عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 04:12 PM   #4
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
ومما يُبين الفرق بين عدة الرجعية والبائن، أن عِدَّة الرجعية لأجل الزوج وللمرأة فيها النفقة والسكنى باتفاق المسلمين، ولكن سُكناها، هل هى كسكنى الزوجة، فيجوز أن يَنْقُلَها المطلقُ حيث شاء، أم يتعين عليها المنزلُ، فلا تَخْرُجُ ولا تُخْرَجُ؟ فيه قولان. وهذا الثانى، هو المنصوص عن أحمد، وأبى حنيفة، وعليه يدل القرآن. والأول: قول الشافعى، وهو قولُ بعض أصحاب أحمد.
والصواب: ما جاء به القرآن، فإن سُكنى الرجعية مِن جنس سكنى المتوفى عنها، ولو تراضيا بإسقاطها، لم يجز، كما أن العِدة فيها كذلك بخلاف البائن، فإنها لا سُكنى لها، ولا عليها، فالزوجُ له أن يُخرجها، ولها أن تخرج، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:
((لا نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى)).
وأما الرجعة: فهل هى حق للزوج يملك إسقاطها بأن يطلقها واحدة بائنة، أم هى حقٌّ للَّه فلا يملك إسقاطها؟ ولو قال: أنتِ طالق طلقة بائنة، وقعت رجعية، أم هى حق لهما فإن تراضيا بالخُلع بلا عِوض، وقع طلاقاً بائناً، ولا رجعة فيه؟ فيه ثلاثة أقوال.
فالأول: مذهب أبى حنيفة، وإحدى الروايات عن أحمد.
والثانى: مذهب الشافعى، والرواية الثانية عن أحمد.والثالث: مذهب مالك، والرواية الثالثة عن أحمد.
والصواب: أن الرجعة حق للَّه تعالى ليس لهما أن يَتَّفِقَا على إسقاطها، وليس له أن يُطلِّقَها طلقة بائنة، ولو رضيت الزوجةُ، كما أنه ليس لهما أن يتراضيا بفسخ النكاح بلا عِوض بالاتفاق.
فإن قيل: فكيف يجوز الخلعُ بغيرِ عوض فى أحد القولين فى مذهب مالك وأحمد، وهل هذا إلا إتفاقُ مِن الزوجين على فسخ النكاح بغير عوض؟ قيل: إنما يجُوِّز أحمد فى إحدى الروايتين الخُلع بلا عِوض إذا كان طلاقاً، فأما إذا كان فسخاً، فلا يَجوزُ بالاتفاق، قاله شيخنا رحمه اللَّه. قال: ولو جاز هذا، لجاز أن يتفقا على أن يَبينها مرة بعد مرة من غير أن يَنْقُصَ عدد الطلاق، ويكون الأمر إليهما إذا أراد أن يجعلا الفرقة بين الثلاث جعلاها، وإن أرادا، لم يجعلاها من الثلاث، ويلزمُ مِن هذا إذا قالت: فادنى بلا طلاق، أن يبينها بلا طلاق، ويكون مخيراً إذا سألته إن شاء أن يجعله رجعياً، وإن شاء أن يجعله بائناً، وهذا ممتنع، فإن مضمونه أنه يُخير، إن شاء أن يُحرمها بعد المرة الثالثة، وإن شاء لم يُحرمها، ويمتنع أن يخير الرجل بينَ أن يجعل الشىء حلالاً، وأن يجعلَه حراماً، ولكن إنما يُخير بين مباحين له، وله يُباشر أسبابَ الحِل وأسباب التحريم، وليس له إنشاءُ نفس التحليل والتحريم، واللَّهُ سبحانه إنما شرع له الطلاق واحدة بعد واحدة، ولم يشرع له إيقاعه مرة واحدة، لئلا يندم، وتزولَ نزغةُ الشيطان التى حملته على الطلاق، فتتبع نفسُه المرأة، فلا يجد إليها سبيلاً، فلو ملكه الشارع أن يطلقها طلقة بائنة ابتداء، لكان هذا المحذورُ بعينه موجوداً، والشريعةُ المشتمِلةُ على مصالح العباد تأبى ذلك، فإنه يبقى الأمرُ بيدها إن شاءت راجعته، وإن شاءت فلا، واللَّه سبحانه جعل الطلاق بيدِ الزوج لا بيد المرأة رحمةً منه وإحساناً، ومراعاةً لمصلحة الزوجين.نعم له أن يُملكها أمرها بإختياره، فيخيرها بين القيام معه وفراقها. وأما أن يخرجَ الأمرُ عن يد الزوج بالكلية إليها، فهذا لا يمكن. فليس له أن يُسقط حقَّه مِن الرجعة، ولا يملك ذلك، فإن الشارع إنما يملك العبد ما ينفعُه ملكه، ولا يتضرر به، ولهذا لم يملكه أكثر من ثلاث، ولا ملكه جمع الثلاث، ولا ملَّكه الطلاق فى زمن الحيض والطهر المواقع فيه، ولا ملكه نكاح أكثر من أربع، ولا ملك المرأةَ الطلاق، وقد نهى سبحانه الرجال: أن يُؤتُوا السُّفَهَاءَ أمْوالَهُم الَّتى جَعَلَ اللَّهُ لهم قِيَاماً، فكيف يجعلون أمر الأبضاع إليهن فى الطلاق والرجعة، فكما لا يكون الطلاقُ بيدها لا تكون الرجعة بيدها، فإن شاءت راجعته، وإن شاءت فلا، فتبقى الرجعةُ موقوفةً على اختيارها، وإذا كان لا يملك الطلاقَ البائن، فلأن لا يملك الطلاقَ المحرم ابتداءً أولى وأحرى، لأن الندم فى الطلاق المحرم أقوى منه فى البائن. فمن قال: إنه لا يمِلكُ الإبانة، ولو أتى بها لم تَبِنْ، كما هو قولُ فقهاء الحديث، لزمه أن يقول: إنه لا يملك الثلاث المحرمة ابتداء بطريق الأولى والأخرى، وأن له رجعتَها. وإن أوقعها، كان له رجعتُها.. وإن قال: أنت طالق واحدة بائنة، فإذا كان لا يملِك إسقاط الرجعة، فكيف يملِكُ إثباتَ التحريم الذى لا يعود بعده إلا بزوجٍ وإصابة؟
فإن قيل: فلازم هذا أنه لا يملكه ولو بعداثنتين، قلنا: ليس ذلك بلازم، فإن اللَّه سبحانه ملكه الطلاق على وجه معين، وهو أن يطلق واحدة، ويكون أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها، ثم إن شاء طلق الثانية كذلك، ويبقى له واحدةٌ، وأخبر أنه إن أوقعها، حَرُمَتْ عليه، ولا تعود إليه إلا أن تتزوج غيره، ويُصيبها ويُفارقها، فهذا هو الذى ملكه إياه، لم يُملِّكه أن يُحرمها ابتداء تحريماً تاماً من غير تقدم تطليقتين. وباللَّه التوفيق.
فصل
قد ذكرنا حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى المختلعة أنها تعتد بحيضة، وأن هذا مذهب عثمان بن عفان، وابن عباس، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، اختارها شيخنا. ونحن نذكر الأحاديث بذلك بإسنادها.
قال النسائى فى ((سننه الكبير)): باب فى عدة المختلعة. أخبرنى أبو على محمد بن يحيى المروزى، حدثنا شاذان عبد العزيز بن عثمان أخو عَبْدان، حدثنا أبى، حدثنا على بن المبارك، عن يحيى بن أبى كثير، قال: أخبرنى محمد بن عبد الرحمن، أن رُبَيِّع بنتَ معوِّذ بنِ عفراء، أخبرته أن ثابتَ ابن قيس بن شماس ضرب امرأته، فكسرَ يدها وهى جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبى، فجاء أخوها يشتكيه إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى ثابت، فقال:
((خُذ الذى لها عليك، وخلِّ سبيلها)) فقال: نعم، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها.
أخبرنا عُبيدُ اللَّهِ بنُ سعد بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنى عمي، قال: أخبرنا أبى، عن ابن إسحاق، قال: حدثنى عُبادة بن الوليد بن عبادة ابن الصامت، عن رُبَيِّعِ بنتِ معوِّذ، قال: قلتُ لها: حدثينى حديثَك، قالت: اختلعتُ من زوجى، ثم جئتُ عثمان، فسألتُ ماذا علىَّ مِن العِدة، قال: لا عِدة عَلَيْك إلا أن يكونَ حديثَ عهد بك فتمكُثين حتى تحيضى حَيضة. قالت: وإنما تَبعَ فى ذلك قضاءَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى مريم المَغَالِيَّة، كانت تحتَ ثابتِ بنِ قيس بن شماس، فاختلعت منه.
وروى عكرمةُ عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عِدَّتَها حيضة. رواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحيم البزاز، عن على بن بحر القطان، عن هشام بن يوسف، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة. ورواه الترمذي: عن محمد بن عبد الرحيم بهذا السند بعينه. وقال: حديث حسن غريب.
وهذا كما أنه موجبُ السنة وقضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وموافقٌ لأقوالِ الصحابة، فهو مقتضى القياس، فإنه استبراءٌ لمجرد العلم ببراءة الرحم، فكفت فيه حيضة، كالمسبية والأمة المستبرأة، والحرة، والمهاجرة، والزانية إذا أرادت أن تنكِحَ.
وقد تقدم أن الشارع مِن تمام حكمته جعل عِدة الرجعية ثلاثة قروء لمصلحة المطلق، والمرأة ليطول زمان الرجعة، وقد تقدم النقصُ على هذه الحكمة، والجواب عنه.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس