أين بعض شبابنا من ذلك ؟ .. دعوة للتأمل والمناقشة .

حياكم الله
.
.
.
.
(حكيم) أو عبدالحكيم ذلك العامل البسيط .. وصل لتوه من أرض (شبه القارة الهندية) إلى أرض المملكة .. وصل وكله حلم بالثراء السريع .. ولم لا .. فكل الأجانب يحلمون بذلك في أرض الخير .. بلدنا حفظها الله .
حال خروج (حكيم) من الطائرة .. وببنية نحيلة .. نظر يمنة ويسرة .. ثم ألقى بنظره أسفل السلم .. وعلى كتفه بعض بقايا ملابس أتى بها معه .. ركب الأتوبيس مع بقية الركب حتى وصل صالة القدوم .. كان يتخيل أن المطار – مطار جده الدولي - أكبر وأفضل .. مقارنة بمطار بومباي .. ولكن الجود من الموجود ياحكيم ..
قابله في المطار كفيله (مغرم) رحب به أجمل ترحيب .. وأولمه في أحد المطاعم على (نفر) رز بخاري مبهر.. ثم اصطحبه إلى مقر سكنه الذي قد جهزه له ..
وحيث أن (مغرم) قد استقدمه للبوفيه التي قام بإنشاءها كمشروع تجاري لكي يعمل بها (حكيم) في تخصص إعداد ساندوتشات .. فقد أكد عليه مغرم .. وبلهجة حادة .. إياك إياك .. لاتحاول تلعب معي .. أو تلف وتدور .. فأحذف بك من عقبة (سنان) .. لولا أنه تدارك أنه في (جده) .. حيث لايوجد أي عقبة البته !! .. عندها قلل من حدة وعيدة .. وهز حكيم رأسه ذات اليمين وذات الشمال في إشارة إلى أنه فهم المضمون بكل دقة .
وظيفة حكيم سهلة جداً .. فهو سيعمل في (بوفيه الضوء الخافت) كما اسماها مغرم.. وعمله سيبدأ من الغد .. يعد أصناف الساندوتشات حسب رغبة الزبون .. يلف الساندوتش في ورقتين مع مشروب حسب الطلب .. هذا هو عملك ياحكيم .. وهذا الذي ستقوم به طالما أنت على كفالتي .

من لايعرف غرفة حكيم .. فهي غرفة صغيرة جداً .. مساحتها أقل من 9 متر مربع .. فقط فراشاً للنوم وساعة منبه .. وطبعاً بها دورة مياه .
استلقى حكيم بجسمه النحيل على السرير تلك الليلة .. وماهي إلا غفوة حتى قرع صوت المنبه معلناً بدء أول أيام الكفاح في البوفيه .. استيقظ وغسل وجهه وأرتدى ماتيسر من ملابسه واتجه نحو بوفيه الضوء الخافت .
بدء في تحضير أصناف السندوتشات المطلوبه (جبن ، شكشوكة ، مربى ، كبده ، تونه ... الخ)..

توالت على حكيم الأيام والليالي .. إنتهى الشهر الأول .. قبض (800) ريال كمرتب .. ليس هناك مصاريف تثقل كاهله .. السكن موجود .. والأكل من البوفيه .

من راتب هذا الشهر توجه مع صديق من أبناء جلدته كان قد تعرف عليه يدعى عاشق الزمان ويعرف بـ (عاشق) .. توجها إلى سوق الدشوش في جده .. عند واحداً من أبناء جلدتهما واشتريا ريسيفراً وجهاز تلفزيون مستخدماً بـ(190) ريالاً ..

عاد حكيم وعاشق واتفقا مع حارس العمارة البنقالي (أبو الكلام) لكي يصعدا إلى سطح العمارة مدعيين أن (عاشق) هو فني كهرباء لإصلاح بعض الأعطال في العمارة .. وهنا بكل بساطة قام عاشق بإنزال سلك من أحد الدشوش التي تم اختيارها بعناية وذات الاتجاه ناحية القمر الأوربي !!
توالت الأيام .. وحكيم من البوفيه إلى الغرفة للنوم .. وهنا بعد ستة أشهر .. كان لدى حكيم مايقارب الخمسة الآف ريال .. وهنا قدح زناد فكر حكيم

ذهب حكيم إلى كفيله مغرم .. وطلبه في كلمة رأس بينهما !! .. يرغب حكيم في استئجار البوفيه بألفي ريال شهرياً على أن لايطلب منه حكيم لاراتب ولا مصاريف بوفيه .. حيث أن هذا المبلغ تقريباً هو ماكان يصفى لمغرم من قبل .. وهنا سيستلم نفس المبلغ دون عناء .
عندها وافق مغرم .. وأصبح حكيم هو المدير العام ورئيس مجلس الإدارة .. وهنا فكر حكيم بزيادة الأرباح .. فذهب إلى الحراج واشترى فرامة لحم وصاج وأوعز لصديقه عاشق إذا كان هناك من أحد يرغب العمل – من أبناء جلدته (قمة الوطنية!)- فليرسلة مقابل ستمائة ريال شهرياً .. وكان له ماأراد .. فقد وجد (شفيق) وبه المواصفات المطلوبه .

وهنا تحول (حكيم) من أجير إلى صاحب عمل !!
.

أصبح بوفيه الضوء الخافت يقدم أنواعاً من الفطائر والمطبق والمعصوب يقوم بإعدادها حكيم .. بينما شفيق يقوم بعمل الساندوتشات !! .. لقد أصبح دوام حكيم من بعد المغرب حيث يعمل على الصاج .. أما الصباح فيقضيه في النوم .. ولكن طرأت له فكره .. مالمانع من زيادة الدخل بالعمل صباحاً ؟ .. توصل للفكرة .. اشترى سيارة (بوكس) قديمة بمبلغ بسيط من صاحبها الذي هو من ابناء جلدته بورقة مبايعة بلغتهم ودون حتى أن ينقلها باسمه ..

تولى حكيم ايصال ابناء الحي لمدارسهم صباحاً وعند الظهر .. وهنا اصبح دخله سبعة الآف ريال شهرياً ..

بعد ستة أشهر .. جمع حكيم مبلغاً يتخطى الأربعين ألف ريال .. عندها عرض على كفيله مغرم فتح بوفيتين أخريين باسم مغرم .. على أن يعطيه ألفي ريال عن كل بوفيه .. بمعنى ستة الآف لمغرم باردة مبردة ..
لم يكذب مغرم خبر .. أعطى حكيم صورة من السجل التجاري وبطاقة الأحوال وسيتكفل حكيم بتوفير معقب وإكمال بقية الإجراءات ..
ولضمان حقوق الطرفين طلب حكيم من مغرم أن يوقع له على عقود (بيع) للبوفيهات الثلاث حيث تركت خانة المشتري فاضية !! .. قائلاً حكيم لمغرم (أنا مايبغى لف ودوران .. إنت لازم شغل كويس مع أنا .. علشان يعطي فلوس إنتا كل شهر) .. سبحان مغير الأحوال !!

تم تجهيز بقية البوفيات .. وأصبح عدد العمال لدى حكيم سبعة في كل بوفيه عاملين وواحد للطلبات .. وتفرغ حكيم كرئيس مجلس إدارة للمتابعة والإشراف.
تبقى لدى حكيم مبلغ خمسة عشر ألف ريال .. مالعمل ؟ كيف استثمره ؟ .. أفكار راودت حكيم .. توصل حكيم للحل سريعاً .. حراج السيارات .. وهنا اصبح حكيم شريطياً في المعارض من العصر إلى بعد المغرب .. يشتري السيارات الصغيرة والمتقادمة ويقوم ببيعها بمكسب طيب ..
أصبح مجموع دحل حكيم شهرياً فوق عشرين ألف ريال من كل هذه الأعمال البوفيهات .. توصيل الطلاب .. المعارض .

لازال الطموح يغري حكيم .. توفر له مبلغ ستون الف ريال .. مبلغ جيد لفتح مشروع جديد .. مالمانع في ذلك ؟ .. لقد اتفق مع كفيله مغرم على فتح ثلاث محلات للخضار في حواري جده وذلك مقابل الف ريال عن كل محل لمغرم ..
وافق مغرم دون تردد .. تسعة الآف شهرياً .. كان يضن مغرم بأنه ذكياً ولكن حكيم هو الأذكى !!
مايأخذه مغرم هو الفتات ..
أوكل حكيم توصيل الطلاب لأحد أبناء جنسه مقابل عائد شهري .. وتفرغ هو لعمل أكثر دخلاً .. حيث أشترى (ونيت) جديد ليشتري بالجملة من سوق الخضار ماتحتاجه فروعه وبوفيهاته .. مع التوزيع ايضاً على المحلات الأخرى وبأسعار منافسة !!


لقد زاد دخل حكيم إلى عشرون الف ريال شهرياً من دخل الخضار ليصبح دخله أربعون الف ريال شهرياً

حكيم لمن لايعرفه .. الآن يملك عدد ستة بوفيهات وثلاث محلات للخضار وهو شريطي معتبر في جنوب جده .. ولديه ونيت آخر موديل ويسكن في شقة راقية مكونة من ثلاث غرف .
السؤال .. أليس أغلب شبابنا يستطيع أن يفعل مافعله حكيم بدلاً من الاتكالية والخمول ؟..
أتمنى أن أرى حكماء كحكيم من ابناء الوطن

يخليكم ربي

عاااشق النماااص