( ياحسرتى على ما فرطت في جنب الله )

بسم الله الرحمن الرحيم

ملت الأقلام وجف المداد وتكرر الطرح وسئمت النفوس وأتييت بزادي ومزودتي أجرالدنيا بقرنيها بعد أن وقفت وقفة تأمل في حال الإمام عندما قرأ في الركعة الثانية يوم الجمعة من سورة الغاشية
حتى إذا وصل إلى قوله تعالى: (( فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمسيطر (22) إلا من تولى وكفر ) الغاشية
ثم سكت الإمام وبسكوته انقطع حبل الأفكار الهائمة وقت الصلاة وتسمع المأمومين يردون عليه بعد أن طال سكوته ولكنه كان سكوتا قد انقطع معه صوته ، وخيم هدوء منقطع النظير ، عجيب رهيب فلم يستطع الإمام أن يكمل السورة وحمل على نفسه وأكمل قول الله تعالى : ((فيعذبه الله العذاب الأكبر ))
ولكنه وقف عند قول الله تعالى : (( إن إلينا إيابهم )) ولا تسمع إلا أزيز صدره ونشيجه
وأكمل قول الله تعالى : ((ثم إن علينا حسابهم )) بصوت لا تكاد تفهمه وركع وهنيئا له ذلك الخشوع
بعدها وقفت مع نفسي عند قوله تعالى : ((إن إلينا إيابهم ))
وتذكرت ذلك الإياب والرجوع والإقدام على الله كيف ستكون رهبته في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة يوم الطامة يوم الصاخة يوم القيامة يوم الزلزلة يوم يشيب الولدان
(( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ))
(( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ))
السماء كشطت وانفطرت وانشقت
والبحار فجرت وسجرت
والشمس كورت
والنجوم انكدرت والكواكب انتثرت
والجبال سيرت ودكت
والأرض مدت وتصدعت
(( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار(48) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (49) سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار (50) )) إبراهيم
والقبور بعثرت وخرج المقبورن وأنت فيهم تنفض عن رأسك التراب في يوم مهيل قد جثت الأمم على الركب ، وبلغ العرق مبلغه ، واقتربت الشمس من رؤوس الخلائق ، حفاة عراة غرلا الرجال والنساء قد ذهل بعضهم عن بعض ، واحسرتاه واخجلتاه ، قد تطايرت الصحف ونشرت وآخذ كتابه بيمينه فهو فرح مسرور في عيشة راضية
وآخذ كتابه بشماله يقول : (( ياليتني لم أوت كتابيه ))
في موقف رهيب عصيب مخيف مهيل
(( وجيء يومئذ بجهنم )) لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حرها شديد وقعرها بعيد سوداء مظلمة موحشة ، طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم يتجرعه ولا يكاد يسيغه
(( وجاء ربك والملك صفا صفا ))
لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد إله الأولين والأخرين ، رب كل شيء ومليكه كل شيء هالك إلا وجه ، سبحانك ربي ما أحلمك سبحانك ربي ما ألطفك سبحانك ربي ما أعظمك سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك وما شكرناك حق شكرك أطعناك بإذنك والمنة لك وعصينا بعلمك والحجة لك
يامن أظهر الجميل وستر القبيح يامن لا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر ، ذنوبنا قد بلغت عنان السماء وأنت رب غفور لا راد لقضائك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرضا
وجميل عفوك ثم أني مسلم
كيف حالنا في ذلك الموقف أين نحن من المتحابين في جلال الله على منابر النور يغبطهم الأنبياء والشهداء ، أين نحن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ومنهم رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ومنهم رجل قلبه معلق بالمساجد ومنهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، كيف حالك عندما ُينادى عليك يافلان ولا مجيب غيرك
(( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ))
(( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ))
والله إن الفوز هنا هو الفوز الحقيقي
(( فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز ))
ما أجمل عبيرها وريحها وريحانها ، فاقت كل صورة واشتاقت إليها النفوس المطمئنة ، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، ياقرة عيون الموحدين ، وياجزاء المحسنين ، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، حُطت فيها الرحال فلا نصب ولا وصب ولا صخب ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ملاطها المسك وحصبائها الزعفران .
إلهي وخالقي لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا
كتبت حديث نفس شوقا وخوفا رجاء وأملا مذكرا نفسي وإياكم متذكرا الإياب والعودة والرجوع والأوبة لامناص ولا فرار ، طريق مسلوك لا محالة وجثة محمولة على الأكتاف توارى في التراب مطروحة مُودعة مقبلة غير مدبرة طوعا أو كرها في ظلمة القبر الموحشة لا أنيس ولا صديق ، أين الذين تحبهم قد غيبك عنهم الأجل
(( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )) قد فُرش لنا التراب والتحفنا التراب وغطاؤنا التراب
(( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ))
تذكر وأنت في قبرك وحيدا وقد أتاك الملكان أسودان أزرقان يسألانك من ربك وما دينك ومن نبيك
تذكر إذا مُثل لك عملك إما حسن الثياب طيب الريح من أنت ووجهك الوجه الذي يجيء بالخير وإما قبيح الثياب منتن الريح من أنت ووجهك الوجه الذي يجيء بالشر أنا عملك الصالح أو أنا عملك القبيح
تذكر عندما تقول يارب أقم الساعة لعلي أرجع إلى أهلي ومالي فيقال نم نومة العروس ، وتذكر عندما يقال لك افتحوا له بابا إلى الجنة وافرشوه من الجنة فيأتيك من روحها ، وإما يقال والعياذ بالله افتحوا له بابا إلى النار وافرشوه من النار فيأتيه من حرها وزمهريرها
يارب إن رحمتك سبقت غضبك وأنت رب رحيم عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، نسألك حسن الخاتمة وحسن المطلع ، أحببت أن أكتب مقالا في نهاية هذا العام عل الله أن ينفع به الجميع وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وأن يجمعنا في مستقر رحمته ودار كرامته
وصلى الله على سيدنا محمد.

جزاك الله خير
ونسأل الله العظيم أن يتوب علينا ويغفر لنا ذنوبنا وأسرافنا في أمرنا
اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء .. اللهم أرحمنا وأغفر لنا وتجاوز عنا
لاحول ولاقوة لنا إلا بك يا أرحم الراحمين ويا اكرم الاكرمين

المهاجر

اشكر تواجدك وحضورك

عذبه الروح

اشكر تواجدك وحضوك