عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 04:10 PM   #3
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقد قيل: إن تسريحَها بإحسان مؤثرٌ فيها حين تنقضى العدة، ولكن ظاهرُ القرآن يدل على خلاف ذلك، فإنه سبحانه جعل التسريحَ بإحسان عند بلوغ الأجل، ومعلومٌ أن هذا التركَ ثابتٌ من أول المدة، فالصوابُ أن التسريحَ إرسالُها إلى أهلها بعد بلوغ الأجل، ورفع يده عنها، فإنه كان يملِكُ حبسها مدةَ العِدة بلغت أجلها فحينئذ إن أمسكها كان له حبسُها، وإن لم يُمسكها كان عليه أن يُسرحها بإحسان، ويدل على هذا قولُه تعالى فى المطلقة قبل المسيس: {فَمَا لَكُمْ عَلَيهنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَميلاً} [الأحزاب: 49]، فأمر بالسراح الجميل ولا عدة، فَعلِمَ أن تخلية سبيلها إرسالُها، كما يقال: سرَّح الماء والناقة: إذا مكنها مِن الذهاب، وبهذا الإطلاق والسراح يكونُ قد تم تطليقُها وتخليتُها، وقبل ذلك لم يكن الإطلاق تاماً، وقبل ذلك كان له أن يُمسكها وأن يُسرحها، وكان مع كونه مطلقاً، قد جعل أحقَّ بها مِن غيره مدة التربص، وجعل التربص ثلاثة قروء لأجله، ويؤيِّد هذا أشياء.
أحدُها: أن الشارع جعل عدة المختلِعة حيضة، كما ثبتت به السنة، وأقرَّ به عثمان بن عفان، وابن عباس، وابن عمر رضى اللَّه عنهم، وحكاه أبو جعفر النخاس فى ((ناسخه ومنسوخه)) إجماعَ الصحابة، وهو مذهب إسحاق، وأحمد ابن حنبل فى أصح الروايتين عنه دليلاً، كما سيأتى تقريرُ المسألة عن قرب إن شاء اللَّه تعالى. فلما لم يكن على المختلعة رجعة، لم يكن عليها عِدة، بل استبراء بحيضة، لأنها لما افتدت منه، وبانت، ملكت نفسَها، فلم يكن أحقَّ بإمساكها، فلا معنى لتطويل العدة عليها، بل المقصودُ العلم ببراءة رحمها، فيكفى مجرد الاستبراء.والثانى: أن المهاجرة مِن دار الحرب قد جاءت السنة بأنها إنما تُستبرأ بحيضة، ثم تزوج كما سيأتى.
الثالث: أن اللَّه سبحانه لم يشرعْ لها طلاقاً بائناً بعد الدخول إلا الثالثة، وكل طلاق فى القرآن سواها فرجعى، وهو سبحانه إنما ذكر القروء الثلاثة فى هذا الطلاق الذى شرعه لهذه الحكمة. وأما المفتدية، فليس افتداؤها طلاقاً، بل خلعاً غير محسوب من الثلاث، والمشروع فيه حيضة.
(يتبع...)
@ فإن قيل: فهذا ينتقِضُ عليكم بصورتين.
إحداهما: بمن استوفت عدد طلاقها، فإنها تعتد ثلاثةَ قروء، ولا يتمكن زوجُها مِن رجعتها.
الثانية: بالمخيرة إذا عتقت تحت حر أو عبد، فإن عِدتها ثلاثةُ قروء بالسنة، كما فى السنن من حديث عائشة رضى اللَّه عنها: أُمِرَت بريرة أن تعتدَّ عِدة الحرة.
وفى سنن ابن ماجه: أُمِرَت أن تعتدَّ ثلاث حِيضٍ ولا رجعة لزوجها عليها.
فالجواب: أن الطلاق المحرِّم للزوجة لا يجبُ فيه التربصُ لأجل رجعةِ الزوج، بل جُعِلَ حريماً للنكاح، وعقوبةً للزوج بتطويل مدة تحريمها عليه، فإنه لو سوغ لها أن تتزوج بعد مجرد الاستبراء بحيضة، لأمكن أن يتزوَّجها الثانى ويُطلقها بسرعتة، إما على قصد التحليل أو بدونه، فكان تيسير عودها إلى المطلق، والشارع حرمها عليه بعد الثالثة عقوبة له، لأن الطلاق الذى أَبغضُ الحلال إلى اللَّه، إنما أباحَ مِنه قدر الحاجة، وهو الثلاثُ، وحرَّم المرأة بعد الثالثة حتى تنكِحَ زوجاً غيره، وكان مِن تمام الحكمة أنها لا تنكِحُ حتى تتربص ثلاثة قروء، وهذا لا ضررَ عليها به، فإنها فى كل مرة من الطلاق لا تنكح حتى تتربَّص ثلاثة قروء، فكان التربصُ هناك نظراً فى مصلحته، لما لم يُوقع الثلاث المحرمة، وهنا التربصُ بالثلاث مِن تمام عقوبته، فإنه عُوقِبَ بثلاثة أشياء: أن حرمت عليه حبيبتُه، وجعل تربصها ثلاثةَ قروء، ولم يجز أن تعودَ إليه حتى يحظى بها غيرُه حظوةَ الزوج الراغب بزوجته المرغوب فيها، وفى كل مِن ذلك عقوبة مؤلمة على إيقاع البغيض إلى اللَّه المكروه له، فإذا عُلِمَ أنه بعد الثالثة لا تحِل له إلا بعد تربص، وتُزوج بزوج آخر، وأن الأمر بيد ذلك الزوج، ولا بد أن تَذُوقَ عُسيلته، ويذوقَ عُسيلتها، عُلِمَ أن المقصودَ أن ييأسَ منها، فلا تعود إليه إلا بإختيارها لا بإختياره، ومعلومٌ أن الزوجَ الثانى إذا كان قد نكح نكح رغبة وهو النكاحُ الذى شرعه اللَّه لعباده، وجعله سبباً لمصالحهم فى المعاش والمعاد، وسبباً لحصول الرحمة والوداد، فإنه لا يُطلِّقها لأجل الأول، بل يُمسِكُ امرأته، فلا يصير لأحد من الناس اختيارٌ فى عودها إليه، فإذا اتفق فراقُ الثانى لها بموتٍ أو طلاق، كما يفترقُ الزوجان اللذان هما زوجان، أبيح للمطلِّق الأول نكاحُها، كما يُباح للرجل نكاح مطلقة الرجل ابتداء، وهذا أمر لم يُحرِّمه اللَّه سبحانه فى الشريعة الكاملة المهيمِنَةِ على جميع الشرائع، بخلاف الشريعتين قبلنا، فإنه فى شريعة التَوْراة قد قيل: إنها متى تزوَّجت بزوج آخرَ لم تَحِلَّ للأول أبداً. وفى شريعة الإنجيل، قد قيل: إنه ليس له أن يُطلقها البتة، فجاءت هذه الشريعةُ الكاملة الفاضلة على أكملِ الوجوه وأحسنها وأصلحها للخلق، ولهذا لما كان التحليلُ مبايناً للشرائع كُلِّها، والعقل والفطرة، ثبت عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((لَعنُ المُحَلِّلِ والمُحَلَّل لَهُ)). ولعنه صلى الله عليه وسلم لهما، إما خَبَر عن اللَّه تعالى بوقوع لعنته عليهما، أو دُعاء عليهما باللعنة، وهذا يدلُّ على تحريمه، وأنه من الكبائر. والمقصود: أن إيجاب القُروء الثلاث فى هذا الطلاق مِن تمام تأكيد تحريمها على الأول، على أنه ليس فى المسألة إجماع.
فذهب ابنُ اللبان الفَرَضِى صاحبُ ((الإيجاز)) وغيره، إلى أن المطلقة ثلاثاً ليس عليها غيرُ استبراء بحيضة، ذكره عنه أبو الحسين بن القاضى أبى يعلى، فقال مسألة: إذا طلق الرجلُ امرأته ثلاثاً بعدَ الدخول، فعِدتها ثلاثةُ أقراء إن كانت من ذوات الأقراء، وقال ابن اللبان: عليها الاستبراء بحيضة، دليلُنا قوله تعالى: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، ولم يقف شيخ الإسلام على هذا القول، وعلق تسويغه على ثبوتِ الخلاف، فقال: إن كان فيه نِزَاعِ كان القولُ بأنه ليس عليها، ولا على المعتقة المخيَّرة إلا الاستبراء قولاً متوجهاً، ثم قال: ولازمُ هذا القول: أن الآيسة لا تحتاجُ إلى عدة بعد الطلقة الثالثة. قال: وهذا لا نعلم أحداً قاله.
وقد ذكر الخلاف أبو الحسين، فقال: مسألة: إذا طلَّق الرجلُ زوجته ثلاثاً، وكانت ممن لا تحيضُ لِصغر أو هرم، فعِدتها ثلاثةُ أشهر خلافاً لابن اللبان أنه لا عِدة عليها، دليلنا: قولُه تعالى:
{واللاَّئى يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُم إن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئى لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].
قال شيخنا: وإذا مضت السُّنة بأن على هذه ثلاثة أقراء، لم يجز مخالفتُها، ولو لم يجمع عليها، فكيف إذا كانَ مع السنة إجماع؟ قال: وقولُه صلى الله عليه وسلم لِفاطمة بنتِ قيس: ((اعْتَدِّى))، قد فهم منه العلماء أنها تعتد ثلاثة قروء، فإن الاستبراء قد يُسمى عِدة. قُلت: كما فى حديث أبى سعيد فى سبايا أوطاس، أنه فسرقولَه تعالى:{والمْحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] بِالسبايا، ثم قال: أى: فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، فجعل الاستبراء عدة. قال: فأما حديثُ عائشة رضى اللَّه عنها: أُمِرَت بريرةُ أن تعتد ثلاث حِيض، فحديث منكر. فإذا مذهب عائشة رضى اللَّه عنها أن الأقراء الأطهار.
قلتُ: ومن جَعل أن عِدة المختلعة حيضة، فبطريق الأولى تكونُ عِدة الفسوخ كلها عنده حيضة، لأن الخلع الذى هو شقيقُ الطلاق، وأشبهُ به لا يجب فيه الاعتدادُ عنده بثلاثة قروء، فالفسخ أولى، وأحرى من وجوه.
أحدها: أن كثيراً مِن الفقهاء يجعل الخلع طلاقاً ينقص به عددُه، بخلاف الفسخ لرضاع ونحوه.
الثانى: أن أبا ثور ومن وافقه يقولون: إن الزوج إذا رد العوض، ورضيت المرأةُ برده، وراجعها، فلهما ذلك بخلاف الفسخ.
الثالث: أن الخُلع يُمكن فيه رجوعُ المرأة إلى زوجها فى عِدتها بعقد جديد، بخلاف الفسخ لِرضاع أو عَدد، أو محرمية حيث لا يُمكن عودُها إليه، فهذه بطريق الأولى يكفيها استبراء بحيضة، ويكون المقصود مجردَ العِلم ببراءة رحمها، كالمسبية والمهاجرة، والمختلعة والزانية على أصحِّ القولين فيهما دليلاً، وهما روايتان عن أحمد.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس