ومما أمر الله به الأبناء طاعةالوالدينفي كل ما أمرا به ودعيا إليه ما لم يكن في ذلكمعصية لله عز وجل ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه ، وفي ذلك قالتعالى :{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَامَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْفَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }[ لقمان 15 ] .
فطاعةالوالدين من أوجب الواجبات ولو كانا كافرين أو فاسقين عاصيين، غير أنه لا طاعة لهما في معصية الله جل وعلا ، فإذا دعا الأبوان الأبناءإلى أي معصية لله عز وجل أو لرسولهrفلاطاعة لهما فيذلك ، وإنما الطاعة بالمعروف ، ويجب لين الجانب لهما وتعريفهما أن في ذلك معصيةتوجب غضب الجبار سبحانه ، وإخبارهما بما يدل على عدم طاعتهما في حال المعصية بماورد في كتاب الله وسنة نبيهr .
ففي طاعتهما الخير العظيم ، والأجر الجزيل من الله تعالىفي الدنيا والآخرة ، أما عصيانهما ففيه شر وفساد جسيم ، ووبال كبير ، أيضاً فيالدنيا والآخرة ، وكما ذكرنا أن الطاعة في المعروف ، فطاعةالوالدين واجبة في كل أمر إلا أمراً فيه معصية .
عنبن عمر رضي الله عنهما قال : كانت تحتي امرأة وكنت أحبها ، وكان عمر- أي عمر بنالخطاب والده - يكرهها فقال لي : طلقها : فأبيت ، فأتى عمرtالنبيrفذكر ذلكله ، فقال النبيr : (( طلقها)) [ أبوداود والترمذي وقال حسن صحيح ] .
فعمر بن الخطابtالخليفة الراشد الذي وافق القرآن في عدةمواضع لم يأمر ابنه عبدالله بطلاق زوجته دون سبب شرعي وإنما كان هناك سبب لم يخبربه ابنه فلذلك أمره بطلاقها ، وأمرهrبطاعة والده بطلاقها ، فعمرtكان يرى مالا يراه ابنهفأمره بطلاقها لضعفها في دينها .
فطاعة الوالدين واجبة في كل أمر من الأمور التي يفرضها الإسلام ،فعن أبي الدرداءtقال : أوصاني رسول اللهrبتسع :(( ...... وأطع والديك ، وإن أمراك أن تخرج من دنياك ، فاخرج لهما...))[ رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني ] .
وعن طيلسة بن مياس قال : كنت مع النجدات - قوم من الحرورية - فأصبت ذنوباً لا أراها إلا من الكبائر ، فذكرت ذلك لابن عمر قال : ماهي : قلت : كذاوكذا ، قال : ليست هذه من الكبائر ، هن تسع :
((الإشراك بالله ، وقتل نسمة ، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنة، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وإلحاد في مسجد ، والذي يستسخر، وبكاءالوالدينمن العقوق ، قال لي بن عمر : أتفرق - أتخاف - منالنار وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت : أي والله ، قال : أحي والداك ؟ قلت : عندي أمي ،قال : فوالله لو ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر ))[ السلسلة الصحيحة ] .
فطاعةالوالدين سبب لدخول الجنة ، ولذلك قال العلماء إذا أمرالوالدان الابن بطلاق زوجته ، فإنه لا يجب عليه طاعتهما ولا يكون ذلك من قبيلالعصيان أو العقوق لهما ، إلا أن يكون منها ـ أي الزوجة ـ سوء خلق وأدب نحو الأبوين، أو ضعف في دينها بحيث لا تقوم بما أمر الله به من أوامر مثل : أداء الصلوات أوالصيام أو غير ذلك ، ففي هذه الحالة يتم مناصحتها فإن أطاعت فالحمد لله ، وإن أبتفلا بد من طاعةالوالدين في طلاقها ، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام أحمدبن حنبل وسأله ، قال : إن أبي يقول : طلق امرأتك ، وأنا أحبها ، قال : لا تطلقها ،قال : أليس عمر بن الخطاب أمر ابنه عبدالله أن يطلق امرأته ، قال : حتى يكون أبوكمثل عمر.
قال الشيخ محمد بن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين : [ لأن عمر نعلم علم اليقين أنه لن يأمر عبدالله بطلاق زوجته إلالسبب شرعي ، وقد يكون ابن عمر لم يعلمه ، لأنه من المستحيل أن عمر يأمر ابنه بطلاقزوجته ليفرق بينه وبين زوجته بدون سبب شرعي ، فهذا بعيد] .
وعلىهذا فإذا أمرك أبوك أو أمك بأن تطلق امرأتك ، وأنت تحبها ، ولم تجد عليها مأخذاًشرعياً فلا تطلقها ، لأن هذه من الحاجات الخاصة التي لا يتدخل أحد فيها بين الإنسان وبين زوجته انتهى .