلْم، وسعَى فى ضررها أعظمَ السعى، ومنعَهَا أعظم لذَّاتِهَا من حيث ظن أنه يُعطيها إيَّاهَا، فأتعبها كُلَّ التعب، وأشقاها كُلَّ الشقاء من حيث ظن أنه يُريحها ويُسعدها، وجدَّ كل الجدِّ فى حِرمانها حظَّها من اللَّه، وهو يظن أنه ينيلها حظوظها، ودسَّاها كُلَّ التدسيةِ، وهو يظنُّ أنه يُكبرها ويُنميها، وحقَّرها كلَّ التحقير، وهو يظنُّ أنه يعظِّمها، فكيف يُرجى الإنصافُ ممن هذا إنصافُه لنفسه؟ إذا كان هذا فعلَ العبد بنفسه، فماذا تراه بالأجانب يفعل.

والمقصود أن قول عمار رضى اللَّه عنه: ((ثلاث مَن جمعهن، فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والإنفاق من الإقتار))، كلام جامع لأصول الخير وفروعه.

وبذل السلام للعالَم يتضمن تواضعَه وأنَّه لا يتكبَّر على أحد، بل يبذُلُ السلام للصغير والكبير، والشريفِ والوضيعِ، ومَن يعرِفه ومَن لا يعرفه، والمتكبِّر ضِدُّ هذا، فإنه لا يَرُدُّ السلام على كُلِّ مَن سلَّم عليهِ كبراً منه وتِيهاً، فكيف يبذُلُ السلامَ لِكل أحد.

وأما الإنفاق من الإقتار، فلا يصدرُ إلا عن قوةِ ثِقة باللَّه، وأنَّ اللَّه يُخلِفُه ما أنفقه، وعن قوة يقين، وتوكُّل، ورحمة، وزُهد فى الدنيا، وسخاءِ نفس بها، ووثوق بوعد مَنْ وعده مغفرةً منه وفضلاً، وتكذيباً بوعد مَن يعدُه الفقر، ويأمر بالفحشاء، واللَّه المستعان.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:35 AM   #113
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى السلام على الصِبية والنساء

وثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه مرَّ بِصبيان، فسلَّم عليهم، ذكره مسلم. وذكر الترمذى فى ((جامعه)) عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((مرَّ يَوْماً بجماعةِ نسوة، فألوى بيده بالتسليم)).

وقال أبو داود: عن أسماء بنت يزيد: ((مرَّ علينا النبى صلى الله عليه وسلم فى نسوة، فسلَّم علينا))، وهى رواية حديثِ الترمذى، والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلَّم عليهن بيده.

وفى ((صحيح البخارى)): أن الصحابه كانوا ينصرِفُونَ مِن الجمعة فيَمُرُّونَ عَلَى عجوز فى طريقهم، فَيُسلِّمونَ عليها، فتُقدِّم لهم طعاماً من أُصول السلق والشًَّعِيرِ.

وهذا هو الصوابُ فى مسألة السلام على النساء: يُسلِّم على العجوز وذواتِ المحارم دونَ غيرهن.


فصل

فى تسليم الصغير على الكبير والماشى على القاعد

وثبت عنه فى ((صحيح البخارى)) وغيره تسليمُ الصغير على الكبير، والمارِّ على القاعد، والراكب على الماشى، والقليلِ على الكثير.

وفى ((جامع الترمذى)) عنه: يُسلِّم الماشى على القائم.

وفى ((مسند البزار)) عنه: يسلِّم الراكبُ على الماشى، والماشى على القاعِد، والماشيان أيهما بدأ، فهو أفضل.

وفى ((سنن أبى داود)) عنه: ((إنَّ أوْلَى النَّاسِ باللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بالسَّلامِ)).

وكان فى هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم السلامُ عند المجئ إلى القوم، والسلامُ عند الانصراف عنهم، وثبت عنه أنه قال: ((إذَا قَعَدَ أحَدُكُمْ، فَلْيُسَلِّمْ، وَإذَا قَامَ، فَلْيُسَلِّمْ، وَلَيْسَتِ الأُولَى أحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ)).

وذكر أبو داود عنه: ((إذَا لَقِىَ أحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيُسَلِّم عَلَيْهِ، فَإنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أو جِدَارٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أيْضاً)).

وقال أنس: ((كانَ أصحابُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَتَمَاشَوْنَ، فَإذَا اسْتَقْبَلْتَهُم شَجَرَةٌ أَوْ أَكَمَةٌ، تَفَرَّقُوا يَمِيناً وَشِمَالاً، وَإذَا الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا، سَلَّمَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ)).

ومن هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم أن الداخِل إلى المسجد يبتدئُ بركعتين تحيةَ المسجد، ثم يجئُ فيُسلِّم على القوم، فتكون تحيةُ المسجد قبلَ تحية أهله، فإن تلك حقُّ اللَّهِ تعالى، والسلامُ على الخلق هو حقٌ لهم، وحقُّ اللَّهِ فى مثل هذا أحقُّ بالتقديم، بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعاً معروفاً، والفرقُ بينهما حاجةُ الآدمى وعدمُ اتساع الحق المالى لأداء الحقين، بخلاف السلام.

وكانت عادةُ القوم معه هكذا، يدخلُ أحدهم المسجدَ، فيُصلى ركعتين، ثم يجئُ، فيسلِّم على النبى صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء فى حديث رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عيه وسلم بَيْنَمَا هُو جَالِس فى المسجدِ يَوْماً قال رِفاعة: ونحن معه إذ جاء رجلٌ كالبدوى، فصلَّى، فأخَفَّ صلاته، ثمَّ انصَرفَ فَسَلَّمَ عَلَى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَعَلَيْكَ فَارْجعْ، فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلَّ)).. وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته، ولم يُنكر عليه تأخيرَ السلام عليه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة.

وعلى هذا: فيُسَن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاثُ تحيات مترتبة: أن يقولَ عند دخولِه: بسم اللَّه والصلاةُ على رسول اللَّه. ثم يصلِّى ركعتينِ تحيةَ المسجد، ثم يُسلِّمُ على القوم.


فصل

((وكان إذا دخَلَ على أهله باللَّيل، يُسلِّم تسلِيماً لا يُوقِظُ النَّائِمَ، ويُسْمِعُ اليَقْظَانَ)) ذكره مسلم.


فصل

فى البدء بالسلام قبل الكلام

وذكر الترمذى عنه عليه السلام: ((السَّلامُ قَبْلَ الكَلام)).

وفى لفظ آخر: ((لا تَدْعُوا أحَداً إلى الطَّعَامِ حَتَّى يُسلِّمَ)).

وهذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيفاً، فالعمل عليه.

وقد روى أبو أحمد بإسناد أحسن منه من حديث عبد العزيز بن أبى رواد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((السَّلامُ قَبْلَ السُّؤالِ، فَمَنْ بَدَأَكُم بالسُّؤَال قَبْلَ السَّلاَمِ، فَلا تُجِيبُوهُ)).
ويُذكر عنه أنه كانَ لا يَأذَنُ لِمَن لَمْ يَبْدأْ بالسَّلامِ، ويُذكر عنه: ((لا تَأْذَنُوا لِمَنْ لَمْ يَبْدأْ بالسَّلامِ)).

وأجود منها ما رواه الترمذى عن كَلَدَةَ بنْ حَنْبَلٍ، أنَّ صفوان بن أُمية بعثه بِلَبَنٍ وَلَبأ وَجِدَايَةٍ وَضَغَابِيْسَ إلى
النبى صلى الله عليه وسلم والنبىُّ صلى الله عليه وسلم بأعْلَى الوَادِى قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيّهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْ، وَلَمْ أَسْتَأذِنْ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: ((ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أأدْخُلُ))؟، قال: هذا حديث حسن غريب.

وكان إذَا أتى باب قوم، لم يسْتَقْبِل البابَ مِن تلقاء وجهه، ولكن مِن رُكته الأيمن، أو الأَيْسَرِ، فيقول: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُم، السَّلامُ عَلَيْكُمْ)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:37 AM   #114
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى التسليم على مَن يواجهه وتحمله السلام للغائب

وكان يُسلِّم بنفسه على مَن يُواجهه، ويُحَمِّلُ السَّلامَ لمن يُريد السَّلام عليه مِن الغائبين عنه، ويتحمَّل السلامَ لمن يبلِّغه إليه، كما تحمَّل السلام مِن اللَّه عَزَّ وجَلَّ على صِّدِّيقةِ النساء خديجةَ بنت خويلد رضى اللَّه عنها لما قال له جبريلُ: ((هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أتَتْكَ بِطَعَامٍ، فَاقْرَأْ [عَلَيْهَا] السَّلامَ مِنْ ربِّهَا)) [ومِنِّى] وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فى الجَنَّةِ)).

وقال للصِّدِّيقة الثانية بنت الصِّديق عائشةَ رضى اللَّه عنها: ((هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأْ عَلَيْكِ السَّلامَ)) فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه، يَرَى مَا لاَ أرَى.


فصل

فى انتهاء السلام إلىوبركاته)

وكان هديُه انتهاء السلام إلى: ((وبركاتُهُ))، فذكر النَّسائى عنه ((أن رجلاً جاء فقال: السَّلامُ عليكم، فَرَدَّ عَلَيْهِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: ((عَشْرَةٌ)) ثُمَّ جلس، ثم جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: ((عِشْرُونَ)) ثُمَّ جَلَسَ وَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عَلَيْهِ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: ((ثَلاثُونَ)) رواهُ النَّسائى، والترمذى من حديث عمران بن حصين، وحسَّنه.

وذكره أبو داود من حديثِ معاذِ بن أنسِ، وزاد فيه: ((ثُمَّ أتى آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، فَقَالَ: ((أرْبًَعُونَ)) فقَالَ: هكذَا تكُونُ الفَضَائِلُ)). ولا يثبت هذا الحديثُ، فإن له ثلاث علل: إحداها: أنه من رواية أبى مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، ولا يُحتج به. الثانية: أن فيه أيضاً سهلَ بن معاذ وهو أيضا كذلك، الثالثة: أن سعيد بن أبى مريم أحدَ رواته لم يجزم بالرواية بل قال: أظنُّ أنى سمعتُ نافع بن يزيد.

وأضعفُ مِن هذَا الحديثُ الآخر عن أنس: كان رجل يمُر بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم يقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رسول اللَّه، فيقولُ له النبىُ صَلى الله عَليه وسلم: ((وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه وَمَغْفِرَتُه وَرضْوَانُه)) فقيل له: يا رسول اللَّه ؛ تُسَلِّم على هذا سلاماً ما تُسلِّمه على أحدٍ من أصحابك؟ فقال: ((ومَا يَمْنَعُنى مِنْ ذلِكَ، وَهُوَ يَنْصَرِفُ بِأَجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً))، وكَانَ يَرْعَى عَلَى أصْحَابِهِ.


فصل

فى التسليم ثلاثاً

وكان من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم أن يُسلِّمَ ثلاثاً كما فى ((صحيح البخارى)) عن أنس رضى اللَّه عنهُ قال: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ((إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ سَلَّمَ ثَلاثاً))، ولعل هذا كان هَدْيَه فى السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغُهم سلام واحد، أو هَدْيَه فى إسماع السلام الثانى والثالث، إن ظنَّ أن الأولَ لم يحصُل به الإسماع كما سلَّم لما انتهى إلى منزل سعد بن عُبادة ثلاثاً، فلما لم يُجبه أحد رجع، وإلا فلو كان هَدْيُه الدائمُ التسليمَ ثلاثاً لكان أصحابُه يُسلِّمونَ عليه كذلك، وكان يُسلِّمُ على كُلِّ مَن لقيه ثلاثاَ، وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومَن تأمل هَدْيَه، علِم أن الأمر ليس كذلك، وأنَّ تكرار السلامِ كان منه أمراً عارضاً فى بعض الأحيان، واللَّه أعلم.


فصل

فى بدئه مَن لقيه بالسلام والرد على التحية بمثلها أو أفضل منها

وكان يبدأ مَن لقيه بالسلام، وإذا سلَّم عليه أحدٌ، ردَّ عليهِ مِثلَ تحيته أو أفضلَ منها على الفور من غير تأخير، إلا لِعذر، مثل حالة الصلاة، وحالة قضاء الحاجة.

وكان يُسمِعُ المسلم ردَّهُ عليه، ولم يكن يَرُدُّ بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا فى الصلاة، فإنه كان يرد على مَن سلَّم عليه إشارة، ثبتَ ذلك عنه فى عدة أحاديث، ولم يجئ عنه ما يعارضها إلا بشئ باطل لا يصح عنه كحديث يرويه أبو غطفان - رجل مجهول - عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَشَارَ فى صَلاَتِهِ إشَارَةً تُفْهمُ عَنْهُ، فَلْيُعِدْ صَلاتَهُ)) قال الدارقطنى: قال لنا ابن أبى داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، والصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يُشير فى الصلاة، رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبى صلى الله عليه وسلم.


فصل

فى صفة السلام

وكان هَدْيه فى ابتداء السلام أن يقول: ((السَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللَّهِ))، وكان يكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام.

قال أبو جُرَىَّ الهُجيمىُّ: أتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: عَلَيكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ((لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ، فَإنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحيةُ المَوْتَى)) حديث صحيح.

وقد أشكل هذا الحديثُ على طائفة، وظنُّوهُ معارضاً لما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم فى السلام على الأموات بلفظ: ((السَّلامُ عَلَيْكُم)) بتقديم السلام، فظنوا أن قوله: ((فإن عليكَ السلام تَحيَّةُ المَوْتَى)) إخبار عن المشروع، وغلِطُوا فى ذلك غلطاً أوجب لهم ظَنَّ التعارض، وإنما معنى قوله: ((فإنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحيَّةُ المَوْتَى)) إخبار عن الواقع، لا المشروعُ، أى: إن الشعراء وغيرَهم يحيُّون الموتى بهذه اللفظة، كقول قائلهم:

عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ *** وَرَحْمَتُـهُ مَا شـَاءَ أنْ يَتَرحَّمــَا
فَمَا كَانَ قَيْسُ هُلْكُه هُلْكَ واحِدٍ *** وَلَكــنَّهُ بُنْيَـانُ قَــوْمٍ تهدَّمَـا

فكره النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُحيَّى بتحية الأموات، ومِن كراهته لذلك لم يردَّ على المسلِّم بها.

وكان يردُّ على المُسلِّمِ: ((وَعَلَيْكَ السَّلامُ)) بالواو، وبتقديم ((عَلَيْكَ)) على لفظ السلام.

وتكلم الناسُ هاهنا فى مسألة، وهى لو حذف الرادُّ ((الواو)) فقالَ: ((عَلَيْكَ السَّلاَمُ)) هَلْ يكونُ صحيحاً؟ فقالت طائفة منهم المتولى وغيرُه: لا يكون جواباً، ولا يسقط به فرضُ الردِّ، لأنه مخالِف لسُـنَّة الردِّ، ولأنه لا يُعلم: هل هو رد، أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أَهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: ((وعَلَيْكُم)) فهذا تنبيهٌ منه على وجوب الردِّ على أهلِ الإسلام، فإن ((الواو)) فى مثل هذا الكلام تقتضى تقريرَ الأول، وإثبات الثانى، فإذا أُمِرَ بالواو فى الرد على أهل الكتاب الذين يقولون: السام عليكم، فقالَ: ((إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: وعَلَيْكُم)) فَذِكْرُها فى الردِّ على المسلمين أولى وأحرى.

وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك ردٌ صحيح، كما لو كان بالواو، ونص عليه الشافعى رحمه اللَّه فى كتابه الكبير، واحتج لهذا القول بقوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً} [الذاريات: 24-25]، قَالَ سَلامٌ أى: سلام عليكم، لا بد من هذا، ولكن حسُنَ الحذفُ فى الرد، لأجل الحذف فى الابتداء، واحتجوا بما فى ((الصحيحين)) عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّم عَلَى أُولَئِكَ النَّفَر مِن المَلائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه، فَزَادُوهُ: ((وَرَحْمَةُ اللَّهِ)). فقد أخبرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن هذه تحيتُهُ وتحيةُ ذُرِّيته، قالوا: ولأن المسلَّم عَلَيْهِ مَأْمُورٌ أن يُحيِّى المُسلِّمَ بمثل تحيته عدلاً، وبأحسنَ منها فضلاً، فإذا ردَّ عليه بمثل سلامه، كان قد أتى بالعدلِ.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:39 AM   #115
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأما قوله: ((إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُم))، فهذا الحديثُ قد اختُلِفَ فى لفظة ((الواو)) فيه، فروى على ثلاثة أوجه، أحدها: بالواو، قال أبو داود: كذلك رواه مالك عن عبد اللَّه بن دينار، ورواه الثورى عن عبد اللَّه بن دينار، فقال فيه: ((فعليكم))، وحديث سفيان فى ((الصحيحين)) ورواه النسائى من حديث ابن عُيينة عن عبد اللَّه بن دينار بإسقاط ((الواو))، وفى لفظ لمسلم والنسائى: فقل: ((عليك)) - بغير واو.

وقال الخطابى: عامةُ المحدِّثين يروونه: ((وعليكم)) بالواو، وكان سفيان ابن عيينة يرويه: ((عليكم)) بحذف الواو، وهو الصوابُ، وذلك أنه إذا حذف الواو، صار قولهم الذى قالوه بعينه مردوداً عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم، والدخول فيما قالوا، لأن الواو حرفٌ للعطف والاجتماع بين الشيئين... انتهى كلامه.

وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل، فإن ((السَّام)) الأكثرون على أنه الموت، والمسلِّم والمسلَّم عليه مشتركون فيه، فيكون فى الإتيان بالواو بيانٌ لعدم الاختصاص، وإثبات المشاركة، وفى حذفِهَا إشعار بأن المسلِّم أحقُّ به وأولى من المسلَّم عليه وعلى هذا فيكون الإتيانُ بالواو هو الصواب، وهو أحسنُ من حذفها، كما رواه مالك وغيرُهُ، ولكن قد فُسِّر السَّام بالسآمة، وهى الملالة وسآمة الدين، قالوا: وعلى هذا فالوجه حذف الواو ولا بدَّ، ولكن هذا خلافُ المعروف من هذه اللفظة فى اللغة، ولهذا جاء فى الحديث: ((إنَّ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلاَّ السَّامَ)) ولا يختلفون أنه الموت، وقد ذهب بعض المُتحذلقين إلى أنه يرد عليهم السِّلام - بكسر السين - وهى الحجارة، جمع سِلَمة، وردُّ هذا الرَّدُّ متعيَّن.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى السلام على أهلِ الكِتاب

صَحَّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنَّه قال: ((لا تَبْدَؤوهُمْ بِالسَّلامِ، وَإذَا لَقيتُموهُمْ فى الطَّرِيقِ، فاضْطَّروهُمْ إلَى أضْيَقِ الطَّرِيقِ))، لكن قَد قِيل: إن هذا كان فى قضيةٍ خاصةٍ لـمَّا سارُوا إلى بنى قُريظة قال: ((لاَ تَبْدَؤوهُمْ بالسَّلام)) فهل هذا حُكْمٌ عام لأهْلِ الذمّة مطلقاً، أو يختَصُّ بِمَنْ كانَتْ حالُه بمثل حالِ أولئك؟ هذا موضِعُ نظر، ولكن قد روى مسلم فى ((صحيحه)) من حديث أبى هُريرة أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ تَبْدَؤوا اليَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بالسَّلامِ، وَإذَا لَقِيْتُم أحَدَهُم فى الطَّريق، فَاضْطَرُّوهُ إلى أَضْيَقِهِ)) والظَّاهر أن هذا حكم عام.

وقد اختلف السَلَفُ والخَلَفُ فى ذلك، فقال أكثرُهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُردُّ عليهم، رُوى ذلك عن ابن عباس، وأبى أُمامة، وابْنِ مُحَيْرِيز، وهو وجه فى مذهب الشافعى رحمه اللَّه، لكن صاحبُ هذا الوجه قال: يُقال له: السَّلامُ عَلَيْكَ، فقط بدونِ ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد، وقالت طائفة: يجوزُ الابتداءُ لِمصلحة راجحة مِن حاجة تكون له إليه، أو خوف مِن أذاه، أو لِقرابةٍ بينهما، أو لِسببٍ يقتضِى ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعى، وعلقمَة. وقال الأوزاعىُّ: إن سلَّمْتَ، فقد سلَّمَ الصالحونَ، وإن تركتَ، فقد ترك الصَّالِحون.

واختلفوا فى وجوب الرد عليهم، فالجمهورُ على وجوبه، وهو الصوابُ، وقالت طائفة: لا يجبُ الردُّ عليهم، كما لا يجبُ على أهل البدع وأولى، والصواب الأول، والفرق أنَّا مأمورون بهجر أهلِ البدع تعزيراً لهم، وتحذيراً منهم، بخلاف أهل الذمة.


فصل

وثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه مرَّ على مجلس فيه أخلاطٌ مِن المُسْلِمِينَ، والمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ، فَسَلَّم عليْهم.

وصحّ عنه أنه كتب إلى هِرَقلَ وَغَيْرِهِ: ((السَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى)).


فصل

فى هل يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يُسلِّم أحدهم

ويُذكُر عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: ((يُجْزِىءُ عَنِ الجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُم، وَيُجْزِىءُ عَن الجُلُوسِ أنْ يَرُدَّ أحَدُهُم)) فذهب إلى هذا الحديثِ مَنْ قال: إن الردَّ فرضُ كِفاية يقومُ فيه الواحدُ مقام الجميع، لكن ما أحسنه لو كان ثابتاً، فإن هذا الحديث رواه أبو داودَ مِن رواية سعيد بن خالد الخزاعى المدنى، قال أبو زرعة الرازى: مدنى ضعيف، وقال أبو حاتم الرازى: ضعيف الحديث، وقال البخارى: فيه نظر. وقال الدارقطنى: ليس بالقوى.


فصل

فى هَدْيه إذ بلَّغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلِّغ

وكان من هَدْيه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا بلَّغَهُ أحدٌ السلامَ عن غيره أن يردَّ عليه وعلى المبلِّغ، كما فى ((السنن)) أن رجلاً قال له: إنَّ أبى يُقْرِئُكَ السَّلامَ، فَقَالَ لهُ: ((عَلَيْكَ وَعَلَى أبِيكَ السَّلامَ)).

وكان من هَدْيه تركُ السَّلام ابتداءً ورَداً على مَن أحدث حدثاً حتى يتوبَ منه، كما هجر كعبَ بنَ مالك وصاحبَيْه، وكان كعب يُسلِّم عليه، ولا يَدرى هَلْ حَرَّكَ شَفتيه بردِّ السَّلامِ عَلَيْهِ أم لا؟.

وسلَّم عليه عمارُ بنُ ياسرٍ، وقد خَلَّقه أهلُهُ بزَعفران، فلم يردَّ عليه، فقال: ((اذْهبْ فاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ)).

وهجر زينب بنت جحش شهرين وبعضَ الثالث لـمَّا قال لها: ((أعْطِى صفيَّة ظهَراً)) لما اعتلَّ بعيرُها، فَقَالت: أنَا أعْطِى تِلْكَ اليهودِيَّةَ؟، ذكرهما أبو داود.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:41 AM   #116
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الاستئذان

وصحَّ عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: ((الاسْتِئذَانُ ثَلاَثٌ، فَإنْ أُذِنَ لَكَ وَإلاَّ فارْجِعْ)).

وصحَّ عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر)).

وصحَّ عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه أراد أن يفَقَأ عَيْنَ الَّذِى نَظَر إلَيْهِ مِنْ جُحْرٍ فى حجرته، وقال: ((إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر)).

وصحَّ عنه أنه قال: ((لَوْ أنَّ امْرءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ)).

وصحَّ عنه أنه قال: ((مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فى بَيْتِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِم، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤوا عَيْنَهُ)).

وصحَّ عنه أنه قال: ((مَنِ اطَّلَعَ فى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَؤوا عَيْنَهُ، فلاَ دِيةَ لَهُ، ولا قِصَاصَ)).

وصح عنه: التسليمُ قبل الاستئذان فعلاً وتعليماً، واستأذن عليه رجلٌ، فقالَ: أَأَلِجُ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: ((اخْرُجْ إلى هَذَا، فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَان))، فَقَالَ لَهُ: قل: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل؟ فسمعه الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ له النبى صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ.

ولـمَّا اسْتَأْذَنَ عليه عُمَرُ رَضِىَ اللَّه عنه، وهو فى مَشْرُبِتَهِ مُؤلِياً مِنْ نِسَائِهِ، قال: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رسول اللَّه، السَّلامُ عليكم، أيَدْخُلُ عُمَرُ؟.

وقد تقدَّم قولهُ - صلى اللَّه عليه وسلم - لِكَلَدَةَ بْنِ حَنْبَل لما دخل عليه ولم يُسلِّم: ((ارْجعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُم أَأَدْخُل))؟.

وفى هذه السنن ردٌ على مَن قال: يُقدَّمُ الاستئذان على السلام، وردٌ على مَن قال: إن وقعت عينُه على صاحب المنزل قبل دخوله، بدأ بالسَّلام، وإن لم تقع عينه عليه، بدأ بالاستئذان، والقولان، مخالفان للسُّـنَّة.

وكان من هَدْيه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا استأذَنَ ثلاثاً ولم يُؤذن له، انصرف، وهو ردٌ على مَن يقول: إن ظنَّ أنهم لم يسمعوا، زاد على الثلاث، وردٌ على مَن قال: يُعيدُهُ بلفظٍ آخر، والقولان مخالفان للسُّـنَّة.


فصل

فى المستأذِن كيف يرد إذا سُئِل عن اسمه

وكان من هَدْيه أن المستأذِنَ إذا قِيلَ له: مَنْ أنْتَ؟ يقول: فلانُ بنُ فلان، أو يذكر كُنيته، أو لَقبه، ولا يقول: أنا، كما قال جِبْرِيلُ للملائكة فى ليلة المعراج لما استفتح بابَ السماء فسألوه: مَنْ؟ فقال: جِبريلُ، واستمر ذلك فى كل سماء سماء.

وكذلك فى ((الصحيحين)) لما جَلَس النبى صلى الله عليه وسلم فى البُسْتَان، وجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه، فاستأذن فقال: ((مَن))؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر، فاستأذنَ فقالَ: ((مَن))؟ قال: عمر، ثم عثمانُ كذلك.
وفى ((الصحيحين))، عن جابر: أتيتُ النبى صلى الله عليه وسلم، فدققتُ البابَ فقال: ((مَن ذا))؟ فقلت: أنَا، فَقَالَ: ((أنَا أنَا))، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
ولما استأذنت أُمُّ هانئ، قال لها: ((مَنْ هذِهِ))؟ قالت: أُمُّ هانئ، فلم يكره ذِكرها الكُنية، وكذلك لما قال لأبى ذر: ((مَنْ هَذَا))؟ قَالَ: أَبُو ذر، وكذلك لما قال لأبى قتادة: ((مَنْ هَذَا))؟ قال: أبو قتادة.


فصل

فى أن رسول الرجل إلى الرجل إذن له

وقد روى أبو داود عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - من حديث قتادة، عن أبى رافع، عن أبى هُريرة: ((رَسُولُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إذْنُه)). وفى لفظ: ((إذَا دُعِىَ أحَدُكُم إلى طَعَامٍ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فَإنَّ ذلِكَ إذْنٌ لَهُ. وهذا الحديث فيه مقال، قال أبو على اللؤلؤى: سمعتُ أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبى رافع. وقال البخارى فى ((صحيحه)): وقال سعيد: عن قتادة، عن أبى رافع، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((هو إذنه))، فذكره تعليقاً لأجل الانقطاع فى إسناده.

وذكر البخارى فى هذا الباب حديثاً يدلُّ على أن اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو حديثُ مجاهد عن أبى هريرة: دخلتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ لبناً فى قدح، فقال: ((اذْهَبْ إلى أهْلِ الصُّفّةِ، فادْعهُمُ إلىَّ)) قال: فَأَتَيْتُهم، فدعوتُهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، فدخَلُوا. وقد قالت طائفةٌ: بأن الحديثين على حالين، فإن جاء الداعى على الفور مِن غير تراخ، لم يحتج إلى استئذان، وإن تراخى مجيئه عن الدعوة، وطال الوقتُ، احتاجَ إلى استئذان.

وقال آخرون: إن كان عند الداعى مَن قد أذِنَ له قبل مجئ المدعو، لم يحتج إلى استئذان آخر، وإن لم يكن عنده مَن قد أذِنَ له، لم يدخل حتى يستأذن.

وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذا دخل إلى مَكَان يُحب الانفراد فيه، أمَرَ مَن يُمْسِكُ البابَ، فلم يَدخلْ عليه أحد إلا بإذن.


فصل

فى الاستئذان الذى أمر الله به المماليكَ ومَن لم يبلغ الحُلُم

وأما الاستئذانُ الذى أمر اللَّه به المماليكَ، ومَنْ لم يَبْلُغِ الحُلُمَ، فى العوراتِ الثلاثِ: قبلَ الفجر، ووقتَ الظهيرة، وعند النوم، فكان ابنُ عباس يأمرُ به، ويقول: ترك الناسُ العملَ بها، فقالت طائفة: الآيةُ منسوخة، ولم تأتِ بحُجة، وقال طائفة: أمرُ ندبٍ وإرشاد، لا حتم وإيجاب، وليس معها ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره، وقالت طائفة: المأمور بذلك النساءُ خاصة، وأما الرجالُ، فيستأذِنون فى جميع الأوقات، وهذا ظاهرُ البطلان، فإن جمع ((الذين)) لا يختص به المؤنث، وإن جاز إطلاقُه عليهن مع الذكور تغليباً. وقالت طائفة عكس هذا: إن المأمورَ بذلك الرجال دون النساء، نظراً إلى لفظ: ((الذين)) فى الموضعين، ولكن سياقُ الآية يأباه فتأمله.

وقالت طائفة: كان الأمرُ بالاستئذان فى ذلك الوقت للحاجة، ثم زالت، والحكمُ إذا ثبت بعلَّةٍ زال بزوالها، فروى أبو داود فى ((سننه)) أن نفراً من أهل العراق قالوا لابن عباس: يا ابن عباس، كيف ترى هذه الآية التى أُمِرْنَا فيها بِمَا أُمِرْنَا، ولا يَعملُ بها أحدٌ: {يَأيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... } [النور: 58] الآية. فقال ابنُ عباس: إن اللَّه حَكيمٌ رحيمٌ بالمؤمنين، يُحِبُّ السِّتْرَ، وكان الناسُ ليسَ لِبيُوتهم سُتُور ولا حِجَال، فربمَا دخلَ الخادِمُ، أو الولدُ أو يتيمُة الرجل، والرجلُ على أهله، فأمرهم اللَّهُ بالاستئذان فى تلك العَوَرَاتِ، فجاءهم اللَّهُ بالسُّتُور والخير، فلم أر أحداً يَعْمَلُ بذلك بَعْدُ.

وقد أنكر بعضُهم ثبوتَ هذا عن ابن عباس، وطعن فى عِكرمة، ولم يصنع شيئاً، وطعن فى عَمْرو بن أبى عمرو مولى المطلب، وقد احتج به صاحبا الصحيح، فإنكارُ هذا تعنُّت واستبعاد لا وجه له.

وقالت طائفة: الآية محكمة عامة لا مُعارِضَ لها ولا دافع، والعملُ بها واجب، وإن تركه أكثرُ الناس.

والصحيح: أنه إن كان هناك ما يقوم مقامَ الاستئذانِ من فتح باب فتحُه دليل على الدخول، أو رفع ستر، أو تردُّد الداخل والخارج ونحوه، أغنى ذلك عن الاستئذان، وإن لم يكن ما يقومُ مقامه، فلا بُد منه، والحكم معلَّلٌ بعلَّة قد أشارت إليها الآية، فإذا وُجِدَتْ، وُجِدَ الحكمُ، وإذا انتفت انتفى. واللَّه أعلم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:43 AM   #117
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى أذكار العطاس

ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ((إنَّ اللَّه يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤبَ، فَإذَا عَطَسَ أَحَدُكُم وَحَمِدَ اللَّه، كَانَ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِم سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وأمَّا التَّثَاؤُبُ، فإنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أحدُكُم، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّ أَحَدَكُم إذَا تَثَاءَبَ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ)) ذكره البخارى.

وثبت عنه فى ((صحيحه)): ((إذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُل: يَهْدِيكُم اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم)).

وفى ((الصحيحين)) عن أنس: ((أنه عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلانِ، فشمَّتَ أحَدَهُمَا، ولم يُشمِّتِ الآخَر، فَقَالَ الَّذى لم يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ، فَلَمْ تُشَمِّتْنِى، فَقَالَ: ((هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وأنْتَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّه)).

وثبت عنه فى ((صحيح مسلم)): ((إذا عَطَسَ أحَدُكُم فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّه، فَلاَ تُشَمِّتُوهُ)).

وثبت عنه فى ((صحيحه)): من حديث أبى هريرة: ((حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ: إذَا لَقِيتَهُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعَاك َ فَأجبْهُ، وَإذَا اسْتَنْصَحَكَ، فانْصَحْ لَهُ، وَإذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإذَا مَرِضَ، فَعُدْه، وَإذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ)).

وروىأبو داودعنه بإسناد صحيح: ((إذَا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُه: يَرْحَمُكَ اللَّه، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم)).

وروى الترمذى، أن رَجُلاً عَطَسَ عِندَ ابنِ عمر، فقال: الحَمْدُ لِلَّه، والسلامُ عَلَى رسولِ اللَّهِ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: وأنَا أقُولُ: الحمدُ لِلَّهِ والسلامُ على رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن عَلَّمَنَا أنْ نَقُولَ: الحمْدُ لِلَّهِ على كُلِّ حال.

وذكر مالك، عن نافع، عن ابن عمر: ((كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وإيَّاكُم، ويَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ)).

فظاهر الحديثِ المبدوء به: أن التشميتَ فرضُ عَيْن على كُلِّ مَنْ سمع العاطس يحمَدُ اللَّه، ولا يُجْزِئ تشميتُ الواحد عنهم، وهذا أحدُ قولى العلماء، واختاره ابنُ أبى زيد، وأبو بكر بن العربى المالكيان، ولا دافع له.

وقد روى أبو داود: أن رجلاً عَطَسَ عند النبى صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((وَعَلَيْكَ السَّلامُ وعَلَى أُمِّكَ))، ثُمَّ قَالَ: ((إذَا عَطَسَ أَحَدُكُم، فَلْيَحْمَدِ اللَّه)) قال: فذكر بَعضَ المَحَامِدِ، وليقُلْ لَهُ، مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلَيَرُدَّ - يَعْنِى عَلَيْهِم - يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ)).

وفى السلام على أُمِّ هذا المُسلِّم نُكتةٌ لطيفةٌ، وهى إشعارُه بأن سلامَه قد وقع فى غير موقعه اللائق بِه، كما وقع هذا السلامُ على أُمِّه، فكما أن سلامه هَذَا فى غير موضعه كذلك سلامه هو.

ونكتةٌ أخرى ألطفُ منها، وهى تذكيرُه بأُمِّه، ونسبه إليها، فكأنه أُمِّىٌ محض منسوب إلى الأُم، باقٍ على تربيتها لم تربِّه الرجالُ، وهذا أحدُ الأقوال فى الأُمِّى، أنه الباقى على نسبته إلى الأُم.

وأما النبى الأُمِّى: فهو الذى لا يُحسِنُ الكِتَابة، ولا يقرأ الكِتَابَ.

وأمَّا الأُمِّىُّ الذى لا تَصِحُّ الصلاةُ خلفه، فهو الذى لا يُصحح الفاتحة، ولو كان عالماً بعلوم كثيرة.

ونظيرُ ذكر الأُم هاهنا ذكرُ هَنِ الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية فيقال له: اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ، وكَانَ ذِكرُ هَنِ الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه، وهو هَنُ أبيه، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ، كما أن ذِكرَ الأُم هاهنا أحسنُ تذكيراً له، بأنه باقٍ على أُمِّيته. واللَّه أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولما كان العاطِسُ قد حصلت له بالعُطاسِ نعمةُ ومنفعةُ بخروج الأبخرة المحتقِنة فى دِماغه التى لو بقيت فيه أحدثت له أدواءً عَسِرَةً، شُرعَ له حمدُ اللَّه على هَذِهِ النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التى هى للبدن كزلزلة الأرض لها.

ولهذا يقال: سمَّته وشمَّته - بالسين والشين - فقيل: هما بمعنىً واحد، قاله أبو عبيدة وغيره. قال: وكلُّ داعٍ بخير، فهو مُشمِّتٌ ومُسَمِّتٌ. وقيل: بالمهملة دعاء له بحُسن السَّمتِ، وبعوده إلى حالته من السكون والدعة، فإن العُطاس يُحدث فى الأعضاء حركةً وانزعاجاً. وبالمعجمة: دعاء له بأن يصرفَ اللَّه عنه ما يُشمِّتُ به أعداءَه، فشمَّته: إذا أزال عنه الشماتة، كقرَّد البعيرَ: إذا أزال قُرادَه عنه.

وقيل: هو دعاء له بثباته على قوائمه فى طاعة اللَّه، مأخوذ من الشوامِت، وهى القوائم.

وقيل: هو تشميتٌ له بالشيطانِ، لإغاظته بحمْدِ اللَّهِ على نِعمة العُطاس، وما حصل له به من محابِّ اللَّه، فإن اللَّه يُحبه، فإذا ذكر العبدُ اللَّهَ وحَمِدَه، ساء ذلك الشيطان من وجوه، منها: نفسُ العُطاس الذى يُحبُّه اللَّهُ، وحمدُ اللَّهِ عليه، ودعاءُ المسلمين له بالرحمة، ودعاؤه لهم بالهداية، وإصلاحُ البال، وذلك كُلُّه غائظ للشيطان، محزن له، فتشميتُ المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته، فسمى الدعاءُ له بالرحمة تشميتاً له، لما فى ضمنه من شماتته بعدوه، وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العاطِسُ والمشمِّت، انتفعا به، وعَظُمَتْ عندهما منفعةُ نعمةِ العُطاس فى البدن والقلب، وتبيَّن السِّرُّ فى محبة اللَّه له، فلِلَّهِ الحمْدُ الذى هو أهلُه كما ينبغى لكريم وجهه وعِزِّ جلاله.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:45 AM   #118
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى غض الصوت فى العُطاس

وكان من هَدْيه - صلى اللَّه عليه وسلم - فى العُطاس ما ذكره أبو داود والترمذى، عن أبى هريرة: كانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ((إذَا عَطَس، وَضَعَ يَدَهُ أوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ، أو غَضَّ بِهِ صَوْتَه)) . قال الترمذى: حديث صحيح

ويُذكر عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -: أنَّ التَثَاؤُبَ الشَّدِيدَ، والعَطْسَةَ الشَّدِيدَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ.

ويُذكر عنه: أنَّ اللَّه يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ والعُطَاسِ.

وصحَّ عنه: أنه عطسَ عنده رجلٌ، فقال له: ((يَرْحَمُكَ اللَّهُ)). ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فقالَ: ((الرَّجُلُ مَزْكُوم)). هذا لفظ مسلم أنه قال فى المرة الثانية، وأما الترمذى: فقال فيه عَنْ سلمة بن الأكوع: عَطَس رجلٌ عِند رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد، فقالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((يَرْحَمُكَ اللَّهُ))، ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ والثَّالِثَةَ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ)). قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روى أبو داود عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى هريرة موقوفاً عليه: ((شَمِّتْ أخَاكَ ثلاثاً، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ)).

وفى رواية عن سعيد، قال: لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبى صلى الله عليه وسلم بمعناه. قال أبو داود: رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن سعيد، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم.. انتهى.

وموسى بن قيس هذا الذى رفعه هو الحضرمى الكوفى يُعرف بعُصفور الجنَّة. قال يحيى ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم الرازى: لا بأس به.

وذكر أبو داود، عن عُبيد بن رِفاعة الزُّرَقى، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: ((تُشَمِّتُ العَاطِسَ ثَلاثاً، فَإنْ شِئْتَ، فَشَمِّتْهُ، وإنْ شِئْتَ فَكُفَّ))، ولكن له عِلّتان، إحداهما: إرساله، فإن عبيداً هذا ليست له صحبة، والثانية: أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالانى، وقد تكلم فيه.

وفى الباب حديث آخر، عن أبى هريرة يرفعه: ((إذَا عَطَسَ أحَدُكُم، فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُه، فإنْ زادَ عَلَى الثَّلاثَةِ، فَهُوَ مَزْكُومٌ، ولا تُشَمِّتْهُ بَعْدَ الثَّلاث))، وهذا الحديثُ هو حديثُ أبى داود الذى قال فيه: رواه أبو نعيم، عن موسى بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن سعيد، عن أبى هريرة، وهو حديث حسن.

فإن قيل: إذا كان به زُكام، فهو أولى أن يُدعى له ممن لا عِلَّة به؟ قيل: يُدعى له كما يُدعى للمريض، ومَن بِه داء ووجع.

وأما سُـنَّة العُطاس الذى يُحبه اللَّه، وهو نِعمة، ويدلُّ على خِفة البدنِ، وخرُوج الأبخرة المحتَقِنَةِ، فإنما يكون إلى تمام الثلاث، وما زاد عليها يُدعى لصاحبه بالعافية.

وقوله فى هذا الحديث: ((الرَّجُلُ مَزْكُومٌ)) تنبيه على الدعاء له بالعافية، لأن الزكمة عِلَّة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيهٌ له على هذه العِلَّة ليتداركها ولا يهملها، فيصعُبَ أمرُهَا، فكلامه - صلى الله عليه وسلم - كله حكمة ورحمة، وعلم وهدى.

وقد اختلف الناس فى مسألتين: إحداهما: أن العاطِسَ إذا حَمدَ اللَّهَ، فسمعه بعضُ الحاضرين دون بعض، هل يُسَنُّ لمن لم يسمعه تشميتُه؟ فيه قولان، والأظهر: أنه يُشمته إذا تحقَّق أنه حَمِدَ اللَّه، وليس المقصودُ سماعَ المشمِّت للحمد، وإنما المقصود نفس حمده، فمتى تحقق ترتب عليه التشميتُ، كما لو كان المشمت أخرسَ، ورأى حركة شفتيه بالحمد. والنبى صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن حَمِدَ اللَّه، فشمِّتوه)) هذا هو الصواب.

الثانية: إذا ترك الحمد، فهل يُستحبُّ لمن حضره أن يُذكِّرَه الحمد؟ قال ابن العربى: لا يُذكِّره، قال: وهذا جهل من فاعله. وقال النووى: أخطأ مَن زعم ذلك، بل يُذكِّره، وهو مروى عن إبراهيم النخعى. قال: وهو من باب النصيحة، والأمر بالمعروف، والتعاون على البرِّ والتقوى، وظاهر السُّـنَّة يقوى قول ابن العربى لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُشمِّتِ الذى عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّه، ولم يذكِّره، وهذا تعزير له، وحرمانٌ لبركة الدعاء لـمَّا حرم نفسه بركة الحمد، فنسى اللَّه، فصرفَ قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له، ولو كان تذكيرُه سُـنَّة، لكان النبى صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمِها، والإعانة عليها.


فصل

وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((أنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَهُ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فكان يقولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُم)).


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى أذكار السفر وآدابه

صحَّ عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: ((إذَا هَمَّ أحَدُكُم بِالأمْر، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّى أَسْتَخْيِرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيوب، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَم أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لى فى دينى وَمَعَاشِى، وَعَاجِلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لى، وَيًَسِّرْهُ لى، وَبَارِكْ لى فيه، وإنْ كُنْتُ تَعْلَمُه شَراً لى فى دِينِى ومَعَاشى، وَعَاجلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عنِّى، وَاصْرِفْنِى عَنْهٌُ، وَاقْدُرْ لى الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنى به)) قال: ويُسَمِّى حاجته، قال: رواه البخارى.

فعوَّض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أُمَّته بهذا الدعاء، عما كان عليه أهلُ الجاهلية من زجر الطَّيْرِ والاستسقامِ بالأزلام الذى نظيرُه هذه القرعة التى كان يفعلُها إخوانُ المشركين، يطلُبون بها عِلمَ ما قُسِمَ لهم فى الغيب، ولهذا سُمى ذلك استقساماً، وهو استفعال من القَسْم، والسين فيه للطلب، وعوَّضهم بهذا الدعاء الذى هو توحيدٌ وافتقارٌ، وعبوديةٌ وتوكُّلٌ، وسؤالٌ لِمن بيده الخيرُ كلُّهُ، الذى لا يأتى بالحسناتِ إلا هو، ولا يصرِفُ السيئات إلا هُو، الذى إذا فتح لعبده رحمة لم يستطِع أحدٌ حبسَها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحدٌ إرسالَها إليه من التطيرِ والتَّنْجيمِ، واختيارِ الطالع ونحوه. فهذا الدعاءُ، هو الطالِعُ الميمونُ السعيد، طالِعُ أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من اللَّه الحسنى، لا طالِع أهل الشِرك والشقاء والخِذلان، الذين يجعلون مع اللَّه إلهاً آخر، فسوف يعلمون.

فتضمن هذا الدعاءُ الإقرار بوجوده سبحانَه، والإقرارَ بصفاتِ كماله من كمال العِلم والقُدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويضَ الأمر إليه، والاستعانةَ به، والتوكُّلَ عليه، والخروجَ من عُهدة نفسه، والتبَّرِّى مِن الحَوْل والقوة إلا به، واعترافَ العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادتِهِ لها، وأن ذلك كلَّه بيد وَليِّه وافطِرِهِ وإلههِ الحقِّ.

وفى ((مسند الإمام أحمد)) من حديث سعد بن أبى وقاص، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ ورضَاهُ بما قَضَى اللَّه، ومِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّه، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّه)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:47 AM   #119
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفاً بأمرين: التوكل الذى هو مضمونُ الاستخارة قبله، والرِّضا بما يقضى اللَّه له بعده، وهما عنوانُ السعادة. وعنوان الشقاء أن يكتنِفَه تركُ التوكل والاستخارة قبله، والسخط بعده، والتوكّل قبل القضاء. فإذا أُبرم القضاء وتم، انتقلت العبودية إلى الرضا بعده، كما فى ((المسند))، وزاد النسائى فى الدعاء المشهور: ((وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاء)). وهذا أبلغ من الرضا بالقضاء، فإنه قد يكون عزماً فإذا وقع القضاءُ، تنحل العزيمةُ، فإذا حصل الرضا بعد القضاء، كان حالاً أو مقاماً.

والمقصودُ أن الاستخارة تَوكُّلٌ على اللَّه وتفويضٌ إليه، واستقسَام بقُدرته وعلمه، وحسن اختياره لعبده، وهى من لوازم الرضا به رباً، الذى لا يذوق طعم الإيمان مَنْ لم يكن كذلك، وإنْ رضى بالمقدورِ بعدها، فذلك علامةُ سعادته.

وذكر البيهقى وغيره، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لم يُرد النبىُّ صلى الله عليه وسلم سَفَراً قطُّ إلا قال حين ينهض من جلوسه: ((اللَّهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ، وَإلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، اللَّهُمَّ أنْتَ ثِقَتِى، وأنْتَ رَجَائِى، اللَّهُمَّ اكْفِنى مَا أَهَمَّنِى وَمَا لاَ أَهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّى. عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤكَ، ولا إلَه غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ زَوِّدنى التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِى ذَنْبِى، وَوَجِّهْنِى لِلْخَيْر أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ))، ثم يخرج.


فصل

فى ما يقوله إذا ركب راحلته

وكانَ إذا ركب راحِلته، كبَّر ثلاثاً، ثم قال: ((سُبْحَانَ الَّذى سَخَّر لَنَا هذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْن، وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون)). ثم يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ فى سَفَرِنَا هذَا البِرَّ والتَّقْوَى، ومِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، واطْو عنَّا بُعْدَه، اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فى السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ فى الأهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فى سَفَرِنَا، واخلُفْنَا فى أهْلِنَا)). وإذَا رجع قالهنَّ وزاد فيهنَّ: ((آيِبُونَ تائِبُون، عابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ)).

وذكر أحمد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كانَ يقول: ((أنْتَ الصَّاحبُ فى السَّفَر، وَالخَلِيفَةُ فى الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِنَ الضِّبْنَةِ فى السَّفَرِ والكآبَةِ فى المُنْقَلَبِ، اللَّهُمَّ اقْبِضْ لَنَا الأرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ))، وَإذَا أراد الرجوع قال: ((آيبون تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ))، وإذَا دخل أهْلَهُ قالَ: ((تَوْبَاً تَوْباً، لِرَبِّنَا أوْباً، لا يُغادِرُ عَلَيْنَا حَوْباً)).

وفى ((صحيح مسلم)): أنه كان إذا سافر يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، ومِنْ سُوءِ المَنْظَر فى الأهْلِ والمال)).


فصل

فى ما يقوله إذا وضع رِجْلَه فى الركاب

وكانَ إذَا وَضَعَ رِجْلَه فى الرِّكَابِ لِرُكُوبِ دَابَّتِهِ، قال: ((بِسْمِ الله))، فَإذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ))- ثَلاثاً- ((الله أكْبَرُ))- ثَلاثاً، ثُمَّ يَقُولُ: ((سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون))- ثمَّ يقولُ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ))- ثَلاثاً- ((الله أكْبَرُ)) ثَلاثاً، ثمَّ يَقُولُ: ((سُبْحَانَ الله))- ثلاثاً، ثمَّ يقول: ((لا إلَه إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، سُبْحَانَكَ إنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى، فَاغْفِرْ لِى، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنْتَ)).

وكانَ إذَا ودَّعَ أصحابَه فى السفر يقولُ لأحدهم: ((أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَواتيمَ عَمَلِكَ)).

وجاء إليه رجل وقال: يا رسولَ الله: إنِّى أُرِيدُ سَفَراً، فَزَوِّدْنِى. فقال(زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى)). قال: زِدْنِى. قال: ((وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ)). قال: زدنى. قال: ((ويَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ)).

وقال له رجل: إنِّى أريدُ سفراً، فقال: ((أُوصيك بتقْوَى الله، والتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ))، فلمَّا ولَّى، قال: ((اللَّهُمَّ ازْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ)).

وكان النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، إذَا عَلوُا الثنايا، كبَّرُوا، وَإذَا هَبَطُوا، سبَّحُوا، فوضعت الصلاة على ذلك.

وقال أنس: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم إذا عَلا شَرَفاً مِنَ الأرْضِ، أو نَشْزاً قال: ((اللَّهُمَّ لَكَ الشَّرَفُ عَلَى كلِّ شَرَفٍ، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَمْدٍ)).

وكان سيرُه فى حَجَّه العَنَقَ، فإذَا وَجَدَ فجوةً، رَفَعَ السَّيرَ فوقَ ذلكَ، وكَانَ يقول: ((لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رفْقَةً فيها كَلْبٌ وَلا جَرَسٌ)).

وكان يكرهُ للمُسَافر وحْدَهُ أن يسيرَ بالليل، فقالَ: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسَُ ما فى الوحْدَةِ ما سَار أحَدٌ وَحْدَه بِلَيْلٍ)).

بل كان يَكْرَهُ السفرَ للواحد بلا رفقة، وأخبر: ((أنَّ الوَاحِدَ شَيْطَانٌ والاثْنَانِ شَيْطَانَانِ، والثَّلاَثَةُ رَكْبٌ)).

وكان يقول: ((إذَا نَزَلَ أحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّات مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، فَإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ)). ولفظ مسلم: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثم قَالَ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَىءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزله ذلك)).

وذكر أحمد عنه أنه كانَ إذَا غزَا أو سافر، فَأدرَكَهُ الليل، قال: ((يا أرضُ رَبِّى وَرَبُّكِ الله، أَعُوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ، وشَرِّ ما خُلِقَ فِيكِ، وَشَرِّ ما دَبَّ عَلَيْكِ، أعوذُ بالله مِنْ شَرِّ كُلِّ أسَدٍ وأَسْود، وَحَيّةٍ وَعَقْرَبٍ، ومِنْ شَرِّ سَاكِنِ البَلَد، ومِنْ شَرِّ وَالد، ومَا وَلَدَ)).

وكان يقولُ: ((إذا سَافَرْتم فى الخِصْب، فَأَعْطُوا الإبَلَ حَظَّهَا مِنَ الأرض، وَإذَا سَافَرْتُمْ فى السَّنَةِ، فبادروا نِقْيَها)). وفى لفظ: ((فأسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وإذَا عَرَّسْتُم، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأوَى الهَوَامِّ باللَّيْلِ))

وكان إذا رأى قريةً يُريد دخولها قال حين يراها: ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأرْضين السَّبْعِ ومَا أَقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيحِ وَمَا ذَرَيْن، إنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فيهَا)).

وكانَ إذا بدا له الفجرُ فى السَّفرِ، قال: ((سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ الله وحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذاً بالله مِنَ النَّارِ)).

وكان يَنْهَى أن يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدُوِّ، مخَافَةَ أنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.

وَكَانَ يَنْهى المَرْأَةَ أنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مَسَافَةَ بَرِيدٍ.

وكانَ يَأْمُرُ المُسَافِرَ إذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ، أن يُعَجِّلَ الأوْبَةَ إلَى أهْلِهِ.

وَكَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ يُكَبِّر عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: ((لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، آيُبونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-12-2003, 05:49 AM   #120
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان ينهى أنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهْلَهُ لَيْلاً إذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ.

وفى ((الصحيحين)): كان لا يَطْرُقُ أهْلَه لَيْلاً يَدْخُلُ عَلَيْهنَّ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً.

وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ يُلَقَّى بِالْوِلْدَانِ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ، قالَ عبد الله بنُ جعفر: وإنه قَدِمَ مَرَّةً مِن سفر، فَسُبِقَ بى إليه، فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثم جِئَ بأَحَدِ ابنى فاطمَةَ، إما حَسَن وإما حُسين، فأردفه خلفَه، قالَ: فدخلنا المَدِينَةَ ثَلاثَةً على دَابَّةٍ.

وكان يعتنِق القَادِمَ مِنْ سَفَرِهِ، ويُقَبِّلُه إذا كَان مِنْ أهْلِهِ. قال الزهرى: عن عُروة، عن عائشة: قدم زيدُ بنُ حارثة المدينةَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى، فأتاه، فَقَرَعَ البَابَ، فَقَامَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُرياناً يَجُرُّ ثَوْبَهُ، واللهِ ما رأيته عُرياناً قَبْلَه ولا بَعْدَه، فاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ.

قالت عائشةُ: لما قَدِمَ جعفرٌ وأصحابُه، تلقاه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ.

قال الشعبى: وكان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ، تَعَانَقُوا.

وكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَرَكعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ.


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى أذكار النكاح

ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه علَّمهم خُطبة الحاجَةِ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللَّهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الله، فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه وَرَسُولُهُ))، ثُمَّ يَقْرَأُ الآيَاتِ الثَّلاثَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا الله الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ، إنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]، { يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا اتَّقُوا الله وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].

قال شعبة: قلت لأبى إسحاق: هذه فى خطبة النكاح، أو فى غيرها؟ قال: فى كل حاجة.

وقال: ((إذَا أفَادَ أحَدُكُم امْرَأةً، أو خَادِماً، أو دابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بناصِيَتِها، وَلْيَدْعُ الله بِالبَرَكَةِ، وَيُسَمِّى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ خَيْرَها، وخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ)).

وكان يقولُ للمتزوج: ((بَارَكَ الله لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فى خَيْرٍ)).

وقال: ((لَو أنَّ أحَدَكم إذا أراد أنْ يَأْتِىَ أَهْلَه، قال: بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فإنه إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فى ذلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً)).


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فيما يقول مَنْ رأى ما يُعجبه مِن أهله ومالِه

يُذكر عن أنس أنه قال: ((ما أنعم الله عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فى أهلٍ، ولا مَالٍ، أو ولدٍ، فيقول: ما شَاءَ الله، لا قُوَّة إلاَّ باللَّهِ، فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ المَوْتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ الله لا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39])).


فصل

فيما يقول مَن رأى مُبْتَلى

صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما مِنْ رَجُلٍ رأى مُبْتَلى فقالَ: الحمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى ممَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِى عَلَى كَثير ممَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، إلاَّ لَمْ يْصِبْه ذَلِكَ البَلاءُ كَائِناً مَا كَانَ)).


فصل

فيما يقوله مَن لحقته الطِّيرَةُ

ذُكِرَ عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدهُ، فَقَالَ: ((أحْسَنُهَا الفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِماً، فَإذَا رَأَيْتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلْ: اللَّهُمَّ لا يَأتِى بالحَسَنَاتِ إلاَّ أنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ)).

وكَانَ كَعب يقول: ((اللَّهُمَّ لا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، وَلاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ، وَلاَ رَبَّ غَيرُكَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ، والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنَّهَا لرأْسُ التَّوَكُّلِ، وكَنْزُ العَبْدِ فى الجَنَّةِ، ولا يقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمْضِى إلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَىء)).


فصل

فيما يقوله مَن رأى فى منامه ما يكرهه

صَحَّ عنهُ- صلى الله عليه وسلم-: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فمَنْ رَأى رُؤيَا يَكْرَهُ مِنْهَا شَيْئاً، فَلّيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثلاثاً، وَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإنَّهَا لا تَضُرُّهُ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أحَداً. وَإنْ رَأَى رُؤيَا حَسَنَةً، فَلْيَسْتَبْشِرْ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا إلاَّ مَنْ يُحِبُّ)).

وَأَمَرَ مَنْ رَأى مَا يَكْرَهُهُ أنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أنْ يُصَلِّىَ.

فأمره بخمسةِ أشياء: أن ينفُثَ عَنْ يساره، وَأن يستعيذَ باللَّهِ من الشَّيطان، وأن لا يُخبر بها أحداً، وأن يتحوَّل عن جنبه الذى كان عليه، وأن يقومَ يُصلِّى، ومتى فعل ذلك، لم تضرَّه الرؤيا المكروهة، بل هذا يدفَعُ شرَّها.

وقال: ((الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فإذَا عُبِّرَتْ، وَقَعَتْ، ولا يَقُصُّهَا إلاَّ على وَادٍّ، أوْ ذِى رَأْى)).

وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، إذَا قُصَّت عليه الرؤيا، قال: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ خَيْراً فَلَنَا، وإنْ كَانَ شَرَّاً، فَلِعَدُوِّنَا.

ويُذكر عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عُرِضَتْ عَلَيهِ رُؤْيَا، فَلْيَقُلْ لِمَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ خَيْراً)).

ويُذكر عنه أنه كان يقول للرائى قبل أن يعبرُها له: ((خَيْراً رَأَيْتَ)) ثم يَعْبُرُهَا.

وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا أراد أن يَعْبُر رُؤيا، قال: إن صَدَقَتْ رُؤياكَ، يكونُ كذا وكذا.


فصل

فيما يقولُه ويفعلُه مَن ابتُلى بالوَسْوَاسِ، ومَا يستعينُ به على الوسوسة

روى صالحُ بن كَيْسان، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود يرفعه: ((إنَّ لِلمَلَكِ الموَكَّلِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمّةً، وَلِلْشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ المَلَكِ إيعَادٌ بِالخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، وَرَجَاءُ صَالِحِ ثَوابه، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ، إيعَادٌ بالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بالحَقِّ، وقُنُوطٌ مِنَ الخَيْرِ، فَإذَا وجَدْتُمْ لَمَّةَ المَلَكِ، فَاحْمدُوا الله، وسَلُوه مِنْ فَضْلِهِ، وَإذَا وَجَدْتُمْ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ، فَاسْتَعِيذُوا بِاللَّه وَاسْتَغْفِرُوه)).

وقال له عثمانُ بنُ أبى العاص: يا رَسُولَ الله ؛ إنَّ الشيطانَ قد حال بينى وَبَيْنَ صَلاتِى وقِراءتى، قال: ((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ له: خِنْزَبٌ، فَإذَا أحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، واتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثاً)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى Aboabdalah الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال 2 09-16-2009 01:15 AM


الساعة الآن 07:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir