عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 03:49 PM   #447
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
الحكم السادس: خبثُ كسبِ الحجَّام، ويدخُلُ فيه الفاصد والشارط، وكل من يكون كسبُه من إخراج الدم، ولا يدخل فيه الطبيبُ، ولا الكحَّال ولا البيطارُ لا فى لفظه ولا فى معناه، وصحَّ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((أنَّه حكم بخُبثه وأَمَرَ صَاحَبِه أَنْ يَعْلِقَه نَاضِحَه أَوْ رَقِيقَهُ)) وصحَّ عنه أنه احتجمَ وأعطى الحجامَ أجرَهُ)).
فأشكل الجمعُ بينَ هذين على كثير من الفقهاء، وظنوا أن النهىَ عن كسبه منسوخٌ بإعطائه أجره، وممِن سلك هذا المسلكَ الطحاوى، فقال فى احتجاجه للكوفيين فى إباحة بيع الكِلاب، وأكلِ أثمانها: لما أمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلابِ، ثم قال: ((ما لى وللكلاب))، ثم رخص فى كلب الصيد، وكلبِ الغنم، وكان بيعُ الكلاب إذ ذاك والانتفاعُ به حراماً، وكان قاتله مؤدياً للفرض عليه فى قتله، ثم نُسِخَ ذلك، وأباح الاصطيادَ به، فصار كسائر الجوارح فى جواز بيعه، قال: ومثلُ ذلك نهيُه صلى الله عليه وسلم عن كسبِ الحجَّام، وقال: ((كسبُ الحجام خبيث)) ثم أعطى الحجام، أجرَه، وكان ذلك ناسخاً لمنعه وتحريمه ونهيه. انتهى كلامه.
وأسهلُ ما فى هذه الطريقة أنها دعوى مجردة لا دليلَ عليها، فلا تُقبل، كيف وفى الحديث نفسه ما يُبطلها، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلِ الكلاب، ثم قال: ((ما بالُهم وبالُ الكلاب)) ثم رخَّص لهم فى كلب الصيد.
وقال ابنُ عمر أمرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتلِ الكِلابِ إلا كَلْبَ الصيدِ أو كلب غَنمٍ أو ماشِية.
وقال عبدُ اللَّه بن مغفَّل: أمرنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلابِ ثم قال ما بالُهم وبَالُ الكِلاَب، ثم رخَّصَ فى كلب الصيد، وكلب الغنم. والحديثانِ فى
((الصحيح)) فدلَّ على أن الرخصة فى كلب الصيد وكلب الغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلبُ الذى أذن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى اقتنائه هو الذى حرَّم ثمنه، وأخبر أنه خبيثٌ دونَ الكلب الذى أمر بقتله، فإن المأمورَ بقتله غيرُ مستبقى حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجر العادةُ ببيعه وشرائه بخلاف الكلب المأذون فى اقتنائه، فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه أولى مِن حاجتهم إلى بيان ما لم تجرِ عادتُهم ببيعه، بل قد أُمِرُوا بقتله.
ومما يُبين هذا أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الأربعة التى تُبذل فيها الأموال عادة لحرص النفوس عليها وهى ما تأخذُه الزانية والكاهِنُ والحجَّامُ وبائع الكلب فكيف يُحمل هذا على كلب لم تَجْرِ العادةُ ببيعه، وتخرج منه الكلاب التى إنما جرت العادة ببيعها هذا من الممتنع البينِ امتناعُه، وإذا تبين هذا، ظهر فساد ما شبه به من نسخ خُبثِ أجرة الحجام، بل دعوى النسخ فيها أبعد.
(يتبع...)
@ وأما إعطاءُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم الحجام أجره، فلا يُعارض قوله ((كسب الحجام خبيث)) فإنه لم يقل: إن إعطاءه خبيث، بل إعطاؤه إما واجب، وإما مستحب، وإما جائز ولكن هو خبيثٌ بالنسبة إلى الآخذ، وخبثُه بالنسبة إلى أكله، فهو خبيثُ الكسب، ولم يلزم مِن ذلك تحريمُه، فقد سمى النبىُّ صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحة أكلهما، ولا يلزم من إعطاء النبىِّ صلى الله عليه وسلم الحجَّام أجرَه حِل أكلِه فضلاً عن كون أكله طيباً، فإنه قال: ((إنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ العَطِيَّةَ يَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَ نَارَاً))، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم قد كان يُعطى المؤلفةَ قلوبُهم مِن مال الزكاة والفىء مع غناهم، وعدم حاجتهم إليه، ليبذُلوا من الإسلام والطاعة ما يَجِبُ عليهم بذلُه بدون العطاء، ولا يَحِلُّ لهم توقُف بذله على الأخذ، بل يجبُ عليهم المبادرةُ إلى بذله بلا عوض.
وهذا أصل معروف مِن أصول الشرع أن العقد والبذل قد يكونُ جائزاً، أو مستحباً، أو واجباً من أحد الطرفين، مكروهاً أو محرماً من الطرف الآخر، فيجب على الباذلِ أن يَبْذُلَ ويحرم على الآخذ أن يأخذه.
وبالجملة فخبثُ أجرِ الحجَّام من جنس خُبث أكل الثوم والبصل، لكن هذا خبيثُ الرائحة، وهذا خبيثٌ لكسبه.
فإن قيل: فما أطيبُ المكاسب وأحلُّها؟ قيل هذا فيه ثلاثةُ أقوال للفقهاء.
أحدها: أنه كسبُ التجارة.
والثانى: أنَّه عملُ اليد فى غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوِها.
والثالث: أنه الزِّراعةُ، ولكل قولٍ مِن هذه وجه مِن الترجيح أثراً ونظراً، والراجح أن أحلَّها الكسبُ الذى جعل منه رِزق رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو كسبُ الغانمين وما أُبيح لهم على لسان الشارع، وهذا الكسبُ قد جاء فى القرآن مدحُه أكثرَ مِن غيره، وأثنى على أهله ما لم يُثْنَ على غيرهم، ولهذا اختاره اللَّه لخيرِ خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقولُ: ((بُعِثْتُ بالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَى السَّاعَةِ حَتَّي يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وجُعِلَ رِزْقى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحى، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ والصَّغَارُ عَلىَ مَنْ خَالَفَ أَمْرِى))، وهو الرزقُ المأخوذُ بعزة وشرف وقهر لأعداء اللَّه، وجعل أحب شىء إلى اللَّه، فلا يُقاومه كسب غيره. واللَّه أعلم.
فصل
فى حُكمه صلى الله عليه وسلم فى بيع عَسْبِ الفَحْلِ وضِرابِه
فى صحيح البخارى عن ابن عمر أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن عَسْبِ الفَحْلِ.
وفى صحيح مسلمٍ عن جابر أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْعِ ضِرَابِ الفحل. وهذا الثانى تفسير للأول، وسمى أجرة ضِرابه بيعاً إما لكون المقصودِ هو الماءَ الذى له، فالثمنُ مبذول فى مقابلة عين مائه، وهو حقيقةُ البيع، وإما أنه سمى إجارته لذلك بيعاً، إذ هى عقد معاوضة وهى بيع المنافع، والعادة أنهم يستأجِرُون الفحل للضِّرَابِ، وهذا هو الذى نُهِى عنه، والعقدُ الوارد عليه باطل، سواء كان بيعاً أو إجارة، وهذا قولُ جمهور العلماء، منهم أحمدُ والشافعى، وأبو حنيفة وأصحابهم.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: ويحتمِلُ عندي الجواز، لأنه عقد على منافع الفحل، ونزوه على الأنثى وهى منفعة مقصودة، وماء الفحل يدخل تبعاً، والغالب حصولُه عقيبَ نزوه، فيكون كالعقد على الظئر، ليحصُلَ اللبنُ فى بطن الصبى، وكما لو استأجر أرضاً، وفيها بئر ماء، فإن الماء يدخل تبعاً وقد يغتفر فى الأتباع ما لا يُغتفر فىالمتبوعات.
وأما مالك فَحُكىَ عنه جوازُه، والذى ذكره أصحابه التفصيل، فقال صاحب ((الجواهر)) فى باب فساد العقد من جهة نهى الشارع: ومنها بيعُ عَسْب الفَحْلِ، ويُحمل النهى فيه على استئجار الفحل على لِقاح الأنثى وهو فاسد، لأنه غيرُ مقدورعلى تسليمه، فأما أن يستأجِرَه على أن ينزو عليه دفعاتٍ معلومة، فذلك جائز، إذ هو أمَدٌ معلوم فى نفسه، ومقدورٌ على تسليمه.
والصحيحُ تحريمُه مطلقاً وفسادُ العقد به على كل حال، ويحرُم على الآخر أخذُ أجرةِ ضرابه، ولا يحرم على المعطى، لأنه بذل ماله فى تحصيل مباح يحتاج إليه ولا يمنع من هذا كما فى كسب الحجام، وأجرة الكسَّاح، والنبى صلى الله عليه وسلم نهى عما يعتادونه من استئجار الفحل للضِّراب، وسمي ذلك بيع عَسْبِهِ، فلا يجوزُ حمل كلامه على غير الواقع والمعتاد وإخلاء الواقع من البيان مع أنه الذى قصد بالنهى، ومن المعلوم أنه ليس للمستأجر غرض صحيح فى نزو الفحل على الأنثى الذى له دفعات معلومة، وإنما غرضُه نتيجة ذلك وثمرته، ولأجله بذل ماله.
وقد علَّل التحريمَ بعدة علل.
إحداها: أنه لا يقدر على تسليم المعقود عليه، فأشبه إجارة الآبق، فإن ذلك متعلق بإختيار الفحل وشهوته.
الثانية: أن المقصودَ هو الماءُ وهو مما لا يجوز إفرادُه بالعقد، فإنه مجهولُ القدر والعين وهذا بخلاف إجارة الظئر، فإنها احتملت بمصلحة الآدمى، فلا يُقاسُ عليها غيرُها، وقد يقال واللَّه أعلم إن النهى عن ذلك مِن محاسن الشريعة وكما لها فإن مقابلة ماء الفحل بالأثمان، وجعله محلاً لعقود المعاوضات مما هو مستقبح ومستهجَن عند العقلاء، وفاعل ذلك عندهم ساقط مِن أعينهم فى أنفسهم، وقد جعل اللَّه سبحانه فِطَرَ عباده لا سيما المسلمين ميزاناً للحسن والقبيح، فما رآه المسلمون حسناً، فهو عند اللَّه حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً، فهو عند اللَّه قبيح.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس