عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 03:38 PM   #3
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ذكر أحكامه صلى الله عليه وسلم فى البيوع
ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم فيما يحرم بيعه
ثبت فى ((الصحيحين)): من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما، أنه سمع النبىَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن اللَّهَ ورسولَه حرَّم بيع الخمر، والميتةِ، والخِنزير، والأصْنَام)). فقيل: يا رَسُول اللَّه: أرأيت شُحوم الميتة، فإنها يُطلى بها السُّفن، ويُدهَنُ بها الجلودُ، ويَسْتَصْبِحُ بها الناسُ؟ فقال: ((لاَ، هُوَ حَرَامٌ)) ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ((قاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إنَّ اللَّهَ لمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِم شُحُومَها جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فأَكلوا ثَمَنَهُ)).
وفيها أيضاً: عن ابن عباسٍ، قال: بَلغَ عُمَرَ رضى اللَّه عنه أنَّ سًمُرَةَ باع خمراً فقال: قاتلَ اللَّهُ سَمُرَةَ، ألم يعلمْ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَملُوهَا فَبَاعُوهَا)).
فهذا من مسند عمر رضى اللَّه عنه، وقد رواه البيهقىُّ، والحاكم فى ((مستدركه))، فجعلاه من ((مسند ابن عباس))، وفيه زيادة، ولفظه: عن ابن عباس، قال: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى المسجد، يعنى الحرامَ، فرفع بصرَهُ إلى السماءِ، فتبسَّم فقال : ((لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، إنَّ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْهمُ الشُّحُومَ، فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمانها، إنَّ اللَّهُ إذَا حَرَّمَ عَلى قَوْمٍ أَكْلَ شَىءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ)). وإسناده صحيح، فإن البيهقى رواه عن ابن عبدان، عن الصفار، عن إسماعيل القاضى، حدثنا مُسدَّد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا خالد الحذَّاء، عن بركة أبى الوليد، عن ابن عباس.
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه. نحوه، دون قوله: ((إن اللَّه إذا حَرَّم أَكْلَ شَىءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ)).
فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشاربَ تُفْسِدُ العقول ومطاعِمَ تُفْسِدُ الطِّبَاع وتغذِّى غِذاءً خبيثاً ؛ وأعيانٍ تُفْسِدُ الأديان، وتدعو إلى الفِتنةِ والشِّرْك.
فصانَ بتحريم النوع الأول العقولَ عما يُزيلها ويُفْسِدُها، وبالثانى: القلوبَ عما يُفْسِدها من وُصُولِ أثرِ الغذاءِ الخبيثِ إليها، والغاذى شبيهُ بالمغتذى، وبالثالث: الأديانَ عما وُضِعَ لإفسادها.
فتضمن هذا التحريمُ صِيانةَ العقولِ والقلوبِ والأديان
ولكن الشَّأنَ فى معرفة حدود كلامه صلوات اللَّه عليه، وما يدخل فيه، وما لا يدخل فيه، لِتستبين عمومُ كلماته وجَمْعِهَا، وتناوُلِها لجميع الأنواع التى شَمِلَها عمومُ كلماتِهِ، وتأويلها بجميع الأنواع التى شَمِلَها عمومُ لفظه ومعناه، وهذه خاصِيَّةُ الفهم عن اللَّهِ ورسولِه التى تفاوت فيه العلماءُ ويُؤتيه اللَّه من يشاء.
فأمَّا تحريمُ بيعِ الخمرِ، فيدخل فيه تحريمُ بيعِ كلِّ مسكر، مائعاً كان، أو جامداً عصيراً، أو مطبوخاً، فيدخل فيه عَصيرُ العِنَبِ، وخَمرُ الزبيبِ، والتمر، والذُّرَةِ، والشَّعِيرِ، والعَسَل والحِنْطَةِ، واللقمةِ الملعونة، لقمة الفسق والقلب التى تُحرِّك القلبَ الساكنَ إلى أَخبثِ الأماكن، فإن هذا كُلَّه خَمْرٌ بنص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصحيح الصَريح الذى لا مَطْعَنَ فى سنده، ولا إجمالَ فى متنه، إذ صح عنه قوله: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر)).
وصح عن أصحابه رضى اللَّه عنهم الذين هم أعلمُ الأُمَّةِ بخطابه ومُراده: أنَّ الخَمْرَ مَا خَامَرَ العَقْلَ فدخولُ هذه الأنواع تحت اسم الخمر، كدخول جميع أنواع الذهب والفضَّةِ، والبُرِّ والشعيرِ، والتمرِ والزبيب، تحت قوله: ((لا تبيعوا الذهبَ بالذهب، والفِضةَ بالفضة، والبُرَّ بالبُرِّ، والشَّعيرَ بالشَّعيرِ، والتمرِ، والملحَ بالملحِ إلا مِثْلاً بمثل)).
فكما لا يجوز إخراجُ صِنْف من هذه الأصناف عن تناوُل اسمه له، فهكَذا لا يجوزُ إخراجُ صِنف من أَصناف المسكر عن اسم الخمر، فإنه يتضمَّن محذورين.
أحدهما: أن يُخْرجَ مِن كلامه ما قصَدَ دخولَه فيه.
والثانى: أن يُشرع لذلك النوعِ الذى أخرج حكمٌ غير حكمه، فيكون تغييراً لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنه إذا سمَّى ذلك النوعَ بغير الاسم الذى سَمَّاه به الشارع، أزال عنه حكم ذلك المسمَّى، وأعطاه حكماً آخر. ولما علم النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن مِنْ أُمَتِهِ مِنْ يُبْتَلى بهذا، كما قال: ((ليَشْرَبنَّ ناسٌ مِنْ أُمَّتى الخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ اسْمِها)). قضى قضية كليةً عامةً لا يتطرَّق إليها إجمال، وَلاَ احتمال، بل هى شافيةٌ كافيةُ، فقال: ((كُلُّ مُسْكِر خَمْر))، هذا ولو أن أبا عُبَيدة، والخليلَ وأضرابَهما مِن أئمة اللغة ذكروا هذه الكلمة هكذا، لقالوا: قد نصَّ أئمةُ اللغة على أنَّ كُلَّ مسكرٍ خمر، وقولُهم حجة، وسيأتى إن شاء اللَّه تعالى عندَ ذِكْرِ هَدْيهِ فى الأطعمة والأشربة مزيدُ تقرير لهذا، وأنه لو لم يتناوله لفظُه، لكان القياسُ الصريح الذى استوى فيه الأصلُ والفرعُ مِن كل وجه حاكماً بالتسوية بين أنواع المسكر فى تحريم البيع والشُّرْب، فالتفريقُ بينَ نوع ونوع، تفريقٌ بين متماثلين من جميع الوجوه.
فصل
وأما تحريمُ بيع الميتة، فيدخل فيه كُلُّ ما يسمَّى ميتةً، سواء مات حتف أنفه، أو ذُكِّىَ ذكَاةً لا تُفيد حِلَّه. ويدخل فيه أبعاضُها أيضاً.
ولهذا استشكل الصحابةُ رضى اللَّه عنهم تحريمَ بيع الشحم، مع ما لهم فيه من المنفعة، فأخبرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه حرامٌ وإن كان فيه ما ذكروا مِن المنفعة وهذا موضعٌ اختلف الناسُ فيه لاختلافهم فى فهم مرادِه صلى الله عليه وسلم، وهو أنَّ قوله: ((لا، هوَ حرام)): هل هو عائد إلى البيع، أو عائد إلى الأفعال التى سألوا عنها؟ فقال شيخُنا: هو راجع إلى البيع، فإنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا أخبرهم أنَّ حَرَّم بيع الميتة، قالوا: إن فى شحومها مِن المنافع كذا وكذا، يعنون، فهل ذلك مسوغ لبيعها؟ فقال: ((لا، هو حَرَام)).
قلت: كأنهم طلبوا تخصيصَ الشحوم من جملة الميتة بالجواز، كما طلب العباسُ رضى اللَّه عنه تخصيصَ الإذْخر من جملة تحريم نَبات الحَرَمِ بالجواز، فلم يجبهم إلى ذلك، فقال: ((لا، هو حرام)).
وقال غيرُه من أصحاب أحمد وغيرهم: التحريمُ عائد إلى الأفعال المَسؤول عنها، وقال: هو حرام، ولم يقل: هى، لأنه أراد المذكورَ جميعَه، ويرجح قولهم عود الضمير إلى أقرب مذكور، ويرجحه من جهة المعنى أن إباحة هذه الأشياء ذريعةٌ إلى اقتناء الشحوم وبيعها، ويُرجحه أيضاً: أن فى بعض ألفاظ الحديث، فقال: ((لا، هى حرام))، وهذا الضمير إما أن يرجع إلى الشحوم، وإما إلى هذه الأفعال، وعلى التقديرين، فهو حُجَّةٌ على تحريم الأفعال التى سألوا عنها.
ويرجحه أيضاً قولُه فى حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه فى الفأرة التى وقعت فى السمن: ((إنْ كَانَ جَامِداً فَأَلقُوهَا ومَا حَوْلها وكُلُوهُ، وإنْ كَانَ مَائِعاً فَلا تَقْرَبُوهُ)). وفى الانتفاع به فى الاستصباح وغيره قُربان له. ومن رجَّح الأول يقول: ثَبَتَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّما حَرُمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُها))، وهذا صريحُ فى أنه لا يحرم الانتفاعُ بها فى غير الأكل، كالوقيدِ، وسَدِّ البُثوقِ، ونحوهما. قالوا: والخبيث إنما تحرُمُ ملابسته باطناً وظاهراً، كالأكل واللُّبْسِ، وأما الانتفاعُ به من غير مُلابسة، فَلأىِّ شىءٍ يحرم؟
قالوا: ومن تأمل سياقَ حديث جابر، علم أن السؤالَ إنما كان منهم عن البيع، وأنَّهم طلبوا منه أن يُرخِّص لهم فى بيع الشحوم، لما فِيها من المنافع، فأبى عليهم وقال: ((هو حرام))، فإنهم لو سألوه عن حكم هذه الأفعال، لقالوا: أرأيتَ شحومَ الميتة، هل يجوز أن يَستصبحَ بها الناسُ، وتُدهَنَ بها الجلودُ ؛ ولم يقولوا: فإنه يفعل بها كذا وكذا، فإن هذا إخبار منهم، لا سؤال، وهم لم يُخبروه بذلك عقيبَ تحريم هذه الأفعال عليهم، ليكون قوله: ((لا، هو حرام)) صريحاً فى تحريمها، وإنما أخبروه به عقيبَ تحريم بيع الميتة، فكأنهم طلبوا منه أن يرخِّص لهم فى بيع الشحوم لهذه المنافع التى ذكروها، فلم يفعل. ونهايةُ الأمر أن الحديثَ يحتمل الأمرين، فلا يحرم ما لم يعلمْ أنَّ اللَّه ورسوله حَرَّمه.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس