حديث: لما كذبتني قريش قمتُ في الحِجر
وعَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلاَ الله لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ".
ترجمة راوي الحديثين:
جابر بن عبد الله رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الخامس من كتاب الإيمان.
وأبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.
تخريج الحديثين:
حديث جابر رضي الله عنه أخرجه مسلم، حديث (170)، وأخرجه البخاري في " كتاب التفسير " " باب أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ "، حديث (4710)، وأخرجه البخاري في " كتاب التفسير " " باب ومن سورة بني إسرائيل" حديث (3133)
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه مسلم، حديث (172) وانفرد به عن البخاري.
شرح ألفاظ الحديثين:
• (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ): أي حين نسبوني إلى الكذب فيما ذكرت من قضية الإسراء وطلبوا مني علامات بيت المقدس [انظر تحفة الأحوذي (8/ 566) وفيض القدير (5/ 381)].
• (قُمْتُ فِي الْحِجْرِ): بكسر الحاء أي في حجر الكعبة أي ما حواه حطيم الكعبة وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الشمالي. [ انظر المرجعين السابقين].
• (فَجَلاَ الله لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ): أي كشف وأظهر الله لي بيت المقدس. [ فيض القدير(5/ 381)].
• (فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ ): أي جعلت أخبرهم.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيان معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر قريشاً بما سألته من وصف بيت المقدس الذي أسري إليه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك حين كذبته قريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكانه بين قريش في مكة ينظر إلى بيت المقدس ويصفه لهم.
وذكر ابن حجر رحمه الله احتمال أن الله تعالى رفع له بيت المقدس فما يسألونه عن شيء إلا نبأهم به كما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه عند مسلم بلفظ " فرفعه الله لي"
واحتمال أنه حُمل صلى الله عليه وسلم إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد. [انظر الفتح (7/ 200)].
وردَّ بدر الدين العيني - رحمه الله - الاحتمال الثاني لدلالة النص على الأول رحمه الله الاحتمال الثاني لدلالة النص الأول فقال:" قال بعضهم يحتمل أنه حمل إلى موضع بحيث يراه ثم أعيد، قلت: لا طائل في ذكر الاحتمال بل قوله "فرفعه الله إليه" يدل قطعاً على أن الله رفعه ووضعه بين يديه قطعاً، والدليل عليه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما" فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضعه عند دار عقيل، فنعتُّه وأنا أنظر إليه" وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين" [عمدة القاري (25/ 68)].
الفائدة الثانية: الحديث شاهد من شواهد نصرة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، والنصر عند الله لأنبيائه وأوليائه والمؤمنين كما قال تعالى:﴿
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51].
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على أن الداعية مهما بلغت منزلته فإنه عرضة للإيذاء سواء كان حسياً أو معنوياً فها هو إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم يواجه تكذيباً وصدوداً في دعوته.
الفائدة الرابعة: الحديث فيه شدة مكابرة وتكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الخامسة: في حديث أبي هريرة رضي الله عنه بيان ما امتن الله به على نبيه وما شرفه به من إمامة الأنبياء ليلة الإسراء.
قال النووي رحمه الله:" قال القاضي: فإن قيل كيف رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت المقدس، ووجدهم على مراتبهم في السماوات، وسلموا عليه ورحبوا به؟ فالجواب أنه يحتمل أن تكون رؤيته موسى عليه السلام في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وفي طريقه بيت المقدس، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم، ثم سألوه ورحبوا به، أو يكون اجتماعه بهم وصلاته ورؤيته موسى عليه السلام بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى والله أعلم"[شرح مسلم (2/ 407)].
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)
الالوكة