في القصيدة المسماة بـ"المنفرجة" وهذا يدل على أن العبد إذا اشتد عليه الأمر، وأحسن الصبر، وأحسن الظن بالله -جل وعلا- فإنه يؤذن له بأن ينفرج كربه، وأن ييسر له عسره، والصبر أمر به هنا في قوله:
واعلم أن النصر مع الصبر والنصر مطلوب، فصار الصبر مطلوبا، والصبر مرتبة واجبة، وإذا حصل كرب ومصيبة، كما قال:
ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك إذا حصلت مصيبة فإن الصبر واجب يعني: الصبر أمر الله به، وهو واجب على كل أحد، ومعنى الصبر الواجب: أن يحبس اللسان عن الشكوى، ويحبس القلب عن التسخط، ويحبس الجوارح عن التصرف بما لا يجوز من شق أو نياحة أو لطم، وأشباه ذلك من الأفعال في غير مصيبة الموت.
فإذن الصبر فيه حبس اللسان عن التشكي، كما هو تعريف الصبر، قيل للإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: هذا رجل ظلمه السلطان فأخذ يدعو عليه، قال أحمد: هذا خلاف الصبر الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مع السلطان، لا يدعى عليه.
وهذا له مأخذ آخر من جهة أن الكرب الذي ربما أتى من السلطان إذا تشكى المؤمن منه فإنه يخالف حبس اللسان عن التشكي، ولهذا لما جاء أحد الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر له ما يلقى من المشركين من الشدة غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- لأجل أنهم لم يصبروا، وقال:
إنه كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فينشر بالمنشار نصفين ما بين جلده وعظمه لا يرده ذلك عن دينه، فوالله ليتمن الله هذا الأمر. .. الحديث، فدل هذا على أن الصبر واجب في جميع الحالات.
والصبر حبس للسان عن التشكي، وحبس للقلب عن التسخط، وحبس للجوارح عن التصرف في غير ما يرضي الله -جل وعلا-؛ ولهذا أمر الله نبيه أن يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل،
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وكل مخالفة لهذا الواجب يأتي لها أضدادها في حياة العبد، إما الخاصة أو العامة.
المرتبة الثانية المستحبة هي: الرضا.
الرضا بما قدر الله -جل وعلا-، فالصبر واجب، وأما الرضا فمستحب، الرضا بالمصيبة مستحب، ومعنى الرضا بالمصيبة: أن يستأنس لها، ويعلم أنها خير له، فيقول: هي خير لي، ويرضى بها في داخله، ويسلم لها، ولا يجد في قلبه تسخطا عليها، أو لا يجد في قلبه رغبة في أن لا تكون جاءته، بل يقول: الخير في هذه، وهذه مرتبة خاصة.
وهناك فرق ما بين الرضا الواجب، والرضا المستحب في المصيبة، فإن المصيبة إذا وقعت تعلق بها نوعان من الرضا: رضا واجب ورضا مستحب، والرضا الواجب هو: الرضا بفعل الله -جل وعلا-، والرضا المستحب هو: الرضا بالمصيبة، يعني: الرضا بفعل الله هذا واجب؛ لأنه لا يجوز للعبد ألا يرضى بتصرف الله -جل وعلا- في ملكوته، بل يرضى بما فعل الله -جل وعلا- في ملكوته، ولا يكون في نفسه معارضة لله -جل وعلا- في تصرفه في ملكوته، هذا القدر واجب.
وأما المستحب فهو الرضا بالمصيبة يعني: الرضا بالمقضي، فهناك فرق ما بين الرضا بالقضاء، والرضا بالمقضي، فالرضا بالقضاء الذي هو فعل الله -جل وعلا- هذا واجب، والرضا بالمقضي هذا مستحب، ونقف عند هذا، وأنبه إلى أني لن أتمكن من الحضور للدرس من يوم غد إلى ليلة الأحد، وألتقي بكم -إن شاء الله- ليلة الاثنين بإذنه تعالى، وذلك لطارئ طرأ، وسنكمل -إن شاء الله- هذا الشرح، ولو أخذنا وقتا بعد الفجر أو بعد العصر -إن شاء الله- نعدكم بإكماله، إكمال شرح هذه الأربعين.
أرجوا ان أكون قد وفقت في نقل مايفيد الجميع في الدنيا والاخرة
أسأل الله لي ولكم العون والتوفيق والسداد
المرجع .................موقع جامع شيخ الاسلام ابن تيمية.