الأم هي التي حملتك في بطنها أشهراً تسعاً في الغالب وتحملت آلام الحمل والوضع حتى كأنها ترى الموت رأي عين ، ثم قاست وجع الوضع آلاماًجسام ، ثم بعد ذلك أرضعتك حولين أو أقل ، وتكبدت المشاق والتبعات في رعايتكوالعناية بك وتحملت التعب الكثير في تمريضك والاهتمام بك وكثرة الخدمة والتربيةوالحنان والإشفاق عليك .
وهي تسهر الليالي من أجل راحتك، وتقوم بك حال صراخك،وتحتضنك عند خوفك وقلقك واضطرابك، كانت تفديك بنفسها من كل شر ومكروه، تجوع هيلتشبع أنت ، وتعطش هي لتروى أنت ، تسهر هي لتنام أنت .
ثم هي تحضن صغيرها وتحن عليه وتدفئه في الأيام الباردة خوفاًعليه من الأمراض الهالكة ، وتقوم بتلطيف الجو له في اليوم الحار خوفاً عليه من ضربةالشمس وشدتها ، فهي أشد عناية بطفلها من غيرها ولذلك استحقت حقها مضاعفاً ثلاث مراتعلى حق الأب، عن أبي هريرةtقال : جاء رجل إلىرسول اللهrفقال : يارسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ((أمك))قال : ثم من ؟ قال : ((أمك))قال : ثم من ؟ قال : ((أمك))قال : ثم من ؟ قال : (( أبوك)) [ متفق عليه ] .
وفي رواية لمسلم : يارسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة ؟ قال : (( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك ))،فحق الأم مضاعف على حق الأب بثلاثة أضعاف .
وتوصل الأم وتبر وتطاع وإن كانتغير مسلمة لحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت : قدمت على أمي وهيمشركة في عهد رسول اللهr، فاستفتيت رسول اللهrقلت : قدمت على أمي وهي راغبة ( طامعة عندي تسألني شيئاً )أفأصل أمي ؟ قال :(( نعم صلي أمك )) [ متفق عليه] .
وما وافقها النبيrعلى صلتها لأمها إلا لعظم حق الأم عند الله تعالى،وأنها مقدمة في البر على غيرها لأنها ضعيفة لا تأخذ بحقها، ولا تستطيع الدفاع عننفسها ، فهي تحتاج إلى من يدافع عنها ويساعدها على تدبير أمورها وقضاء شؤونها لهاوتوصيلها لزيارة رحمها وإعادتها، وغير ذلك من الأمور التي لا تستطيع أداءها بنفسها .
وعنمعاوية بن جاهمة رضي الله عنهما أن جاهمة جاء إلى النبيrفقال : يارسول الله أردت أنأغزو وقد جئت أستشيرك ، فقالr : (( هل لك من أم )) ؟قال : نعم ، قال : (( فالزمها فإن الجنة عند رجلها)) وفي رواية : (( الزمها فإن الجنة تحتأقدامها)) [ النسائي وأحمد بسند صحيح] .
قال بن عباس رضي الله عنهما : (( إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة ))[ البخاري في الأدب المفرد وهو صحيح في الصحيحة ] .
وبر الأم من الأمور التي تساعد على جلاء المعصية وذهاب حرها بإذنالله تعالى إذا وجد من صاحب المعصية أو الذنب التوبة والإقبال على الله تعالىوالإنابة إليه سبحانه ، فقد روي عن أبي بكر بن حفص أن رجلاً قال : يارسول الله إنيأصبت ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟ قال : (هل لكمن أم)؟ قال : لا ، قال :(هل لك من خالة ؟)قال : نعم ،قال :( فبرها )( حديثحسن رواه البغوي في شرح السنة ) ، وفي الحديثالمتفق عليه ، عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم :[ الخالة بمنزلة الأم ] ، فهلهناك أعظم من بر الوالدة ؟ انظر كيف كان برها سبباً لمحو الذنوب والمعاصي ، ودافعاًلمحوها ، وذلك لعظم شأن الأم عند الله تعالى ، وعند عدم وجود الأم فهناك بر الخالةلأنها بمنزلة الأم في الحنان والعطف والرعاية بصغار أختها ، فاستحقت هي الأخرى هذهالمنزلة العظيمة من نبي الرحمة والهدى عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم . ولهذا قالمكحول : برالوالدينكفارة للكبائر ، ولا يزال الرجل قادراً على البرمادام في فصيلته من هو أكبر منه .
وعن أبي بردة أنه شهد بن عمر، ورجليماني يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره وهو يقول :