الإهداءات | |
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||||||
|
||||||||
قاعدة قرآنية عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل
قاعدة قرآنية عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل الناس معادن؛ منهم الطيِّب، ومنهم دون ذلك. دون ذلك: لا بدَّ من وجودهم لتحقُّق الحكمة الإلهية: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20]، و﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]. أصحاب المعدن الطيب: كفاهم اللهُ تعالى أمرَ أنفسهم في معاملاتهم لغيرهم، فلا يبدؤون الناس إلا بخير. لكن بعضهم لا يَصبر على الأذى من غيره، وليس بالأمر الهيِّن: 1- تكفيهم شرَّك. 2- تُؤدِّي إليهم حقوقهم الواجبة عليك لهم. 3- تحسن إليهم تطوعًا. ثم يقابلون كلَّ هذا بالأذى؛ ولهذا قال تعالى في مقابلة السيئة بالحسنة: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35] 1- فيدفعه إلى ترك الإحسان إلى من أساء إليه: قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]. أُنزلت في أبي بكر الصدِّيق ومِسْطَح - عوف بن أُثاثة - وكان بينه وبين أبي بكر الصدِّيق قرابةٌ، وكان يتيمًا في حجره، وكان ممن خاض في الإفك على عائشة رضي الله عنها، فلما برَّأها الله، تألَّى أبو بكر ألا يوليه خيرًا أبدًا، فأنزل الله هذه الآية، وروي أن نبي الله دعا أبا بكر فتلاها عليه، ثم قال: ((ألا تحب أن يعفو الله عنك؟))، قال: بلى، قال: ((فاعف وتجاوَزْ))، فقال أبو بكر: لا جرم، والله لا أمنعه معروفًا كنت أوليه إياه قبل اليوم؛ اهـ تفسير ابن زمنين 3 / 226 - 227، الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1224 - 1225. 2- وبعضهم يقابل السيئة بمثلها: أ- في الاقتصاص من المعتدي: وهذا وإن كان جائزًا فالصبر أعظم ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل 126 - 128]. وقال: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت 34، 35]، وغير ذلك من الآيات. قال ابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت: 774) في تفسير آيات النحل: "وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل، والندب إلى الفضل، كما في قوله: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، ثم قال: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، وقال: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة: 45]، ثم قال: ﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ [المائدة: 45]، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، ثم قال: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]. وقوله: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127] تأكيد للأمر بالصبر، وإخبار بأن ذلك إنما يُنال بمشيئة الله وإعانته، وحوله وقوَّتِه"؛ اهـ تفسير ابن كثير 4 / 615. وقال في تفسير ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]: "أمر بِالعَدْلِ حتى في المُشْرِكِينَ، كَمَا قَالَ: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، وقال: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]... وقد أطلق هاهنا الاعتداء على الاقتصاص، من باب المقابلة، كما قال عمرو بن أم كلثوم: ألَا لا يجهلنْ أحد علينا ♦♦♦ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا"؛ اهـ (1 / 527). وقال في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]: "يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل - وهو القسط والموازنة - ويندب إلى الإحسان، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، وقال: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، وقال: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ [المائدة: 45]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا؛ من شرعية العدل، والندب إلى الفضل"؛ اهـ (4 / 615). وقال في قوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]: "وقالبعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية، فذكر "المقتصد"، وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، ثم ذكر "السابق" بقوله: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، ثم ذكر "الظالم" بقوله: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظلم، ثم قال: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 41]؛ أي: ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم"؛ اهـ 7 / 212. ب- في منع الحقوق الواجبة عليه - غير المالية - لغيره: فيفضح من فضحه، ويقطع من قطعه من قرابته، ويهجر من هجره، ويخُون من خانه، وينتهك عرض من انتهك عرضه. وهذا ممنوع، فعليه ما حمِّل، وعلى غيره ما حمِّل، وتضييعُ غيره حقوقَه لا يبيح له تضييع حقوقهم، له ما كسب وعليه ما اكتسب، ولغيره ما كسب وعليه ما اكتسب. أما الحقوق المالية، فله أخذها متى تمكَّن منها (مع الخلاف). قال البخاري (2211): حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن هشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سرًّا؟ قال: ((خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف)) [وفي مواضع أخرى: 5364، 5370، 7180، ومسلم (1714)] وأما حديث: ((لا تخن من خانك)): أخرجه أبو داود (3534) حدثنا أبو كامل أن يزيد بن زريع حدثهم حدثنا حميد - يعني الطويل - عن يوسف بن ماهك المكي قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم، فأدَّاها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثلها، قال: قلت: أقبض الألف الذي ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدَّثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)). (3535) [والترمذي (1264)] حدثنا محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا طلق بن غنام عن شريك - قال ابن العلاء: وقيس- عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)). قال الترمذي محمد بن عيسى (ت: 279): هذا حديث حسن غريب، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقالوا: إذا كان للرجل على آخر شيء، فذهب به، فوقع له عنده شيء، فليس له أن يحبس عنه بقدر ما ذهب له عليه. ورخَّص فيه بعض أهل العلم من التابعين. وهو قول الثوري، وقال: إن كان له عليه دراهم فوقع له عنده دنانير، فليس له أن يحبس بمكان دراهمه، إلا أن يقع عنده له دراهم، فله حينئذٍ أن يحبس من دراهمه بقدر ما له عليه؛ اهـ. وفي السندين ضعف، وله طرق أخرى ولا تخلو من مقال، ومن حسَّنه من المتأخرين فبمجموع طرقه. فيحتمل زيادة على الحق أو بعد أخذ الحق، أما أخد المقابل من جنسه أو قيمته من غير جنسه، فلا يسمى خيانة. قال الخطابي أبو سليمان حمد بن محمد (ت: 388) في حديث هند أم معاوية: وفيه جواز أن يقضيَ الرجل حقَّه من مالٍ عنده لرجل له عليه حق يمنعه منه، وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنس حقه؛ وذلك لأن معلومًا أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم، ثم أطلق إذنها في أخذ كفايتها وكفاية أولادها من ماله، ويدل على صحة ذلك قولها في غير هذه الرواية: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي"؛ اهـ معالم السنن 3 / 167. وقال في الحديث الآخر: وهذا الحديث يُعَدُّ في الظاهر مخالفًا لحديث هند، وليس بينهما في الحقيقة خلاف؛ وذلك لأن الخائن هو الذي يأخذ ما ليس له أخْذُه ظلمًا وعدوانًا، فأمَّا من كان مأذونًا له في أخذ حقه من مال خصمه واستدراك ظُلامته منه، فليس بخائن، وإنما معناه: لا تخن من خانك بأن تقابله بخيانةٍ مثل خيانته، وهذا لم يخُنْه؛ لأنه يقبض حقًّا لنفسه، والأول يغتصب حقًّا لغيره. وكان مالك بن أنس يقول: إذا أودع رجل رجلًا ألف درهم فجحدها المودَع، ثم أودعه الجاحد ألفًا، لم يجز له أن يجحده. قال ابن القاسم - صاحبه -: أظنه ذهب إلى هذا الحديث. وقال أصحاب الرأي: يَسَعُه أن يأخذ الألف قصاصًا عن حقِّه، لو كان بدله حنطة أو شعيرًا، لم يسعه ذلك؛ لأن هذا بيع، وأما إذا كان مثله، فهو قصاص. وقال الشافعي: يسعه أن يأخذه عن حقه في الوجهين جميعًا، واحتج بخبر هند؛ اهـ معالم السنن 3 / 168. 3- وبعضهم يقابل السيئة بأكثر منها: قدرًا وجنسًا وعددًا، فلا يقتصر على من أساء إليه، فيتعدى انتقامُه إلى أهله أو أصحابه أو أهل بلده أو فريقه وحزبه، وهذا من الظلم والعدوان، فظلمُ غيره لا يبيح له ظُلمَهم والاعتداء عليهم، فعليه ما حمِّل وعلى غيره ما حمِّل، وسبق ذكر الآيات التي فيها تقييد جواز المعاقبة بالمثل، والنهي عن العدوان. قال السمعاني أبو المظفر منصور بن محمد (ت: 489) في تفسير "آيات النحل": أكثر أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فيما فعله المشركون بحمزة وأصحابه؛ فإنه يروى: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه وقد بُقر بطنه، وأُخذ كبده، وقطعت مذاكيره وجعلت في فيه؛ فرأى أمرًا فظيعًا؛ فقال: ((لئن قدرت عليهم، لَأُمَثِّلَنَّ بسبعين منهم))..؛ اهـ تفسير السمعاني 3 / 210. أخرجه البزار (9530)، قال ابن كثير: وهذا إسناد فيه ضعف؛ لأن صالحًا - هو ابن بشير المري - ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث؛ اهـ التفسير 4 / 614، ويروى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا ذلك انتقامًا لقتلى أُحُد. ينظر سبب نزول الآية في الدر المنثور في التفسير بالمأثور 9 / 134 وما بعدها - ط: التركي. 4- وبعضهم قد يكون سببًا في فتنة عظيمة تأتي على البلد كله: كمن ظُلم من السلطان أو من غيره ممن له أتباع ينتصرون له، فيجيِّش الناس لمحاربته، فيكون سببًا في تقسيم الناس واقتتالهم، واضطراب حال أهل البلد في أمنهم ورزقهم. ولهذا؛ من أصول أهل السنة الصبر على جور الحاكم بترك الخروج عليه. قال ابن أبي زيد أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني (ت: 386): والسمع والطاعة لأئمة المسلمين، وكل من ولي أمر المسلمين عن رضًا أو عن غلبة فاشتدت وطأته، مِن بَرٍّ أو فاجر، فلا يخرج عليه، جارَ أو عدَل، ويغزى معه العدو، ويحج معه البيت، ودفع الصدقات إليهم مجزية إذا طلبوها، وتصلَّى خلفهم الجمعة والعيدان، قال غير واحد من العلماء، وقاله مالك: لا يصلَّى خلف المبتدع منهم إلا أن يخافه فيصلي، واختلف في الإعادة؛ اهـ الجامع 148. فلا تلازم بين البغي والانتقام؛ فقد يوجد البغي ويمنع الانتقام والقتال. قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): ومن أصول هذا الموضع أن مجرَّد وجود البغي من إمام أو طائفة لا يوجب قتالهم، بل لا يبيحه، بل من الأصول التي دلت عليها النصوص أن الإمام الجائر الظالم يؤمر الناس بالصبر على جوره وظلمه وبغيه ولا يقاتلونه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في غير حديث، فلم يُأذن في دفع البغي مطلقًا بالقتال، بل إذا كانت فيه فتنة، نهي عن دفع البغي به، وأمر بالصبر؛ اهـ الاستقامة 1 / 32. وقال: وإذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم طائفة بأنها باغية، سواء كان ذلك بتأويل أو بغير تأويل، لم يكن مجرد ذلك موجبًا لقتالها ولا مبيحًا لذلك؛ إذ كان قتال فتنة. فتدبَّر هذا؛ فإنه موضع عظيم يظهر فيه الجمع بين النصوص، ولأنه الموضع الذي اختلف فيه اجتهاد علماء المؤمنين قديمًا وحديثًا حيث: رأى قوم قتال هؤلاء مع من هو أَولى بالحق منهم. ورأى آخرون ترك القتال إذا كان القتال فيه من الشر أعظم من ترك القتال، كما كان الواقع، فإن أولئك كانوا لا يبدؤون البغاة بقتال حتى يجعلوهم صائلين عليهم، وإنما يكون ذنبهم ترك واجب مثل الامتناع من طاعة معين والدخول في الجماعة، فهذه الفرقة إذا كانت باغية وفي قتالهم من الشر كما وقع أعظم من مجرد الاقتصار على ذلك، كان القتال فتنة، وكان تركه هو المشروع وإن كان المقاتل أَولى بالحق وهو مجتهد. وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقَدَر والإمامة وغير ذلك، هو من هذا الباب؛ فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغيًا، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أُمر به من الصبر؛ اهـ الاستقامة 1 / 36 - 37. والمنهج الحق "الصبر"، وأن عدم مراعاة غيرك لحرمتك التي أوجبها الله لك، لا تبيح لك عدم مراعاة حرمتهم التي أوجبها الله عليك لغيرك ولو انتقامًا منهم، ثم عليك النظر في مآل انتقامك إن اخترت الانتقام؛ فقد يكون فيه ضرر على معصوم فردًا أو جماعة. قال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور 54]. ظاهر الآية: على الرسول ما حُمِّل من البلاغ، وعلى المرسَل إليهم ما حُمِّلوا من الإجابة، ويفهم من العبارة: فلا هو يؤاخذ بعدم إجابتهم، ولا يعفيه ذلك من تبليغهم. ولا هم يؤاخذون بعدم إبلاغه، أو بإبلاغه على خلاف ما أُمر - لو فرض -، ولا يعفيهم ذلك من إجابته. قال البخاري (7052): حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا الأعمش حدثنا زيد بن وهب سمعت عبدالله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها))، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أَدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقكم)). قال ابن تيمية: فأمر مع ذكره لظلمهم بالصبر وإعطاء حقوقهم، وطلب المظلوم حقه من الله، ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور التي يكون القتال فيها فتنة، كما أذن في دفع الصائل بالقتال؛ اهـ الاستقامة 1 / 35. ويتأكد الصبر إذا كان الباغي مجتهدًا متأولًا يظن أن ما فعله هو الحق: قال ابن تيمية: وكل ما أوجب فتنة وفُرقة، فليس من الدين، سواء كان قولًا أو فعلًا، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة، ويصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول، وأما إن كان ذاك أيضًا متأولًا، فخطؤه مغفور له، وهو فيما يصيب به من أذى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم، فإذا صبر على ذلك واتقى الله، كانت العاقبة له، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120]، وقال تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، فأمَر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض، متأولين كانوا أو غير متأولين؛ اهـ الاستقامة 1 / 37 - 38. الخلاصة أن الله أمر بالحق ابتداء، وأمر بالصبر في مقابلة البغي، وفي كل منهما قد يكون مندوبًا إليه مستحبًّا، وقد يكون فرضًا واجبًا، وكما أن الفتنة في ترك الحق، فكذلك في ترك الصبر على البغي. قال ابن تيمية: ولا تقع فتنة إلا مِن ترك ما أمَر الله به؛ فإنه سبحانه أمَر بالحق، وأمر بالصبر؛ فالفتنة إما مِن تركِ الحق، وإما مِن ترك الصبر؛ اهـ الاستقامة 1 / 39. ومن هذا الباب: أداء حق المبتدع، خاصة إذا كان متأولًا، فبدعته لا تبيح ظُلمَه، فله ما للمسلمين من حقوق في عِرضه ودمه وماله؛ سبًّا ولعنًا، وقِتالًا وانحيازًا إلى خصمه الذي يوظف الطعن فيه مع السكوت عنه في استباحة دمه، خاصة إذا كان أبعد عن الحق منه، وإذا كان كفر الكافر لا يبيح ظلمه، فكيف ببدعة المسلم؟ قال ابن تيمية: وقد قال سبحانه: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضُهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأوِّلٍ من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالمًا له؛ اهـ الاستقامة 1 / 38. وبعض المنتسبين للسنة والجماعة يتقرَّبون للحاكم الظالم المعطِّل للشرع بنشر بدع خصمه؛ عونًا له على استباحته دماءهم، فليس المقصود بيان الحق؛ وإنما الوقوف مع الباغي المستحل للدم الحرام لأجْل الدنيا، وتجدهم لا يكتفون ببيان ببدعته، وإنما يخوضون في كشف أسرارٍ أمليت عليهم لا يعرفون صدقها من كذبها، ولا معنى مِن ذكرها؛ إذ لا علاقة لها بالبدعة. قال ابن تيمية: وتجد أئمة أهل العلم من أهل البدعة والفرقة من أهل الإيمان والنفاق يصنِّفون لأهل السيف والمال من الملوك والوزراء في ذلك ويتقربون إليهم بالتصنيف فيما يوافقهم، كما صنف كتاب تحليل النبيذ لبعض الأمراء - وهو الكرخي - وقد صنف... إلخ؛ اهـ الاستقامة 1 / 43 - 47. وإنما يكتفى بما يحصل به المقصود، وهو دفع شرِّ بدعته ببيان مخالفتها للشرع بعد أداء النصيحة له، ويجتنب ما لا فائدة منه؛ كالسب والشتم واللعن والفضح فيما لا علاقة له ببدعته، وإرسال ألسنة الأحداث ترتع في مسائل التبديع، بل لا بدَّ من زجرهم إن كان لأحدٍ سلطانٌ عليهم، وتوجيههم إلى طلب العلم والاستزادة منه، كل هذا مع مراعاة مقصد الشرع، وهو دفع الفتنة: الاختلاف والاقتتال. فليس المقصود إبطال شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه إنكار البدع والمحرَّمات. قال ابن تيمية: وكثير من الناس قد يرى تعارُض الشريعة في ذلك، فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة، فإما أن يؤمر بهما جميعًا، أو يُنهى عنهما جميعًا، وليس كذلك؛ بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة، كما قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17]، وقال عُبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم [خ 7199، 7200 م / 41 - (1709)]. فأمرهم بالطاعة، ونهاهم عن منازعة الأمر أهله، وأمرهم بالقيام بالحق؛ اهـ الاستقامة 1 / 41. خلاصة الخلاصة: قال ابن تيمية: وكل ما أوجب فتنة وفُرقة، فليس من الدين، سواء كان قولًا أو فعلًا، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة، ويصبر على جهل الجهول وظلمه؛ اهـ الاستقامة 1 / 37. فعلى طلبة العلم الاشتغال بما ينفعهم، وترك الخوض فيما يراعى فيه جلب المصلحة ودفع الفتنة والمفسدة اجتهادًا أو تردادًا لما يقوله مَراجعهم؛ فهذا من تزيين الشيطان ليصدَّهم عن ذكر الله والعلم، ومن استغلال مراجعهم لهم في تحقيق مقاصدهم. الالوكة |
07-29-2016, 12:26 PM | #2 |
مشرفة منتديات البرمجيات والصور والأفلام
|
الله يجزاك خير
|
اللهم انس وحشة من باتوا في قبورهم وحيدين و اجعلهم منعمين مطمئنين برضاك وعفوك عنهم يارحم الراحمين. اللهم ارحم امي وابي وجميع اموات المسلمين❤
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قاعدة قرآنية عليك ما حملت وعلى غيرك ما حمل | طالبة العلم | علوم القرآن والسنة والسيرة النبوية | 3 | 07-29-2016 02:39 AM |
لطائف قرآنية | سد الوادي | علوم القرآن والسنة والسيرة النبوية | 13 | 04-27-2013 12:32 AM |
بركة عليك وعلى أهل بيتك | المسكت | المجتمع المسلم والفتاوى | 9 | 09-06-2011 02:24 AM |
توآقيع فلآشية قرآنية | بقايا حلم | قسم التصاميم والجرافيكس | 6 | 09-03-2009 12:28 AM |
معلومات قرآنية قيمة ... | الــمــلــتــمــس | المجتمع المسلم والفتاوى | 5 | 08-27-2009 08:03 AM |