عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 03:03 PM   #419
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأما قولُكم فى الفرق بين الاستبراء والعِدة: إن العِدة وجبت قضاءَ لحق الزوج، فاختصت بزمان حقه، كلامٌ لا تحقيق وراءه، فإن حقَّه فى جنس الاستمتاع فى زمن الحيض والطهر، وليس حقه مختصاً بزمن الطهر، ولا العِدة مختصة بزمن الطهر دون الحيض، وكلا الوقتين محسوب من العدة، وعدم تكرر الاستبراء لا يمنع أن يكون طهراً محتوشاً بدمين، كقُرء المطلقة، فتبين أن الفرق غيرُ طائل.
قولكم: إن انضمام قرءين إلى الطهر الذى جامع فيه يجعلُه علماً جوابُه أن هذا يُفضى إلى أن تكون العِدة قرءين حسب، فإن ذلك الذى جامع فيه لادلالة له على البراءة البتة، وإنما الدالُّ القَرآنِ بعده، وهذا خلاف موجب النص، وهذا لا يلزمُ مِن جعل الأقراء الحِيض، فإن الحيضة وحدها علم، ولهذا اكتفى بها فى استبراء الإماء.
قولكم: إن القرء هو الجمع، والحيض يجتمع فى زمان الطهر، فقد تقدم جوابُه، وأن ذلك فى المعتل لا فى المهموز.
قولكم: دخولُ التاء فى ثلاثة، يدل على أن واحدها مذكر، وهو الطهر، جوابُه أن واحد القروء قَرء، وهو مذكر، فأتى بالتاء مراعاةً للفظه، وإن كان مسماه حيضة، وهذا كما يُقال: جاءنى ثلاثة أنفس، وهُنَّ نساء بإعتبار اللفظ. واللَّه أعلم.
فصل
وقد احتج بعُموم آيات العِدد الثلاث مَنْ يرى أن عِدة الحرة والأمة سواء، قال أبو محمد ابن حزم: وعدة الأمة المتزوجة من الطلاق والوفاة، كعدة الحرة سواء بسواء، ولا فرق، لأن اللَّه تعالى علَّمنا العِدَدَ فى الكِتاب، فقال: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَة قُروُءٍ} [البقرة: 228] وقال: {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُم وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234]، وقال اللَّه تعالى: {واللاَّئى يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُم إن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللاَّئى لَم يحِضْنَ وَأُولاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4]، وقد علم اللَّه تعالى إذ أباح لنا زواج الإماء، أنه يكون عليهن العِدَدُ المذكورات. وما فرَّق عز وجل بين حُرَّةٍ ولا أَمَةٍ فى ذلك، وما كان ربك نسياً.
وثبت عمن سلف مثل قولنا: قال محمد بن سِيرين رحمه اللَّه. ما أرى عِدَّة الأَمَةِ إلا كَعِدَّة الحُرَّة، إلا أن يكون مضت فى ذلك سُنَّةٌ، فالسُّنَّةُ أحقُّ أن تُتَّبَعَ. قال: وقد ذكر أحمد بن حنبل، أن قول مكحول: إنَّ عِدَّة الأمة فى كل شى، كَعِدَّة الحُرَّة، وهو قول أبى سليمان، وجميع أصحابنا، هذا كلامه.
وقد خالفهم فى ذلك جمهور الأُمَّةِ، فقالوا: عِدَّتُها نصف عِدَّة الحرة، هذا قول فقهاء المدينة: سعيدِ بنِ المسيب، والقاسِم، وسالِم، وزيدِ بن أسلم، وعبدِ اللَّه بن عتبة، والزهرىِّ، ومالك، وفقهاءِ أهل مكة: كعطاءِ بنِ أبى رباح، ومسلم بنِ خالد وغيرهما، وفقهاءِ البصرة: كقتادة، وفقهاءِ الكوفة، كالثورىِّ وأبى حنيفةَ وأصحابِه رحمهم اللَّه. وفقهاءِ الحديثِ كأحَمدَ وإسحاق، والشافعى، وأبى ثور رحمهم اللَّه وغيرهم، وسلفُهم فى ذلك الخليفتان الراشدان: عمرُ بنُ الخطاب، وعلىُّ بنُ أبى طالب، رضى اللَّه عنهما، صح ذلك عنهما، وهو قولُ عبدِ اللَّه بنِ عمر رضى اللَّه عنه، كما رواه مالك، عن نافع، عنه: عِدَّةُ الأَمَةِ حيضتان، عِدَّةُ الحرة ثلاث حِيَض، وهو قول زيد ابن ثابت، كما رواه الزهرى، عن قَبيصة، بن ذُؤَيب، عن زيد بن ثابت: عِدَّةُ الأَمَةِ حيضتان، وعِدَّة الحرة ثلاثُ حِيَضِ. وروى حماد بن زيد، عن عمرو بن أوس الثقفى، أن عمرَ بنَ الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لو استطعتُ أن أجعلَ عِدَّةَ الأَمَةِ حيضةً ونصفاً لفعلت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، فاجعلها شهراً ونصفاً.
وقال عبد الرزاق: حدثنا ابن جريح، أخبرنى أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: جعل لها عمرُ رضى اللَّه عنه حيضتين، يعنى: الأَمَةَ المطَلَّقة. وروى عبد الرزاق أيضاً: عن ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن عمر رضى اللَّه عنه: ينكح العبد اثنتين، ويطلِّق تطليقتين، وتعتدُّ الأَمَةُ حيضتين، فإن لم تحض، فَشَهْرين أو قال: فشهراً ونصفاً.
وذكر عبد الرزاق أيضاً: عن معمرَ، عن المغيرة، عن إبراهيم النخعى، عن ابن مسعود قال: يكون عليها نصف العذاب، ولا يكون لها نصف الرخصة.
وقال ابن وهب: أخبرنى رجال من أهل العلم: أن نافعاً، وابنَ قُسَيْطٍ، ويحيى ابن سيعد، وربيعة، وغير واحد من أصحابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والتابعين، قالوا: عِدَّةُ الأَمَةِ حيضتان. قالوا: ولم يزل هذا عمل المسلمين.
قال ابن وهب: أخبرنى هشام بن سَعْد، عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصِّدِّيق رضى اللَّه عنهم، قال: عِدَّة الأَمَةِ حيضتان.
قال القاسم: مع أن هذا ليس فى كتاب اللَّه عز وجل، ولا نعلمه سُنَّةً عَنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولكن قد مضى أمرُ النَّاس على هذا، وقد تقدَّم هذا الحديث بعينه، وقولُ القاسم وسالم فيه لرسول الأمير، قل له: إن هذا ليس فى كِتاب اللَّه، ولا سُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولكن عمل به المسلمون. قالوا: ولو لم يكن فى المسألة إلا قولُ عمر، وابنِ مسعود، وزيدِ بن ثابت، وعبد اللَّه بن عمر، لكفى به.
وفى قول ابن مسعود رضى اللَّه عنه: تجعلون عليها نصف العذاب، ولا تجعلون لها نصف الرخصة، دليل على اعتبار الصحابة للأَقْيسة والمعانى، وإلحاق النظير بالنظير.
ولما كان هذا الأثر مخالفاً لقول الظاهرية فى الأصل والفرع، طعن ابنُ حزم فيه وقال: لا يصح عن ابن مسعود: قال وهذا بعيد على رجل من عُرْضِ الناس، فكيف عن مثل ابن مسعود؟ وإنما جَرَّأَه على الطعن فيه، أنه من رواية إبراهيم النخعى عنه، رواه عبد الرزاق عن معمر، عن المغيرة، عن إبراهيم، وإبراهيم لم يسمع من عبد اللَّه، ولكن الواسطة بينه وبينه أصحاب عبد اللَّه كعلقمة ونحوه، وقد قال إبراهيم: إذا قلتُ: قال عبد اللَّه، فقد حدثنى به غير واحد عنه، وإذا قلت: قال فلان عنه، فهو عمن سَمَّيْتُ، أو كما قال. ومن المعلوم: أن بين إبراهيم، وعبد اللَّه أئمة ثقات، لم يسمِّ قَطُّ مُتَّهماً، ولا مجروحاً، ولا مجهولاً، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد اللَّه أئمة أجلاء نبلاء، وكانوا كما قيل: مُرُجَ الكوفة، وكل من له ذَوْق فى الحديث إذا قال إبراهيم: قال عبد اللَّه، لم يتوقف فى ثبوته عنه، وإن كان غيره ممن فى طبقته، لو قال: قال عبد اللَّه، لا يحصل لنا الثبت بقوله، فإبراهيم عن عبد اللَّه نظيرُ ابنِ المسيِّب عن عمر، ونظير مالك عن ابن عمر، فإن الوسائط بين هؤلاء وبين الصحابة رضى اللَّه عنهم إذا سَمَّوْهم وُجِدُوا من أَجَلِّ الناس، وأوثقهم، وأصدقِهم، ولا يُسَمُّون سواهم البتة، وَدَعِ ابنَ مسعود فى هذه المسألة، فكيف يخالف عمرَ، وزيداً، وابن عمر، وهم أعلم بكتاب اللَّه وسُنَّةِ رسوله، ويخالف عمل المسلمين، لا إلى قول صاحبٍ البتة، ولا إلى حديث صحيح، ولا حسن، بل إلى عمومٍ أمره ظاهر عند جميع الأُمَّةِ، ليس هو مما تخفى دلالته، ولا موضعه، حتى يظفر به الواحد والاثنان دون سائر الناس، هذا من أبين المحال.
ولو ذهبنا نذكر الآثار عن التابعين بتنصيف عِدَّة الأمة، لطالت جداً ثم إذا تأملتَ سياق الآيات التى فيها ذِكر العِدَد، وجدتَها لا تتناول الإماء، وإنما تتناول الحرائر، فإنه سبحانه قال: {وَالمطَلَّقَاتُ يَتَربَّصْنَ بأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فى أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخرِ وبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فى ذلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذى عَلَيْهِنَّ بِالمعْرُوفِ} [البقرة: 228] إلى أن قال: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلاَّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتَدَتْ به} [البقرة: 229] وهذا فى حق الحرائر دون الإماء، فإن افتداءَ الأمة إلى سيدها، لا إليها ثم قال: {فَإنْ طَلَّقَهَا، فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإنْ طَلَّقَها فَلاَجُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]، فجعل ذلك إليهما، والتراجع المذكور فى حق الأمة، وهو العقد، إنما هو إلى سيدها، لا إليها، بخلاف الحرة، فإنه إليها بإذن وليها، وكذلك قوله سبحانه فى عدة الوفاة:{وَالَّذِينَ يُتَوَفُّوْنَ مِنْكُم ويَذرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فى أَنْفُسِهِنَّ بِالمعْرُوفِ} [البقرة: 234]، وهذا إنما هو فى حق الحرة، وأما الأمة، فلا فعل لها فى نفسها البتة، فهذا فى العدة الأصلية. وأما عدة الأشهر، ففرع وبدل. وأما عدة وضع الحمل، فيستويان فيها، كما ذهب إليه أصحابُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والتابعون، وعمل به المسلمون، وهو محض الفقه، وموافق لكتاب اللَّه فى تنصيف الحدِّ عليها، ولا يعرف فى الصحابة مخالف فى ذلك، وفَهْمُ أصحابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن اللَّه أولى من فَهْمِ مَنْ شَذَّ عنهم من المتأخِّرين، وباللَّه التوفيق.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس