|
#1
|
|||||||
|
|||||||
اسرار
السر الأول
كيف تكون نجمًا اجتماعيًّا؟ كان يسير بسيارته وحيدًا، ليس معه أنيس أو صديق، يسير بها على الطريق السريع، لا يعبأ بتلك السرعة الجنونية، وتلك السيارات التي يعبر بها في لمح البصر، دائمًا ما كان يسعى إلى هدف واحد، أن يحقق ذاته، وينجح في حياته، حتى لو صار وحيدًا. وبينما هو غارق في أحلامه وحيدًا، شاردًا ذهنه مع تفاصيلها، إذ بسيارة تظهر فجأة أمام سيارته، يحاول تفاديها قدر استطاعته، يحرك عجلة القيادة يمنة ويسرة، يحاول أن يستخدم مهاراته في قيادة السيارة التي طالما تفاخر بها أمام الجميع، يبذل قصارى جهده في تفادي تلك السيارة، ولكن دون جدوى، اصطدم بها اصطدامًا مريعًا، وانقلبت السيارة عدة مرات، لتستقر على جانب الطريق، وألسنة اللهب بدأت في الاشتعال، وعامود من الدخان أعلن عن وجوده، فسد الآفاق بوشاح أسود. خرج صديقنا من سياراته، والدماء بدأت تلطخ جزءًا من وجه وملابسه، خرج وبعض من الكدمات والكسور قد حازت لها مكانًا بين عظامه، خرج مترنحًا يبحث عن هاتفه المحمول بين بقايا سيارته، أو داخل ملابسه؛ فكانت المفاجأة أن يرى هاتفه المحمول سليمًا، ولكنه ملقى على جانب الطريق، جمع قواه، أو ما تبقى منها، وأسرع نحو الهاتف المحمول، أخذ يقلب بين الأرقام، ولسان حاله يقول: (أحمد، لا؛ فطالما أهملت طلباته، ولم أحقق له الخدمات التي أرادها منها). أخذ يقلب مرة أخرى، فرأى رقم هاتف محمد، ولكنه سرعان ما تجاوزه لغيره، فقد حكى له محمد كثيرًا من مشاكله، ولكنه لم يقدم لأي منها حلول، وهكذا بدأ مخزون الأرقام في هاتفه ينفد، وبينما الأمل يتسرب منه ويتصاعد إلى السماء؛ ليختلط بدخانها الأسود، إذا به يجد رقم هاتف صديقه محمود، فقال في نفسه: (نعم، هو ذاك، لقد قدمت له كثيرًا من الخدمات، ولزامًا عليه أن يحضر حالًا لمساعدتي). أتصل بصديقه محمود، وما أن أتم الضغط على أرقام هاتفه، وبينما ينتظر الفرج الآتي، والمساعدة والنجدة المحتملة، إذا برسالة تخرج من هاتفه، رسالة ما كان يحب أن يسمعها في الأوضاع العادية، فكيف يسمعها الآن؟! إنها رسالة تخبره بأن رصيده قد انتهى، ولن يسمح له بإجراء مكالمات هاتفية من محموله. وحينها رمى صديقنا بالهاتف على الأرض فتكسر، وأخذ يموج شرقًا وغربًا، حتى إذا خارت قواه، جلس واضعًا كفيه على خديه، منتظرًا فرجًا ومعونة من الله تبارك وتعالى، ولكن متى وكيف سيأتي هذا الفرج؟ هل سيمكث أيامًا على تلك الحال؟! أم هل سيعرف بمكانه أحد وينقذه؟ هكذا سيمضى صاحبنا دقائق، أو ساعات أو بالكثير أيام، ولكن دعني أخبرك بالأمر الأخطر، ألا وهو أن هناك من البشر من يقضون سنوات حياتهم المديدة بنفس الطريقة؛ فتأخذهم دوامة الحياة بعيدًا عن قلوب تحوطهم برعايتها، ونفوس تضمهم بعنايتها، فيشعرون أنهم قادرون على تحقيق النجاح وحدهم، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن النجاح يعتمد على فريق من المساعدين، وأن منصة التميز تتسع للكثيرين، وأن شعار الإنسان في الحياة لابد وأن يكون: (أنا لست وحدي). صعبة ولكنها هامة. ربما يفضل البعض أن يكون وحده؛ لأنه يظن أن الحياة مع الآخرين بالرغم من أهميتها، إلا أنها صعبة، حيث عليك أن تصبر على أذاهم، وتحاول إقناعهم أو تحفيزهم لأمر ما، وربما تختلف معهم وتعارضهم في بعض الأمور، ولذا يجنح البعض إلى الهروب من كل تلك الصعوبات بالركون إلى الذات، والعيش في إطارها فقط. ولكنها في نفس الوقت تحوي الكثير من الأهمية، ولعل إحساس الإنسان بفوائد العلاقات الاجتماعية هي السر الأول على طريق الإنسان ليصبح نجمًا اجتماعيًّا. نجاح أعظم. فهناك دراسة يذكرها لنا ديل كارنيجي في كتابه كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، وتؤكد أن هناك 15% من نجاح الشخص ترجع إلى معرفته الفنية، بينما 85% الباقية ترجع إلى المهارة في الهندسة الإنسانية، وترجع إلى الشخصية والقدرة على قيادة الناس. وليس الأمر يتوقف عن هذا الحد، بل إن زيج زيجلار ليصف نجاحًا من نوع آخر، يتعلق بالصلات الاجتماعية والاهتمام بها، فيقول: (ستكون ناجحًا عندما تعرف كيف تحول أعداءك إلى أصدقاء، وكيف تحصل على الحب والاحترام ممن يعرفونك جيدًا). حياة أسعد. بل لقد وصل الأمر بزيج زيجلر ـ أحد أكبر علماء التنمية البشرية في العالم اليوم ـ أن يعتبر أن من أهم أسس السعادة في الحياة هو العلاقات الشخصية، فيقول في كتابه الشهير (النجاح للمبتدئين): (لماذا يرتكز كتاب النجاح للمبتدئين على العلاقات الشخصية؟ لأنك إذا سألت ألف شخص عن أهم شيء يريدونه في الحياة؛ فيمكنني أن أضمن لك أن السعادة ستأتي على رأس القائمة بالنسبة لمعظمهم، وسل نفس هؤلاء الأشخاص عما يعتقدون أنه سيجعلهم أسعد الناس، وسوف تقول لك الغالبية العظمى: تكوين علاقات شخصية رائعة مع من أحب). مفتاح النجاح الوظيفي. بل هي سبيل للحصول على الوظيفة ابتداء؛ وهذا ما يؤكده أحد أكبر رجال الأعمال وأغناهم في عصره، وهو جون د. روكفيلير حين يقول: (إن القدرة على التعامل مع الناس لهي سلعة تباع مثلها مثل الشاي والقهوة، وسوف أدفع لمن لديه هذه القدرة أكثر مما أدفع لأي شخص آخر على الإطلاق). وفي نفس الوقت هي مفتاح النجاح فيها، وإليك قصة يحكيها ديل كارنيجي عن أحد تلامذته يسمى تشارلز وولترز، والذي كان مكلفًا بأن يعد تقريرًا سريًّا عن إحدى الشركات، ولم يكن يعرف إلا شخصًا واحدًا، لديه المعلومات التي كان يحتاجها بشكل عاجل، وبينما كان وولترز جالسًا عند ذلك الرجل ـ وهو رئيس الشركة ـ إذا بموظفة تقول له أنها لم تجد أي طوابع اليوم، وأوضح الرئيس لوولترز أنه يقوم بجمع الطوابع؛ لأجل ابنه البالغ من العمر اثني عشر عامًا. صرح وولترز بمهمته، وبدأ في طرح الأسئلة، وعمد المدير إلى الغموض والتعميم وعدم الوضوح، ولم يكن يريد أن يتحدث، واتضح أنه ليس هناك شيء يمكن أن يقنعه بالحديث، وهكذا كانت المقابلة قصيرة وجافة، يقول وولترز: بصراحة لم أعرف ماذا أفعل؟ ثم تذكرت ما قالته له سكرتيرته: (طوابع ... ابن في الثانية عشر)، وتذكرت أيضًا أن إدارة الشؤون الخارجية في البنك التي أعمل فيه تقوم بجمع الطوابع. وفي ظهر اليوم التالي اتصلت بهذا الرجل، وقلت له إن لدي طوابع لابنه، هل استقبلني بحماسة؟ نعم بالطبع، فإنه ما كان ليصافحني بحماسة أكثر من هذه؛ حتى لو كان يخوض انتخابات الكونجرس، وظهرت الابتسامات على وجهه، وحسن النية، وظل يقول وهو يتحسس الطوابع: إن ابني جورج سوف يحب هذا الطابع، انظر إلى هذا، إنه كنز. وقضينا نصف ساعة نتحدث عن الطوابع، وننظر إلى صورة لابنه، وبعد ذلك قضى معي ما يزيد عن ساعة من وقته؛ يعطيني المعلومات التي كنت أريدها، حتى دون أن أطلب منه ذلك، وأخبرني بكل ما كان يعرفه، ثم استدعى مرؤوسيه وأخذ يسألهم، واتصل ببعض زملائه، وحملني بالحقائق والأرقام والتقارير، وبلغة الصحافة؛ لقد كان هذا سبقًا بالنسبة لي. نجاح مؤسسيٌّ أيضًا. هل تعرف شركة فيدكس (FedEx) لنقل الرسائل والطرود، تلك الشركة استطاعت أن تصل إلى العالمية والنجاح والشهرة والتميز؛ لأنها أيقنت فكرة أهمية الاهتمام بالعاملين لديها، وبإيجاد نوع من الصلات القوية بين الإدارة والعاملين من جهة، وبين العاملين أنفسهم، وهذا ما يؤكده فريد سميث من شركة فيدكس بقوله: (منذ نشأة شركتنا، والعاملون يشغلون صدر قائمة أولوياتها؛ لأن هذه هي السياسة السليمة، ولأن تلك خطوة عملية سليمة أيضًا، وتتلخص فلسفة شركتنا في البيان التالي: (العاملون – الخدمة – الأرباح)، ولذا اعمل على إعلاء قيمة العاملين لديك بصفتهم أعظم أصل لديك، وستزداد قيمتهم بصورة مستمرة). وهذا ما يؤكده الدكتور عبد الكريم بكار بقوله: (كلما ارتقى الإنسان في مدارج الكمال، زادت حاجته إلى الآخرين ـ على خلاف ما يتوهم ـ وصار المزيد من نموه واكتماله مرتبطًا بالمزيد من العلاقات الجيدة مع أسرته وزملائه وعملائه). صحة أفضل. ولعلك تعجب ـ عزيزي القارئ ـ وتقول: (وما علاقة الصلات الاجتماعية بالصحة؟)، ولكن عجبك يزول بعد أن أخبرك عن تلك الدراسة التي أجريت في السويد، والتي تفيد بأن العزلة الاجتماعية ضارة بالصحة، وتوضح السبب وراء ارتفاع نسبة تعرض الأشخاص المنعزلين اجتماعيًا لأمراض متعددة، ولا سيما أمراض القلب. فقد قامت الدكتورة مريام هورستن، وزملاؤها بمعهد كارولينسكا بمدينة استوكهولم، بقياس معدل ضربات القلب لثلاثمائة امرأة، يتمتعن بكامل صحتهن البدنية، وذلك لمدة أربع وعشرين ساعة، كما تم إجراء مسح شامل على مجموعة من أصدقائهم ومدى شعورهن بالغضب والاكتئاب. وكانت هورستن وفريقها يهتمون بتغير معدل ضربات القلب، أي قياس مدى تغير معدل ضربات القلب على مدار اليوم العادي، ومن المعروف أن معدل ضربات القلب الذي لا يتنوع كثيرًا يرتبط بحدوث عديد من أمراض القلب لدى الإنسان. وجاءت النتائج لتأكد أن النساء اللاتي كن يعشن حياة الوحدة، ولا يجدن من يساعدهن على التغلب على الأنشطة المسببة للتوتر، مثل إدارة الشئون المنزلية، كن أكثر تعرضًا لقلة التنوع في معدل ضربات القلب، وبالتالي أكثر تعرضًا للنوبات والأمراض القلبية. أخيرًا وليس آخرًا. إذن فهي رحلة من الأسرار المتميزة التي تصبح بها نجمًا اجتماعيًّا، وهذا هو السر الأول، أن تدرك أهمية تلك الصلات الاجتماعية، فإنت كنت ـ عزيزي القارئ ـ تريد نجاحًا في حياتك الشخصية، والمهنية، وإن كنت مديرًا وتريد نجاحًا لمؤسستك أو شركتك، وإن كنت تريد صحة أفضل، ونفسية سعيدة في عملك وفي علاقاتك الإنسانية، فهيا بنا مع تلك الرحلة لنتعرف على أسرار الطريق إلى النجومية الاجتماعية. أهم المراجع. 1. كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟ ديل كارنيجي. 2. قوة الذكاء الاجتماعي، توني بوزان. 3. النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار. 4. 256 بصيرة في الشخصية، د.عبد الكريم بكار. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل. |
12-03-2009, 11:26 AM | #2 |
|
السر الثاني كيف تكسب قلوب الناس؟ جاء البراء بن معرور، وكعب بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ إلى رسول الله rفي مكة، وهو جالس مع عمه العباس t، فسأله رسول اللهr: (هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟)، قال: (نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك)، فقال رسول اللهr: (الشاعر؟!)، قال: نعم. يقول كعب بن مالك: فوالله ما أنسى قول رسول الله r: (الشاعر)، فانظر ـ عزيزي القارئ ـ كيف تكون كلمات الاهتمام والتقدير بلسمًا تطيب به النفوس، وتنشرح به الصدور، وتطمئن له القلوب؟ فكيف يعطيك شخص مفتاح الدخول إلى عالمه، دون أن يشعر بحاجتك إلى المفتاح؟ وكيف يحكي لك شخص أهم قصة قرأها ـ قصة حياته ـ دون أن يشعر بأشواقك إلى السماع؟ وكيف يعرض عليك تصوراته، دون أن يلحظ في بريق عينيك رغبة وتلهفًا للاستماع؟ وهذا هو السر الثاني من أسرار الطريق نحو النجومية الاجتماعية. الطوابع والاتصال الفعال. وانظر أيضًا كيف كان الاهتمام بما يهم الآخرون جسرًا يقوي الاتصال بهم؟ وذلك من خلال هذه قصة التي يحكيها لنا أحد تلامذة ديل كارنيجي، ويدعى تشارلز وولترز، والذي كان مكلفًا بأن يعد تقريرًا سريًّا عن إحدى الشركات، ولم يكن يعرف إلا شخصًا واحدًا، لديه المعلومات التي كان يحتاجها بشكل عاجل. وبينما كان وولترز جالسًا عند ذلك الشخص ـ وهو رئيس الشركة ـ إذا بموظفة تقول للرئيس أنها لم تجد أي طوابع اليوم، وأوضح الرئيس لوولترز أنه يقوم بجمع الطوابع؛ لأجل ابنه البالغ من العمر اثني عشر عامًا. صرح وولترز بمهمته، وبدأ في طرح الأسئلة، وعمد المدير إلى الغموض والتعميم وعدم الوضوح، ولم يكن يريد أن يتحدث، واتضح أنه ليس هناك شيء يمكن أن يقنعه بالحديث، وهكذا كانت المقابلة قصيرة وجافة. يقول وولترز: بصراحة لم أعرف ماذا أفعل؟ ثم تذكرت ما قالته له سكرتيرته: (طوابع ... ابن في الثانية عشر)، وتذكرت أيضًا أن إدارة الشؤون الخارجية في البنك التي أعمل فيه تقوم بجمع الطوابع. وفي ظهر اليوم التالي اتصلت بهذا الرجل، وقلت له إن لدي طوابع لابنه، هل استقبلني بحماسة؟ نعم بالطبع، فإنه ما كان ليصافحني بحماسة أكثر من هذه؛ حتى لو كان يخوض انتخابات الكونجرس، وظهرت الابتسامات على وجهه، وظل يقول وهو يتحسس الطوابع: إن ابني جورج سوف يحب هذا الطابع، انظر إلى هذا، إنه كنز. وقضينا نصف ساعة نتحدث عن الطوابع، وننظر إلى صورة لابنه، وبعد ذلك قضى معي ما يزيد عن ساعة من وقته؛ يعطيني المعلومات التي كنت أريدها، حتى دون أن أطلب منه ذلك، وأخبرني بكل ما كان يعرفه، ثم استدعى مرؤوسيه وأخذ يسألهم، واتصل ببعض زملائه، وحملني بالحقائق والأرقام والتقارير، وبلغة الصحافة؛ لقد كان هذا سبقًا بالنسبة لي). الخطوات الخمس. إذًا فإن أردت أن تهتم بالآخرين، وتظهر ذلك لهم، فاعلم أن بينك وبين هذا الهدف السامي خمس خطوات، سنعرضها لك في شكل خمس واجبات عمليِّة، وهي: أولًا ـ الدقائق الأولى والأخيرة أيضًا: هل من الممكن أن تنسى أول تجربة لك في قيادة السيارة، أو أول مرة التقيت بها بصديق مقرب لك؟ بالطبع لا، فغالبًا ما يتذكر الإنسان تجربته الأولى مع كل شيء جديد، خاصة إن كانت تجربة إيجابية، ولذا فمن المهم جدًا أن تجعل الانطباع الأول مع أي شخص تلقاه انطباعًا إيجابيًا. كيف السبيل؟ ولتحقيق ذلك عليك بما يلي: 1. المصافحة: صافح الشخص بحرارة، ركز انتباهك على طاقة اليد التي تصافحها، بحيث تشعر في نفسك بالحب والود ينتقل من قلبك إلى قلبه عبر تلك المصافحة. 2. الابتسامة: ابتسم في وجه الشخص، وأظهر السرور والفرح بمقابلته. 3. الثقة بالنفس: اظهر بمظهر الواثق من نفسه، قف برباطة جأش وثقة ويقظة. 4. التواصل البصري: احرص أثناء التحدث على التواصل بعينيك بشكل مباشر، انظر في عينيه مباشرة، فهذا يشير إلى اهتمامك بالشخص، ويجعله يعتقد أنه مهم بالنسبة لك. وكما أن الانطباع الأول في أي لقاء مهم، فالانطباع الأخير كذلك، طبقًا للمبدأ الذي ينص على أن: (الانطباعات الأخيرة تدوم أيضًا)، فغالبًا ما يتذكر الإنسان آخر محاضرة أو درس حضره، وآخر مرة قضى فيها عطلة جميلة، وآخر نزهة تنزهها، وهكذا، ولذا فآخر انطباع يدوم أيضًا في ذهن الشخص، فعليك أن تحرص عليه، وتطبق نفس الخطوات التي ذكرناها في الانطباع الأول. ثانيًا ـ عنوان كل إنسان: ولا نعني هنا بعنوان كل إنسان المكان الذي يقطن فيه، فليس هذا مرادنا، إنما نعني بذلك أعز ما يملك الإنسان في حياته، وهو شيء إن تمكنت من حفظه، فقد حزت مكانة عظيمة عند الآخرين، هل تعرف ما هو؟ إنه اسم كل إنسان، فهو علم عليه، وعنوان معبر عنه، وكثيرًا ما يذوب الجليد بينك وبين شخص آخر إن ذكرت له اسمه حين تقابله، لأن حفظ الأسماء كما يقول الشيخ عباس السيسي: (هو الخيط الذي يجمع بين حبات العقد، وبه يمكن ربطها إذا انفصلت أو تفرقت، فكل إنسان يحب أن ينادى باسمه). وهكذا كان رسول الله r يفعل مع المسلمين؛ فقد كان ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم، حتى الأطفال، حتى الصغار كان يكنيهم، أحيانًا يقول: يا أبا عمير، ماذا فعل النغير؟ وأبو عمير هذا طفل صغير، ويرجع البعض نجاح بعض القادة من الرؤساء وغيرهم؛ إلى أنهم كانوا يحفظون أسماء الناس أحيانًا. كيف السبيل؟ وإليك جملة من النصائح، والتي ستعينك ـ بإذن الله ـ على تذكر أسماء الآخرين، ومنها ما يلي: 1. امتلك حرصًا ورغبة في حفظ الأسماء. 2. بعد ذكره لاسمه، كرِّر هذا الاسم أثناء اللقاء كثيرًا؛ بأن تنادي الشخص به حتى يتم تثبيته في الذاكرة. 3. اربط الاسم بالصورة والهيئة التي تعرفت بها على الشخص، هل له لحية؟ هل يلبس نظارة؟ لون بشرته، صوته، والمناسبة التي تم فيها اللقاء. 4. أن تتذكر حين تلقاه كل ما سبق، ثم المناسبة والمكان الذي لقيته فيه أول مرة، وهذا يساعدك على سرعة مناداته باسمه. ثالثًا ـ قنوات الاتصال المفتوحة: بمعنى أن تبقي على خطوط الاتصال بينك وبينه، من خلال الاتصال به عن طريق الهاتف أو من خلال شكبة الإنترنت، أو غير ذلك؛ لتسأل عليه، وتطمئن على أحواله؛ ولذا جرِّب أن تتصل بشخص ما، وتسأل عليه، وسترى تأثير ذلك على قوة العلاقة بينكما في الحال. كيف السبيل؟ وإليك جملة من النصائح التي ترسم لك معالم طريق التواصل المستمر؛ من أجل توطيد العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، ومنها ما يلي: 1. ستة حقوق: تلك الحقوق التي أوجزها النبي r، فقال: (حق المسلم على المسلم ست)، قيل: (ما هن يا رسول الله؟)،قال: (إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) [رواه مسلم]. 2. حتى تنال محبة الله: وذلك بأن تتبع وصية النبي r حين قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرًا) [رواه الطبراني، وحسنه الألباني]. 3. خدمة بسيطة = علاقة وثيقة: وانظر إلى خدمة بسيطة، ولكنها قوية الأثر، خدمة يحكيها لنا الداعية الأستاذ عباس السيسي فيقول: (رأيت شابًا جامعيًا يبدو أنه مريض بالصرع، يسقط فجأة على الأرض، فتتبعثر كتبه وتسيل منه الدماء ... وكان ذلك أمام قوم يجلسون أمام مقهى، يشربون المكيفات، فما تحرك منهم أحد إلا سيدة وابنتها كانتا على الطريق، وأسرعتا إليه لتضميد جراحه في عطف وإشفاق، فأسرعت إلى التليفون حتى حضرت سيارة الإسعاف، واصطحبته إلى المستشفى، وبعد أن أفاق ذهبت به إلى منزله ... وقابلني أهله بالترحاب والشكر والثناء، فسلمت لهم كتبه التي كانت معه، وما زلت على صلة به وبأسرته في المناسبات)، موقف صغير هكذا استغله هذا الداعية، واستطاع تكوين علاقة قوية مع هذا الشاب وأسرته. رابعًا ـ مركز الكون: دائمًا ما يحب أن يشعر الإنسان بأنه مركز الكون، مركز المجلس الذي يكون فيه، أو المجتمع الذي يحيى به، ولذا ابحث عن الشيء الذي يهتم به الشخص الآخر، وحاول أن تشاركه في هذا الاهتمام، وتتحدث معه كثيرًا حول ما يهتم به، إن الناس بطبيعتها تحب التحدث كثيرًا حول ما تهتم به، ولكن قد لا تسنح لها الفرصة لذلك، ولذا فهي تحب جدًا الشخص الذي يجعل من اهتماماتها مركز الحديث، ولب الكلام. وإليك قصة رجل يدعى ج. دوفرنوي، وهو صاحب المخابز المعروفة باسمه، والذي أراد بيع الخبز إلى فندق ما في نيويورك، فكان يزور المدير أربع ساعات كل أسبوع، وكان يذهب لنفس الاحتفالات الاجتماعية التي كان يذهب المدير إليها، بل إنه استأجر غرفًا في الفندق، وعاش هناك حتى يحصل على هذه الصفقة ولكنه فشل، ثم قرر أن يغير خططه؛ بأن يبحث عما يهتم به هذا الرجل ويثير حماسته. واكتشف أن الرجل منضم لجماعة تضم مدراء الفنادق، ولم يكن فقط منضمًا لها، بل إن حماسته جعلته رئيسًا للمنظمة، فأيًّا كانت اجتماعات هذه المنظمة إلا أنه كان متواجدًا فيها. ويقول دوفرنوي: ولذلك عندما رأيته في اليوم التالي؛ تحدثت معه عن هذه المنظمة، ويا له من رد فعل تلقيته منه، فقد تحدث معي لمدة نصف ساعة عن المنظمة، كان صوته يفيض بالحماسة، واستطعت أن أرى أن هذه المنظمة لم تكن فقط مجرد هواية، ولكنها كانت شغفه في الحياة، وشغله الشاغل، وقبل أن أترك مكتبه كان قد أقنعني بالانضمام إلى هذه المنظمة، وفي أثناء هذا لم أقل شيئًا عن الخبز، ولكن بعد عدة أيام اتصل بي مدير التغذية في الفندق، وطلب مني أن آتيه بالعينات والأسعار. فكر في الأمر، لقد ظللت ألح على هذا الرجل لأربعة أعوام محاولًا أن أجعله يشتري مني، ولو لم أكلف نفسي عناء معرفة اهتمامات هذا الرجل، ومعرفة ما يحب التحدث بشأنه؛ لكنت لا أزال ألح عليه. خامسًا ـ كلمات وقعها كالسحر: إنها كلمات الإطراء، وعبارات الثناء الحسن على الآخرين، فلها في نفوس الناس وقع السحر، بل وتنزل على قلوبهم كالماء البارد في يوم صائف شديد الحرارة، فتطيب له النفس، ويطمئن به القلب، فكما يقول فولتير: (منح التقدير للآخرين هو شيء رائع؛ إنه يجعل أفضل ما يملكه الآخرون ملكًا لك أيضًا). رسول الله r والثناء الحسن. وها هو رسولنا r، يحرص على إعطاء الثناء الحسن لأصحابه، وتقدير مواهبهم، فقد روى عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: (لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب) [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]. وانظر إلى ثناء رسول الله r على زوجته خديجة رضي الله عنها، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على امرأة لرسول الله r كما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكر رسول الله r إياها، وثنائه عليها، ولقد أوحي إلى رسول الله rأن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب) [رواه البخاري]. بل قد أمرنا رسول الله r بشكر الناس على ما يسدونه إلينا من معروف، والشكر نوع من أنواع التقدير والثناء الحسن، قال رسول الله r: (من لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله) [رواه الترمذي، وصححه الألباني]، وقال r: (من أُعطي عطاء فوجد؛ فليجز به، ومن لم يجد؛ فليثنِ، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر) [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]. جريمة قتل. ونحذرك ـ عزيزي القارئ ـ في النهاية من أن تجعل من تقدير الآخرين والثناء عليهم جريمة تقتلهم بها، ولا تعجب فهكذا وصفها النبي r لما سمع رجلًا يمدح رجلًا، فقال: (ويلك، قطعت عنق صاحبك) [رواه البخاري]، والناس بذكائهم يرصدون التملق، ويشعرون به، وبالتالي يفشل معهم عادة، يقول ديل كارنيجي: (فالتملق أمر زائف، مثله مثل النقود المزيفة، يجلب لك المشاكل في نهاية الأمر إذا أعطيته لشخص آخر). كيف السبيل؟ فها نحن نسوق لك ـ عزيزي القارئ ـ جملة من النصائح والتوجيهات العملية؛ من أجل ثناء حسن تصوغه بكلمات عذبة رقراقة: 1. أكثر من كلمات مثل (أنت رائع)، (يعجبني فيك كذا)، (أنت تتميز بكذا)، (لقد تغيرت بالفعل إلى الأحسن)، (أنت تقطع شوطًا كبيرًا في إنجاز ما تريد). 2. احرص أن تكون صادقًا في تقديرك وثنائك. 3. احرص على شكر الآخرين، لقاء ما يقدمونه لك من خدمات، وليكثر على لسانك قول: (جزاك الله خيرًا)، (لا أعرف كيف أشكرك)، (لن أنسى لك هذا الجميل أبدًا)، (لقد قدمت لي عملًا جليلًا). وختامًا تذكر دائمًا، أن منح الاهتمام للآخرين هو السر الثاني على طريق النجومية الاجتماعية، ولا تنس القاعدة الأهم: (حتى تكون مهمًّا، كن مهتمًّا)، وإلى لقاء قريب مع السر الثالث من أسرار النجومية الاجتماعية. أهم المراجع. 1. سحر الاتصال، محمد أحمد العطار. 2. كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي. 3. أفضل ما قيل عن الانتصار مع فريق العمل، كاثرين كارفيلاس. 4. فن التعامل مع الناس، د.عبد الله الخاطر. 5. الطريق إلى القلوب، عباس السيسي. 6. الروض الأنف، السهيلي. |
|
12-03-2009, 11:28 AM | #3 |
|
السر الثالث وقود المشاعر مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ربما كان هذا الرجل أكثر الرجال تعرضًا للازدراء على وجه الأرض، بل إن أمته ثارت ضده عندما سافر إلى هولندا للنجاة بنفسه، وكانت الكراهية ضده شديدة للغاية، حتى أن هناك الملايين يودون لو قطعوه إربًا أو حرقوه. ووسط هذه النيران المتأججة بالغضب؛ كتب طفل صغير رسالة إلى القيصر، وكانت رسالة بسيطة وصادقة، تتقد حبًّا وشفقة، وقال فيها أنه بغض النظر عن وجهة نظر الآخرين، فإنه سوف يظل يحب القيصر كإمبراطور له. فما كان من القيصر إلا أن تأثر كثيرًا بهذا الخطاب، ودعا الطفل ليأتيه حتى يراه، وجاء الطفل ومعه أمه، فتزوجها القيصر، وعاش حياته مع هذا الطفل المشفق عليه ومع أمه. فبهذا الخطاب البسيط استطاع هذا الطفل أن يكسب قلب القيصر، وأنت أيضًا أيها القارئ العزيز تستطيع أن تُكوِّن أقوى العلاقات، إذا استطعت أن تستخدم هذا الكنز العظيم. العاطفة الحارة: كم مرة كنت في مأزق، وشعرت بالحاجة الشديدة لتحكي لشخص ما عن الظروف التي تمر بها؟ كم مرة كنت مريضًا، وأحسست أنك تشتاق لزيارة أصدقائك وأقاربك لك؟ كم مرة أنجزت إنجازًا ضخمًا، وكنت ترغب رغبة شديدة أن تبلغ أحبابك بهذا الإنجاز؟ أليس الدافع وراء كل هذه الأعمال هو الشعور بتعاطف الآخرين معك؟ أليست الرغبة من كل ذلك هي البحث عمن يحس بك ويراعي مشاعرك؟ لذا فالعاطفة الحارة هي التي يبحث عنها كثير من الناس، حتى أنت أيها القارئ الكريم تبحث عمن يحس بك ويراعي مشاعرك؛ فهذه فطرة فطرنا الله تعالى عليها، وهذا ما أكده ويليام شكسبير حين يقول: (البحث عن الحب شيء جيد، ولكن منحه هو أفضل الأشياء)، فإذا أردت أن تمتلك قلوب الآخرين، فعليك أن تشعرهم بصدق محبتك تجاههم. النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا: حتى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحتاج إلى من يواسيه ويسانده، وكانت خديجة رضي الله عنها خير من تقوم بهذا العمل، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يومًا من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزًا قد أبدلك الله خيرًا منها؟). فغضب صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (لا والله ما أبدلني الله خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذب الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح شاة يقول: (أرسلوا إلى أصدقاء خديجة)، فذكرت ذلك له يومًا، فقال: (إني لأحب حبيبها). فالمحبة الصادقة هي المفتاح السحري الذي يفتح لك مغاليق أيِّ شخصية، حتى مع أشد الناس جفافًا وقسوة؛ لأنها ببساطة تعطيه معنى لحياته، بل إن أشد الناس جفافًا أسرع استجابة للعاطفة الحية من غيره؛ لأنه كالأرض الجافة متعطشة لأيِّ قطرة من الماء، ولذا فقليل من ماء الحب مع مثل هذه الشخصية قد يحدث تغييرًا شاملًا في حياته كلها. ويحكي لنا د.إبراهيم الفقي قصة في ذلك فيقول: (كان هناك شاب شديد القسوة مع والديه، شديد القسوة مع الناس، ثم سافر هذا الشاب إلى بلدة أخرى للدراسة هناك، وفي هذه البلدة سكن في فندق صغير، حيث كان يسكن معه في نفس الفندق رجل عجوز وزوجته. وكان هذا الشاب في البداية يعاملهم بقسوة شديدة وبجفاء، إلى أن مرض هذا الشاب في يوم من الأيام، وسهر الرجل العجوز وامرأته طوال الليل لرعاية الشاب. فتعجب الشاب من ذلك، وأخذ يتساءل: لماذا هذه الرعاية؟ فهذا الرجل وهذه المرأة لا أهمهما في شيء، ومن هنا بدأ يتعلم الشاب معنى الحب، معنى المشاعر الحية، وأخذ يتغير شيئًا فشيئًا. وفي يوم من الأيام مرض الرجل العجوز، فسهر الشاب على رعايته وخدمته، ولم ينم لحظة، وتغير الشاب تمامًا فصار همُّه خدمة الآخرين ورعايتهم، وفي النهاية انتهت دراسته، ووقف ليودع الرجل العجوز وامرأته. فسألاه: هل حزمت جميع أمتعتك؟ فقال لهما: نعم، لقد حزمت جميع حقائبي وأمتعتي. فقالا له: لكن هناك حقيبتان سيبقيان معنا، ولن تأخذهما أبدًا. فقال لهما: كيف، لقد حزمت جميع حقائبي وهي معي؟ فقالا له: هاتان الحقيبتان هما حبنا لك، وحبك لنا). محبة مقابل محبة: قد يشكو البعض أنه لا يجد أحدًا يحبه، أو يعطف عليه، ولكننا ننسى قاعدة هامة جدًا، نبهنا عليها بات كارول فقال: (الجميع ينسون هذا الأمر الأساسي، لن يحبك الأخرون إلا إذا أحببتهم). نعم، فهو شرط بشرط، امنح قلبك للآخرين؛ يهدوا لك قلوبهم، ألقِ البذر؛ يخرج لك الزرع، اسقِ الزرع؛ يوهب لك الورد، والقلوب كالأزهار؛ تتفتح وتزهو في ربيع العاطفة المشمسة الدافئة، وتتساقط وتذبل في خريف الرياح القاسية الباردة. وهناك أسطورة طريفة تقول: (اختلفت الشمس والرياح فيمن منهما الأقوى، فقالت الرياح: سأثبت لك أنني الأقوى، انظري إلى الرجل العجوز الذي يقف هناك مرتديًا معطفًا، أتحداك أنه بمقدوري أن أجعله يخلع معطفه أسرع مما تستطيعين. توارت الشمس خلف إحدى السحب، وأخذت الرياح تهب حتى صارت كالإعصار، ولكنها كلما عصفت أكثر، زاد الرجل من تمسكه بالمعطف، وفي النهاية هدأت الريح واستسلمت. وخرجت الشمس من خلف الرياح، وابتسمت بحنان إلى الرجل العجوز، وسرعان ما مسح الرجل جبتهه، وخلع عنه معطفه، ثم قالت الشمس للرياح: إن العطف والحنان هما دائمًا أقوى من الغضب والقسوة). إنهم بشر، وليسوا آلات: بعض الناس يقلل من شأن العاطفة باعتبار أنها من الكماليات، أو أنها من توافه الأمور، وأن على الناس الانشغال بأداء الحقوق والواجبات، دون الانشغال بمثل هذه الأمور التافهة من مشاعر وأحاسيس, وكأنه يطلب من النموذج الإنساني أن يتحول إلى إنسان آليٍّ، لا قلب له ولا مشاعر. ولو تأملنا في القرآن والسنة لرأينا قيمة الرحمة والعاطفة الحية والمشاعر الصادقة، فاسمع ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، حين يقول: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه. ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: (يا ابن عوف إنها رحمة). ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: (إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون)[رواه البخاري]. ارحم تُرحَم: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (من لا يَرحم لا يُرحَم)[رواه البخاري]. ولك أن تتأمل كيف جعل الله هذه الرحمة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم سببًا في إقبال القلوب حوله وامتلائها بمحبته، ولعل هذا ما جعل رجلًا من الأنصار يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (يا رسول الله، إنك أحب إليَّ من نفسي، وأحب إليَّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك). استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يملك قلب هذا الصحابي، فتأمل ما يشغل قلب هذا الصحابي بعد دخول الجنة، وفوزه بنعيمها، يشغله عدم رؤيته للرسول صلى الله عليه وسلم، إنها محبة صادقة عظيمة، وعاطفة صادقة. كيف السبيل؟ وإليك ـ عزيزي القارئ ـ جملة من النصائح العملية التي تعينك على أن تعبر عن عاطفتك تجاه الآخرين، ومن أهمها ما يلي: 1. أطايب الكلام: فإن للكلمات والألفاظ أثرًا عظيمًا في النفس البشرية، والكلمة كالثمرة، كلما كانت أطيب زاد أثرها في ذوق متناولها، لذا يقول عمر رضي الله عنه: (لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله: لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكلام كما ينتقى جيد الثمر، أو أن أسير في سبيل الله). ومثل هذه الكلمات من شأنها أن تترك أعظم الأثر في الآخرين، ولكن يشترط عند قولها شرطان حتى تحدث الأثر المطلوب: - أن تكون صادقة من قلبك. - موافقة لتعبيرات جسدك، وحركاته، ونبرات صوتك. ولعل من أكثر الجمل تأثيرًا، أن تخبر الشخص أنك تحبه في الله، تنفيذًا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه) [رواه أبو داود، وصححه الألباني]. 2. الهدية: (تهادوا تحابوا)[حسنه الألباني]، عبارة موجزة جامعة، قالها صاحب جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وصارت علامة لنا، على طريق بناء العلاقة القوية، وإظهار المشاعر الصادقة؛ فالهدية تعبير سهل ومؤثر عما في داخل النفس من عاطفة وود. ويرشدك توني بوزان إلى أهمية كون هديتك متميزة؛ لتكون أعمق تأثيرًا فيقول: (إذا كنت تريد أن تَعلَق هديتك بالأذهان، ونتيجة لذلك تعلق أنت ذاتك بالأذهان، فحاول أن تجعلها بارزة ومختلفة). إذًا حاول أن تكون هديتك متميزة ومناسبة للشخص الآخر، بحيث تعجبه، وتعلق بذهنه، فيذكرك بها، وتزداد المحبة بذلك الذكر. 3. الزيارة في الله: فهي تعبر عما في مكنونك دون أن تتكلم أنت، كما يقول الأستاذ عبد الله بن محمود البورسعيدي: (يفرح الإنسان أشد الفرح، عندما يرى زيدًا من الأحباب، يزوره من غير منفعة يرتجيها، ذلك أن هذا الزائر انشغل ذهنه بمن يزوره، ثم أتبع انشغال الذهن بالهمِّ والعزم على التواصل، ثم حمل أقدامه إلى الآخر). وقد جعل الله تبارك وتعالى لهذه الزيارة الثواب العظيم، ففي الحديث المشهور: (أن رجلًا زار أخًا له فى قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لى في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها؟ قال: لا، غير أني أحببته فى الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) [رواه مسلم]. وأخيرًا، إذا أردت أن تمتلك قلوب الآخرين، فعليك أن تشعرهم بمحبتك الصادقة تجاههم، وتذكر دائمًا تلك المقولة التي قالها ديل كارينجي: (التعاطف هو الشيء الذي يتوق له الجنس البشري عامة)، وإلى لقاء قريب مع السر الرابع من أسرار النجومية الاجتماعية. أهم المراجع: 1.سحر الاتصال، محمد العطار. 2.كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي. 3.قوة الذكاء الاجتماعي، توني بوزان. 4.65 طريقة لتقوية علاقاتك بالناس، عبد الله بن محمود البورسعيدي. 5.أفضل ما قيل في النجاح، كاثرين كارفيلاس. 6.حلية الأولياء، أبو نعيم. 7.المنتظم في التاريخ، ابن الجوزي. 8.تفسير القرآن العظيم، ابن كثير. 9.الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر. |
|
12-03-2009, 11:30 AM | #4 |
|
السر الرابع الكنز المفقود يوم من الأيام، وبينما كان عتبة بن ربيعة جالسًا في نادي قريش، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في ظل الكعبة، يقوم عتبة من بين جموع قريش قائلًا لهم: (يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا، فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه إيها شاء ويكف عنا)، فقالوا: (بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه). فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله، فقال: (يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل يا أبا الوليد أسمع). فأخذ عتبة يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم من مغريات الدنيا وزخرفها، فقال: (يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا في أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه). حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه، قال: (أقد فرغت يا أبا الوليد؟)، قال: (نعم)، قال: (فاسمع مني)، قال: (افعل)، فقال: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت:1-4]، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة منه انصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه، ثم انتهى رسول الله r إلى السجدة منها فسجد). إنه درس نبوي في فن التعامل مع الآخرين، درس يحوي ذلك الكنز المفقود، إنه كنز الإنصات إلى الآخرين، والاستماع إليهم، وهذا الكنز هو السر الرابع من أسرار الطريق إلى النجومية الاجتماعية، وحسن الاتصال بالآخرين والتأثير فيهم. أذنان وفم واحد: ولعل هذا السر الرابع يؤكد عليه أمر فطري في كل إنسان، فالله عز وجل قد جعل لنا أذنان نسمع بهما، بينما لنا فم واحد، وهذه الحقيقة تدعو الإنسان إلى الإنصات إلى الآخرين أكثر من الحديث إليهم، فكما يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (أنصف أذنيك من فيك؛ فإنما جعل لك أذنان وفم واحد، لتسمع أكثر مما تتكلم). انصات = اهتمام: إنها معادلة الإنصات الفعال للآخرين، فأفضل ثناء تثنيه على شخص ما هو أن تنصت إليه باهتمام؛ لأنك بذلك تعبر عن احترامك له وتقديرك لما يقول، وتفاعلك بإيجابية معه هو السر في ثقته فيك، واطمئنانه إليك. ونظرًا لسرعة الحياة في عصرنا الحالي، وكثرة مشاكلها وتعقيداتها، فقد بات الإنصات إلى الآخرين أعظم منحة تقدمها لهم؛ فهي من أعظم دواعي سرورهم وسعادتهم، فكما يقول تشالز إليوت:(الانتباه التام للشخص الذي يتحدث إليك مهم للغاية، ولا شيء يدخل عليه البهجة مثل هذا). بل لم يعد الإنصات وسيلة للسعادة والتخفيف عن الآخرين فحسب بل صار حاجة ماسة، فكما يقول ديل كارنيجي: (هناك الكثيرون يذهبون للطبيب عندما يكون كل ما يريدونه هو شخص يستمع إليهم). المحاور الصامت: قد تعجب ـ عزيزي القارئ ـ من العنوان، وتقول: وكيف يكون المحاور صامتًا؟ ولكن قبل أن يأخذك بساط العجب، فإن هذه القصة التي يحكيها توني بوزان في كتابه (قوة الذكاء الإجتماعي)، ستزيل العجب، فهي تضع النقاط على الحروف، ولندع له المجال ليحكي قصته مع هذا الكنز، كنز الإنصات الفعال، يقول: (أصبت بعدوى حادة في الحلق قبل إحدى المناسبات الاجتماعية، ولشدة احباطي لم أستطع النطق ولو بكلمة واحدة إلا بصعوبة بالغة. وقابلت في الحفل شخصًا كان متحمسًا لعدة أشياء واسترسلنا في محادثة مفعمة بالحيوية، ولكن دوري في المحادثة اقتصر على الإيماء بالرأس؛ بسبب ضعف صوتي وكنت أوصل ما أريد قوله عن طريق الهمهمة، وقلما كنت أطرح عليه أسئلة مما أتاح الفرصة لصاحبي للخوض في محادثة أخرى لمدة خمس دقائق بحماس منقطع النظير، وعندما افترقنا كنت أعتقد أنه قد يظنني شخصًا مملًا في الحديث، حيث أني أسهمت بنسبة أقل من خمسة بالمائة في المحادثة، وكان من دواعي دهشتي أنني سمعت فيما بعد أنه اعتبرني محاورًا مدهشًا). احذر من هذه الخمس: وهناك خمسة محاذير، تلحق أضرارًا كبيرة بمهارتك كمستمع؛ لذا فاحرص على تجنبها: 1. التظاهر بالإصغاء بينما تكون على خلاف ذلك في الحقيقة. 2. محاولة القيام بأشياء أخرى في أثناء الاستماع. 3. الحكم على الموضوع بعدم الأهمية. 4. الذهول من طريق المتحدث في الكلام أو من تكلُّفه. 5. الإفراط في الانغماس في الحديث، ومن ثم نفتقد الخيط الرئيس للنقاش. والآن كيف تكون ماهرًا في الاستماع؟ 1. دع الآخر يقوم بمعظم الحديث: يحكي لنا ديل كارنيجي فيقول: (قد جمعتني أخيرًا بأحد علماء النبات المبرزين حفلة عشاء أقامها الناشر المعروف ـ ج. جرينيورج ـ ولم أكن قد تحدثت إلى أحد علماء النبات من قبل، لذلك وجدت في الاستماع إليه لذة كبرى، وانتصف الليل فتمنيت للمدعوين ليلة سعيدة وانصرفت، وعاد عالم النبات إلى مضيفنا وأجزل له الثناء عليّ، فقد كنت على حد تعبيره مثيرًا جدًا، واختتم حديثه للمضيف بقوله: حقًا إن مستر كارنيجي محدث بارع. محدث بارع؟! أنا! وكيف؟! فإني لم أقل شيئًا على الإطلاق، كل ما فعلته أنني استمعت بشغف، وقد أحس هو بذلك وسرّه, فالاستماع بشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك). 2. أكثر من الأسئلة المفتوحة: أغلب الناس يجد الرهبة أو القلق في التحدث مع من لا يعرفه، لذا غالبًا ما يكون الحديث في البداية مغلقًا، لذا فأكثر من الأسئلة المفتوحة, وهي الأسئلة التي لا تنتهي بنعم أو لا، وعادة ما تكون أداة السؤال هي: كيف؟ ماذا؟ لماذا؟ ومن ثم تعطي دفة الحديث للآخرين، فيخرجون مكنونات أنفسهم؛ مما يوفر لك فرصة معرفة الآخرين، واختبار صفاتهم وسماتهم. 3. ابتسم وأعط انطباعات إيجابية: لابد أن تتفاعل مع كلام من تتحدث إليه؛ لأن هذا سيعطيه انطباعًا أنك معه، وأنك مهتمٌ به، والابتسامة ـ خصوصًا ـ تترك أثرًا طيبًا مع من تحاوره، إذ تشعره أنه لم يصبك الملل من كلامه، وأنك معجب بكلامه ومؤيد له، لذا أوصانا النبي r فقال: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة)[رواه الترمذي، وصححه الألباني]، وقال r: (لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)[رواه مسلم]. وخلاصة القول: إذا أردت أن تكون نجمًا اجتماعيًا، فلابد أن تحرص على علاقاتك مع كل من تتحدث إليه، وهذا لن يتأتى إلا بكنز الإنصات الإيجابي لكل من تحاوره، فاسمع أكثر مما تتكلم، بل لا تكتفي فقط بالاستماع، ولكن اترك انطباعات إيجابية تشعر بها من تحاوره أنك سعيد بهذا اللقاء. أهم المراجع: 1. سحر الاتصال، محمد العطار. 2. كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارينجي. 3. قوة الذكاء الإجتماعي، توني بوزان. 4. مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي. 5. السيرة النبوية، ابن هشام. |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
من ....................اسرار الكيبورد | خربطلي | كمبيوتر | 2 | 12-30-2010 10:40 PM |
اسرار المذاكره | ابوليلى المهلهل | التربية | 4 | 11-10-2009 12:44 AM |
من اسرار النظر | capitano | مواضيع الحوار والنقاش | 14 | 03-08-2009 04:40 PM |
الحياة اسرار !!!!!!!!!!!!! | بلا حدود | عطر الكلمات | 6 | 08-09-2008 05:48 PM |
اسرار ايه الكرسي | ابو فجر القشيري | مكافحة البدع والمواضيع المشبوهة | 5 | 01-07-2008 11:20 PM |